Skip to main content

Full text of "أعداد سلسلة عالم المعرفة"

See other formats




د عوة إلى المو سيضى 


تأليف 


3 
5- 
ع8 
ات 
ُ 
5 
2 
3 
8 
2 
َ 
5 


سلسلة كب ثقافية شهرية يجدرها الميلس الوطنة للثقافة والفنون والآداب الكوين 


صدرت السلسلة فى يناير 1978 بإشراف أحمد مشارى العدوانى 1923 1990 


46 
دعوة إلى المو سيقى 








وجو 17 
المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس 





مقدمه 


كانت الموسيقى أنهارا تروي الأرض والناس»؛ 
ودماء تدفع الحياة فى قلوب البشرء وسرا يحكم 
الروح..كانت وحيا يرتفع بالإنسان ويجعل منه حكمة 
وعبقرية ووحدة. هي نبض الوجودء وإيقاع الأمل؛ 
وعزاء وبرد... هي هواية وحب لكل البشر... ترددها 
الطبيعة والتاريخ والأساطير والعقائد والأديان 
والكون والأحلام دون ما ضجر.. 

كيف يمكن أن يكون الإنسان عظيما أو مجيدا 
أو حاكما.. لمهنة أو حرفة دون أن يكون متذوقا 
للموسيقى5.. إنها تغمر جمود الحياة بالإنسانية 
والمرونة والعدل.. و.. فالمستمع المتدوق موسيقي 
مشترك في الإبداع: لأن هذا الفن لا يوجد إلا فى 
ضمير البشر وذاكرتهم. ولا يكون عذبا إلا عندما 
تربط بين الحاضر والماضي في لحن واحد 
متكامل.. 

كيف نحتاج إلى كتب لنتذوق الموسيقى وهي تنبع 
من داخل كياننا عندما نسمعها. من نيض قلوينا 
وأكاع خطر ها را رخاطنا بإيقاع الطبينه والكوق 
من حولنا.. 5.... ولكنه الضجيج والأحقاد وتلوث 
الطبيعة بالمدنية والكون بالأقمار الصناعية.. فلا 

كلنا تمص تمرك" الرسرشى الرضية بطي قود 
مثقفين ومتحضرين فتهالوا نحول الادعاء إلى 
حقيقة.. تعالوا ندرس جوانب التذوق الموسيقى 


دعوة إلى الموسيقى 


ونتعرف على مكونات الموسيقى وتعبيرها وتاريخها وأساليبها وملامحهاء 
فهي توحد المشاعر وترفع من قدراتنا وتزيد طاقاتنا وتبرز جوانب التفاؤل 
والعزاء.. 

لنتفق أولا على أن أعدى أعداء الفن الموسيقي هم تجار الموسيقى؛ 
الذين يقبل على تجارتهم كل مستمع دون عناء. وتسري السموم في أسماعهم 
وتختلط في كيانهم وذاكرتهم مع ما يآكلون ويشربون. ومع ما يؤدون في 
الحياة من أعمال تدنس الوجود .. إن الموسيقى لغة لا نقرؤها ولا نراها ولا 
نحسها مجسدة إلا في أعماقنا وضمائرناء فكيف نقبلها من الأميين: وكيف 
نتركها في أيدي تجار عابثين إلا إذا كنا نحن مشاركين في سخف الحياة 
وانحطاط السلوك وتلوث البيئة وتخلف البشرية. ١‏ 

لا يمكن أن يتكامل الحديث عن الموسيقى في كتاب واحد كهذاء ولا 
بجهد فدائي لصوت واحد يناديء ولكني أحاول أن أكمل طريقا قصيرا بدأ 
لقراء العربية منذ سنوات قليلة بأقلام نبيلة مهدت لي الطريق. 

ينبع هذا الكتاب من رحيق تجمع في ذاكرتي عبر سنوات عمري. ومن 
أفواه أساتذة وخبرات نادرة أعتقد إني كنت محظوظا بالحصول عليهاء 
وهو خلاصة لقراءات لا أستطيع حصرها بلغات ألمانية وإنجليزية وفرنسية 
وعربية. لذلك. فإن مراجعي الحقيقية هي ذاكرتي وكياني وخبراتيء أما ما 
تجدونه مدونا في آخر هذا الكتاب فهي المراجع التي حصلت منها على 
بيانات محددة, أو تواريخ: أو نصوص مختارة للتدليل من خطابات وأحاديث 
فلاسفة ومفكرين وموسيقيين. وقد انتقيتها لتلقي الضوء على جوائنب هامة 
في حياة المؤلفين: أو أساليب الكتابة الموسيقية؛ أو تفسير لبعض الغموض 
الذي يلف البناء الموسيقي من أجل تقييم حقيقي بناء.. 

يشتمل الكتاب أيضا في جميع أبوابه على ربط مقارن بين الفن الموسيقي 
والفنون الأخرى الأكثر شيوعا كالفن التشكيلي والشعر والأدب والعمارة 
والتاريخ: وتبرز هذه المقارنات بشكل خاص في «فصول العصور والأساليب 
الموسيقية». وقد تناولتها بدءا من العصر القوطي وحتى يومنا هذا .. والواقع 
أن الموسيقى المعاصرة واتجاهاتها العديدة قد لا تروق لأغلب المستمعين 
حتى في البلاد الأوروبية التي سبقتنا في مجالات الثقافة الموسيقية: ولكننا 
نستعرض جوانب عديدة منها كمعرفة هامة للمثقفين: ولأن ما يعرضه هذا 


مقدمه 


الكتاب منها قد لا تكون أقلام أخرى قد تناولته. وعن تذوق الموسيقى 
العالمية المعاصرة فلا بأس لو أمكن ذلك دون أن نقيس عليها إبداع عظماء 
القرون الماضية من المؤلفات الشامخة التى حكم عليها الزمن بالبقاء 
وأصبحت جزءا من تاريخ الحضارة ومفخرة للبشرية. 

قد يلحظ القارئٌ أوجه نقص عديدة فلا يغطى هذا الكتاب باستفاضة 
كافة جوانب الحضارة الموسيقية. ولكنى حاولت ذلك بطريقة أو بأخرى فلا 
يوجد موضوع عن القومية في الموسيقى على سبيل المثال؛ إلا أني تناولت 
القومية فى سير بعضص المؤلفين العظماء أمثال «دفورجاك». و«ددى فايا». 
ودبارتوك». وى مواقع أخرى كثيرة لأنه لا توجد فواصل تاريخية حاسمة 
الحديث وآخر رومانتيكيا في العصر الكلاسيكي أو في عصر الياروك.. 
هذا فضلا عن أن المدرسة القومية في الموسيقى العالمية قد تناولتها بكثرة 
أقلام عزيزة.. أما هنا فقد بحثت عن غير المألوف وأكملت ما أعتقد أنه لم 
يستوف بشكل كاف في المكتبة العربية. 

أعترف أني من أشد المعجبين بأعمال باخ+هايدن-موتسارت وبسير حياتهم 
الرائدة» ولكني لم أستطع أن أفرد موضوعا خاصا بكل منهم بل تناولت 
فلسفتهم وأساليب موسيقاهم في مواقع كثيرة مكتفيا بما كتب عنهم في 

وفي دعوتي إليك أيها القارئ العزيز اخترت موضوعات تهم الجميع في 
مجتمعنا العربي..-ما أهمية المايسترو5 وهل هو أسطورة أم حقيقة5-الإلهام, 
والموهبة, والوحي الموسيقي.. ! وهل هي مبرر للجهل والأمية بين عباقرة 
التأليف الموسيقيء؛ دون المساس بأحد من كبار الموسيقيين القريبين من 
قلوبناء ولكن بالعلم وحده وبالدليل نتحدث ونتحاور مع ضمائرنا دون أن 
نلغى عقولنا فى متاهات الأكاذيب.. 

ولم أتناول غير الهام والشائع من قوالب الموسيقى العالمية, بينما تعرضت 
في مواقع متعددة للقوالب الموسيقية البسيطة أو الأقل شيوعا-والتذوق 
الموسيقي يتطلب معرفة بأساليب وعصور الموسيقىء وبالقوالب الموسيقية, 
وتفسير وظيفة العقل والشعورء وسير المؤلفين الموسيقيين وظروف حياتهم.. 

تجنيت شرح المؤلفات الشهيرة كلا غلى حدة والتدرج بالمستمع من 


دعوة إلى الموسيقى 


الموسيقى السهلة إلى الأقل بساطة.. فذلك مدون على أغلفة الاسطوانات 
وأشرطة الكاسيت فضلا عن أن الموسيقى عبارة عن تعبير عام غير محدد 
تفصيلياء ولكنها حتى عندما تروى قصة لا تدخل في التفاصيلء؛ ولا ترسم 
صورة دقيقة من الواقع أو تفشي الأسرارء أو تدلي بالبيانات السافرة.. 
وحاولت جاهدا البعد عن كل ما هو علمى تخصصى ليكون كتابى هذا 
في متناول الجميع من مثقفين ومتعلمين وموسيقيين: وليلقى الضوء على 
وأساليبهاء ودور الموسيقى الوظيفي في الحياة. وتأثيرها على عجلة الزمن 
وحقيقة الأمرهو أن الكتاب يجب أن يقدم نفسه إلى القارئ وأن يشعل 
شرارة من التعاطف الفكري بينه وبينك أيها القارئ العزيز.. 
يوسف السيسي 


الندوق الموسبذي 


التذوق والفكر والأساليب الموسيقية 

تمثل الموسيقى قطاعا رئيسيا في حضارة 
الإنسان. وهي لذلك ترتبط به في رحلته الطويلة 
عبر الأجيال؛ ومن خلال التطور الحضاري الهائل. 
وهي تتشكل بالتبعية وفقا لملامح كل عصر وفكره 
وأحاسيسه ووفقا لملامح كل بيئّة. ولقد اعتبر 
أغلاطون الفن الموسيقي أحد المحركات الرئيسية 
السامية للبشر.. هي الصدق والحقيقة التي توجد 
منذ بدء الخليقة ومن خلالها عرف العالم النظام 
وتحقق له التوازن. 

وفقا لنظرية أغلاطون؛ نجد أن الموسيقى قد 
خدمت البشرية في تحقيق التوحيد بين أحاسيس 
البشر. ومختلف عناصر الحياة في المجتمع الواحد 
وبين المجتمعات المختلفة. وتمكنت من التعبير عن 
الفرد وعن الجماعة في تنسيق ووحدة. 

وفي الحضارة القديمة كانت الموسيقى وسيلة 
رئيسية للعبادة والربط بين الآلهة والبشر.. ونشر 
التعاليم والقوانين والفضيلة والتربية.. فضلا عن 
استخدامها في الحروب كوسيلة توحيد للمشاعر 
وشحن للأحاسيس ودفع للحركة البشرية وتنظيم 
لها.. وإلى جانب ذلك فقد صاحبت الرقص الذي 


دعوة إلى الموسيقى 


كان عنصرا في الطقوس الدينية والتقاليد الاجتماعية. 

وكان الشرق هو مركز الحضارات القديمة.. وعلى رأسها الحضارة 
الفرعونية.. إنها روح الشرق التي لا تتغير أبداء فقد ظلت منبعا خصبا 
ومصدرا دائما لإلهام الكثيرين من عظماء مؤلفي الموسيقى في كل بقاع 
العالم حتى الآن. 

لقد عرف الإنسان الأول المقامات والإيقاعات.. وتفوقت المدنيات القديمة 
في هذين العنصرين.. ولقد ظلا حتى الآن يمثلان أهم عناصر الموسيقى 
في كافة البقاع وفي كل الأساليب الموسيقية حتى بداية القرن العشرين. 
وقد بدأت الحضارة الموسيقية في مصر القديمة-كما نعرفها حتى الآن-منذ 
ما يقرب من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد.. بينما تركز اهتمام الغرب على 
الحضارة اليونانية القديمة (التي تطورت عنها الأساليب الموسيقية المختلفة 
في بلاد الغرب حتى يومنا هذا) فيما بين عامي ١200‏ و 146 قبل الميلاد.. 

وعند دراستنا لما حققه الإنسان من تقدم في إبداع الفنون ببلاد الغرب, 
نجد أن المنبع والأصل الثري لهذه المعلومات والخبرات هو ميرات الحضارات 
القديمة التي كان الشرق بوجه عام ومصر القديمة بوجه خاص مصدرا 
رئيسيا كبيرا لها.. ولذلك فإن تطور الذوق الموسيقي عند المستمع الذي هو 
إلى حد كبير التذوق الموسيقيء لا يرتبط بأسلوب عصر بذاته.. لآنه لا 
يوجد فن مستقل غير مرتبط بالميراث الحضاري للبشرية الذي نجد خلاله 
أصتلة لكل ها حاءغ بعدف وارتباطا وكيقا بسلسلة القطوو.يولقتن امتثرت 
اليونان القديمة بعصرها الكبير-كما كانوا يسمونه-حتى القرن الثانى قبل 
الميلاد مصدرا للحضارة الأوروبية الحديثة فى الفنون والآذاب والفلسفة.. 
وترقيط تون اثينا ارضاطا ونيها محا # مسب الوسيقية يرجه خا ص 
فقد استمدت أثينا موسيقاها وأغانيها من المصريين القدماء كتطعيم وإثراء 
ووسيلة تطوير وتحضر لموسيقاهم وفنونهم بوجه عام. 

عندما نتتبع العصور الموسيقية الرئيسية نجد بوضوح أن الموسيقى 
كوسيلة فكرية للتعبير تتجسد في مبادئ وقوالب موسيقية متعارف عليها. 
وتكون جديدة في كل من هذه العصور ومميزة له. 

ولتحقيق أهم عناصر التذوق نربط بين الأسلوب الموسيقي الذي يميز 
العمل: وبين الخلفية الثقافية للعصر الذي نبع منه وتفجر عنه.. لأن مميزات 


التذوق الموسيقى 


المجتمع السائدة وعلى وجه الخصوص, المميزات الفكرية والثقافية. تكون 
عادة هى نفس السمات التي تنطبع على العمل الموسيقى المنتمى إلى هذا 
العصر أو ذاك. 

ولقد اختلف العلماء والفنانون طويلا في تعريف كلمة «أسلوب».. أو 
«الأسلوب الفني».. إلا أنه على أي حال يشتمل على «نوعية القالب-الأفكار 
التى تميزه-الإيقاعات-الألحان ومقامياتها-المعالجة العلمية سواء أكانت 
بوليفونية أو هارمونية». ولعل ما ذكره الموسيقي العظيم «باخ» تعريفا للأسلوب 
الوجه والقسمات والسمات المادية للانسان.. فما بالك يملامح الروح.. 9 

ولا يوجد خلاف على أن معرقة الخلفية الثقافية للموسيقى تمثل عاملا 
هاما في إثراء الخبرة التى يكتسبها المستمع.. وهذه الخلفية ترتبط بثقافة 
والمفاهيم.. و ينمو التذوق و يطرد .. 

وحتى نتفهم ونحس بأساليب العصور الحديثة أو حتى أساليب القرن 
الثامن عشرء لا بد لنا من العودة إلى الجذور التى نمت وترعرعت عنها 
هذه الأساليب.. ولذلك فإن أي دراسة-ولو بسيطة لموسيقى الحضارات 
يعيد نفسه.. والإنسان هو التاريخ فى أجيال متعاقبة.. الموسيقى والفن 
والإنسان والتاريخ وحدة لا تتفرق ولا تتجرا.. 

إن دراسة سائر الفنون وخاصة التشكيلية والمعمارية منها. تربيط بين 
موسيقى كل عصر وفنونه المختلفة بشكل مجسم.ء وتمد الإنسان بصورة عن 
الروح الخلاقة المبدعة للبشرية فى هذا العصر أو ذاك.. والموسيقى بالذات 
في القرخ الذى ونال عتضر القعرل الوخناتى :فى تقتوى الأضماخرغير االمممون 
والحضارات. 

والخيرات الموسيقية السمعية التى يكتسيها المستمع تلعب دورها الهام 
لا فى متعته الثقافية والحسية فحسبء. بل أيضا تمثل أساسا لتشكيل 
مستويات ذوقه وإحساسه بالحضارة والفن والتاريخ.. ومدى تجاوبه الإنساني 
مع الحياة.. وهذه الأحاسيس هي التي تضمن للحياة الاستمرار في الطريق 


دعوة إلى الموسيقى 


الأفضلء والتجديد.. وقبول الجديد غير المألوف.. والتمييز بين العظيم 
والجميل؛ والسخف والابتذال.. دون تخلف يؤدي إلى انهيار لحضارة أو 
دفار لأجيال.: 

من خلال الفنون الإنسانية نتمكن من معرفة قوة الخيال وصراع الأفكار 
المثيرة.. وأهم من ذلكء نتمكن من استشفاف الطاقات الخلاقة الكامنة في 
روح البشر.. ومما لا شك قيه أن الاستماع باستغراق للموسيقى هو ببساطة: 
متعة شخصية؛ كما هو الحال في علاقة الإنسان بالفنون الأخرى. إلا أننا 
فقون التعدت فق وبعيلة القرس للتطاءا بميع الكفون الأنيا نيا التحميلة لد 
قيها ضمها حفيقيان وموكبوها يكرن ساد للبنضة اللوسيقية ويف عياض 
قيما جمالية.. وهذا هو التذوق من خلال جماليات الفن.. أي التذوق من 
خلال تفهم غن المؤلف؛ والتجاوب الحي الإنساني لعناصر التعبير الموسيقي 
مكل اللعن والهارموتي والأبقاع والقالب». وعلى هذا يمكننا #لخيطن عملية 
اقح التكماتية لمر يات بايا تخي ميق دوه اميتي ان الوزام 
وتتضمن الفهم العقلي والتجاوب العاطفي. 

وهذا بالطبع ينطبق فقط على الفن الجيد .. أما ما عدا ذلك فهو يؤدي 
إلى سكس جنذه التعا تع ظللؤنريقى القينة الف تسكن إلى اق عضر كان 
تعروان مموراث تعينة للخرفية مؤلقهاء ولقظاء كيرد ولطريقة استعمالة 
وتنظيمه لخبراته وما اكتسبه من أحاسيس وانطباعات.. وعلى ذلك فإن 
هذه الأعمال تمدثا كمستمعيق بتلك المعاتي والأحاسيس وقققل إلينا هذه 
الخبرات من خلال الاستماع الذي نكرره مرات عديدة. وهذه الخبرات 
تمدنا بنظرة أكثر شمولا للحياة بما تتضمنه من لحظات مرح وسعادة 
وأسى وألم.. وتربطنا بالله والكون والحب.. بل وبالموت. إنها شحنة فكرية 
عاطفية لصراع الإنسان مع الحياة.. وما تحقق له منها على مر الأجيال.. 

عندما نستمع جيدا إلى الموسيقىء فإننا نحصل على المتعة بطرق متعددة, 
فمثلا تستهوينا البراعة الفائقة التي يؤدي بها عازف منفرد جملة موسيقية 
معلادة عل ولشمن بالاتبهان:ونغارك العداق الحاوف عورم بالشوف 
والحذر أثناء الأداء. 

وننتشي عندما نستمع إلى تآلفات هارمونية مثيرة ذات أبعاد سمعية 
وظلال وألوان معبرة.. 


التذوق الموسيقى 


كما تغمرنا السعادة ويشتد بنا الارتباط بالموسيقى عندما نتابع بناء 
لجملة موسيقية ينمو باللحن مطردا نحو ذروة يبلغ فيها التعبير والانفعال 
قمته.. فنشارك بنبضات قلوبنا هذا البناء لذروة الانفعال الذي يتجلى 
واضحا قرب ختام الأعمال الكبرى كالسيمفونيات مثلا.. 

ورغم أن هذه المواقف الموسيقية تستهوينا بما نحصل عليه من متعة 
فنية؛ فإن هذه الجوانب من التعبير الموسيقي لا يجب أن تشغلنا عن ما هو 
أهم من ذلك.. وهو الفكر الكامن وراء العمل الفني.. وهذا الفكر يتمثل في 
جوانب كثيرة جمالية فلسفية وبعضها موسيقي علمي بحت.. 

إذا ما أردنا أن نبحث فضي المعنى الذي تتجسد فيه الأصوات الموسيقية 
وجدنا أن الأصوات في الموسيقى تقابل الكلمات في اللغة وبالتالي فإنها 
تقابل الكلمات في الفنون التي تعتمد على اللغة في وجودها أساساء وضفي 
وسيلة تعبيرها بوجه عام.. والكلمة كما نعرف هي التي تحمل المعنى والفكر, 
وهي وسيلة تناقله بين البشر.. وبالتالي فإن الأصوا تأي الموسيقى-تشارك 
اللغة فى نفس الصفات الفكرية عن طريق مفرداتها اللغوية أو الصوتية 
العو كاتسيلة ف لادب والشعر تقابلها الجملة الموسيقية المكونة أيضا 
من عرض لفكرة تطرح للبحث والتفنيد والتفاعل. 

وعلى ذلك فإن المعنى في الفن الموسيقي تحمله الآلحان أو ما يسمى 
بالمواضيع أو الأفكار الموسيقية التي يبنى عليها العمل الموسيقي. وهذه 
الأفكار أو الألحان هي التي تتكامل في نسيج لحني وبناء انفعالي ليكون 
الموضوع العام الذي يحمل أفكار المؤلف وأحاسيسه ومضمونه العام في 
عمل كبير متكامل. 

وعندما نستمع إلى أداه جيد لعمل موسيقيء فإننا نتجاوب معه عاطفيا 
لما يحركه في نفوسنا من أحاسيس. وبعض هذه الأحاسيس تحركه فينا 
أصوات الآلات النحاسية مثلا. وهى تعلن عن ذروة فى بناء اللحن.. وأحاسيس 
اأخرى تمر كينا ممع اضبوات إيقاضية درقيط ينيكياتكلويتاء ومشاعر 
أخرى تطفو في نفوسنا مع لحن هادئ يعبر عن السلام والحب مثلا.. 
وعلى ذلك فإن التجاوب البشري للأداء الموسيقي يرتبط بنوعية الأداء 
ويكتلف ب راختلاف الظروق الحيظة بالسضع لأن التصير الفاظفي للتجاوب 
الإنساني مع الموسيقى هو عامل هام في تعميق أحاسيس ومفاهيم البشر 


دعوة إلى الموسيقى 


وفي تحريك مشاعرهم وسرعة استدعائها من أعماق نفوسهم.. وكل ذلك 
يزداد قوة وعمقا باطراد زيادة الخبرة في الاستماع والتذوق الموسيقي. 

التعبير الموسيقي الكامل والخلاق يشتمل على مكونات وعناصر كثيرة 
من أهمهاء كما ذكرنا: اللحن-التركيب الهارموني-الإيقاع-والقالب. والتذوق 
يتطلب تفهما لهذه العناصر وتدريبا على الاستماع إليها . فعلى سبيل المثال 
يبدأ المستمع العادي في استكشاف هذه الملامح الجديدة بعد أن يستمع إلى 
القطعة الموسيقية لمرات عديدة. ويتمكن تدريجيا من التفريق بينها. ومن 
ربطها باللحن الرئيسي للعمل. ومن هذه العناصر التي تثري التعبير الموسيقي 
وتحدد ملامحه: السرعة-أنواع الآلات الموسيقية أو الأصوات البشرية 
المشتركة في الأداء-والآنماط والنماذج الإيقاعية.. هذا فضلا عن القالب 
الموسيقي.. وهو الشكل والإطار الذي يضم التنظيم العلمي والجمالي للأفكار 
اللحنية ومعالجتها .. أي الشكل الذي يشتمل على المضمون.. كل ذلك تتحقق 
الخبرة في تذوقه واستقباله سمعيا كجزء من الكل الموسيقي.. 

يتحقق المعنى الموسيقي ويتضح للمستمع من خلال الأحاسيس.. التي 
تكمن بين ثنايا الأنماط الموسيقية المختلفة وتختلف باختلاف نوعياتهاء 
وباختلاف العلاقات بين الأصوات والتركيبات السمعية.. 

ويتباين ثراؤها وفقا لتباين التنظيم الداخلي للأفكار الموسيقية؛ أي 
وفقا للقوالب الموسيقية المختلفة. 

والمعنى تحمله أفكار المؤلف وطريقة معالجته لها بالصنعة والحرفية 
الموسيقية المتاحة له. وعلى ذلك؛ فإن استشفاف هذه المعاني يقع على عاتق 
المستمع ودرجة التدريب الحاصل عليه والخبرة التي يكون قد اكتسبها حتى 
يتمكن من التحقق من الأفكار اللحنية في العمل الموسيقي المعين. وكيفية 
تنظيمها وترتيبها في النص الموسيقي. فالقالب الموسيقي هو تجسيد للأنماط 
والنماذج التي ينظم المؤلف خلالها مواده اللحنية ويرتبها في معنى درامي 
انفعالي يتضمن عرضا وتفاعلا وحلا لذروة الانفعال وما إلى ذلك من 
عناصر عرض اللحن-الفكرة الموسيقية-ومعالجته. 

إن كل عصر له قوالبه المميزة التي ترتبط بالفكر والمجتمع والتقاليد 
والسياسة ونظام الحكم والدين السائد فيه. وكل قالب موسيقي له وسيلة 
أدائه الخاص التي ترتبط أيضا بتقاليد العصر المميز له. وبمدى التطور 


1“ 


التذوق الموسيقى 


الموسيقي العلمي السائد فيه: ومدى تطور صناعة الآلات الموسيقية 
ونوعياتها.. بعض هذه القوالب مثل الموتت :110:6 والقداس 11355 والأغنية 
الشعبية» والترنيمة صم:13 والمادريجال 1120:1801 تكتب أساسا للصوت 
البشريء. وبعضها لحري الأوبرا والغنائية (الكنتاتا), والاوراتوريو. تكتب 
لمزيج من الآلات الموسيقية والأصوات. أما القوالب الآلية الصرفة فتتضمن 
الستمفونية: لسر الف الفوجه. الكونشرتوء المتتالية, والتركانا 00 

ومن خلال هذه القوالب؛ يفرغ المؤلف شحنة أفكاره الموسيقية في صورة 
مواد لحنية متعارضة: أى ذات علاقة ذهنية فكرية حوارية ية. تماما كما 
يحدث في اللغة.. فالحروف والكلمات لا تعطي معنى إلا بعد أن تصاغ في 
صورة متعارضة؛ أي في علاقة منتظمة مع بعضها وفي شكل بناء لجمل 
لغوية.. وهذه بدورها تكون مقاطع وأجزاء تتعارض وتتكامل مع أجزاء أخرى.. 
وهكذا حتى يتكون ويتشكل القالب أو الشكل؛ الذي يضم في إطاره المضمون 
الفكرى.. ونفقس الشيه في الموسيقى.. قبالنسبة للمؤلف الموسيقي: لا 
تشكل الأصوات الموسيقنية يذ مننانى فاقينة يداتها أو فا متجردة: 52 
تحقق المعنى الموسيقي عندما تتشكل في علاقات مع بعضها.. وتكون هذه 
العلاقات بالضرورة متعارضة.. لأن المعارضة هي معنى الحياة.. فلا توجد 
نظرية دون نقيضء ولا سالب دون موجب. ولا ليل دون نهارء ولا خير دون 
شرء ولا أسود دون أبيضء الخ.. 

يمكن كل ذلك أن نعرف التفكير الموسيقي بالنسبة للمستمع على أنه 
متابعة لفكرة أو أفكار. وتكرار لهذا العرض؛ ثم متابعة لتحولات ودراسات 
على هذه الأفكار. كل ذلك في إطار الشكل الموسيقي العام المسمى بالقالب 
مثل: السوناتة والكونشروتو والقصيد السيمفوني... الخ. 

وأهم وظائف الاستماع والتتذوى [للوسسيقي يهو التذكروعادة تذكر الألحان 
وتطوراتها.. وربطها ببعض عن طريق ذاكرتنا الموسيقية أيضا.. ولعله من 
الضروري أن يعرف القارئ يقينا أنه لا يمكن الاستماع 8 الموسيقى بشكل 
عقلى تحليلى جامد وبارذ حسيه بل يج لووك الأنكماء استشفافت 
الحياة الكامنة وراء الأفكار الموسيقية في نموها وبنائها وتشكيلها للتوتر 
وعقدة الانفعال.. أي ذروة الانفعال.. وقمة التعبير؛ وأيضا في الحل والراحة 
والهبوط من القمة. وهي الروطة الفى فى الااتفعال. وكذلك التتاغرات التي 


دعوة إلى الموسيقى 


تعقبها توافقات.. بحثا عن الهدف النهائي.. الختامي للحن. 

واعلفدمن اللمكم أن شرف يكن الوساكل الركيسية الكن يمر خلانينا 
اللحن في عمل موسيقي حتى نتمكن من متابعة مضمونه وفهمه كمستمعين 
ذواقين: 

-١‏ عرض الألحان في تقابل وتعارض وتبادل وتوافق وتوازن. 

2- التنويع في اللحن بالتطوير والتحولات اللحنية والهارمونية والتلوين 
الأوكستوالي: 

3 أشاليي التقليد المباشروغير المباشر فى اتخطوط الوسيقية المحتافة: 

4- تنميق وزخرفة الألحان. ا 

أما عن الأسلوب 5116 فإن إحدى تعريفاته المقنعة تقول: «هو الوحدة 
الواضحة التي تضم مميزات الأعمال الفنية؛ أو إنتاج الفنانين المنتمين إلى 
عصر واحد .. وبيئة واحدة أو بيئات متقاربة». 


الموسيقى فن العقلاء 

يشترك كل ص المؤلف والمؤدي (العازف أو المغني أو القائد)؛ والمستمع.. 
في خاصية الإبداع الموسيقي.. لان ثلاثتهم يشتركون في خلق العمل الفني؛ 
وإخراجه بطريقة أو بآخرى.. فالمؤلف يقوم بعملية الإبداع الأولى.. ويجيء 
الدور على الأداء.. فيقوم العازف مثلا بإعادة الخلق والإبداع للحن الذي 
وضعه المؤّلف.. والذي لا يوجد ولا يسمع بدون العازف.. والأداء هنا هو 
اشتراك في الإبداع مع المؤلف.. لأن اللحن يخرج إلى السمع من خلال 
العازف وفهمه وتكوينه وتجاوبه العصبي والحي.. وأخيرا فإن المستمع يشترك 
مع كل من المؤلف والعازف في عملية الإبداع الموسيقي.. فهو الذي يتلقى 
هذه الأنغام بسمعه.. وبأحاسيسه وفهمه.. وهو الذي يحكم على جودتها 
وفقا لتكوينه وظروفه. فهو لذلك يشترك في عملية الإبداع الموسيقي. 

إن هذا الفن السمعي العظيم.. هو الوحيد بين الفنون الذي لا يوجد إلا 
بثلاثة.. هم المؤلف والعازف والمستمع.. ولا تكون له قيمة على الإطلاق عند 
تغيب أي من هذه العناصر الثلاثة. وفي بعض الأحيان يكون المؤلف هو 
نفسه العازف.. وهذا لا ينفى أن عمل المؤلف يمر حتى فى هذه الحالة 
سيناتين. هيا الثاليف رإعادة القاليخه آي القداء, ا 


106 


التذوق الموسيقى 


العقل هو وحده الذي يتحكم في عملية الإبداع الموسيقي بجوانبه 
المختلفة.. والعقل هو وحده الذي يتحكم في الإحساس وفي الذاكرة وهو 
وحده الذي يفرق بين الإنسان والحيوان.. فما بالكم بالإنسان الفنان.. لا بد 
أن يكون له عقل متكامل.. 

والإلينام بالمعنى المتداول.. يلفى العقل .و يفرطن سيطرة الغيبيات: يقال 
وبمجرد أن يتمكن المستمع من الوصول إلى المعنى الموسيقي.. فإنه يصبح 
قد خطا في الطريق المؤدي إلى التعرف على الأساليب الموسيقية المختلفة 

الصوت الموسيقي هو الأساس الذي تبنى عليه نظرية «اللغة العالمية 
للموسيقى».. وبخلاف الصوت فإن هناك قانون التنظيم الداخلي للبناء 
الموسيقي.. وأيضا توجد قوة التأثير الموسيقي على المستمع:؛ التي تحرك 
فيه المشاعر وتفجر الأحاسيس وتستدعي الخبرات والتجارب.. وتعيد الذاكرة 
فيما يختص بأحداث وأحاسيس ترتبط باللحن موضوع التذوق. 

والعصر يطبع اللحن بيصمة معينة تميز التشكيل العلمي والوجداني 
التلقاثي له؛ الذي يتجسد في الأنماط والقوالب الموسيقية.. وإلى جانب 
العصر.. فهناك البيئة التي تلعب دورا ركيسيا في تكوين وتشكيل عقل 
المؤلف نفسه وحسه الموسيقى. 

وفي الواقع. فإن سمات مميزة عديدة تظهر في فنون كل عصر وتوحد 
بين ملامحها العامة وأسلوب بنائها وفكرها. وأيضا تعبيرها .. وهذه السمات 
هى التى تميز ما يسمى باللغة الموسيقية لهذا العصر أو ذاك. إن هذه اللغة 
تضم بين مغروداتها الموسيقية مقامات معينة ترتبط بالعصر: وثالفات 

وبتفهم وسائل التعبير الموسيقي العام لكل عصرء يتمكن المستمع الجاد 
من متابعة أي عمل موسيقي ينتمي إلى أحد العصور الموسيقية الرئيسية. 
وبإيجاز تام؛ فإنه سيعرف مقدما الكثير عما يستمع إليه. حتى ولو كان هذا 
الاستماع يتم لعمل موسيقي لم يتعرف عليه من قبل. ويجعل الإنسان أكذوبة: 
بلا إرادة ولا وجود .. وكم سمعنا وعايشنا مؤلفي الموسيقى.. وهم يجاهرون 
بآن الموهبة وحدها والإلهام البعيد عن التحكم والمتابعة وراء خلق هذا 


17 


دعوة إلى الموسيقى 


اللحن العظيم أو تلك الدرة الموسيقية.. وهم قد يكونون صادقين.. ولكنهم 
إن صدقوا .. غلا يمكن أن يكون إبداعهم الموسيقي سوى خرافة وجنون.. 
ولا تكون مؤلفاتهم سوى تخلف وبدائتية وانحطاط. ومن البديهي أن هذا 
الطراز من الموسيقيين: هم فقط ذوو الثقافة الموسيقية الضحلة.. إن كانت 
لديهم ثقافة على الإطلاق. وللأسف فإن هؤلاء يسمعون أنفسهم ويتخيلون 
المجد والإبداع.. ويحكمون على عبقرياتهم بآذان عفنة ونفوس مريضة. 

الإلهام إن وجد .. هو وليد العقل والسيطرة والتحكم.. وهو وليد الدراسة 
والثقافة. أما الذاكرة الموسيقية: التي هي العقل الموسيقي:ء والإلهام بمعناه 
العلمي فهي التي تحفظ الثقافة والخبرات والقدرات في العقل الباطن 
للفنان. وهي التي تؤلف ما يريد من ألحان بمجرد تفكير المؤلف فيها 
واستدعائه لذخيرتها العلمية والحسية.. وليس الحس سوى انطباع عقلي 
مصحوب بالخيال. 

تفشت عادة تعاطي المخدرات بين طبقة من الموسيقيين بهدف الإبداع 
الموسيقي.. في الوقت الذي يجب أن يتناول المؤلف المنشطات لمراكز العقل- 
وأقول ذلك مجازا-تلك المراكز التي تتحكم في الحس والشعور والذاكرة.. 
وعندما نلغي نشاطات العقل.. فإتنا نلغي الإمكانيات الصحية للتأليف 
الموسيقي و يصبح الإلهام خرافة وتخلفا وأكذوبة وتعفنا.. 

هناك تجارب عدة قام بها الزمن والتاريخ.. وراجعها العلم.. والإنسان.. 
هناك موسيقيون عظماء أمثال (شومان) و(سميتانا).. كتبوا كنوزا للتراث 
الموسيقي الإنساني العالمي.. ثم مرضوا.. واختلت عقولهم !!.. استمروا في 
الكتابة الموسيقية.. قاض أمامنا الفارق بين مؤلفاتهم وهم ا 
وإبداعهم الناتج عن الإلهام المجرد. دون تدخل صحيح من العقل البشري- 
الذي كان قد أصبح عليلا-ودون مراجعة من القوى العقلية الواعية.. ودون 
ذاكرة مكوية سايمةء كماذ) يكن أن تكوق مالفاهيم هناد ؟. 

الذاكرة هي أساس لكل أنواع النشاط والممارسة الموسيقيين. من الواضح 
والبديهي أن كلا من التأليف والأداء. وحتى الاستماع؛ يعتمد على الذاكرة. 
فالمؤلف لا يستطيع كتابة أبسط الجمل الموسيقية بفاعلية ذات تأثير إذا لم 
يكن قد سبق له الاستماع إلى مكونات هذا اللحن وتتابعاته الصوتية 
والإيقاعية والهارمونية.. الخ. وإذا لم يكن بالتالي قد تمكن من اختزانها 


التذوق الموسيقى 


في عقله الباطن لتكون تحت الطلب عندما يستدعيها عن طريق الذاكرة.. 
ويتم ذلك عن طريق اللاشعور.. فيتذكرها المؤلف (أي مكونات اللحن) في 
علاقات وارتباطات جديدة.. حسب التشكيل الجديد للموسيقى التي يكون 
بصدد كتايتها. 

والعازف. بالمثل تقوم ذاكرته بتوجيه أصابعه.. ويتولى هو استدعاء ما 
يكون قد استمع إليه ودرسه من قبل.. وتكون عملية الاستدعاء هذه هي 
إعادة خلق اللحن الذي يقوم بأدائه. لأنه يعيد عزفه من خلال ذاكرته 
وفهمه وإحساسه.. ومن خلال ظروف مختلفة للذاكرة وارتباطاتها النفسية 
والفسيولوجية بجسم الإنسان ونفسه ومحيط حياته؛. وسرعة تجاوب جهازه 
العصبي. 

أما المستمع.. الذي من أجله يتم كل شيء.. وبدونه لا شيء يوجد. 
المستمع هذاء لا يستطيع مثلا أن يغني لحنا ما.. ولا يستطيع أن يستمتع 
بأي موسيقى يكون قد استمع إليها من قبل ما لم يتمكن من تذكر هذا 
اللحن بدرجة مطابقة لواقعه؛ أو أقرب ما تكون إلى هذا الواقع.. وأكثر من 
ذلك؛ فإن عملية الاستماع؛ حتى إلى لحن جديد .. لا يمكن أن تتخللها متعة؛ 
ما لم يكن المستمع متمكنا بذاكرته (أثناء الاستماع) من ربط ما يستمع إليه 
بالمكونات الموسيقية التي يكون فد تعرف عليها مرات عديدة قبل ذلك.. من 
مكونات مقامية إلى إيقاعية إلى تلوينات اوركسترالية» إلى آخر إمكانات 
الفن الموسيقي العلمية والوجدانية. 

ومن كل ذلك؛ يتضح لنا أن الذاكرة الموسيقية هي الأساس الأول للكيان 
الموسيقي متمثلا في التأليف والأداء أو الاستماع. إن الذاكرة لا تستطيع أن 
تعمل أو توجد بدون ارتباطات وعلاقات. أي إن عملية الاستدعاء للأفكار 
أو الألحان هي التي تؤدي إلى تذكر الأشياء.. فالارتباطات: والعلاقات بين 
الأشياء هي وسيلة الذاكرة إلى النشاط والعمل.. وعلى سبيل المثال فإن 
صوت جرس المدرسة قد يعيد إلى ذاكرتنا مشهدا من حياتنا المدرسية ربما 
مرت عليه أعوام طويلة. وبوجه عام فإن الليل يذكرنا بالنهار. والأبيض 
بالأسود .. والعاصفة بالهدوء.. أي إننا قد نذكر الشيء بنقيضه.. مثل السكر 
والملح.. وقد نذكر الشيء بالشيء المماثل.. فنذكر أن فاكهة حلوة المذاق 
ونتذكر مذاقها عندما نراها أو نسمع عنها أو نرى الغير يأكلها.. وكذلك.. 


نا 


دعوة إلى الموسيقى 


فإننا نتذكر اللحن عندما نستمع إليه.. أي إننا نذكر الشيء بالشيء.. وقد 
نتذكر لحنا عندما نستمع إلى صوت آله موسيقية معينة تكون مشتركة في 
أدائه.. الخ. 

ورغم أن الذاكرة الموسيقية توجد عند القلة بشكل قوي في فترات 
معينة من العمر ومن تجربة الحياة.. فإن القاعدة العامة هي أن هذه الذاكرة 
يتم تكوينها وتدريبها وصقلها .. والوصول بها إلى مستوى جيد يمكن صاحبها 
من الاعتماد عليها في التأليف والأداء أو الاستماع.. وهذا التدريب والتكوين 
للذاكرة الموسيقية يتم فقط. عن طريق متابعة تقديم المعلومات الموسيقية 
(في أي صورة من أشكالها) بانتظام وبوعي كامل (أي بالعقل الواعي) إلى 
العقل الباطن (غير الواعي).. حتى يقوم الأخير باختزانها.. والسماح لها 
بالخروج بمجرد الاستدعاء.. أي بمجرد أن يحاول الإنسان تذكرها. 

عندما أصيب (شومان) بمرضه العقلي الذي أدى به إلى الحياة في 
مستشفى الأمراض العقلية حتى آخر أيامه. كتب مجموعة من «التويعات 
لآلة البيانو». وكان وهو يؤلف هذه الموسيقى يقفز من فراشه أثناء النوم بعد 
أن توقظه خيالاته. «أجمل ألحان الملائكة». «وحي إلهي من السماء».. ويجري 
إلى الورق ليدون إلهامه؛ الذي قال وكتب أنه أجمل موسيقى عرقتها البشرية: 
و يتضح أن الألحان التي قال عنها مؤلفها (شومان) أنها «أجمل ألحان 
الملائكة».. لا تزيد عن أن تكون ألحانا للشياطين.. لآن العقل مريض.. 
والذاكرة الموسيقية مشوشة.. تماما كما يروي عبافرة كثيرون لا يعلمون 
ماذا يفعلون.. 

ومن مؤلفات شومان وهو مريض-وهي ليست للنشر ولا للأداء-لحن 
مشوه.. باهت.. ولكنه إعادة فقيرة تنقصها الذاكرة: لإحدى مؤّلفاته العظيمة 
التي كتبها قبل مرضه. 

وهذا نموذج واحد.. يوضح لنا أن الإلهام الحقيقي هو الذي يكون فيه 
الذكاء والعقل الواعي متحكما في كل ما يبدعه الفنان.. وقد يكون هذا 
التحكم تلقائيا نتيجة للمقدرة والتدريب الواعي الذي يكون (اللاشعور) قد 
اختزن خلاله المعرفة والإمكانيات, والمقومات التي تؤدي-عند استدعاتها- 
إلى تيار متدفق.. من الإبداع الموسيقي الخصب.. 

أما الوحي.. والإلهام المجردان من مراجعة العقل.. فإنهما جنون.. 


التذوق الموسيقى 


ومرض.. وتخلف. 

إن موسيقى شومان وهو مريضء. تضمنت لحنا واحدا سليما من الناحية 
العلمية.. أي سليم في تركيبه.. لآنه يبدو أن مخزون عقله الباطن من 
العلوم والتجارب الموسيقية قبل مرضه؛ قد سمح لعقله الواعي ببعض الشيء.. 
ولكن حتى هذا اللحن خرج فقيرا في إنسانيته.. خاليا من كل نفحة حياة.. 
لأن هذه الشعلة المقدسة التي تلهب الإبداع الموسيقي بانفعال الحياة.. قد 
انطفأت بعد أن أصبح العقل عليلاء والإحساس وهما.. قد يقترب من 
الحقيقة والواقع لحظة؛ ولكنه يبعد عنها سنوات.. 

وفي المكتبة القومية بفيينا .. توجد صفحتان من مدونات بخط يد المؤلف 
الألماني العظيم «اوجوفولف» الذي عاش فترة من حياته في مستشفى 
الدكتور-«سفتلتج» للأمراض العقلية.. وقد قرر علماء النفس الموسيقيون 
أن حالته تمائل حالة شومان.. فأعماله وهو مريض بدائية فقيرة.. مهزوزة.. 
بينما كان يعتقد أنها.. إلهام إلهي نادر.. 

هذا هو نتاج العقل الباطن الذي يعمل بدون تنسيق من عقل واع صحيح.. 
بل مع ذاكرة مختلة وذكاء مهدوم. 

أما المؤلف التشيكي القومي العظيم «سميتانا» فقد كانت حالته تثير 
الآسى.. لآنه عاش العشر سنوات الآخيرة من حياته أصما-مثل بيتهوفن- 
ولكنه في العامين السابقين لوفاته؛ فقد عقله. وحاول أن يكمل أحد أعماله 
التي كان قد بدأها قبل مرضه. وكتب لأحد أصدقاته: (إني أكتب الموسيقى 
الآن لسبب واحد فقط.. وهو أن يعرف الناس ماذا يمكن لمختل مثلي أن 
يكتب وحتى يكون ذلك تسجيلا مفيدا لغيري».. 

وبالطبع.. فإن الصفحة الأخيرة من هذا العمل الذي كان أوبرا «فيولا».. 
هي تسجيل بشع لنهاية موسيقي عظيم.. فقد كان لا يفهم النص الشعري.. 
ولا يعرف هل يكتب عملا للأصوات أم للآلات. 

الخلاصة.. هي أن الموسيقى فن العقلاء.. بل هي قمة الفكرء ولذلك 
فهي قمة الشعور والأحاسيس.. فلا يوجد إحساس ولا عاطفة إلا وخلفهما 
عقل محرك واع سليم.. وطالما قرره«برامز»-الذي عاش في القرن التاسع 
عشر.. عصر الرومنتيكية-أن الموسيقى هي فن العقل فقط.. وبالفكر والتحكم 
العقلي.. تحمل الموسيقى إمكانيات العلوم.. التي هي هرمونيات جميلة 


دعوة إلى الموسيقى 


معبرة.. وإيقاعات نابضة بالحياة.. وقوالب معمارية متناسقة:؛ وألوان 
أوركسترالية عميقة.. رائعة.. أي أنه بالفكر وحده تغني الموسيقى نداء 
القلب وأنشودة السلام.. 

وقبل أن ننتقل إلى موضوع جديد يرتبط أيضا بالموهبة والإلهام وصفة 
الكتابة الموسيقية أرجو أن أشير إلى أساس الإلهام وأساس الوحي-لو جاز 
التعبير-وهو الخيال. فالمؤلف الموسيقى يتمتع بخيال خصب يجعله يرسم 
بخياله اللوحات الموسيقية ويستمع إليها داخليا. في يقظته وفي نومه ودون 
أن يستعين بآلة موسيقية. وهذا الخيال هو بالفعل حالة دائمة مستمرة 
ترافق الفنان وتظل معه حتى تتبلور خيالات المؤلف فيما يسمى بالإلهام 
الذي يؤدي إلى إبداع المؤلفات الموسيقية. ومن المهم أن أوضح أن الدراسة 
والعلم والحالة الذهنية الصحيحة هي التي تؤدي إلى الخيال الخصب. لأن 
الخيال يرسم صورا ويضع تخطيطا للمؤلفات., وينتقى القفلات وذروة 
الانفعال و يؤدي إلى الرنين والاستماع الداخلي. ويحول صورة الطبيعة إلى 
عالم هائل من الأصوات, و يبني من الموسيقى ذروة اتصال والهام وإبداع» 
ولا يمكن أن يكون كل ذلك جميلا وسليما إلا إذا كان العقل يحتفظ بخبرات 
سابقة مدروسة ومنظمة,؛ فالخيال الإنساني صورة متجددة لما يستدعيه 
العقل من الخبرات المختزنة في اللاشعور. فالشيء بالشيء يذكرء وأحيانا 
والعلم والمنطق الذي ينظم الأحداث والرؤى في الخيال و يؤدي إلى لحظة 
الإلهام. وهي لحظة تتبلور فيها المشاعر والخيالات المحكومة بالخبرات 
السابقة وبالذاكرة إنها عملية شديدة التعقيد في تفسيرهاء ولكنها بسيطة 
عبقرية ملهمة بالخيال الموسيقي المتموج في كيان المؤلف والعازف والمستمع. 
وكما أن العقل السليم في الجسم السليم: فإن الخيال السليم لا يكون إلا 
بالعقل السليم والعلم. 


محاولة لكشف الفموض عن الحرفية المو سيضية 
يقوم الإبداع الفني دليلا على العبقرية والعظمة؛ ولكن هذا الإبداع أو 


ذاك قد يكون كما بدون جودة؛. وقد يكون جودة دون كمء لذلك فإن الإبداع 
لا يكون عبقريا إلا إذا امتزج بما يسمى بالموهبة؛ فالموهبة؛ أو الاستعداد 


التذوق الموسيقى 


الفني» تساعد على إبداع فني عبقري بصرف النظر عن عنصر الكم. 

الفنان الموهوب قد يبدع كما هائلا من الإنتاج الفني؛ وقد يكون مقلا 
في إنتاجه. وحسبه ما يتمتع به من النوعية الجيدة الملهمة. ومن ناحية 
أخرى فإن الفنان الذي لا يتمتع بموهبة ولكنه حاصل على دراسات وخبرات 
جيدة في مجال قنه. ينتج أو يستطيع أن ينتج كما هائلا جيدا في صنعته؛ 
لكنه كم يخلو من نفحه... هي شرارة الإلهام أو نعيم الموهبة والخيال. 

كتب المؤلف الموسيقي العظيم إيجور سترافنسكي ما يفسر ذلك في 
السطور القليلة الآتية: 

«بالنسبة لي كمؤلف مبدع.؛ فإن التأليف وظيفة يومية أشعر بأني مدفوع 
إليه بقوة لا أستطيع مقاومتهاء أنا أؤلف لأني خلقت لهذا العمل ولا أستطيع 
أن أغير من تكويني. عندما يترك أي عضو بلا حركة؛ فانه يصاب بالوهن 
والضعفء. وكذلك فإن إمكانيات التأليف تضعف وتفتر عندما تترك دون 
ممارسة وتدريب وتنشيط. وهناك من يظنون أن الفنان يجب أن ينتظر 
الإلهام حتى يبدأ في الإبداع الفني. ولكني أجد في ذلك خطا كبيرا لأن 
الإلهام عنصر ضروري في تكوين الفنان المبدع وهو عبارة عن قوة محركة 
في كل نوع من الأنشطة الإنسانية وليس قوة محركة للفنان فحسب. إلا أن 
هذه القوة لا تتحرك بدون جهد. وهذا الجهد هو العمل. فتماما كما أن 
الشهية للأكل لا تأتي إلا من خلال تناول الطعام: كذلك فإن ممارسة العمل 
تأتي بالإلهام؛ وبالطبع فإن الإلهام هذا مشروط بالموهبة أو الاستعداد, 
والإلهام وحده لا يعتد به بدون العمل؛ وتكون محصلة كل ذلك هي التآليف 
والموسيقى». 

كان كل من تيسيان ورمبرانت وفان جوخ يتمتع بإمكانيات هائلة في الكم 
أي في الإنتاج الغزير هذا مع موهبتهم الكبيرة في نفس الوقت. وكان كل 
من شكسبير وجوته يتمتع بإمكانيات الصنعة والمقدرة على البناء الفني, 
تلك المقدرة التي يتمكن بها حتى غير الموهوب من إنتاج فني غزير. 

وفي الموسيقىء نجد باخ العظيم يتمتع بالموهبة والصنعة وغزارة الإنتاج 
ولكنه كانسان له أعمال ضعيفة في قيمتها ونوعيتها الفنية. ونفس الشيء 
ينطبق على إنتاج كل من هايدن وموتسارت وبتهوفن لأن شعلة العبقرية لا 
تضيء دائما بنفس الدرجة من القوة والوضوح: بينما تطاوع الصنعة يد 


دعوة إلى الموسيقى 


المؤلف في الكتابة. 

إن التدريب الدائم على الكتابة الموسيقية أو على ممارسة أي فن يؤدي 
إلى استدعاء للقدرات الكامنة في المؤلف الفنان و يؤدي إلى إضاءة شعلة 
الموهبة لأطول قدر ممكن؛ ويحرك الدافع الداخلي الكامن في كيان الفنان 
ليطلق القدرات. ولذلكء فإن الموهبة وإمكانيات الصنعة الفنية لا تنتجان 
فنا صحيحا بدون العمل الذي يستدعي ملكات الإبداع. 

وجد المؤلف الموسيقي فاجنر الوسيلة الملائمة لتكوينه الفكري والنفسي 
والتي تمكن من خلالها أن يبدع أعماله العظيمة في مجالات الشعر والأدب 
والدراما والموسيقى. فقد كان يضع الهيكل العام للعمل الموسيقي من خلال 
إمكانياته في الصنعة الفنية؛ ثم يصب في هذا الهيكل مشاعره وانفعالاته 
وعصارة معاناته وخبراته في الحياة ليمزج بين الشكل والمضمون؛ وليستد عي 
الإلهام الذي يغمر كيانه حتى ينطلق و يتحقق في أعماله الشاهقة: انه 
بذلك يطلق العنان لضميره الفني ليفجر شحنات الخبرة التي كونها في 
الفن والحياة؛ ويملأ بها الهيكل البنائي الذي خططه أولا بالعقل والعمل 
والصنعة؛ ولقد ساعده على ذلك أنانيته ورغبته في تحقيق إعجاز ذاته 
وقدراته التي طالما تحدث عنها كرمز للانسان الفريد المتفوق المتميز عن 
سائر البشر. و بالعمل وحده كان يحقق إعجازه لآنه بدون العمل المثابر لا 
تبرز الموهبة ولا تتفجر شحنات الإلهام والمشاعر. 

عندما أصيب بتهوفن باللعنة العظمى التي يمكن أن يصاب بها موسيقي؛ 
استمر يناضل رغم صممه ملبيا نداء داخليا في أعماق نفسه حدد له شكل 
أعماله الموسيقية العظمى التي أبدعها وهو في أحلك الظروف: انه ببساطة 
كان مدفوعا بروح لا تعرف الهزيمة ليمنح البشرية عزاء وسلاماً. 

كان شوبان يعاني من السلء ومرارة الألم لاحتلال بلاده. وتحطيم قلبه؛ 
ولكنه وجد القوة تندفع إليه من حيث لا يدري ليكتب أعماله الرائعة وليعزف 
للجماهير العريضة تلبية لنداء داخلي واستجابة لعادة تكونت لديه. فهو 
يمارس التأليف والعزف تماما كما يمارس الحياة: أي أنه يتوقف فقط عن 
العمل عندما يتوقف قلبه عن النبض. 

من هذه النماذج نرى أن العقبات الكفيلة بمنع أي إنسان عن ممارسة 
العمل يتم التغلب عليها من خلال الموهبة الإلهية» وشعلة الفن المضيئة ضفي 


24 


التذوق الموسيقى 


أعماق هؤلاء العظماء؛ وإيمانهم العميق بالعمل والفن كقوة تحقق لهم البقاء 
والاحتمال والإحساس بالحياة والوجود وتحقيق الذات. 

يفسر المؤلف الروسي الشهير رمسكي كورساكوف ذلك في سطور قليلة 
كتبها عن بتهوفن العظيم حين قال: 

«إن شخصية بتهوفن الهائلة شيء فريد؛ فموسيقاه تشكل الحركة القوية 
العميقة التي لا تعرف الإجهادء والخيال النادر الخصب للألوان الاوركسترالية 
المبهرة. انه يكتب بروعة للآلات الوترية بينما تشكل آلات النفخ الخشبية 
التلوين الجميل العميق التأثير. ويصبح الكل مدرسة نادرة للصنعة والبناء 
والموسيقى». 

كان الموسيقي الألماني العظيم هيندل شهيرا في مجال كتابة الأوبرا. 
ولكن التحول الاجتماعي الذي غمر أوروبا الغربية وخاصة ألمانيا وإنجلترا 
شغله تماماء فتحول معه إلى تلحين الأوبرا الدينية المعروفة باسم الاوراتوريوء 
وتفوق في هذا المجال بعدد هائل من مؤلفات الاوراتوريو أشهرها أوراتوريو 
المسيح. وقد وجد نفسه في تحقيق هذه الأعمال التي كانت الملايين تنشدها 
في الكنائس والمجتمعات. لأنه تأثر بالتحول الاجتماعي الذي وجد في 
تفسة تود واخانا هرو تكنيك هنذا الفقفول والدهوة زليه ا 

أما جلوك. أبو الأوبرا الألمانية. فهو رغم مواهبه الغزيرة ودوره التاريخي 
الهائل في كتابه الأوبراء فإنه يمثل النوع المتكامل من الفنانين. فهو يعمل 
بارتياح» فقد أمضى سنوات طويلة بعد زواجه وثرائه دون أن يبدع شيئمًاء 
واستسلم للراحة والمتعة تماما كما فعل الإيطالي روسيني-مؤلف أوبرا حلاق 
اشبيلية الشهيرة-عندما تكاسل وتوقف عن كتابة الموسيقى لسنوات طويلة 
تقرب من 37 عاما قبل وفاته في الوقت الذي كان فيه قد برهن على 
عبقريته الحقة وإمكانياته الفنية التي لا تقبل المناقشة. 

ولكن.. مثل هذه المواهبء لها دور نفسىء وطاقة محددة تتوقف يعد 
فترة من الإنتاج الملهم. ا 

إن روسيني قد مات كفنان مبدع عندما توقف عن الإبداع الموسيقي لأنه 
فقد الشعلة المضيئة بداخله؛ ولأن المحرك الداخلي الذي يدفعه لكتابة 
الموسيقى قد توقف. واستمرت حياته بمحرك آخرء ربما كان تذوق الطعام 
أو الاستمتاع بملذات أخرى في الحياة؛ ولكن الاستمرار في الكتابة عمل 


دعوة إلى الموسيقى 


روقيض لفاك رسكن الاق سح إيقاقه او سرون واالد يعزية تيور 
نفسى وتحول وجدانىء أو فقدان للطاقة المحركة للفن تماما كالموت والحياة. 


البناء المعمار ى والصوت فى قاعات المو سيقتى 

إن بناء قاعات الموسيقى والأوبرا يدخل في تخصص قلائل في العالم 
من علماء السمعيات 5ع56ناهءثى: إلى جانب المهندسين المعماريين.. وقبل أن 
نبدأ حديثنا المختصر عن بعض أسرار هذه السمعيات.. لا بد لي من 
التقديم بأن الصوت الجيد في قاعات الاستماع ينتج عن أن القاعة نفسها 
آلة موسيقية كبيرة» أو على الأصح كصندوق مصوت (كصندوق الفيولينه 
مثلا) لآلة موسيقية وترية أو كأنبوبة هواتية (كأنابيب آلات النفخ) لآلة نفخ 
موسيقية أيضا.. 

ولما كان لكل جسم مادي رنينه الخاص الذي تحدده ذبذبات صوتية 
محددة أو ترددات محسوبة.. فكذلك توجد لكل قاعة استماع تردداتها 
السمعية التي يحددها حجمها ونسب بناتها والمواد الداخلة في تكوينها.. 
والدرجة والأبعاد التي تتردد بها وخلالها خطوط الموجات الصوتية.. ومقدار 
ونوعية ما تمتصه الجدران والأجسام التي تصدم مسارات الصوت. وأيضا 
مقدار ونوعية الامتصاص من هذه الأصوات. أو درجة الانعكاسات والتكبير 
لهذه الأصوات ذاتها.. أو لمكوناتها.. و ينتج عن ذلك الطبيعة الصوتية 
(السمعية) للقاعة التي تجعل منها مصدر سحر وجمال: وإضافة حية للأداء 
الموسيقي.. أو قتل وتدمير وتشويه.. وما يسمى بالصوت الميت.. 

ولا بد لكل قاعة من أصداء.. ولكن بدرجة محسوبة.. كما أن لكل 
صوت في الطبيعة: وفي الموسيقى بالطبع؛ من مجموعة أصوات مصاحبة 
تسمى «بالسلسلة التوافقية».. أو «الأصوات الهارمونية المصاحبة».. وهذه 
الأصوات لا تسمع-في الغالب-بالأذن المجردة ولكنها تعتبر سر الجمال في 
الاستماع الموسيقي الحي المباشر.. كما أنه لو زادت ترددات قطاعات منها 
عن الحد المعقول-نتيجة عيوب معمارية فى القاعة-فإنها تسبب أصداء 
لصوت تكون وديكة وخيمسبية وخاصة في القاعات الكبيرة.. وإلئ جائب 
ذلك فإن امتصاص الصوت بدرجة غير مدروسة ومحسوبة تماما وفقا 
لمسارات الصوت وتردداته يؤدي إلى ما يسمى بالموت الصوتي.. وبالتالي 


20 


التذوق الموسيقى 


تتمى القاعة ميتة سمعيا.. 

وبالاختصار فإن قاعة الاستماع هي عبارة عن آلة موسيقية كبيرة تعزف 
بداخلها الموسيقى المنفردة أو الجماعية.. وكما أن أعظم العازفين يكون 
أداؤه ميتا بآلة رديئة.. وبراقا لامعا بآلة ثمينة-ستراديفاريوس مثلا-.. فإن 
سمعيات القاعات الموسيقية تؤدي إلى تشكيل الصوت وتحديد طبيعته 
وتأثيره... وأسرار السمعيات تعتبر من أغرب العوامل الملازمة للبناء المعماري 
الخاص بصالات الكونسير ومن أغرب ما يحير المهتمين بقاعات الموسيقى 
بوجه عام. 

منذ سنوات قليلة قام نخبة من أقدر الأخصائيين في علم الصوت 
باختبار مختلف الصالات الموسيقية في العالم لتحديد أصلحها وأجودها 
على الإطلاق.. وجاءت النتيجة مؤكدة أن قاعة (جمعية أصدقاء الموسيقى) 
بفينا هي الأولى في العالم في مجال النقاء الصوتي وانعدام الانعكاسات 
الضارة التي تنتج عنها أصداء غير محببة للصوت.. ودار السؤال بعد ذلك: 
هل يمكن بناء صالة كونسير بنفس النسب الهندسية وبنفس الخامات التي 
نقيك ريا هةه القافة الكببياريةلبروفانث النعابة على ولفردواسات 
ومحاولات ونتائج عجيبة.. 

فمنذ قرون عديدة انهمك المعماريون في الإجابة على شتى الأسئلة 
القاضة بالعها :2 الى لقاهات الأويرا او الاسصاكر ب والحديرت العائينه 
في مجال خطوط تصل بين آلات الأوركسترا من مواقعها على المسرح وبين 
آذان المستمعين في مختلف أماكن الصالة.. وكانت خطوطهم على الأوراق 
تمثل دراسة أمينة لانعكاسات الصوت ولشتى الاحتمالات التي تؤثر فيه 
حتى يصل إلى آذان المستمعين.. وهم يتحكمون بذلك في شكل وزوايا تلك 
القاعة التي يتمثلونها على الورق لتكون من الناحية النظرية المكان المثالي 
للاستماع. ولكن للأسف يكون كل ذلك في أغلب الأحيان هباء ومضيعة 
للوقت والطاقات.. فهناك أسرار أخرى تتعلق بالصوت انتبه إليها واستخلصها 
المعماري الكبير «ادولف لوس» 400151:005 الذي يعتبر حجة العالم في علم 
السمعيات.. فهو يقول إن: «سمعيات أي صالة لا ترتبط بنسب بنائها التي 
تتشكل من عصر إلى عصر وفقا للتطور المعماري فحسب.. ولكن المهم في 
الموضوع هو مواد البناء التي تدخل على وجه الخصوص في التكوين الداخلي 


27 


دعوة إلى الموسيقى 


للصالة». وهو بذلك يزيل الستار عن حقيقة هامة لم تخطر ببال علماء 
السمكياث هن قبل ».ولكته مم ذلك أكد استسران الحيرة والفموض هاه 
مشكلة السمعيات.. فمواد البناء تختلف في تفاصيل دقائقها من بلد إلى 
بلد ومن عصر إلى عصرء بل ومن فصل إلى آخر. 

وفي مانشستر بإنجلترا قاموا ببناء صالة للكونسير على نمط صالة 
قينا الشهيرة وبنفس نسب تكوينها ومواد بناتها.. ولكن النتيجة كانت سلبية.. 
وهناك مثل آخر هام.. وهو دار أوبرا البلاط بفينا التي افتتحت منذ ما 
يقرب من 55 عاما.. وكان حفل افتتاحها مخيبا للآمال من الناحية السمعية.. 
ولكن ما يثير الدهشة أن هذه القاعة تعتبر اليوم نموذجا لما يجب أن يكون 
عليه المسرح الغنائي من دقة ونقاء صوتي.. والسبب في ذلك لا يرجع إلى 
تغيير طرأ على الدار في نسب بناتها الداخلي أو إلى أي تعديل في مواد 
كيانها الباطني.. وإنما يرجع إلى أن هذه الدار شهدت خلال 50 عاما 
أحداثا موسيقية غيرت في تكوينها.. فقد استقبلت خلال هذه السنوات 
موسيقى جيدة على أعلى المستويات ومن نوع واحد وطابع واحد على الدوام.. 
وهذا هو السر في الموضوع.. فما نستطيع طبعه من أصوات على اسطوانة 
أو شريط في ثوان قليلة.. يمكن أن ينطبع في كيان قاعات الكونسير والأوبرا 
في سنوات طويلة.. إذا كان النشاط الموسيقي دائما بهاء وإذا كانت مواد 
ونسب بنائها جيدة.. إن هذا السر العظيم يتكامل مع ما سجله بعض 
المؤرخين والعلماء عن القاعات القديمة بوجه عام.. والخشبية منها بوجه 
خاص.. فمما هو متفق عليه أن الخشب بالذات يتأثر بالصوت بشكل أكثر 
من سائر المواد ويتمكن بشكل خاص من الاحتفاظ بالصوت. بل ومن اختزانه 
أيضاء وإعادته عندما يتجاوب مع ذبذبات صوتية مماثلة من رياح وخلافه.. 
وما يقال عن بيوت الأشباح خاصة في البلاد ذات الحضارات القديمة مثل 
الهند والصين؛ يرجع في الواقع إلى أن الأخشاب المكونة لهذه المنازل تعيد 
أصواتا احتفظت بها منذ مئات من السنين عندما كانت تعزف الموسيقى في 
فنذة القتصيور أو>العاتة العققة: 

وعلى آية حال فإن آداء الموسيقى الجيدة بشكل منتظم وداكم فى قاعة 
للاستماع الموسيقي؛ ينتج عنه انطباع للموجات الصوتية الشادرة فق العرفة 
في المواد المكونة للبناء الداخلي للصالة.. وهذه الانطباعات تؤدي إلى تشكيل 


التذوق الموسيقى 


طفيف يساعد على امتصاص بعض الأصوات بنسب معينة.. فيمنح الصوت 
جمالا توافقيا ويقيه من الانعكاسات الضارة بالطبيعة الصوتية للقاعة. 
ومن الأسرار الغريبة المؤكدة؛ أنه لو عزفت موسيقى نحاسية (عسكرية 
مثلا) لفرقة ما لمدة أسبوع واحد بصالة فينا الشهيرة.. لنتج عن ذلككمَا 
يؤكد أدولف لوس-ضياع وتدمير للقيمة الصوتية التي تنفرد بها هذه الصالة.. 
ولذلك يجب علينا تحديد أنواع الأداء الموسيقي في كل دار من دور العرض 
الموسيقي ببلادنا. 

وللاختيار الأكيد للامكانيات الصوتية لصالة حديثة.. يجب الاستماع 
بها من كل ركن بل ومقعد إلى شتى ألوان الآداء الاوركسترالي والمنفرد ولكل 
أنواع التعبير مثل القوي والضعيف وبشتى ألوان المزج الاوركسترالي ومن 
ارتفاعات مختلفة على المسرح.. وبذلك تتحدد لنا مواطن القوة والضعف 
في الصالة.. لأنه حتى في الصالات الرديئة صوتيا توجد مواقع يكون فيها 
الصوت مثاليا وأخرى تكون فقيرة في استقبالها بسبب أصداء وانعكاسات 
شاذة للأصوات.. أو بسبب امتصاص زائد عن الحد المعقول للصوت.. وقد 
قال القائد الشهير فورتفينجلر في ذلك: 

«عندما أقود الأوركسترا قاع «البرت» الشهيرة بلندن: فإني اسمع 
الآصوات الخفيفة جدا نقية واضحة أكثر من اللازم: وعلى العكس من ذلك 
فإن الأداء الجماعي القوي جدا بالأوركسترا يكون مشوشا وضعيفا». 

وهناك آراء أخرى لمشاهير من الموسيقيين منها أن الصوت بقاعة «البيرت» 
هذه مثالى فى أماكن معينة.. إما من مقاعد أخرى فيكون استقبال الصوت 
باهتا ومشنتا وردينا . 

إني اذكر جيدا قاعة الموسيقى الصغيرة بقصر «بيتي» 5118 201220 بمدينة 
فلورنسا بإيطاليا- ققد وجدت الأوركسترا به تجلس بترتيب لم يسبق له 
مثيل على الإطلاق بأي مكان في العالم-فالفيولا مثلا. يجلس عازفوها بين 
عازفي التشيلو والكنتراباص.. والفلوت بين الفاجوت والكورنو. ولما تساءلت 
عن السر في هذا قالوا إن سمعيات القاعة تتناسب مع هذا الترتيب.. وإننا 
بذلك نحصل على اعظم إمكانيات سمعية من هذه القاعة ولولا ذلك 
لاستمعت إلى أداء موسيقي ضعيف حتى ولو قام بتهوفن من قبره ليقود 
الأوركسترا بنفسه.. هكذا يدرسون و يطوعون حياتهم للجودة و يبحثون عن 


20 


دعوة إلى الموسيقى 


افضل الإمكانيات بالدراسة والبحث عن الحقيقة بالعلم والتجربة والمناقشة.. 

وعلاج الصوت في قاعة حديثة يعتبر أمرا ممكنا في اغلب الأحيان.. 
فهو يتم بدراسة الانعكاسات الصوتية في الصالة وبتحديد خطوط الأصوات 
الصادرة من مواقع الآلات على المسرح إلى آذان المستمعين: بما في ذلك 
الانعكاسات ومدى قوتها.. والقدر والنوعية اللذان يتم بهما امتصاص 
الأصوات بعد كل انعكاس.. وتوضع في الصالة وفقا لوسيلة العلاج ستائر 
من القطيفة مثلاء أو ألواح خشبية رقيقة تثبت في مواقع معينة على الجدران 
وذلك لامتصاص الصوت أو لتقويته بنسب معينة.. وتنجح هذه التجربة مع 
مرور الوقت ومتابعة العلاج؛ إلا أن هذا البحث عن الجودة؛ يؤدي أحيانا 
إلى مضاعفات ضارة.. لأن امتصاص الصوت بدرجة اكثر من اللازم وإزالة 
الأنمكاسات الصوقية تماما من الصالة يكين أيظنا بالطبيعة الصوتية نفسيها 
بل و يقتل الأداء الموسيقي. 

يقوم خبراء موسيقى الكنيسة في أوروبا منذ زمن بعيد باختبار الصوت 
في القاعات الموسيقية وخاصة قاعات الكنائس وهي خالية من الجمهور.. 

ويدرس رئيس موسيقات الكنيسة بدفقة مدى تجاوب الصالة مع مختلف 
أصوات السلم الموسيقي وتآلفاته حتى يتمكن في النهاية من اكتشاف الصوت 
الرئيسي الذي تتجاوب معه الصالة وهذا أمر يسير إذا عرفنا أن كل صالة 
تعتبر كالصندوق المصوت لآلة موسيقية.. وهذا الصندوق له رنين خاص 
يتجاوب مع أحد الأصوات الموسيقية بدرجة اكثر من تجاوبه مع الأصوات 
الأخرى.. وبعد ذلك يقوم هذا الموسيقي بعزف الصوت المميز للصالة لمدة 
دقائق طويلة يوميا على الأرغن قبل بدء النشاط الموسيقي بالكنيسة.. فإن 
ذلك يكون من شأنه تقوية إمكانية التجاوب الصوتي للقاعة.. وتجميل 
الأداء الآلي والغنائي بها.. كما أن ذلك يكون من شأنه إزالة الشوائب الصوتية 
قدر المستطاع.. تلك الشوائب التي تنتج عن ترديدات زائدة وغير متوازنة 
للأصوات الطبيعية العليا التي لا تسمع بسهولة بالآذن المجردة 5عدمء01 
والتي تؤثر كثيرا على الطبيعة الصوتية للأداء الموسيقي.. (تسمى أحيانا 
بالأصوات الهارمونية أو السمعية). 

ويؤخنذ في الاعتبار دائما أن الصالة وهي خالية من الجمهور تكون 
ذات رنين وأصداء اكثر منها وهي مزدحمة بالبشر.. وكلما ارتدى الجمهور 


التذوق الموسيقى 


ملابس صوفية اكثر.. يزداد امتصاص الصوت الأمر الذي يكون: في أحيان 
كثيرة جداء ضارا بالأداء الموسيقي نفسه وأحيانا يكون مدمرا له.. ويتوقف 
ذلك كله على طبيعة القاعة. غربما كان من الأفضل أن يخلع الناس معاطفهم 
قبل الدخول إلى الصالة.. وأحيانا يكون ارتداؤهم للمعاطف إحدى وسائل 
العلاج السمعي للصالة.. 

وَهذّا ما يحسب له العازفون المتفردون وقادة الأوركسكرا المتمكنون الف 
حساب في بروفاتهم النهائية.. 

هناك أخطاء سمعية تؤدي إلى الاستماع إلى صوت موسيقي غريب لم 
يقم أحد من العازفين بأدائه.. ومهما شد قائد الأوركسترا شعره؛ فالخطأ 
لا يكون من العازفين.. بل يكون في أحيان كثيرة خطا سمعيا ينتج من ترديد 
أكثر من اللازم لأحد الأصوات التوافقية المصاحبة؛ والتي عادة لا تسمع 
بالآذن المجردة. و يزول الخطأ بمصادفة أخرى.. مثل فتح باب أو دخول 


تيار هوائي أو تغيير في حركة شخص بالقاعة.. مما ينتج عنه تغيير في 
الصوت وانعكاساته.. 


ارات ئسي الفشيعة لوووط انا عه قركن الإو املقو رات 
من اكقياء اكت ال البرام اللناسية دن( التالكية السابزية والما رمونية دل رميق 
ناحية التوزيع.. فهناك صوت رئيسي مفضل للقاعة.. تماما كما يوجد 
صوت رئيسي لكل وتر أو صندوق مصوت أو أنبوية هوائية لآلات النفخ.. 
وعلى ذلك يتم اختيار البرامج وأساليب التأليف المناسية.. 

إن الأووكسكر|:والعورال يكداكس اورويا الشهيرة لاي ذيان اعمال باغ إلا 
في كنائس معينة.. وذلك لعوامل معمارية سمعية بصرية.. فالعمارة «القوطية» 
تختلف عن «الباروك».. ولا تتناسب مع «الروكوكو».. ولكل ذلك مقابل سمعي.. 
فالعقل هو مركز التنسيق بين مفهوم التاريخ-العصر-ومظاهر الزمن 
والإحساس السمعي البصري بالموسيقى والغمارة.. 


ألتزامن بين السمع والبصر 

إن العلاقة بين الصوت واللون تقوم على ارتباطات وجدانية نفسية:؛ 
ومدلولات فسيولوجية تخضعلما يسمى بظاهرة «السينيستيزيا » 06512]وع5102 
أىالعلاقة فى التزامق جين السدرت واللون» أو الأرقياط والتينيق يزخ الوتهية 


دعوة إلى الموسيقى 


مختلفين من الأحاسيسء فالعقل هو جهاز الاستقبال والتحكم والربط 
والتنسيق والتوحيد .. فهو الذي تتجمع فيه كل الحواسء وهو الذي يربط 
بين البصر والسمع والشم.. الخ.. والطبيعة كأم لكل الفنون.. تتكامل فيها 
الحركة المرئية والحركة السمعية:؛ اللون والصوت.. وكافة الظواهر الأخرى. 
وعندما يتحد الإنسان مع الطبيعة؛ وتتكامل فيه عناصر الحياة بثقافاتها 
البصرية والسمعية وارتباطاتها بالتجاوب العصبي الإنساني.. عندما يتم 
ذلك فإن الإنسان يتمكن من الرؤية حتى وهو كفيف. ومن السمع حتى وهو 
أصم.. تماما كما كان يرى طه حسين رؤية اكثر دقة وصحة وجمالا من 
المبصرين؛ وكما كان يسمع بتهوفن؛ وهو أصم. ما لا تتمكن أذن أن تسمعه 
أو تستشفه من جمال.. قال كارلايل: «إذا تأملت الشيء ونظرت إليه بعمق 
وتفحصته فإنك حتما ستستمتع بموسيقيته؛ لآن النغم يكمن في قلب طبيعة 
الأشياء». 

إن الاستمتاع بمنظر طبيعي تصاحبه أصوات من الطبيعة كحفيف الشجر 
وأصوات الطيور وخرير الماء.. الخ.. وهذا يقودنا إلى الحقيقة التي تبحث 
عنها الفلسفة والفنون أبداء لتضعها أمام أعيننا وآذانناء والتي بحث عنها 
فاجنر في «الدراما الموسيقية» التي تتكامل فيها فنون الصوت والصورة.. 
الشعو نوا لونيفع والسركة ,و العما رقي مل وال اقكدة أيضا !! فإذا اجتمع 
أكثر من نوع واحد من الفنون: كان تأثيره أقرى وأكثر تكاملا وأقرب إلى 
الحقيقة.. إذا لم يوجد غير الموسيقى (الصوت). فإن الحواس تكملها بتخيل 
العنصر البصري (اللون).. 

إن الموسيقى هي الحركة في الزمنء. وهي التي تحول الصورة (اللوحة) 
الساكنة في المساحة والفراغ إلى رؤية موسيقية.. ورؤية متحركة.. أو بمعنى 
آخر رؤية جمالية ذات إحساس كامل متحرك ومعبرء وهذا ما جعل الاهتمام 
يتزايد بمصاحبة الصورة المعبرة بالصوت.. فالمزج الفني بين ما هو مرثئي 
وعقلي وسمعي يجعل الحقيقة أكثر تكاملا.. والحس البشري اكثر نضجا.. 
وأقرب إلى الطبيعة الأم.. والى الحقيقة ذاتها. 

لقد بدأت المحاولات الأولى للربط والتمثيل والمقابلة بين الصوت واللون, 
منذ عصور حضارية قديمة؛ فقد بدأها العالم السكندري العظيم «بطليموس» 
منذ القرن الثاني بعد الميلاد . ولا يرتبط اللون بفن التصوير فحسب. ولكنه 


التذوق الموسيقى 


يتعداه إلى فنون النحت والعمارة والموسيقى.. فالرسام يستعمل ألوانه بحكمة 
ودراية. ويخلط بينها بمقابلة أكثر مادية وواقعية؛ ولكن الموسيقى تستخدم 
ألوانا حسية أخرى نراها بآذاننا فى التلوينات الاوركسترالية أو الظلال 
التعبيرية و5عع0قناف أو من خلال المقامات والانتقالات بينهاء والتركيبات 
الرأسية الهارمونية بين الأصوات, أو الخطوط اللحنية المتقابلة.. الخ.. 
وتتكامل الألوان؛ سواء المادية منها أو الحسية: بالتوافق والتعارض والتنافر 
على السواء.. فالنقيض دائما هو الذي يكمل المعنى.. فلا يوجد ليل دون 
نهارء ولا أبيض دون أسود. ولا هدوء دون صخب. ولولا النقيض ما وجد 
الآصل أي لا توجد نظرية دون نقيضها . كل مقام موسيقي له ما يقابله من 
ألوان.. وكل آلة موسيقية تتمائل في طبيعتها مع لون خاص يحدث نفس 
التعبير أو أقرب ما يمكن إليه.. ولكن توجد حقائق أزاح عنها العلم الحديث 
الكثير من الغموض يسعدني أن أذكر بعضا منها.. وخاصة فيما يتعلق 
بالواقع العلمي لمقابلة الصوت مع اللون.. 

الموسيقى عبارة عن مجموعة أصوات؛ وكل صوت عبارة عن تردد معين 
لعدد محدد من الذبذبات في الثانية الواحدة.. 

واللون أيضا.. عبارة عن عدد معين ومحدد من الذبذبات في الثانية 
الواحدة؛ ولكنها ذبذبات كثيرة العدد تفوق قدرة السمع. 

الذبذبات الصوتية تتردد في الهواء. والذبذبات الضوئية (التي تحدد 
اللون وتدل عليه وتعيده) تتردد في الأثيرء (الطبقات العليا من الفراغ الجوي) . 

تتفاوت سرعة الذبذبات الصوتية التي يمكن للانسان أن يسمعها بين 
6) وحوالى 20 ألف فى الثانية الواحدة متها الذيذبات المرئية التى تتكون 
منها الألوان تتفاوت سرمكها ما بين 45١‏ ألف مليار و 780 ألف مياد فته 
في الثانية الواحدة.. 

أي أننا لو أردنا الحصول على صوت موسيقي معين فإننا نصدر العدد 
الذي يرتبط بهذا الصوت من الذبذيات (لا قات 0 دبدبة في الثانئية) 
فنستطيع حينئذ أن نستمع إلى الصوت المطلوب.. وهكذا فإن الموسيقى 
عبارة عن تتابع لأرقام.. كما حدد ذلك العلم منذ أكثر من 2500 سنة. ولو 
أردنا الحصول على لون معين فإننا نفعل نفس الشيء. 

وعندما نريد أن نستمع إلى نفس الصوت ولكن على نحو أكثر حدة 


دعوة إلى الموسيقى 


(مثلا على مسافة أوكتاف صاعد) فإننا نحصل عليه بضعف عدد الذبذبات. 
فصوت لاء الموسيقى القياسى والمتوسط الحدة هو 440 ذبذبة فى الثانية, 
ولاء الأكثر حدة - 880, والأحت - 1660... الخ. نفس الشيء في الألوان, فلو 
ضاعفنا عدد الذبذبات التي يصدر عنها أي لون فإننا نرى نفس اللون 
يتكرر. 

وعلى ذلك؛ فقد وجد العلماء-وعلى رأسهم نيوتن-إن النسب الرياضية 
الفاصلة بين ألوان الطيف السبعة تتقابل مع الأصوات الموسيقية السبعة 
(مع ترتيبها كذلك: دو-ري-مي بيمول-فا-صول-لا-سي بيمول)-أي وفقا لمقام 
الدوريان. ووفقا لذلك بدأت المحاولات العلمية العديدة للربط بين اللون 
والصوت.. بين العين والأذن؛ وذلك بعزف موسيقى مع عرض الألوان التي 
تتقابل معها.. وبالطبع فإن صعوبات عديدة قابلت تلك المحاولات.. إلا أن 
البحوث لا تزال جارية.. وسنعرض في هذا الفصل لبعض هذه التجارب.. 

والآن نتعرض للسلالم الموسيقية (المقامات). فقد ربط الموسيقيون 
العظماء-وجدانيا-بينها و بين الألوان.. وكانت هذه العلاقات ترتبط إلى حد 
ما بأحاسيسهم الشخصية النابعة من تجربة كل منهم في الفن وفي الحياة. 
ولذلك فإن تحديد كل منهم كان يختلف عن الآخر.. ونذكر الآن على سبيل 
المثال بعضا من هذه المقامات والألوان بالنسبة لاثنين من عباقرة الموسيقى 
وهما «رمسكي كورساكوف» و«سكريابين». 

ومما هو جدير بالذكر أن بتهوفن كان يشعر بأن مقام «سي صغير» 
يوحي باللون الأسود .. وهناء نتوقف برهة لنطرح قضية هامة تتعلق بآداء 
موسيقانا العربية: تحديد الطبقة يعني تحديد الطابع والارتباط الوجداني 
بالمقام واللحن.. وعندما تتغير الطبقة فإن اللحن يصبح مقطوع الأوصال 
وبلا ارتباطات وجدانية نفسية.. وبلا جذور ثابتة» ويصبح الآداء الموسيقي 
بلا ثبات ولا حكمة. وفي الموسيقى العربية نجد الفرقة تضبط أصواتها 
وتوحدها وفقا لما يسمى «الطبقة الصغيرة» أو «الطبقة الكبيرة».. وذلك 
حتى يتفق اللحن و يتناسب مع طبقة أصوات المنشدين أو إمكانيات أصابع 
العازفين. في الواقع إن تغيير الطبقة معناه تغيير الطابع واللون والارتباطات 
«السينستيزية».. وهو تشويه لأداء العمل.. فأنا لا أتصور أبدا عزف سيمفونية 
لبتهوفن في مقام ري بدلا من دو مثلاء وإلا فإن القيامة تقوم.. والنماذج 


“ك5 


ببي ذهبي فاتح 


أصفر «خمسي اصفر براق 


وردي رائق احخضر 
أزرق ماسي براق ازرق مائل للبياض 
غامق - ازرق معدي ازرق مائل للبياض 


احضر ا حمر 





القليلة لعملية تغيير الطبقة الواردة في قطاعات صغيرة من بعض أعمال 
الأوبرا مثلا لها ظروف خاصة وتقاليد في الأداء أقرها العالم والتاريخ 
والمؤلفون أنفسهم. 

نعود الآن لنستطرد في موضوعنا الطويل بدراسات صغيرة: ونماذج 
لتجارب رائدة.. 

إن عزف السبعة الأصوات الخاصة بالسلم الموسيقي في نفس الوقت. 
ينتج عنه تآلف هارموني شديد التنافر.. ولكن التوافق يتم وفقا لاختيار 
خاص بين ثلاثة أو أربعة أصوات.. 

وكذلك فأن أداء ألوان الطيف السبعة معا في نفس الوقت أي خلطها 
معاء ينتج عنه اللون الأبيضء وهو أكثر الألوان تنافرا مع البصرء انظر في 
قرص الشمس مثلاء تجد أنك لا تستطيع وإلا أصبت-لا قدر الله-بالعمى 
المؤقت. وبإصابات فى العين تكون شديدة الخطورة لو طالت المدة.. وهذه 
قري فون شل دكات الشيية البصرية السمعية متقابلة فى تأثيرها 
على الإنسان. ا 

ولقد ثبت بالتجربة أن الأشخاص الذين يفتقدون إمكانية تمييز طبقات 
الأصوات الموسيقية يكونون من مرضى الألوان؛ أي مصابون بعمى الألوان 
أو ما يقرب من ذلك. 

منن بداية القرن السابع عشر فام لفيف من العلماء الموسيقيين بتجارب 


دعوة إلى الموسيقى 


تهدف إلى أداء موسيقي ومرئي في نفس الوقت, أي باختراع وتصنيع آلات 
درسيقية مل الأرريظ و وانهار سيكرره تهرك رسيت رط فى شين الرطقت 
الآلوان المقابلة لما يتم عزفه.. واستمرت التجارب حتى جاء ولاس ريمنجتون 
(1918-1854) واخترع الاورغن الضوثي الملون. ولم يتمكن هذا الاورغن من 
هوت موسوقي: ولكسة كان ضكر الوانا لكرطي هل شاضة و رسا حودهدا 
العرض الضوئي أداء موسيقي يقوم به عازف بيانو أو أوركسترا لموسيقى 
كان اغلبها لقواة وفانضرءآى أو هذا الاوركن كان يترم الأضمال الرسيتية 
إلى ألوان بمجرد عزفها على لوحة المفاتيح لتصاحب عزفا موسيقيا سمعيا 
حيا. 


أما آلة «الكلافيلوكس» 0120110 فقد اخترعها توماس فيلفريد الدانمركي 
الأصلء وعرضها بنيويورك عام 1922.. فهي آلة لا تعزف موسيقى سمعية 
على الإظلاق. ولكتها تمزف مؤلفات خاصة بمشفرعها يستعمل فيهها الأنوان 
بالصوك من مشا النظلر (اللون): متهس زلف ترد كيهو إلى أن لون 
والصوت (الموسيقى) يشكلان أقرب الارتباطات بين الحراس البشرية الثي 
كام يها نفنسية ا تسا 
الضرك اللو وهو هبارة هن الشحقيه الأرقن نكن من فو موسديقي 
اللون الممكنة فقط.. فقد اكتشف بالتجربة أن التفاوت الكبير بين سرعتي 
بالضوء لأن الأداء اللوني لهذا السلم لآ يجمل المطايقة بين اللوخ والصبوت 
المصاحب له ممكنة, وذلك لاختلاط الأصوات مع الألوان التي تكون قد 
ظهرت على الشاشة سابقة للصوت في سرعتهاء وهذا يتم بمبالغة أكبر في 
ذوو العغرضن الكبيرة فتراها العين قبل أن تسمع الأذن الصوت المقابل لها .. 
الأصوات المتتالية بلوحة واحدة من الألوان تتغير كل فترة زمنية تسمح 
بالريظ الدقيق ميق الرضسر والسمع»: 


56 


التذوق الموسيقى 


ومما هو جدير بالذكر أيضا أن الفنان الراحل «والت ديزني» قد استخدم 
هذه العلاقات بين الموسيقى واللون في فيلمه الكبير «غانتازيا» عام 1937. 

و يسعدني أن أنقل هذا الحديث الذي أدلى به المؤلف الموسيقي الفيلسوف 
«سبريل سكوت» عام 1917: ا 

«إن كل عمل موسيقي يؤدي إلى إشعاع فكري ولوني يتشكل في صيغة 
قالب جمالي يسبح في الفضاء. ويتم تحديد القيمة الجمالية للعمل الموسيقي 
وفقا لهذا القالب الجمالي الروحي المحسوس. إن هذا الجمال هو الذي 
يشكل الطبيعة النفسية للبشرء ويؤثر على إفرازات الغدد وعلى الطاقة 
الكامنة في الإنسان». 


37 


2 صتريات موسيقية 


بتهو ضفن 

يغمر بتهوفن الفنان والإنسان فكر ووجدان 
البشر أكثر من أي موسيقي آخر عاش في أي عصر 
من العصور.. فهو البطل المأساوي والزعيم 
الموسيقي الثوريء والآب والمعلم.. هو الشاعر 
الفيلسوف المتأمل؛ المناضل الذي لا يستسلم.. هو 
العاشق المتعبد. هو الموسيقي الفنان المبدع الذي 
أعطى للبشرية خلاصة فكره وحسه ونضاله 
ومأساته.. وكان عطاؤه تراثا إنسانيا راكدا لكل 
اتجاهات التطور الموسيقي من بعده سواء أكانت 
مسرحية درامية.. أو سيمفونية بحتة.. ورغم أن 
الأقلام الموضوعية التاريخية المسهبة قد تناولت 
حياته وأعماله بالدراسة والتقييم: فإن جوانب كثيرة 
من حياته وأعماله المتعددة لاقت مجالا خصبا بكرا 
للدراسة والمقارنة والبحث. 

ولد «لودفيج فان بتهوفن» بمدينة بون بألمانيا 
في 6 ديسمبر عام 1770: وكان أبوه «يوهان فان 
بتهوفن» قد تزوج من أمه «ماريا ماجدلينا لايم» 
عام 1767. ترجع العائلة إلى أصل فلمنكي قبل أن 
يقيم جده لأبيه بمدينة بون و يؤسس هذا الفرع من 
العائلة.. وكان أبوه يعمل مغنيا بكنيسة البلدة وكانت 


56 


دعوة إلى الموسيقى 





شخصيته باهتة لا يفكر في غده أو في مسئولياته تجاه العائلة.. ومع 
ذلك فان الفضل يرجع إليه في اكتشاف موهبة لودفيج غير العادية في سن 
مكرة: 

كانت صورة «موتسارت» الطفل المعجزة عالقة بذهن والده.. 

ففكر على الفور في أن يخلق من لودفيج معجزة ممائلة» ولم يستطع 
التحقق من أن هناك زهورا أصيلة لا تتفتح مبكرة؛ وأن موهبة ابنه كانت من 
النوع العميق المستوعب البطيء التفتح. كانت صورة طفولته الأولى تتبلور 
في وقفته على كرسي صغير أمام مفاتيح البيانو والدموع تنهمر من عينيه. 
فقن كان والذه جره تنقسؤة علن لزان المكواضل ذوخ منرالفاة للطفوؤلقه 


420 


عبقريات موسيقيه 


واحتمال صحته. كان الوالد يعود متأخرا مترنحا من الشرابء و برفقته 
صديقه «توبياس» الذي كان يدرس البيانو للصغير لودفيج.. فيوقظانه من 
فراشه ويجبرانه على التمرين حتى الصباح:؛ وبعد نوم قليل يذهب للمدرسة 
الابتدائية وهو في حالة نعاس وذهول وصمت. كانت ملابسه غير مرتبة 
وشعره غير مهذب. تعلم الكتابة بخط جيد جميل وإن بدا في أيامه الآخيرة 
غير واضح. وتمكن من دراسة اللغتين الفرنسية واللاتينية بشكل مرض» 
رغم إن هجاءه للغته الأصلية (الألمانية) لم يكن صحيحا. أما الرياضيات 
فكانت بالنسبة له مشكلة كبرى.. وظل كذلك طوال حياته حتى وهو على 
فراش الموت كان ابن أخيه كارل يساعده في عمليات الجمع البسيطة.. 

عندما بلغ الحادية عشرة من عمره كان لا يتعلم شيئا غير الموسيقى؛ 
وهذا يدلنا على أنه لم يتمكن من التأقلم مع الحياة المحيطة به رغم حدة 
ذكائه وقوة استيعابه لأمور عديدة أخرى.. لم يتفوق في كل ما يجيده البشر 
من علوم ودراسات وعلاقات اجتماعية؛ فقد كانت له حياة أخرى لا يجاريه 
إنسان فيها.. حياة تغمرها الروحانيات والثراء الفنى العميق.. قال عنه 
«ريس» 1165 الذي كان يعرفه جيدا في هذه المرحلة 5 عمره: دكان يبدو 
قميكًا.مغلويا على أمرة:. تخلو خركاته من الرشاقة والمظهر الحسن:. كان 
نادرا ما يمسك بشيء دون أن يسقط من يده وينكسرء لم تنج منه أي قطعة 
من آثاث المنزل فقد كانت زجاجات الحبر تنقلب يوميا لتغرق كل شيء.؛ 
حتى أصابع البيانو. لم يكن يجيد الرقص أو الظهور بالمظهر اللائق..». 

عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره. حصل على وظيفة عازف الأرغن 
المساعد بكنيسة الدوق «فرائز مكسيميليان» الذي كان الابن الأصغر 
للامبراطورة ماريا تيريزه. وهذا يدل على المستوى الفني الكبير الذي كان 
قد وصل إليه في ذلك الوقت.. وكان قبل ذلك ينوب عن عازف الاورغن 
عمل شيايه. ووالإضفافة إلى كلف الازوقن فإ وظيفته تشينت لعفل 
كعازف للهاريسيكورد بمسرح القصر لتدريب المغنين على خشبة المسرح.: 
وكان في ذلك الوقت يدرس التأليف بعمق مع أستاذه «نيف» 7166 الذي أذاع 
في كل البقاع خبر الموهبة المعجزة لتلميذه العبقري.. 

عندما ذهب بتهوفن إلى فينا للمرة الأولى-وكان في السادسة عشرة- 
كان قد وصل إلى مستوى نادر في عزف البيانو. وكتب عددا من الأعمال 


ك١‎ 


دعوة إلى الموسيقى 


الجيدة. وكان ذلك في عام 1787: وقد انتقى فينا بالذات لأنها كانت كعبة 
الموسيقى ومقر موتسارت العظيم الذي كان في أوج مجده.. وعندما عزف 
لموتسارت, لم يتأثر الأخير الذي كان قد أستعرض اكبر مواهب العالم في 
عزف البيانو.. ولكنه ذهل عندما بدأ بتهوفن في الارتجال.. ولا يعرف أحد 
يقينا ما إذا كان قد درس بالفعل على يد موتسارت أم لا؛ لأنه بعد شهرين 
فقط من وصوله إلى فيناء جاءته أنباء اشتداد المرض على أمه فعاد إلى بون 
ليجدها على فراش الموت.. كانت أمه رمزا للحب والوفاء.. وكان بتهوفن 
يتحدث عنها بكل تبجيل وتكريم: فهي التي منحته الرعاية والحب الذي 
افتقده في والده.. كانت رقيقة وديعة. تصارع الحياة ببطولة وإرادة وعنف 
لتحفظ للأسرة بقاءها وقوتها الضروري.. عاد بتهوفن ليجد حالة والده 
تسوء في السكر والعريدة حتى انه أنقذه في إحدى المرات من اعتقال 
البوليس.. وعندما بلغ لودفيج التاسعة عشرة, كان أبوه قد فصل من عمله 
وتحمل الصغير المسئولية الكاملة للعائلة.. 

كان لبتهوفن أصدقاء عديدون سماهم «ملائكة الرعاية». وكان أهمهم 
عائلة «برويننج» ع«نهناء:8 التي كانت تتمتع بمركز اجتماعي مرموق إلى 
جانب الخصوبة الثقافية مما كان له أشد الأثر على تكوين فكر بتهوفن 
وثقافته في هذه المرحلة من حياته.. وصديق آخر حميم كان الكونت فالدشتين 
«نعاوللة/ الذي كان يقدم له المساعدات المالية دون أن يجرح كبرياءه.. 

في عام 1792 سافر بتهوفن إلى فينا للمرة الثانية ليعيش في وسط 
التجربة الموسيقية الكبرى؛ وليواصل دراسته مع هايدن العظيم بعد أن كان 
موتسارت قد رحل عن العالم وهو في عمر الزهور. وكان هايدن قد سمع 
عن عبقرية بتهوفن عندما مر ببون 1790 فبدأ في تدريسه على الفور 
واستمر يباشره لمدة عام كامل لم يشعر فيه بتهوفن بالسعادة لأنه لم يحقق 
ما رجاه من علم موسيقي على يد زعيم الكلاسيكيين «بابا هايدن».. أما من 
وجهة نظر هايدن.. فإنه لم يكن يعلم ماذا يفعل مع الشاب الريفي المتمرد .. 
فلم يتبع بتهوفن أي قاعدة عن ثقة وكان دائما يسأل: «لماذا؟» ودكيف؟)».. إلا 
أن هايدن قد عامله بأبوة ورعاية بعد أن تأكد من تقدمه العاصف فى 
مجالات التأليف والعزف الخارق للعادة على البيانو.. ا 

لقي نجاح بتهوفن كل تقدير أدبي ومادي من الطبقة الآأرستقراطية 


412 


عبقريات موسيقيه 


بفيناء وهي الطبقة الذواقة للموسيقى التي احتضنت العبقري الشاب 
وأغرقته بالتكريم و بعروض العزف والتدريس؛ حتى أصبح وقته لا يتسع 
لقبول عروض جديدة.. ومما هو جدير بالذك رأن صديقه الكونت فالدشتاين 
كان قد قدمه إلى النبلاء بخطابات مهدت لقدومه إلى فينا كما أن حاكم 
بون الذي كان عما لإمبراطور النمسا وموسيقيا مجيدا كان قد طلب له 
الرعاية والتقدير.. 

كان الأرستقراطيون يتوقعون المديح والشكر والتبجيل والانحناءات من 
الفناتين الذين يتلقون منهم الساعداثت...ولكن بتهوفن كان غلى النقيضن 
من ذلك كلم يقبل أن جلتقتى ياجد غفيم إلا كن ممما و .على اقل قدي 
وكانت حياته الأولى قد خلقت منه شخصية قوية الإرادة. عاطفية: مندفعة 
ثائرة. وقد غمره أهل فيناء لذوقهم الموسيقي الراقي: بكل وسائل التكريم 
والرعاية. وعاش أجمل وأسعد أيام حياته فكانت موسيقاه تحقق له دخلا 
كبيرا مكنه مخ اتشفيل كانه شاضن وشراء حفان وطلايسن أثيقة. كينا حاون 
أن يتعلم الرقص الذي كان من ضرورات مجتمع القصور الذي كان قد 
أصبح بتهوفن أهم مرتاديه؛ بعد أن تأكدت شهرته كأعظم موسيقي في 
المدينة. بعد هايدن.. 

كان يحب إنجلتراء وفكر كثيرا في السفر للإقامة الدائمة بباريس.. 
ولكن جاذبية فينا كانت أقوى: لما لاقاه فيها من استقرار وسعادة ونجاح.. 
كانوا يلقبونه ب «عملاق عازضي البيانو».. وقام بجولات ناجحة وساحقة 
ببراج وبرلين ودرسدن ونورنبرجء ولكنه عاد إلى فينا حيث مركز الإشعاع 
القنى: وقمة الحضازة الموؤسيقية: وكان أضدقاؤة المقريون فى:تنك الفثرة 
هم عائلتي الكونت «لشنوفسكي» و«البرونزفيك». ْ 

لازمته غادة المشي خلوال بحياقه تكاقى رواض كه اليؤية والظطابه عدن 
السواء. وفي جيب معطفه. كان يحتفظ بورق الموسيقى الذي كان يدون 
عليه أفكاره آثناء المشيء وكثيرا ما كان يتوغل في غابات فينا ويجلس إلى 
جوار جذع شجرة لتدوين أفكاره. وقد أصبحت تسويداته هذه المرجع 
الرئيسي لأعظم أعماله؛ كما أن دراسة ما دون بها أثبت أنها تضمنت 
أحنيات ها خافه من قراث موسيقي نادر.: 

قادته عاطفته وحساسيته المفرطة إلى الوقوع الدائم في الحبء. وكان 


4253 


دعوة إلى الموسيقى 


يحن إلى الزواج والاستقرار ليتخلص من حياة التشرد . ولم تتحقق له تلك 
الآمنية ربما لان أغلب السيدات اللائي تقدم إليهن كن من طبقة اجتماعية 
أعلى من طبقته؛ ولكن هيمل اءدصدة1 عازف البيانو الشهير قال في ذلك: 
«انه يوجد اكثر من مائة سيدة تتمكن من عزف البيانو احسن منيء. وكل 
هذا العدد من الفنانات يتوقن إلى الاستمتاع بعزف بتهوفن والتصفيق له 
بجنون وإعجاب.. ولكن أي واحدة منهن لا يمكن أن تقبل أن تطارحه الغرام.. 
لأنه لا توجد من تستطيع أن تطارح الغرام لإله.. خاصة إذا كان هذا الإله 
ضمي 

في عام 1798 بدأ بتهوفن يشعر بالصمم-وهو التاريخ الذي حدده بنفسه 
لبداية الكارثة-ولم يأخذ هذه الأعراض مأخذ الجد في بادئ الأمر لأنه 
ربط بين هذا المرض وما كان يعاني منه من ضعف المعدة والدوزنتاريا . وبعد 
ذلك بعامين بدآت الحقيقة تاكد له.. فأخفى المرض على جميع الناس؛ 
لآنه شعر بالمهانة والعذاب مع ما كان يشوه وجهه من مرض لازمه منذ 
طفولته.. وهو آثار لمرض الجدري.. كتب لصديقه الدكتور فيجلريبون: «إن 
أذني تصفر وتؤلمني بشكل دائم ليل نهار؛ وإن الله وحده ليعلم ماذا سيصير 
إليه أمري». 

بدأ ينسحب من المجتمعات حتى لا يفتضح أمره لأنه لم يكن قادرا على 
الإفصاح للناس «إني أصم». وأضاف: «بالنسبة ليء لا يوجد ترفيه ولا 
تسلية في المجتمعات الإنسانية؛ ولا أستطيع أن استمتع بحوار شيق أو أن 
أتبادل أفكاري وأحاسيسي مع الآخرين.. لا مفر من أن أعيش في منفى.. 
وبعد قليل؛ يتعين علي أن أضع نهاية لحياتي».. إنه في هذه المرحلة من 
حياته كتب وصيته الشهيرة التي تنفصح عن أقصى درجات المرارة التي 
أحس بها والعذاب النفسي الذي عاناه. 

إن صراع بتهوفن مع القدر قد بدأ بعد لحظات اليأس هذه.. و بدلا من 
الانتحار.. صارع القدر وأبدع أعظم إنتاجه.. وكان كلما اشتد عليه الصمم.. 
زاد إمكانية على سماع الأصوات الإلهية التي دونها في موسيقاه. ولذلك 
عندما وصل صممه إلى منتهاه.. أبدع أعظم أعمال البشرية على الإطلاق.. 
الإنسانية صراعه مع القدر هذا مر بمراحل متعددة.. حتى وصل إلى 
مرحلة السكينة والهدوء.. لا إذعانا واستسلاماء ولكن انتصارا على قوى 


441 


عبقريات موسيقيه 


الضعف البشري والمرض والمهانة.. لقد وصل في انتصاره على القدر إلى 
حد كتابة نشيد السلام.. الذي دعا فيه إلى قمة الوحدة والحب والإخاء بين 
البشر. 

في سيمفونيته الأولى؛ كان كلاسيكيا رشيقا ولم يسمح لآلام أذنيه ولا 
أوجاعه العاطفية أن تتدخل في تشكيل وجدان اللحن أو مضمونه. ولكن 
سيمقونية «البطولة: الالثة أصبحت مجالا روتتكيكيا خصيا الكسبير 
الشخصي.. ولتدخل أحاسيسه بغير موضوعية مجردة-لقد وجد فيها متنفسا 
للإفصاح عن إعجابه ببطل كان يراه يعمل لخلاص البشرية ومعاداة الملكية 
المستبدة.. فأهداها لنابليون: وعندما كان يهم بإرسالها إليه بباريس؛ جاءته 
الأنباء التي أعلنت خيانة نابليون لمبادئه وتنصيب نفسه إمبراطورا.. ثار 
بتهوفن ومزق صفحة الإهداء وكتب بدلا منها «سيمفونية البطولة.. في 
ذكرى رجل عظيم».. وأفصح أن هذا الرجل لا يزال يحيا بجسده؛ أما روحه 
فقد ماتت.. إن مبادئه هذه تبلورت في كثير من المواقف منها خطابه إلى 
صديقه الأمير «ليشنوفسكي»: «أيها الأمير.. إن مكانتك وإمكانياتك. ترجع 
إلى الحظ.. والى الوراثة. ولكن أنا أختلف. لأن مجدي ينبع من نفسيء ولا 
يوجد سوى بتهوفن واحد». 

إن سيمفونيته الخامسة هي أول إفصاح عن عبقريته الناضجة. إنها 
الرجل الجديد أمام قدره منتصرا بقوة الخير وقوة الآلة. إنها ملحمة تصور 
رحلة الإنسان من العذاب والمعاناة إلى الحكمة والمعرفة. ومن الحكمة إلى 
الشجاعة إلى الأمل.. ثم إلى الحياة الأبدية الخالدة. 

كان عام 1808 هو الحد الفاصل الذي أنهى فيه مهنته كعازف تاريخي 
نادر للبيانو.. فقد حال صمه. الذي كان قد وصل إلى مرحلة متأخرة: دون 
استمراره في العزفء رغم إنه سراء كان قد طلب إضاقفة وتر لأوتار البيانو 
ذات الطبقة الموسيقية الواحدة حتى تزداد القوة. فيساعده ذلك على سماع 
نفسه وهو يعزف.. ولكنه واصل عمله كقائد للأوركسترا لتقديم العروض 
الأولى لأعماله العظيمة.. التي توجها بالسيمفونية التاسعة (الكورالية).. 
وقد قال عنها فاجنر: 

«إننا ننظر إلى هذا العمل كعلامة تاريخية تحدد عهدا جديدا في هذا 
الفن العالمي.. فمن خلاله عاش العالم ظاهرة نادرة قلما يجود التاريخ 


425 


دعوة إلى الموسيقى 


بمثلها.. في أي زمان أو مكان».. 

وقال ناقد آخر هو «سنتيانا»: 

«إن الله قد خلق العالم حتى يكتب بتهوفن سيمفونيته التاسعة».. 

إنها وصية الحب والسلام.. (ليحتويكم الحب يا ملايين البشر.. هاهي 
قبلة لكل العالم).. 

يقسم الكثير من النقاد حياة بتهوفن إلى ثلاث مراحل.. ورغم أن ذلك 
لا يقره آخرون.. فإن المرحلة الأولى هي التي تتسم فيها أعماله بالطابع 
الكلاسيكي لهايدن وموتسارت وهي تبداً بعام 1795 وتنتهي عام 1803... 
وتشهد هذه الفترة ما يقرب من خمسين عملا موسيقيا تتضمن العديد من 
سوناتات البيانو وأهمها «ضوء القمر» و«المؤثرة» والسيمفونيتان الأولى 
والثانية.. أما المرحلة الثانية فتبداً بعام 1804 حتى ١816‏ .. وتتسم بالشاعرية 
والثورية و بشخصيته الرومنتيكية.. وخلالها كتب سيمفونيته الخامسة وأوبرا 
«فيديليو» وافتتاحيات «كوريولان» و«اجمونت».. أما المرحلة الأخيرة والتي 
شملت العشر السنوات الأخيرة من حياته» فقد تضمنت سيمفونيته التاسعة 
«والقداس الكبير» وسوناتاته ورباعياته الوترية الأخيرة. وهو في هذه المرحلة 
يرتفع على صراعه الشخصي مع القدر.. وتعبيره عن فرديته وشاعريته 
وفلسفته. إنه يتخطى نفسه ويجتازها إلى شعور أعم وأعمق.. إلى وحدة 
مع الإنسانية.. وصفاء وسلام وتعائق بين كل البشر.. 

وعندما رقد بتهوفن على فراش الموت.. التف حوله «شندلر» و«برويننج» 
وأخوه «يوهان».. وكان يقرأ ل «سكوت» و«أوفيد»..كما كان في منتهى السعادة 
من مجلد وصله من أحد أصدقائه الإنجليز عن مؤلفات لهيندل.. وضي 
الثالث والعشرين من مارس عام 1827.. أصبح واضحا أن النهاية قريبة لا 
محالة. فوقع وصيته؛ ووافق أصدقاؤه على أن يصلي له قسيس الصلاة 
الأخيرة.. كان قد مرض بالصفراء في عام ١482١‏ ولكن المرض عندما 
عاوده هذه المرة.. كان قاتلا.. وفي يوم 24 مارس وصلته هدية من نبيد 
الراين؛ علق عليها بقوله: «واأسفاه. لقد وصلت متأخرة». ثم قال: «هللوا 
أيها الأصدقاء. فقد انتهت المهزلة».. وفقد الوعي حتى يوم 26 مارس عندما 
دوى الرعد ولمع البرق في عاصفة عارمة. فرفع رأسه وفتح عينيه.. ثم 
أغمضهما إلى الأبد.. 


416 


عبقريات موسيقيه 


ولقد شيعته فينا بكل التبجيل والتكريم.. وسار خلفه جمهور راق غفير.. 
حتى لحق به بعد عام ودفن على بعد خطوات منه. 


بعرامز 

هو المؤلف الموسيقي العملاق الذي كتب أربع سيمفونيات يعتبرها 
الكثيرون أعظم ما كتب في الموسيقى السيمفونية.. ولا يختلف أحد على 
أنها من أروع وأقيم الأعمال السيمفونية على الإطلاق.. هو المؤلف المبدع 
الذي خلف للتراث الموسيقي اثنين من أمجد أعمال الكونشرتو للبيانو 
والأوركستراء وثالثا للفيولينة.. ورابعا مزدوجا للفيولينة والتشيلو مع 
الأوركستراء لا يفوقها عمل آخر ممائل. إنه الموسيقي الذي عاش العصر 
الرومنتيكي بعواطفه وأحاسيسه.. ولكنه بذوقه وقيمه الفنية كان كلاسيكيا 
ملتزما بالنص الوبريقى» لا يطسى يضوك نه على حاب اال غير 
داخل في تكوين الموسيقى ذاتها.. كتب أعمالا رائعة في شتى القوالب: منها 
أعمال البيانو المنفرد والأغاني الرفيعة (الليد). هو الفنان الوفي الذي 
قدس أسلافه العظام باخ وبتهوفن.. واختلف مع معاصريه من أجل القيم 
والمبادئ الفنية.. هو الأعزب الوقور الذي اتخذ من الموسيقى رفيقا ملازما 
في رحلة الحياة. 

ولد يوهانس برامز عام 1833 في أحد الأحياء الفقيرة لمدينة هامبورج 
بألمانيا من أب موسيقي كان يعزف «الكورنو» بإحدى فرق المدينة وأم كانت 
تجيد أشغال الإبرة وفنون الطهي.. فكان أبواه يجيدان فنون الحياة ويعرفان 
كيف يستمتعان:نلذات العيشن الرغد:»:: 

وفي هذه البيئة بدأ يوهانس الصغير يعبر عن نفسه بالموسيقى وهو لا 
يزال في الرابعة من عمره. فلفت نظر والده الذي بدأ على الفور في رعاية 
الموهبة الناشئة ليخلق من يوهانس طفلا معجزاً جديدا مثل موتسارت.. 
بدأ في دروس البيانو والعلوم الموسيقية النظرية.. واهتم أساتذته برعاية 
مواهبه.. فتمكن الصغير من السيطرة على آلة البيانو بإمكانيات نادرة 
معجزة وهو لا يزال في العاشرة من عمره. كما تمكن من أداء الارتجالات 
الموسيقية وهو في هذه السن الصغيرة. كان أساتذته يربون فيه الشعور 


417 


دعوة إلى الموسيقى 





برامز 


بالقومية الألمانية وإمكانيات التأليف الموسيقي في نفس الوقت. عن 
طريق دراسة الألحان الشعبية وأداء ارتجالات متنوعة عليها وهو الأسلوب 
الذي ظل عالق بوجدان برامز حتى مراحل نضجه.. فهو من أتمة المتمكنين 
من أسلوب الارتجال وتطوير الألحان ودراسة تفاعلاتها.. فهو الذي كتب 


48 


عبقريات موسيقيه 


العا اس ار 0 يي 
الموسيقية. 


ومن الغريب حقاً أن برامز قد تمرس الحياة الفنية في كافة مستوياتها .. 
فكان وهو في الخالكة عشرة يعمل هاذها للبيانو هن إحدى الحانات بمدينتة 
هامبورج. بل انه قي هذه السن كان قد تعرف على حياة الليل والخمر 
والنساء والعريدة التي كان يحيا في وسطها بحكم عمله. وكان ذلك هو 
الصراع النفسي الهام الذي كون ركنا كبيرا للفضيلة في نفسه العظيمة, 
فقد كان حبه الغريزي للجمال يصطدم بالبيئة والمجتمع في حرب لنفسه 
على قوى الشر والابتذال. وعندما بلغ العشرين من العمر دخل مرحلة 
النبوغ العبقري الذي اعترف به الناس؛ فقد استمع إليه عازف الفيولينة 
التاريخي «يواكيم» الذي صرح على الفور بأنه مؤلف موسيقي عبقري قد 
يجمع بين إمكانيات الخط اللحني الخصب الشاب والقالب الرصين 
والإيقاعات الأصيلة الحية النابضة والعاطفة الناضجة الصحيحة.. وقد 
قدمه «يواكيم» إلى صديقه المؤلف الألماني العظيم «روبرت شومان» الذي 
كان الأستاذ الأول للموسيقى الرومنتيكية. فضلا عن أنه كان صاحب كلمة 
لها وزنها في مساعدة الشباب الصاعد من الموسيقيينء ورغم الهيبة التي 
كانت تحيط بهذا اللقاء الفني التاريخيء فإن «برامز» وجد في شومان 
بساطة ووداعة وتواضعا أذهله حتى أصبح شومان نموذجا بشريا أخلاقيا 
يحاكيه «برامز» في حياته؛ وعندما بدأ برامز في عزف إحدى سيمفونياته؛ 
اقشعر بدن شومان وجرى ينادي زوجته «كلارا» لتشاركه متعة ال ال 
الشاب العبقري.. قرر شومان أنه شخصيا لا يمتلك الصنعة الموسيقية التي 
ظهرت بوضوح في أعمال المؤلف الشاب.. ومن ذلك الحين بدأ يطبم رسسالته 
على كاهل برامزء بعد أن تأكد من قدرته على حمل المشعل إلى آفاق أبعد 
وأعمق مما يستطيع هو نفسه؛ فقدم برامز إلى الأوساط الموسيقية الشهيرة 
على أنه العبقرية الفذة الجديرة بالرعاية بالكو وده مين 
وصديقاً مقرباً وابناً حبيباً طيعاً.. 

كتب برامز المزيد والمزيد من الأعمال الموسيقية لإرضاء صديقه العظيم 
وزوجته «كلارا» التي كانت عازفة بيانو نابغة» والتي كانت تقدم أعمال 


49 


دعوة إلى الموسيقى 


برامز أولا بآول لكل الدوائر الموسيقية الهامة.. كانت «كلارا» جميلة رقيقة 
عذبة ومقربة من العبقري الشابء فأحبها حبا صادقا عميقا يجمع بين 
العافامة والاتمترام والعرهان بالحميل: 

لعب القدر دورا خطيرا في علاقة (برامز) «بكلارا شومان».. قفي 
الفقرة الف يدا ذه الشاب يتلق بكلارا: كان شوهان كد هذا يماض نح 
مركن وذهب البعيم ف مسشلدى الأبنزاض التكلية, يوقم يقن شونان 
من مرضه حتى ودع الحياة.. وكان عزاؤه الوحيد أن ابنه الروحي «برامز» 
يرعى موسيقاه التي خلفها للانسانية قبل مرضه:. وأنه قد عهد إليه برعاية 
«كلارا» زوجته وأولاده.. 

كانت «كلارا» زوجة وفية مخلصة وقادرة على فهم نزوات الشاب: وكانت 
أما لستة أطفال وحاملا في الطفل السابع.. وهذا ما جعل «برامز» ينظر 
إليها بحب وتقدير نادر كنموذج غريد لإنكار الذات: ولكنه طالما صارحها 
بحبه بطريقة أو بأخرى.. وعندما كانت تشعر بحزن عميقء كان يجلس إلى 
البيانو ليواسيها بأنغامه التي حملت حبه الدفين.. وفي حديث لكلارا عن 
براهر:. ذكرث أنه قال:رإقى انمي إلخساميا مكزايدا بالجمال.. آلآ صتعدين 
ذلك: فعندما تشاهدين امرأة جميلة عذبة لفترة طويلة.. امرأة تجمع بين 
الجمال والرقة واتمهاي فق امرء لا يمللك إلا أن يكاكر ويتشدل»: 

سيطر برامز غلى احاسيسة.. وقرر آنه لا فاكدة من الزواج من هذه 
الأرملة.. كما لا يمكنه الزواج من أي امرأة أخرى.. لأنه لن يجد أخرى 
تروقه وكركهي فيه يه وكاكرا وتمهل أن ينلاست حراعه ويفير اككارد 
وسلوكه بمبادئّ أرسطو المثالية.. دعا نفسه إلى الهدوء وقبول الألم والمرارة 
بالايتسامة الساخرة.. وبالتفسن الفاضلة...وظلت علاقتهما هادئة رقيقة .: 
تحمل :وصانة على :ذكرئات بقصبة .: وهواظلف مكنوقة مكبوجحة :.:ظهيرت 
وتعسوت فى «كونتدرتو البيائو الأول العظيم ف مقاة رض صثيرة: 

اندفع «برامز» في مغامرات عاطفية عارضة كان أهمها علاقته ب 
«أجادثا». ونذكر هذه العلاقة لأهميتها على إنتاجه الموسيقى.. فقد كتب 
همالا من توع «السدانسين انيت الات وكرية تنوم هادته اللحية على الترقة 
الموسيقية التي تسمى بحروف اسمها (ترمز كل من الحروف الهجائية 


اللاتينية إلى نغمة موسيقية). 


عبقريات موسيقيه 


كتب برامز عددا من الأغاني الرفيعة الرائعة ترجم فيه عواطفه إلى 
نماذج غنائية امتزج فيها الشعر بالموسيقى و بالمضمون الحسي في تكامل 
تام. 

ولم ينس قوميته التي تكونت مع نفسه.. فكتب الأغاني الشعبية الألمانية 
للصوت البشري والبيانو.. كما كتب «الجناز الألماني» الشهير رثاء لأمه التي 
تأثر بموتها بعمق هز كيانه. 

في عام 1862: رحل إلى فينا.. كعبة الموسيقى ومدينة العباقرة التي 
احتضنت موتسارت وبتهوفن.. وهناك تحقق من أن لا كرامة لنبي في 
وطنه.. فقد وجد الأبواب مفتوحة أمامه على مصراعيها .. فعمل أول الأمر 
قائدا لكورال «جماعة أصدقاء الموسيقى بفينا» ووجد فى هذا العمل مجالا 
ندايقة همالا + العذاكئة المظومةودراسة ابرعالبيه التتدرافظية التريدق 
وهو ما يلمسه المرء في أعماله الكبيرة التي مزج فيها. إمكانيات الصنعة 
الموسيقية لأسلافه العظماء مع أحاسيسه الرومنتيكية الفياضة. 

كان مهملا في مظهره.. رغم اهتمامه الشديد بأحاسيسه وموسيقاه.. 
وقيمه وأخلاقياته.. فكان نادرا ما يلبس رياط عنق.. أو يغير من ملايسه.. 
وقد سبب ذلك حرجا شديدا لأصدقائه الذين حاولوا بشتى الطرق أن 
يجعلوا مظهره لائقا بمكانته ومعبرا عن نفسه وفكره المرتب المعتدل.. وكان 
طيبا بسيطا متواضعا.. وابنا طبيعيا لأحد الأحياء القذرة بهامبورجء كان 
كوالديه يحب الأكل والشراب.. ولكنه في هذه المرحلة من حياته بدأ يعتكف 
بعيدا عن المجتمعات مفضلا الحياة مع موسيقاه التي يراجعها كثيرا جدا 
قبل أن يخرجها إلى الحياة.. على النقيض من سلفه موتسارت الذي كان 
يكتب الموسيقى بتدفق وانسياب وسرعة فائقة.. وذلك لان برامز يراجع 
بعقله ويحدد خطواته واتجاهاته و يتحكم في مشاعره وعواطفه.. وسط 
أطباق اللحوم والأسماك.. ومذاق القهوة القوية المركزة والسيجار الضخم. 

كان في موسيقاه. كما هو في حياته. وريثا شرعيا لبتهوفن العظيم.. 
فقد كانت تكمن في نفس كل منهما الرقة والوداعة والحب للبشر.. وضي 
مظهره إهمال وفوضى وعدم اكتراث-وكانا هما الألمانيان اللذان رحلا إلى 
فينا وعملا لخلق الموسيقى الرومنتيكية المبنية على القوالب الرصينة.. 
فهما اللذان أضافا روح الفلسفة ولهيب العاطفة إلى قوالب باخ المعمارية 


دعوة إلى الموسيقى 


الرصينة.. لآنهما آمنا آن الكوسيقى هي غن العقل والوغي والإدواك تضاف 
ليها العو اقلق والالماسيي لوقن السبير والفيق :أن اللحاسيين وفدقا 
فلا تنفع إلا لفن رخيص .. يقول برامز»» ألم يكن بتهوفن أصم يكتب الموسيقى 
من خلال حساباته العقلية المدربة المتطورة».. فالموسيقى هي بالضرورة 
رياضة ذهنية. وقوة بنائه جمالية مبنية على أساس من الفكر والفهم.. 
وطالما نظر برامز باحتقار شديد إلى الأعمال الموسيقية التي تعتمد على 
الإحساس والعاطفة والوجدان غير المحكومين بالفهم والثقافة والتدريب. 
ومن ذلك يظهر لنا جليا السبب الذي جعل من «برامزناقد! قاسيا لنفسه 
ولأعماله الموسيقية. 

كانت موسيقاه صورة لنفسه ولعواطفه.. روحا شفافة رقيقة في داخل 
جسم جرانيتي فقوي ضخم.. فكانت موسيقاه رومنتيكية رقيقة عاطفية في 
إطار ذي بنيان كلاسيكي المعمار. وهذا ما جعله يسمى بالكلاسيكي 
الرومنتيكي.. وكان رقيقا إلى حد أن دموعه كانت تخونه دائما وتنساب من 
عينيه بغزارة بمجرد أن يشعر بانفعال موسيقي.. وكانت هذه الرقة تتناقض 
مع مظهره القوي المهمل.. حقيقته كانت تكمن في حياته الفكرية المجردة 
الخلاقة اليقظة.. فكان يكتب ويراجع ويصحح وينقد حتى أن سيمفونيته 
الأولى جاءت بعد عشرين عاما من العمل في كتابتها.. تلك السيمفونية 
التى سماها تلميذه الوفى «هانز فون 5-07 8111017 مه قصدآآ سيمفونية 
يفيوفع العاشرف أو «الممفوقية العاف الكانية وكان لصون من ذلك 
أن برامز جاء ليكمل رسالة بتهوفن: وان سيمفونيته الأولى هي تكملة 
لسيمفونيات بتهوفن التسع.. وقد أمضى برامز سبعة وثلاثين عاما في 
كتابة «ثلاثية من مقام سي كبير» ثم راودته أفكار جديدة: فأعاد كتابتها 
بالكامل. أما سيمفونيته الثانية فكانت تعتبر «ريفية رومنتيكية» والثالثة, 
أطلق عليها اسم «ذات القالب المعماري القوطي». وسيمفونيته الرابعة 
والآخيرة نلمح فيها مسحة الحزن والوداع العظيم.. كان كونشرتو البيانو 
والأوركسترا الثاني: قريبا جدا إلى قلبه بأنغامه العاصفة العاطفية الحادة.. 
هؤلاء هم أبناء الأعزب «برامز» الذي اتخذ من أعماله أبناء أعزاء استغنى 
بهم عن رفاق الحياة. 

كان يكره ربط الموسيقى بعناصر غير موسيقية.. مثل ربطها بالمسرح أو 


عبقريات موسيقيه 


ببرنامج وصفى.. وهو لذلك تجنب كتاية الأوبراء وتجنب كتابة «القصيد 
السيمفوتى» الذي يروي به المؤلف الموسيقى قصة أو قصيدة أو موضوعا 
معينا.. فكان كلاسيكيا يكتب الموسيقى للموسيقي.. و يعتمد في جمالها 
على إبداع الصنعة وإتقانها وإمكانيات الأصوات الموسيقية على التعبير 
الجمالي المجرد.. المغمور بشحنة عاطفية هي صورة نفسه وخلاصة 
أحاسيسه. ولنفس الأسباب وضعه نقاد القرن التاسع عشر كنقيض لفاجنر؛ 
هذا [الإسرك الفى تاتروت ملوريدية الإسرق السريعية الدرايرةر الدسدث 
بفنون الشعر والديكور والتمثيل والإخراج والحركة.. ولقد كانا نقيضين 
بالعدل إلا مسرا كاق يركب اعمان كا جدر ريرض ها اهارا لأعمال 
المسرحي.. أما برامز.. فقد سار على نهج بتهوفن في مجال الموسيقى 
السيمفونية المبنية على القوالب الكلاسيكية الملتزمة.. ولذلك فقد استمر 
برامز مبتعدا عن الصراع مؤمنا بأن كل منهما استمرار لبتهوفن العظيم من 

وفى سنواته الأخيرة. بدأ برامز يفقد أصدقاءه الواحد تلو الآخر.. 
وكان أهمهم وآخرهم «هائز فون بيلوف» ثم معبودته «كلارا شومان» التي 
حجن الماع غير وكاتيا:فاشقل اول كظان إن انان تيضم الرهوو هلى 
لازمته حتى أيامه الأخيرة.. وبدون مقدمات مرض بسرطان الكبد.. ولفظ 
أنفاسه الأخيرة بعد أيام قليلة من اكتشاف المرض الخبيث في 3 أبريل عام 
١.7‏ وكان آخر ما قاله على فراش الموت: «إني لم أبدأ بعد في كتابة 
أفكاري الموسيقية: وضي التعبير عن نفسي»» ولكنه احتفظ بها وحملها معه 
إلى عالم أفضل. 


تشايكو فسكي 

إن تناول سير عظماء مؤلفي الموسيقى: يهدف أساسا إلى التعريف 
بمبدعي الأنفام التي نسمعهاء حا ترتبط في إحساسنا وفهمنا العلاقات 
بين الأصل والصورة. أي بين المؤلف واللحن.. وحتى يساعدنا ذلك على 
التحقق من الواقع المادي الذي أدى إلى إبداع الروائع الموسيقية.. وهذا 


دعوة إلى الموسيقى 





الواقع المادي الذي يخرج عنه المحسوس من النغم,؛ والذي يشع تعبيرا 
تتكون فى بوتقة الانعكاسات الاجتماعية والسياسية والفكرية والتى تنصهر 


54 


عبقريات موسيقيه 


فيها روج اليطير والمتراك الفاريف للقنان الدع ورترلور كل زنك قن الأشتاه 
الموسيقي لكل من الفنانين الموسيقيين. 

إن الاشصماع إللى اللوسيقى متموكة عق اللعرفة والفكر اعون لوالا يودي 
إلى المتعة الثقافية الكاملة.. بل يعتبر تسلية وقضاء للوقت؛ وليس تذوقا 
جَادا أمينا..ولست هنا يضدذ روايةقضة حياة تشاركو فبك .تعدو ها 
أقوم بمحاولة استشفاف ظروف حياته التفهية الف أديت إن إيدا «سوسيعاف 

ما من شك في أن تشايكوفسكي هو واحد من أئمة التأليف الموسيقي 
عبر التاريخ.. ورغم ما يلقاه في العالم المعاصر من نقد-على أنه تشاؤمي 
مبالغ في التشاؤم.. ومريض شاذ يدعو إلى الكآبة والتخلف العاطفي.. 
وعلى أنه ضعيف في إمكانيات بنائه الموسيقي وفي طريقة تفاعل ألحانه 
وتنفيذها ودراستها-فإنه منبع نادر للخصوبة اللحنية.. والتعبير القوي الأخاذ. 
والتشكيل الانفعالي حتى أنه يضع المستمع في قبضته ويعتصره في ذروة 
الانفعال؛ ثم يتركه منهكا.. مسترخي الأعصاب.. ومتفلسفا مع الحياة.. 
خاملة نيما يساق بالوظوالعدع.: الددحاتي من الكروة الإنساتية الوسيقية 
الفوارقة .محا ينتوم فى مجالات اللناكية اللحية: إل جاتب الأجادة 
أيضا هي مجالات الوناء والكوين العلميلقوالب يحكى تلقام ورهه أن 
هذه الميزة الأخيرة لا تتوفر في كل أعماله؛ فإنه يضحي بها في أحيان كثيرة 
اعطينا الفدول عنياء ومن الاسان الماماقية الطريلة المجتريلة الكمية 
والمتعددة.. الشديدة الانفعال. 

لقد أفاد الهجوم على موسيقى تشايكوفسكيء في الكشف عن جوانب 
العظمة في أعماله: وإبرازها والدفاع بها عنه من جانب عشاق فنه.. ويتركز 
جانب من هذا الهجوم على أنه مؤلف غير قومي.. ولكن الواقع يؤكد أنه 
وطني وقوميء إلا أنه لم ينضم إلى زملاته المعاصرين والذين كانوا يسمون 
بالكمسية الكبان نكر بيت الدرسة القونية الرويسة كان هر وي اانه 
نلا شعارات وحكفب اللموسيقى تقبيرا غن نفسة.. فكانت موسيقاه ذلك لا 
ترتبط بشكل مباشر بوطنه أو قوميته.. فلم يتناول الألحان الشعبية لبلاده 
بهدف زبرا القومية الروينيةبولكنه امل الكيرهنها لآنه انخيها ودايا 
في مواقف معينة.. أو لآنه وجد بها وسيلة للتجديد الموسيقي من أجل 
الموسيقى ذاتها والتعبير الجمالي فيها.. كما حدث عندما استخدم الميزان 


دعوة إلى الموسيقى 


الموسيقي الخماسي في سيمفونيته السادسة؛. وضعه كإيقاع شعبي قومي 
روسي يشكل نبضا جديدا للحركة الثانية من السيمفونية. 

... وخوفا من طول الاسترسال في المقدمة.. هاهو شيء عن 
تشايكوفسكي وموسيقاه.. 

ولد بيتر إيليش تشايكوفسكي بمدينة «كامسكو» بولاية «فياتكا» بروسيا 
في 17 مايو سنة 1840ء وكان أنوه يعمل مذعفنا بمناجم الحكومة الواقعة 
بتلك المقاطعة. لم يكن هناك ما يشير إلى عنصر روائي يمكن أن يؤدي إلى 
موهبة بيتر الموسيقية. كان حتى السابعة من عمره مرتبطا بمربيته الفرنسية 
ومتعلقا بها وبكل ما كانت تغرسه فيه من عادات ومعارفء وكان ذكيا لماحاء 
وحاضر البديهة. وعندما بلغ السابعة بدأ دروسا منتظمة في عزف البيانو 
لمدة ثلاثة سنوات رحلت بعدها العائلة إلى مدينة«بطرسبورج»..-ليننجراد- 
وهناك تولاه الأستاذ الكبير «فيليبوف» الذي وجد فيه تلميذا مجيدا ولكنه 
غير معجز ولا خارق للعادة. وفي نفس الوقت ألحقه أبوه بالمرحلة الابتدائية 
بمدرسة القانونء: التي تخرج فيها بعد تسع سنوات عام 1859 ليعمل كاتبا 
من الدرجة الأولى بوزارة العدل. 

كانت الموسيقى هي أقرب الأشياء إلى نفسه. ولكنه لم يكن حتى هذه 
المرحلة من حياته قد حقق مجدا في عالمها. كل نشاطه الموسيقي كان 
منحصرا في الغناء بفرقة الكورال الخاصة بمدرسة القانون: إلى جانب 
مواصلته لدراسة البيانو. ولكنه عندما بلغ العشرين بدأ يرتجل ألحانا جميلة 
لإرضاء نزعات التأليف التى تفجرت فجأة. كما ألف عددا من رقصات 
البولكا والغالس: وشريخريت 86١‏ بدأ لأول مرة في دراسة نظريات التأليف 
الموسيقي بالفصول الموسيقية التي كانت قد افتتحت لتوها وكانت تابعة 
للجمعية الموسيقية الروسية التي تحولت بعد ذلك إلى معهد موسيقى كبير 
(كنسرفتوار). 

عندما بلغ الثالثة والعشرين (1863) كانت الموسيقى تأخذ كل وقته وفكره 
وكيانه؛ فوجد أنه من العبث أن يحتفظ بوظيفته رغم ما كانت تدره عليه من 
دخل منتظم يحميه من مخاطر الحياة.. وصمم على التفرغ لهاء فاستقال 
من وظيفته. وواجه حياته الجديدة كموسيقي محترف. 

ماتت أمه بوباء الكوليراء وكانت أعز إنسان إلى قلبه. وفقد أبوه ثروته 


56 


عبقريات موسيقيه 


ولم يستطع تقديم أي معونة مادية لابنه سوى الإقامة المجانية.. فاضطر 
تشايكو كي إلى إعطاء دروس خاصضة ساهده أسخاذه وانثون رويتشتاين» 
في الحصول عليهاء ولم تكن تدر عليه سوى القليل جدا .. !! إلا أن حياته 
كانت تنحصر في الدراسة والتآليف والتدريس ليصبحكما يقول«موسيقيا 
مجيداء وقادرا على كسب القوت اليومي».. 

تخرج تشايكوفسكي في الكنسرفتوار عام 1865ء وكان العمل الذي قدمه 
في الامتحان النهائي هو تلحين «نشيد السعادة» للشاعر الألماني «شيلر». 
وهو.. النشيد الذي لحنه بتهوضن في ختام سيمفونيته التاسعة (الكورالية). 
وقد حصل تشايكوفسكي على ميدالية ذهبية تقديرا على إجادته لهذا 
العمل 

وبعد ذلك بعام واحد طلب إليه أستاذه «روبنشتاين» أن يقوم بالتدريس 
بكنسرفتوار موسكو واختار له مادة الهارموني. ورغم أن الآجر لم يكن 
مجزياء فإن هذا العمل حفز تشايكوفسكي على المزيد من التجربة العلمية 
بجانب أستاذه العظيم روبنشتاين الذي ظل يوجهه في عمله و يقدم مؤلفاته 
للجماهير في حفلات عامة كان يقودها بنفسه. 

في أول عامين له بموسكو. كتب ثلاثة أعمال كبيرة أهمها سيمفونيته 
الأولى المسماة «أحلام الشتاء» والتي تعتبر من أجمل أعماله وأرقها .. وكتب 
أيضا يومياته التي نعرف منها أنه كان يعاني من «اضطرابات عصبية» 
بسبب «أزمات نفسية» وإجهاد في العمل. وكان مصدر راحته هو العزلة 
والهروب إلى الريف والهدوء.. وقد تحقق له ذلك فى تلك الفثرة خلال 
الزيارات الصيفية الطويلة لأخته الكسندرا التي كاكك كوا اذاه ور كرطلة با 
وبأبنائها. والتي كانت تقيم في ضيعة يملكها زوجها بالريف.. 

وفي صيف 1868., التقى بزملائه (الخمسة الكبار) وهم المؤلفون القوميون 
الروس الذين كانوا يدعون إلى الحركة القومية في الموسيقىء. وتأثر بهم 
وتعاطف معهم وخاصة «رمسكي كورساكوف» و«بالاكرييف». ولقد ظهر 
تأثيرهم عليه واضحا في سيمفونيته القاتية التي استعان فيها بالحان 
شعبية أوكرانية؛ وفي القصيد السيمفوني «روميو وجوليت» الذي أهداه 
إلى بالاكرييف. 

أما عام 1868 فإنه يشهد أول علاقة عاطفية لتشايكوضسكيء فقد زارت 


57 


دعوة إلى الموسيقى 


إحدى فرق الأوبرا البلجيكية مدينة بطرسبورج لتقديم عروضهاء وكانت 
النجمة الأولى هي السوبرانو «ديزيريه آرتو» التي كانت من أشهر مغنيات 
الأوبرا في ذلك الوقت. كانت تكبره بخمس سنوات.. وتعلقت به.. وتعامل 
هو معها بخجل وحياء . ولم يكن هناك من يتصور أعزبا لا يتعلق بهذه المغنية 
خاصة إذا هي أظهرت له الإعجاب الشديد؛ ولكن تشايكوفسكي تعلل بأنه 
يخشى على حياته الموسيقية من الزواج.. كما أنه لا يريد أن يكون زوج 
الشهيرة... صاحبة المجد.. ومن حسن الحظ أنها تزوجت بعد ذلك بعام 
فقدت فيه الآمل من الارتباط بتشايكوفسكي إلا أن علاقتهما الشريفة 
استمرت بعد ذلك لسنوات طويلة. 

واصل العملء وكتب الكثير من روائعه وأهمها في تلك الفترة هو كونشرتو 
البيانو والآوركسترا رقم ..١‏ حتى جاء شتاء 1875.. فأحس تشايكوفسكي 
بالتشاؤم والاكتثاب الشديد .. ثم بانهيار عصبي شديد اضطر معه للسفر 
إلى فيشي بفرنسا للعلاج. وهناك زادت أوهامه وآلامه النفسية وكتب «أن 
النهاية أوشكت لا محالة! ولا يمكن أن تستمر الحياة بي اكثر من ذلك..» 
سافر إلى مهرجان «بايوريت» بألمانيا للاستماع إلى قمة مستويات أداء 
أوبرات فاجنر.. ومن هناك عاد إلى موسكو.. وزاد من تشاؤمه أن أعماله 
لم تصب نجاحا في هذه الفترة في مختلف العواصم الأوروبية وخاصة 
باريس وقينا التي صفر جمهورها استخفافا بموسيقاه الرائعة «روميو 
وجوليت». 

أما الحماقة الكبرى التي أقدم عليها تشايكوفسكي فجأة في صيف 
7 فقد كانت زواجه الفاشل الذي لم يدم أكثر من تسعة أسابيع. أقدم 
على الزواج بمجازفة غريبة كان يريد من وراتها أن يعالج نفسه من شذوذ 
كان يعاني منه. فضلا عن أمراض نفسية وانهيارات عصبية؛ ولكنه هرب 
من زوجته في حالة من الرعب والهلع. وعندما وصل إلى مدينة بطرسبورج 
طلبا للنجدة؛ كان في حالة يرثى لها من التمزق العصبي.. رقد بعد ذلك 
مصابا بحمى شوكية أصابت مخه وعرضت حياته للخطر. ولسنا بحاجة 
لذكر انه لم يكن قد أحب زوجته ولو بمقدار ذرة.. 

تعلق تشايكوفسكي بسيدة عظيمة أسطورية؛. وتوطدت علاقتهما 
الخيالية. وهي علاقة أبعد ما تكون عن الواقع.. كان ذلك تقريبا في نفس 


عبقريات موسيقيه 


الوقت الذي تزوج فيه.. وكانت هذه السيدة الخفية هي «ناديه فون ميك 
التي أصبحت أمه الروحية؛ وملهمته. وأقرب الناس إلى قلبه.. رغم أنهما 
لم يلتقيا أبدا !!. وكانت الرسائل تربط بينهما بانتظام: تبادلا فيها الآراء 
حول كل شيء؛ وتفاهما حول كل أمور الحياة.. كانت تكبره بما يقرب من 
عشر سنوات.. أرملة لها أحد عشر ابناء وثروة كبيرة.. قوية الشخصية: 
شديدة الذكاء.. تحب الموسيقى وتساعد الموسيقيين.. عرفت الكثير عن 
حياة تشايكوفسكي الخاصة وعن أزماته النفسية وتشاؤمه وفقره.. فبدأت 
تطلب منه المؤلفات الخاصة مقابل أجور كبيرة كوسيلة مهذية لمساعدته 
دون أن تنال من كبرياته.. وانتهى الأمر إلى منحه مبلغا سنويا دائما يكفيه 
للتفرغ للموسيقىء ويقيه مضيعة الوقت والكرامة والقيم الفنية بحثا عن 
الرزق» وكانت السيمفونية الرابعة هي الثمرة الأولى لهذا التفرغ. 

بعد انتهاء مأساة زواجه: نصحه الأطباء بالسفر إلى سويسرا وإيطاليا 
في رحلة طويلة للاستشفاء.. وباركت «فون ميك» هذه الرحلة التي أنجز 
خلالها عددا كبيرا من المؤلفات منها «المناظر الغناتية» من أوبرا «أويجن 
أوتيحن): 

كان كريما وسخيا فى معاملاته المادية. وهذا ما جعله يقبل عطاء السيدة 
«ناديه فون ميك» دون غرابة كبيرة. خاصة أن الموسيقى كانت هي الرباط 
المقدس بينهما.. وحتى تستمتع بقربه دون أن تراه ! انتهزت فرصة سفرها 
ودعته لقضاء إجازة في قصرها ترد | اجاج كل وسائل الاستجمام 
والراحة.. والحياة الرغيدة التي تستمتع هي بها . 

الل سمو عد ب لاسي امي ا 

.. ومما هو جدير بالذكر أن هذه الصديقة يقة والحبيبة الأم. كانت تعيش 

6 من الموسيقيين يقيمون في قصرها. ويعزفون لها 
مؤلفاتهم في مساء كل يوم.. وكان منهم المؤلف الموسيقي الفرنسي التأثيري 
الشهير «ديبوسي». 

وفي عام 1885 أصابت أعمال تشايكوفسكي نجاحا كبيرا في مختلف 
بلاد أوروبا وأمريكاء وهذا ما جعل منه إنسانا جديدا نشطا.. اجتماعيا... 
لا ينفر من الناس ولا من الدعاية.. و يقبل بسعادة غامرة قيادة حفلات 
موسيقية لتقديم أعماله بنفسه.. ونتج عن تلك التغييرات في حياته أن 


59 


دعوة إلى الموسيقى 


اتسعت دائرة معارفه وضمت عددا كبيرا من مشاهير الفنانين العالميين 
والمفكرين. منهم: اميل زاور-ليادوف-جريج-وجلازونوف. وفي نفس السنة 
تمكن من تحقيق أمنية قديمة وهي الهروب إلى الريف حيث الطبيعة والهدوء 
ناشترى منزلا جميلا مؤثثا في بقعة صحية جميلة تقع ما بين موسكو 
وبطرسبورج (ليننجراد). وقرر أن يعتكف للاستجمام والعمل بعيدا عن 
دائرة الشهرة. خاصة بعد أن عاودته الاضطرابات العصبية.. 

كتب تشايكوفسكي لصديقته تعقيبا على نجاح منقطع النظير لأعماله: 
«كان النجاح كاملاء لم أتمن اكثر من ذلك.. ولكني مع ذلك اشعر بالكآبة 
تغمرنيء ولا أحس بغير الحزن واليأس والمرارة» ويعلق أخوه «مودست» 
قائلا: «إن سر معاناة أخي وآلامه يكمن في رد الفعل الذي يشعر به عند 
الحصول على نجاح وشهرة.. وعند تحقيق أمجاد وانتصارات فنية كبيرة.. 
وبالطبع كان تشايكوفسكي قد بدأ يحصل على المال من مصادر أخرى غير 
السيدة فون ميك.. فقد انتشرت مؤلفاته وحققت له دخلا كبيرا كان ينفقه 
بسيولة غريبة !! فقد كان يعين جميع الموسيقيين الفقراء بموسكو بدون 
استثناء. حتى لم يصبح هناك جائع واحد بينهم. 

ومن رسالة لصديقته فون ميك يتضح لنا حبه الكبير للزهور.. 

كتب في أغسطس عام 888 : «لا أستطيع أن أصف لك مقدار المتعة 
التي أشعر بها وأنا أتابع النمو اليومي للزهور بل التغيير الذي يطرأ عليها 
ساعة بساعة. عندما يمتد بي العمر سوف أتفرغ لزراعتها وسأمنحها كل 
حياتي.. والآن قد انتهيت من كتابة ما يزيد على نصف سيمفونيتي الخامسة, 
وأعتقد أنها ستعجيك..» 

وفي جولته الثانية بمدن أوروبا التقى بالمؤلف الآلماني الكبير برامز كان 
ذلك بمدينة هامبورج باألمانياء وتبادلا الآراء حول القضايا الموسيقية في 
العالم الغربي.. علق برامز على سيمفونيته الخامسة بأنها «تعجبه بوجه 
عام فيما عرد الحركة الختامية».. كان تشايكوفسكي يكن لبرامز احتراما 
عميقا.. ولكنه لم يقحم نفسه في الصراع التاريخي الذي كان محتدما بين 
برامز السيمفوني وفاجنر الدرامي.. بين برامز الموسيقي وحسبء. وفاجنر 
الموسيقي الشاعر المخرج. الذي كتب فنا متحداء ربط فيه الموسيقى بسائر 
الفنون. ولم يكن تشايكوفسكي متعاطفا مع فاجنر ومدرسته وآرائه. ولكنه 


00 


كان سلبيا محتفظا برأيه لنفسه. 

وبعد جولة أوروبا الناجحة. حصل على عرض نادر لقيادة مجموعة من 
الحفلات في ست مدن أمريكية رئيسية؛ ولم يكن مثل هذا العرض قد ناله 
أي موسيقي روسي من قبل. وعندما كان يحزم حقائبه للسفر في تلك 
الرحلة الطويلة المتفائلة» تسلم خطابا من «ناديه فون ميك» تقول له بأسلوب 
بارد لم يَعَتَدهٌ منها من قبل؛ إنها على وشك الإفلاس و يتعذر عليها أن 
تواصل إرسال المكافأة السنوية التي كانت تدفعها له بانتظام.. وكانت آخر 
كلمات هذه الرسالة الأخيرة «لا تنس !. وفكر قَّى كلما سنحت الفرصة 
لذللع وكان نيذا التغطاب وك الكاركة عليث لأنها كانت انشيء الوكين 
الموجود الذي يستطيع أن يسعده. وبالطبع انقلبت الصدمة إلى عقدة نفسية 
وإحساس بالنقص ظل ينهش في نفسه وعقله. ويدنو به من القبر. خاصة 
أنه علم من أحد أصدقائه أنها لن تكتب إليه بعد الآن وأنها مريضة جدا .. 

ظل يعمل كالمأخوذ.. وهو على استعداد ليعطي كل ما منحته الدنيا من 
أمجاد مقائل أن يغرف السر وراء تضرف صديقته الفاجى..:وظل يكتب 
في سيمفونيته السادسة التي جعلها أغنية وداع لصداقة أسطورية.. كانت 
هذه السيمفونية هي جنازة حياته.. وكتب عنها: «أعقد أنها اعظم أعمالي, 
وأكثرها صدقا» ولكن كان عليه أن يطلق عليها تسمية تعبر عن معاناته 
وآلامه:وشكر معاخوته:. «اينميها السيعفونية التراحيدية.. آم سيفقونية 
الدموع». ولكن أخاه «موديا» قال «فلنسمها المؤثرة» وقفز تشايكوفسكي 
فرحا .. وبرافو: هذا هو الاسم»..»: 

كانت السيمفونية المؤثرة هي آخر ما كتب في حياته؛ كانت الوصية التي 
ضمنها شعلة عبقريته وجمال أحزانه.. وكانت مرثيته هو نفسه.. فقد 
انتشر في روسيا وباء الكوليرا الذي كان قد قضى على أمه وهو في الخامسة 
غشرة من عمره.. والآن أضابه المرضن القاتل .+ لينهي حياته القرية يا 
أكثر غرابة لإنسان منحه الله رسالة الأنبياء وحرمه من قوى البشر.. كان 
ذلك بمدينة بطرسبورج في السادس من نوفمير عام 1893. 

هذا هو تشايكوفسكي العظيم الذي خلف للبشرية أعمالا رائعة من 
أهمها سبع سيمفونيات إحداها تسمى «مانفريد» وأريعة أعمال من قالب 
الكونشرتو إحداها للفيولينة مع الأوركستراء وثلاثة للبيانو مع الأوركسترا.. 


ان 


دعوة إلى الموسيقى 


وروائع من موسيقى الباليه والأوبرا والكورال والكنيسة والحجرة.. وكان 
صادقا تلقائيا فى كل ما كتب.. 


دفور جاك 

هو المؤلف الموسيقي التشيكي العظيم: الذي جمع في أسلوبه بين الملامح 
القومية لبلاده تشيكوسلوفاكياء و بين الإمكانيات العلمية الحضارية التي 
استوعبها الألماني الكبير برامز في فكره ووجدانه.. هو مؤلف سيمفونية 
العالم الجديد. والرقصات السلافية؛ وأوبرا روزالكا العذبة.. 

ولد «انطونين دفورجاك». بعد مولد سلفه ومواطنه سميتانا- أبو الموسيقى 
التشيكية. ورائد موسيقاها القومية-بسبعة عشر عاما.. كان ذلك في 8 
سبتمبر عام ١814‏ بإحدى ضواحي العاصمة «براج»؛ وكان الابن الأكبر لجزار 
القرية الذي كان يملك فندقها الوحيد .. وقد رزق أبوه من بعده بثمانية 
أطفال.. وهذا ما جعل طفولته في شدة القسوة والمعاناة.. 

أعده والده ليرث عنه مهنة الجزارة؛ وبالفعل اصطحيه معه ليساعده 
في عمله الذي يبعد تماما عن مهنة الفن الموسيقي.. ولكنه مع كل ذلك: كان 
مولعا بالموسيقى فدرس الفيولينة وتمكن بسرعة من الوصول في عزفها 
إلى درجة مكنته من ممارسة الأداء العام بكنيسة القرية. أما ناظر مدرسة 
القرية وكان يدعى «انطوني ليمان» فقد علمه عزف البيانو والاورغن كما 
غليه النظريات الأساسة الأولى للنوسيقى ب وذلك وعد أن اكقرف موهنة 
الطفل الخارقة للعادة وظروفه العائلية التي تدعو إلى رعايته والاهتمام 
بمواهبه الموسيقية.. و يرجع إليه الفضل في إقناع والديه بموهبة الابن 
النادرة» و بضرورة مواصلة تعليمه الموسيقى. 

في عام 3 العدق وطرو جالك عي دراننة الاورغن بالعاصمة براجء 
وتخرج منه بعد عامين من العمل الجاد المتواصل والتحصيل الضخم والتعرف 
على إمكانيات هذه الآلة الموسيقية الهائلة والمعقدة. 

وبالرغم من أن سميتانا لم يكن أستاذه بشكل مباشرء فإن دفورجاك 
كان قد اتخذ من مؤلفاته مدرسة ونماذج في قمة المثالية.. حتى أن أعماله 
طوال حياته حملت ملامح بصمات سميتانا الموسيقية كمدرسة قومية نادرة.. 
ذلك بالرغم من أن دفورجاك جاء في وقت تمتعت فيه بلاده بشيء من 


02 





دفور جاك 


نسيم الحرية التي كان سميتانا يتوق شوقا إليها.. ولذلك فانه في 
موسيقاه يعتبر تكملة للطريق الذئ سار فيه سميتانا .. فبيثما كان السلف 
مجردا في فنه؛ نجد دفورجاك رومنتيكيا متحرراء ولكن مع التزام بالقوالب 
الكلاسيكية الرصينة للسيمفونية؛ وأعمال موسيقى الحجرة:؛ والموسيقى 
الدينية.. والأوبراء وأعمال البيانو. والأغاني.. وكافة القوالب الكلاسيكية 
التي تناولها ضي مؤلفاته. 


05 


دعوة إلى الموسيقى 


كان أول عمل التحق به وهو في الثامنة عشرة من عمره. هو عزف 
الفيولا بفرقة كانت تعمل بأحد المطاعم الكبرى ببراج. وفي عام ١862‏ 
التحق بأوركسترا المسرح القومي حيث عمل عازفا تحت قيادة سميتانا 
لسنوات طويلة انتهت بعام 1873. كان مرتب العازفين من القلة بحيث لا 
يكفي لسد حاجات الحياة الضرورية؛ فاضطر دفورجاك إلى ممارسة تدريس 
الموسيقى وعزف الاورغن بالكنيسة إلى جانب عزفه بالأوركستراء حتى 
يتمكن من كسب عيشه الضروري. 

من الجدير بالذكر أن دفورجاك كان يكتب الموسيقى بانتظام ومثابرة 
طوال تلك الفترة من حياته.. ولم يكن مقتنعا هو نفسه بآي فيمة فنية لهذه 
الأعمال الأولى؛ فأحرقها جميعا حتى لا يصدم بأي خطأ يلاحظ فيها- 
وقرر مواصلة الدراسة حتى يتمكن من الصنعة الموسيقية في أعلى وأقدر 
مستوياتها.. وحتى عندما كان يرضى عن بعض أعماله؛ لم يكن يرافق أن 
يعرف أحد شيئًا عنهاء فهي بالنسبة له محاولات على طريق الفن المنتظر.. 
لذلك لم يكن حتى زملاؤه في الأوركسترا يعلمون شيئًا عن مؤلفاته إلا بعد 
عزفها.. ولم يسمع عنه النقاد شيئًا إلا بعد أن فوجِموا بمؤلفاته تعزف 
مرات ومرات حتى أن سميتانا اعجب بها ووضعها في برامج حفلاته كأعمال 
ناجحة.. وهنا اتجهت إليه الأنظار كمؤلف موسيقي جديد.. وكانت 
سيمفونيته الثالثة من أهم أعماله التي اعجب بها سميتانا ولفت إليها 
الأنظار؛ وأدى نجاحها والنقد الرائع الذي حصلت عليه إلى البحث في 
حصيلة أعماله؛ وهنا تعاقدت معه دار الأوبرا على تقديم عمله الاوبرالي 
الثانى واللك وغامل التجم الذى كان :شن كتبه ذيمنا مين 1879-1871.:وبحدت 
أثناء التدريبات على أداء هذه الأويرا أن اتضح عدم إمكانية عرضها 
لصعوبتهاء ولعدم ملاءمة النص الشعري. فما كان من دفورجاك إلا أن 
سحب العمل.. وأعاد كتابة الأوبرا من أولها إلى آخرهاء متجنبا كل ما ظهر 
انه صعب أو غير ملائم.. حتى أصبحت هذه الأوبرا عملا فريدا في تراث 
الأوبرا العالمية من ناحية الجمال الموسيقي وملاءمة اللحن للآداء الاوبرالي. 

وحتى يتمكن دفورجاك من التفرغ للتأليف. فقد ترك العزف بأوركسترا 
المسرح وعمل عازفا للآورغن بالكنيسة مكتفيا بالقدر القليل من المال الذي 
يدره عليه هذا العمل الذي لا يشغل من وقته سوى ساعات قليلة كل أسبوع. 


4ن 


عبقريات موسيقيه 


وتعمق في جذور الوطن التشيكي وقوالبه الموسيقية النابعة من طبيعة 
موسيقاه الشعبية وميد روج الخد عل شدي قطر كرسي العظيم 
الذي كان قد فطن من قبله إلى أهمية الأوبرا في الموسيقى التشيكية 
بالنسبة للحركة القومية بوجه عام.. فمنح هذا العافت التزمد .هن القت 
والعمل والتأمل.. 

وبعد انتهاته من أوبرا «الملك وعامل المنجم» كتب أوبرا ريفية بعنوان 
«الفلاحون ذوو رؤوس الخنازير» وانتهى منها عام 1874 . 

وفي عام 1874 تقدم دفورجاك بطلب إلى الحكومة ليحصل على منحة 
كانت تقدم للموسيقيين الموهوبين؛ وذلك بهدف التفرغ الكامل للتأليف. 
ولمحاولة الاستزادة من معارف عمالقة التأليف أمثال برامز وتشايكوفسكي.. 
وأرفق بطلبه كل من السيمفونية من مقام «مي بيمول كبير» و«ري صغير». 
وكان «برامز» العظيم عضوا في لجنة التحكيم: فاهتز كيانه بأعمال هذا 
الموسيقي غزيرة الموهبة.. وبالطبع حصل على المنحة: د يعمل وينتج.. 
ويسافر إلى «فينا» من وقت لآخرء (وهي عاصمة الموسيقى التي تقع على 
بعد بضع كيلومترات من الحدود التشيكية).. للقاء درام وأخذ مشورته 
فيما يكتب من أعمال. 

كان برامز.. الألماني الأعزب العجوز.. يلتقي به وقت الغداء في المطعم 
المجاور لميدان القديس كارل بفينا. ومن وقت لآخرء. كان يجد له الوقت 
الكافي لمراجعة دقيقة لما كان يكتبه من أعمال.. ومن هذه اللقاءات. طبع 
برامز بصماته الفكرية على أعمال دفورجاك الذي لم يكتف في أعماله 
بالتعبير الصادق؛ بل أصر على أن تخرج في أعلى مستوى من الشكل 
الموسيقي الذي لم يجده متحققا في مؤلفات موسيقي آخر أفضل من 
تراز 

كانت العاطفة العميقة؛ والإحساس بالطبيعة؛ وضميره الموسيقى. 
وإحساسه الدفين بالإيقاعات الشعبية التشيكية تشكل ألحانه الغنائية الثرية, 
ومضمونها الموسيقي الهائل المتدفق في تكامل.. وهذا ما ميز أسلوبه في 
كل من المضمون والشكل على السواء.. 

تكون جانب كبير من شهرة دفورجاك على إمكانياته الرائعة التي عالج 
بها النص الشعري الشعبي لمقاطعة مورافيا.. وقد بلغ إعجاب برامز بها 


05 


دعوة إلى الموسيقى 


حدا كبيرا جعله يتحمس لنشرها. فاتصل بصديقه الناشر سيمروك اه10ز5 
ببرلين ورجاه أن يحتضن هذه الأعمال النادرة الأصالة.. وأدى ذلك إلى 
تعاقد جديد مع دفورجاك كان من نتيجته أن يكتب «الرقصات السلافية» 
الشهيرة لثنائي من آلات البيانو ثم للأوركسترا ... وتميزت هذه الرقصات 
وبدأت شهرتها العالمية على الفور لما تميزت به من الأستاذية الناضجة في 
إمكانيات الكتابة الموسيقية. والاستعمال البراق لوسائل التعبير وسقي 
فضلا عن الميلوديات الغناتية الشاعرية والإيقاعات الاكرقير ا مس فده 
بين أشهر الأعمال الاوركسترالية التي عرفها التراث الموسيقي العالمي على 
الإطلاق. ْ 0 

بدأت شهرة دفوجاك تغزو العالم؛ وتضطرد .. وتوالت عليه العروض من 
الناشرين في مختلف أنحاء العالم.. والتكليف من الجمعيات الموسيقية 
المختلفة بشتى بقاع العالم لكتابة المزيد من الأعمال الموسيقية.. وكانت 
جميعها تحقق النجاح والمجد والشهرة لمؤلفها العبقري المثابر. 

وتلقف قادة الأوركسترا أعماله بإعجاب: وقدموها للجماهير بأقصى 
إعجاب وعناية ورعاية.. وكان على رأسهم «هانز ريختر» الذي كان يدعو 
المزيد من الناشرين للاستماع إلى أعمال دفورجاك الجديدة لينشروها 
على العالم بأسره.. 

وبعد أن حصل على هذا النجاح والتقدير في داخل بلاده؛. وفي شتى 
بقاع العالم, بدأ مهنة جديدة وهي القيادة الموسيقية. ظهر لأول مرة على 
منصة القيادة عام 1878 .. ونجح في قيادة أعماله التي كان قد اعتاد الاستماع 
إليها من أشهر قادة الأوركسترا المتخصصين.. وانتقل من أوركسترا إلى 
أخرى وأحب هذه المهنة وأتقنهاء حتى أنه كثيرا ما تدم أعمالا لمؤلفين 
آخرين على رأسهم أستاذه برامز. وسلفه ومعاصره سميتانا.. 

برغم نجاح مؤلفاته بشكل ساحقء فان مؤلفاته في مجال الأوبرا لم تلق 
نفس المستوى من الاستقبال الجماهيري.. فأصر على مواصلة البحث وراء 
الإجادة في هذا المجال الذي اعتبره المجد الأول للموسيقى التشيكية.. 

فالأوبرا هي المجتمع كله مجسدا على المسرح في دراما إنسانية بصرية 
سمعية.. وكان المسرح القومي بالعاصمة براج يستعد للافتتاح؛ فكتب بكل 
طاقته أوبرا «ديمتري» عام ١881‏ بموضوع روسي شهيرء و بالرغم من الإجادة 


كك 


عبقريات موسيقيه 


والنجاح: فإنه عاد إليها عام 1894 وحاول تحسينها.. وتدريجيا وجد أنه 
أعاد كتابتها بالكامل. هذا نموذج غريد مبالغ فيه للنقد الذاتيء؛ والاحترام 
الفني.. من أجل الإجادة والصدق.. وعندما تعرض هذا الأوبرا الآن. نستمع 
إلى نصوصها الأصلية الأولى مع تبديل بضع فواصل قليلة من النسخة 
المعدلة.. 

وفي عام 1882: ماتت أمه. ونستمع إلى مسحة الحزن العميق تسري في 
عدد من الأعمال التي ضمنها فجيعته؛ وعلى رأسها سيمفونيته السابعة 
(من مقام ري صغير) والتي نشرها «سيمروك» برقم مخالف هو رقم 2 
ونفس الخطأً نجده قد وفع فيه بالنسبة لسيمفونيته الثامنة (من مقام 
صول كبير) والتي نشرها برقم 4 وكذلك سيمفونية العالم الجديد التي 
كتبها دفورجاك برقم 9 ونشرها سيمروك برقم 5. 

من المهم جدا أن نذكر كيف لعبت كل من فينا ولندن وباريس دورها في 
حياة دوفورجاك. كما لعبته في حياة الكثيرين من زعماء الموسيقى الرومنتيكية 
على وجه الخصوص .. كانت فينا هي الكعبة التي تلهم عباقرة النغم؛ فيحجون 
إليها ويعيشون تحت سمائها.. فهي المنبع الخصب العريق للمدرسة 
الأكاديمية.. فيها عاش الألماني بتهوفن أغلب سنوات حياته.. واليها حج 
برامز وقضى اكبر جانب من حياته.. وغيرهم كثيرون.. وكذلك دفورجاك 
كان يجد فيها العلم والمستوى الأكاديمي من الدراسة والإبداع والآداء 
والاستماع والنقد.. أما باريس فهي الحياة.. الصالونات. وملتقى الأدباء 
والفلاسفة والرسامين والموسيقيين في بوتقة واحدة هي حياة الفن؛ 
وصالونات الفن والحب والفلسفة.. ولندن.. وجد فيها الموسيقيون مجالا 
أكاديميا للأداء.. فهي أقل هذه البلاد إبداعا للموسيقى؛ ولكنها أكثرها 
بحثا عنها-فهي تدعو كبار الموسيقيين لعرض قنونهم؛ وتمنحهم الدرجات 
العلمية.. وقد منحت الدكتوراه الفخرية في الموسيقى لكل من هايدن وبرامز 
ودفورجاك.. وكثيرين غيرهم., تقديرا لإمكانياتهم التي تفتقر هي إليها.. 

زار إنجلترا تسع مرات على الأقلء. فيما بين عام ١886‏ و ١896‏ وهناك 
قاد الأوركسترا مقدما أغلب أعماله في لندن وبرمنجهام وليدز. ولم يدركه 
الغرور قط. حتى وهو في قمة مجده ونفوذه.. وطالما قال: «بالرغم من كل 
هذه الشهرة. سأظل كما كنت دائما التشيكي البسيط.. الموسيقي القروي» 


07 


دعوة إلى الموسيقى 


وكان دائما يؤكد قوميته ومنبعه.. ضاربا المثل في القومية والبساطة 
والتواضع. 

كان صديقا حميما لقائد الأوركسترا الشهير «هانز فون بيلوف» الذي 
طالما قدم موسيقاه إلى جماهير ألمانيا بالذات.. وبدعوة منه زار دفورجاك 
ألمانياء وقاد أشهر اوركستراتها وحصل على نجاح ممائل لأمجاد لندن.. 
فما كان منه إلا أن أهدى سيمفونيته من مقام فا كبير التي كان قد كتبها 
عام ١875‏ إلى صديقة عرقانا بالجميل؛ وقد سافر «هانز فون بيلوف» بعد 
ذلك بسنوات إلى مصر ليقيم بها ويعمل بموسيقات الجيش المصريء ثم 
بأوبرا القاهرة.. حتى مات بالإسكندرية ودفن بها. 

كان تشايكوفسكي قد زار براج في ثلاث مناسبات؛ كانت المرة الأولى 
عام ١888‏ حيث قدم حفلتين وتعرف على دفورجاك وأعجب بموسيقاء.. 
حتى أنه أهداه «المتتالية الثالثة للأوركسترا».. وفي عام ١890‏ دعاه 
تشايكوفسكي ليزور روسيا ويقدم أعماله لجماهيرها . وفي موسكو استقبلت 
الجماهير موسيقى دفورجاك بعاصفة عارمة من التصفيق.. وقبل أن يعود 
إلى وطنه. أهدى لتشايكوفسكي سيمفونيته من مقام ري صغيرء عرفانا 
بالجميل ورمزا للتقدير. 

وبعد عودته. عين أستاذا للتأليف الموسيقي بمعهد براج الموسيقي. وفي 
2 أصبح المدير الفني لنفس المعهد الذي تفانى في خدمته حتى أنه أثرى 
الموسيقى التشيكية بتعليمه وتخريجه لمجموعة من أعظم الموسيقيين 
التشيكيين أمثال سوك-نوفاك-كاريل. 

وصلته دعوة من أمريكا ليتولى رئاسة المعهد الموسيقي بنيويورك وقد 
لبى الدعوة ليوسع من دائرة جماهيره وممارسته الفنية.. وهناك وجد بيئة 
جديدة ملأت كيانه بأحاسيس من نوع غريب.. كان أفضل تعبير عنهاء 
سيمفونية العالم الجديدء التي ضمنها ألحانا شعبية للهنود الحمر والزنوج 
الأفريقيين.. تلك الأغاني التي كانت تعمق أحاسيسه بالغربة رغم كل فرص 
الشهرة والعمل والكسب.. أحاسيس الحنين للوطن واللهفة للعودة إليه.. 

وبعد عودته إلى براج؛ واصل عمله كمدير لمعهد الموسيقى وكتب أعمالا 
جديدة عديدة أهما أشهر أوبراته؛ روزالكاء وأكثرها جماهيرية ونجاحا. 
فهي العمل الذي يشتمل على أقصى ما وصل إليه دفورجاك من إمكانيات 


08 


عبقريات موسيقيه 


في أعماله السيمفونية والاوبرالية على السواء.. وأصبحت اكثر الأوبرات 
التشيكية-بعد الخطيبة المباعة لسميتانا رواجا في المسارح التشيكية. 

وفي أول مايو من عام 1904 .. شعر بوعكة خفيفة. مات يعدها بأيام 
قليلة عن ثلاثة وستين عاما.. انتج خلالها تراثا مجيدا للبشرية تتبلور فيه 
صور من الجمال الفريد والإيقاعات الساحرة والتوزيع الاوركسترالي الثرى 
الذي اكتسبه من خبراته التي كونها من زياراته للكثير من الدول والشعوب.. 
والتي استمدها من المنبع؛ من بيئته في قلب الريف التشيكي.. وفي عمق 
الألحان الشعبية التى تتغنى بكل الجوانب الإنسانية لوطنه الحبيب 
تشيكوسارف افيا 0 


فراخز ليست 

من الصعب أن يتناول المرء حياة «فرانزليست» كإنسان وموسيقي بشكل 
متكامل في بضع صفحات أو حتى بضعة مجلدات إذ ات كية ف الإنسانية 
والحب والفضيلة والخير.. وذروة في التآليف الموسيقي وشعلة قومية مضيئّة 
لمواطنيه وعازف خارق للعادة. لم يشهد له التاريخ مثيلا حتى إن الكثيرين 
من المعاصرين يتمنون لو يفقد الواحد منهم خمس سنوات من عمره مقابل 
أن يستمع إلى عزف فرانزليست الأسطوري على البيانو. وهو فوق ذلك 
مفكر فيلسوف إلى جانب أنه صاحب مدرسة رائدة في التأليف الموسيقي 
ومبتكر لقالب القصيد السيمفوني. 

ولد «فرانزليست» عام ١81١‏ بقرية «رايدنج» بالمجر من أب مجري وأم 
نمساوية. كان أبوه موسيقيا متمكنا ولكنه كان هاويا و يعمل في خدمة أسرة 
الأمير استرهازي الذي كان الموسيقار هايدن العظيم يعمل في خدمته 
كمدير للموسيقى لسنوات عديدة. 

تلقى دروسه الأولى في العزف على البيانو بقريته ثم انتقل إلى فينا- 
كعبة الموسيقى في ذلك الوقت-التي كانت لا تبعد عن بلدته سوى بضعة 
كيلومترات قليلة ودرس على كل من «تشرني» و«سالبيري» تحت رعاية والده 
الذي كان يرقب تقدمه المذهل يوما بعد يوم؛ وقد كان «تشرني» يقول «إن 
هذا الصبي يحصل بسرعة ونضج هائلين حتى إني لا أتصور مستوى آخر 
أقارنه به..» وبدأت شهرته في التاسعة بعد أن قدم حفلات جماهيرية 


09 


دعوة إلى الموسيقى 





فرائز ليست 


مدوية النجاح.. واستمع إليه بتهوئن العظيم عام 2.. كان فرائز فى 
الحادية عشر من عمره.. جلس بتهوفن في الصف الأول بين جماهير 
المستمعين يراقب أصابع الفنان الصغير ويتخيل فعلها وما تصدره من الأنغام.. 


70 


عبقريات موسيقيه 


لأنه كان قد أدركه الصمم التام.. وتركزت الأنظار على بتهوفن وهو يرقب 
فرائز الصغير.. أما الآذان فكانت تستمع إلى الأداء المعجز. ونهض بتهوفن 
بعد نهاية العزف واحتضن الصغير وقبله.. قائلا «سيكون لك شأن عظيم 
وبكل تأكيد».. وبعد ذلك بعام واحد رحلت به العائلة إلى باريس التي جعلها 
مركزا لجولات موسيقية طاف خلالها العواصم الأوروبية مؤّكدا مجده 
المبكر في مهنة الأداء بالبيانو وكان قد بدأ محاولاته في التأليف أيضا حتى 
انه لحن إحدى الأوبرتات الكاملة وكانت تسمى «دون سانسن» وقد عرضتها 
له أوبرا باريس في عام 1825 وهو لم يتعد الرابعة عشر من عمره. 

كان لحياة المجتمع الفرنسي الباريسي أثره المسيطر على تكوين شخصية 
«فرانزليست» فهناك استمع إلى باجانيني لأول مرة في حياته وكان 
«باجانيني» هذا هو الشيطان المعجز في العزف على الفيولينة» والقوة التي 
تفوق تصور البشر بإمكانياته الفنية في العزف.. وبالرغم من أن ليست كان 
قد اصبح أشهر عازف للبيانو في ذلك الوقت فإن تأثير استماعه لباجانيني 
جعله يفكر عمليا في أن يجعل من نفسه باجانيني آخر ولكن بالنسبة لآلة 
البيانو.. وقد تحقق له ذلك بالفعل بعد سنوات من العمل الشاق والسيطرة 
على نفسه وتوجيه إرادته إلى هدقه المنشود. وهناك تعرف على المؤؤلف 
وعازف البيانو البولندي الشهير «شوبان» وكان لا يزال شابا مجهولا.. 
فساعده ليست وقدمه إلى مجتمع باريس الفني وسلط عليه الأضواء وأخذ 
بيده بتفان وإنكار ذات.. حتى وصل شوبان إلى الشهرة والمجد .. ولكنه تعلم 
الكثير من شوبان:؛ وتأثر بشاعريته الطبيعية في شخصه وموسيقاه.. كما 
تأثر بثوريته وقوميته التي كانت مادة مؤلفاته.. وكما بنى شوبان مؤلفاته 
على ألحان شعب بولندا كذلك مجد ليست بلاده.. المجر-بألحانها وإيقاعاتها 
الشعبية-فى الكثير من أعماله وخاصة الرابسوديات المجرية الخمسة عشر.. 
وهذا ما وصبلجه إلى نضا زعماء الحركة الموسيقية الرومنتيكية القومية.. 

أما علاقته بالمؤلف الفرنسي «برليوز» فكانت ذات أثر كبير في حياته 
وفنه.. فعندما عاد «برليون» من رحلته بإيطاليا التقى به «ليست» وتصادقا 
وتعرف على أفكاره الفنية المبتكرة التي كانت قد تبلورت في سيمفونيته 
«الخيالية» كعامل واقعي رومنتيكي.. وقد كانت هذه الأفكار تدعو إلى أن 
الموسيقى خلقت لتعبر عن فكرة شاعرية خيالية.. وعندما التقى ليست بعد 


7 


دعوة إلى الموسيقى 


ذلك بمؤلف الأوبرا الألماني العظيم «ريتشارد فاجنر».. تكونت من ثلاثتهم 
مدرسة فنية تجمع جوانب متحدة مشتركة رئيسية تتعلق «بالرومنتيكية 
الواقعية» التي تدعو إلى أن الموضوع الشاعري والخيالي والآدبي يوجد أولا 
ثم تقوم الموسيقى بالتعبير عنه والتكامل معه في وحدة متبلورة والجانب 
الرومنتيكي هنا هو أن الموسيقى لا تعبر عن نفسها وأصواتها ومكوناتها 
العلمية والفنية من هارمونيات وبوليفونيات وتناسق وبناء وجمال موسيقي.. 
ولكنها تترك نفسها لتعبر عن ما هو خارجي ومختلف عنها.. أي لتعبر عن 
موضوع شعري أو أدبي سواء كان قصصيا أو فلسفيا أو تشكيليا.. أما 
الجانب الواقعي فهو أنهم لم يرضوا بأن تكون الفكرة الآدبية تابعة للموسيقى 
مصاحبة لها ومعبرة عنها ولكنهم أرادوا أن تكون وظيفة الموسيقى هي 
خدمة فكرة خارجية ومصاحبة لهاء أي أن الفكرة الشاعرية الأدبية أو 
الموضوع الخارجي هو الأساس أما الموسيقى فتكون تابعة ومعبرة.. 

وحتى يحقق «برليوز» نظريته الرومنتيكية الواقعية فقد ابتدع ما يسمى 
«بالفكرة الثابتة» وهي عبارة عن لحن مميز واضح يعبر عن شخصية معينة- 
كما هو الحال في سيمفونيته الخيالية-يتكرر كثيرا ليربط بين أجزاء العمل 
الكبير ويوحد إحساسه. فهو بديل رومنتيكي للقالب الكلاسيكي الرصين 
الذي كان يشتمل على مقومات الترابط والوحدة بين أجزاء العمل الواحد. 

وقد أصبحت السيمفونية على يد «برليوز» «سيمفونية ذات برنامج أو 
موضوع» وعند ليست تحولت إلى ما أسماه «بالقصيد السيمفوني». أما 
فاجنر فلم يكتب سوى سيمفونية واحدة لم تصل إلى مستوى أعماله التي 
تخصص لها وهي «الدراما الموسيقية» فقد تحول فاجنر إلى المسرح وطور 
الأوبرا واستخدم «الألحان الدالة» الشبيهة بالفكرة الثابتة التي استعملها 
برليوز وجعل من المسرح وحدة لفنون الشعر والموسيقى مع الدراما المتكاملة 
الشاملة. 

كانت هذه لمحة عن مؤثرات المجتمع الباريسي على فكر وفن فرانزليست 
في مجالات العزف وتيارات التأليف. والآن فلنعد إلى فناننا الذي كان في 
عام 1847 قد قضى أريعة وعشرين عاما في باريس وصل خلالها إلى 
تحقيق أهدافه كأعظم عازف للبيانو شهدته أوروبا لا يقل في إمكانياته 
الشيطانية عن «باجانيني» في عزفه للفيولينة. وهذه الإمكانيات الفذة جعلت 


12 


عبقريات موسيقيه 


منه سيدا لأية ندوة فنية أو اجتماع أدبي يحضره. كما جعلت من اسمه 
أسطورة يتهافت العظماء على التقرب من بطلها . 

في عام 1848 انتقل للاقامة بمدينة «فايمر» بألمانيا بعد أن عين مديرا 
لموسيقات القصر وكان قبل ذلك بستة أعوام قد عين قائدا موسيقيا زائرا 
في كل فرصة تسمح بها ظروف وقته للحضورء وكانت «قايمر» المدينة 
الساحرة الجميلة قد أكرمت وفاده وفتحت له قلبها ووضعت في خدمته كل 
إمكانياتها من نشاط أوركسترالي وأوبرالي نادر. فاضطر للتوقف عن إقامة 
حفلات عزف البيانو وتفرغ للتأليف وللقيادة والتدريس. كانت شخصيته 
القوية وإنسانيته النبيلة وأبوته قد مكنته من الأستاذية النادرة في التدريس 
مما جذب إليه تلاميذ الموسيقى من كل أنحاء العالم؛ وامتزجت هذه الصفات 
مع ثقافته الأدبية والموسيقية العريضة ومع فرصة وجود أوركسترا «فايمر» 
الشهيرة تحت تصرفه؛ فجعلت منه قائدا غذا للأوركسترا.. مما أغاد في 
خدمة المؤلفين المرموقين الذين غمرتهم الظروف أو طواهم النسيان. ومن 
أكثر المدينين له بانتشار أعمالهم وإلقاء الضوء عليهم في هذه المرحلة 
الاوركسترالية من حياته؛ «برليون» و«فاجنر». وحول ليست الكثير من أعمال 
البيانو التي استمتع بها العالم من أدائه إلى أعمال أوركسترالية رائعة.. 
فضلا عن أنه كتب قائمة كبيرة من القصائد السيمفونية التي جعلت منه 
شخصية هامة وفريدة في تاريخ الموسيقى. 

وبعد ثلاثة عشر عاما قضاها في «فايمر» انتج خلالها أمجادا ضخمة 
للأوركستراء بدأ يقسم وقته بين «فايمر» و«روما» و«بودابست».. وخلال 
سنوات حياته الأخيرة أصبح معروفا باسم «الرجل العظيم الأكبر للموسيقى 
الأوروبية». وكان العديد من تلاميذه يتبعونه فى أماكن إقامته. كما كانت 
المفيكات والأوساظ الموسيفية الأرروية#سيامن عن ضحه الألغاب ومظاهر 
التكريم. 

كانت مؤلفاته تغطي جميع فروع الكتابة الموسيقية بإجادة فذة. 

وأصبحت مؤّلفاته المبنية على الألحان الشعبية لبلاده-المجر-وأهمها 
الرابسوديات المجرية قمما شامخة فى مجال الموسيقى القومية التى لفتت 
النظر إلى إمكانيات اللؤسيقن الشعبية ومهيزاتها وكيفية الأغاد* ننهناً هي 
إطار عالمي. أعاد كتابة عدد كبير من مؤلفات أسلافه للبيانو بطريقة وضع 


13 


دعوة إلى الموسيقى 


فيها خلاصة خبرته بإمكانيات الآلة وأدائتها ومنها كتابان من أعمال باخ 
للأورغن وسيمفونيات بتهوفن التسع وخمسة وثلاثين أغنية لشوبرت هذا 
إلى جانب ما كتبه هو من أعمال تضمنت عملين من نوع الكونشرتو للبيانو 
والأوركستراء وسوناتة هامة من مقام سي صغير ميزت إمكانيات ليست في 
الكتابة بقالب السوناتة الكلاسيكى. 

قادته هيوله الدينية الميقة الارقباطظ روه مش الباباوية وانتهى به 
الآمر شي هذا لمجال إلى ارتداء مالايسس الكهنوت والتعول إلى .رتل دين». 
مع أنه كان دائما يبشر بأفضل التعاليم من خلال موسيقاه والهمة ذلك 
أعمالا موسيقية دينية كثيرة مخ قوالب«الاوراتوريو» «والكانتانا» و«القداس» 
ولكن أفضل أعماله كانت «القصائد السيمفونية» التي كان هو مبتدعها . 

كا نديد الأعحات بردو ال نهد التقديبى وهو الونق الحطيه 
الذي تنباً له ي طفولته بالمجد العظيم وتأثر بسيمفونيته التاسعة في بعض 
أعماله وخاصة في العملين الكبيرين «سيمفونية غاوست» ووسيمفونية 
دانتى».. 

ولايسيع محال تفار سناسيل كقيرة هق حياة السك 1ن لقنا 
العظيم كان في جولة موسيقية شاء له القدر أن تكون الأخيرة عام 1886 زار 
خلالها باريس ولندن و بروكسل وفايمر ثم بايرويت ليحضر مهرجان «فقاجنر» 
الذي كان قد تزوج من ابنته «كوزيما». 

أصيب فناننا العجوز بنزلة برد وهو في الطريق.. وحضر عرض أوبرا 
«ارستيان وابزولداالقاستر ولكنة شعر بإجهاد كير اشظر لخادرة ا سرح 
وهو في حالة سيئة مات بعدها بوقت قصير في 3 يوليو عام 1886 بعد 
حياة اخسله غلى كمم مخ السعادة واللجد والشهرة والكراء والفتكبيلة 
والتحب والقصوف:والنساظة وإتكار الذات.. 


شوبان 

ولد فريديريك فرانسوا شوبان «أمه0 وزمعصةء1 عتعلع:”1 عام 1809 بإحدى 
ضواحى وارسو بيولندا. من أب فرنسي وأم بولندية. كان أيوه مدرسا وأمه 
ثلاثة بنات سيقنه إلى الحياة. انتقلت العائلة لتقطن فى العاصمة وارسو 


1 41 





شوبان 


بعد تعيين الوالد «نيكولاس» في وظيفة أستاذ بالجامعة. وكانت هذه 
فرحة للأطفال للبدء في تلقي دروس العزف على البيانو.. منذ البداية 
أظهر فريديريك موهبة خارقة وغير عادية شبهت وقورنت بعبقرية موتسارت 
المبكرة المعجزة.. إلا أن فريديريك المسكين كان يتميز مظهره بالهزال والضعف 


15 


دعوة إلى الموسيقى 


والشحوب. وأيضا كانت له قدرة غريزية هائلة على التقليد الكوميدي 
للشخصيات (التمثيل الصامت): حتى إنها كانت لتمكنه من العمل كممثل 
«ميميك» من الطراز الأول.. كل هذه الصفات كانت تلفها نظرة حزن وأسى؛ 
حيث كان فريديريك الصغير ذا قابلية لمرض السل الرهيب.. تلك القابلية 
التي كانت تعني على أقل تقدير.. الموت المبكر.. وكان لاعتلال صحته أثر 
رئيسي كبير على نفسه وشخصيته.. وسبب في متاعب كثيرة لأسرته.. 
فكان المسكين يسمع طوال الوقت التعليمات الطبية والصحية خاصة فيما 
يتعلق بالتدفكة من برد يولندا القارس. 

كان عليلاء ولكنه كان مغرورا يملؤه الكبرياء والأرستقراطية؛ وعندما 
بلغ سن المراهقة كان يكره رائحة الدخان ولا يميل إلى الملذات.. ولا يقرب 
الخمر.. كما كان يهتم بالمظاهر الرقيقة الناعمة و يبتعد عن الخشونة 
والرجولة وينفر منهماء بينما يهتم بإرضاء النساء.. «إن عزفي على البيانو 
يلقى قبولا وتجاوبا من السيدات».. «كنت أحيي الجمهور برشاقة ورقة, 
فقد علمنى «براندت» كيف انحنى بجمال..». كانت هذه الصفات هى غروره 
وأفقبايه قيفي وكانت قيية للسبابنه وات وكري أجل 2 

وعندما بلغ العشرين من عمره كان قد كون اعتقادا فطريا بضرورة 
الآأحزان.. فارتسمت على ملامحه مظاهر الإرهاق والعصبية؛ وقد كان 
مرض السل قد أخذ ينشب محالبه في صدره الرقيق.. كانت أحزانه غير 
عميقة وغير محددة الدوافع.. ولكنه كان حزينا حالما.. يعلم بموته المبكر.. 
ويتخيل حياته القصيرة ومرضه الميئوس من شفائه.. ويصارع محاولا أن 
يستمتع بما تبقى له من سنوات في الحياة.. أحب المغنية الشابة «كونستنتينا 
جلاد كوفسكا» ولكن علاقتهما انتهت بعد فترة قصيرة. ولكن العاطفة 
القومية.. كانت هي التي تمكنت من نفسه وارتبطت بها وحولت رقته وعذوبته 
الل صيحات وطبة إبجابية. 

كان البولنديون ينون تحت نير الاستعمار الروسي الذي استبد بهم 
تحت اسم «معاهدة فينا» التي كانت قد وقعت بعد حروب نابليون.. وكانوا 
قد وحدوا كلمتهم ودعوا للجهاد حتى يحققوا الحرية لبلادهم. فأصبحت 
بولندا في هذه المرحلة بركانا يغلي وليست بالمكان الملائم لفنان يعمل في 
هدوء.. وتجمع الأصدقاء حول شوبان يطلبون منه الرحيل إلى أي بلد 


70 


عبقريات موسيقيه 


أوروبي آخرء حتى يتمكن من الثورة والحرب بوسيلته الموسيقية؛ حاملا اسم 
بولندا وقضيتها إلى أقاصي أنحاء العالم: بينما هم يحملون عنه السلاح 
لتحرير البلاد.. كانت هذه الفترة تسودها الروح القومية المتطرفة الهستيرية, 
وأصبح الناس لا يفكرون في التأمل والإبداع الفني أو الإنساني. فقد تبلور 
وتركز الشعور الثوري في حركة إيجابية شاملة.. 

حاول شوبان أن يبقى ببلاده ويحمل السلاح.. ولكنه أيقن أنه بظروفه 
الصحية لا يستطيع أن يحقق لبلاده مجدا عسكرياء فاقتنع بما طلبه 
أصدقاؤه.. وقد تجمعوا حوله يودعونه قبل سفره وأهدوه لفافة بها تراب 
بولنداء يذكر به وطنه وسعادته وأحلامه.. وطلبوا منه أن يجعل بولندا تحيا 
في أعماله وتتمجد ثورتها وقضيتها في موسيقاه.. «لا تنس أبدا القضية 
القومية.. والقوية فقط.. حقاء فانه يوجد لحن قومي كما يوجد مناخ وطني.. 
لا تنس أن جبالنا وغاباتنا ومياهنا وودياننا .. كلها تتحدث وتغني بالبولندية 
القومية».: ١‏ 

كانت الألحان الشعبية البولندية مصدر الهام قومي لشوبان. بعد أن 
اختبر صداها في نفسه؛ وكان يعرف جيدا الحان الحقول والغابات؛ و يردد 
أغاني الفلاحين البسطاء.. ويعلم كيفية معالجتها بأسلوب علمي راق مطور 
وفي مؤلفات عنابة فتفتى بالقومية البولددية :وتسث وجدان العالم غلئ 
التشكل وفقا لقضيتها.. 

سافر إلى فينا واستمع هناك إلى أصوات العاصفة مدوية قي بلاده.. 
فقد سحق الروس ثوار بولندا واحتلوا العاصمة وحولوا ضواحيها إلى رماد .. 
وجد شوبان نفسه وحيدا أعزل من كل سلاح إلا من موسيقاه... وعاش 
القلق والحسرة والغربة والمرارة بعيدا عن الوطن والأهل والأصدقاء. فرحل 
إلى باريس مدينة الحياة والفن والنور.. التي كانت تدور حولها الأساطير 
ويجتمع فيها المفكرون والفنانون والشعراء.. 

وبالعمل التق هناك بالقتانين الرومتتيكيين:«الفريد وى )موسي موه كور 
برليوز»-«فكتور هوجو»«بودلير»«بلزاك», وكان هؤلاء الفرنسيون على اتصال 
دائم بالفنانين القادمين من ألمانيا أمثال: «هايني»ودهرانزليست»دهيلر»-و 
«مندلسون». أمام هؤلاء العظماء جلس الفتى البولندي الحزين إلى البيانو- 
يعزف في إعجاز.. وأمام هؤلاء العمالقة كان يطلب المزيد من الدراسة 


717 


دعوة إلى الموسيقى 


والعلم.. وتلقفه أستاذ مغرور يدعى «كالكبرينر» ادعى انه سيجعل منه 
معجزة موسيقية في بحر ثلاث سنوات.. وانخدع شوبان.. إلا أن 
«فرانزليست» أ عظم عازفي البيانو في التاريخ-أنقذه واحتضن موهبته وقدمه 
للجماهير وللنقاد وللعالم كعازف ومؤلف ناضج تماما.. لا يجاريه ند آخر.. 
وهنا تبرز إحدى المواقف العديدة النبيلة في حياة «فرانزليست».. فعندما 
استمع إلى شوبان وجد فيه منافسا أوحد.. ولكنه نحى جانبا كل المشاعر 
الشخصية في مقابل اكتشاف نجم تاريخي معجز.. وأصبحت علاقتهما 
صداقة متينة لم تنقطع.. رغم أن شخصية «ليست» كانت تختلف في أنه 
ديموقراطي يحب الجماهيرء بينما كان شوبان أرستقراطيا يخشى الناس و 
يتجنب الزحام.. 

بدأ المال يتدفق على شويان: بعد أن ذاع صيته وتعددت حفلاته وأصبح 
نجم المجتمع الباريسي.. وانتقل إلى مسكن فاخر. وتعرف بعدد من النساء 
كن يشفقن عليه لمرضه لم يمنحنه كل حب وأمومة ورعاية.. وكان في عزلته 
لا يفارق عطر البنفسج. حتى أنه كان يحس بالوحدة بدونه.. ! 

في هذه المرحلة من حياته؛ وقبل أن يبلغ الثلاثين من العمر كانت له 
عاطفة الأمومة تجاه الآطفال: فقد وجد فيهم البراءة والصفاء والعزاء.. 
وكان يكتب الموسيقى للبيانو فحسب.. مكتشفا إمكانياته وأسراره الغنائية 
والعلمية الهائلة.. ورغم نصائح أصدقاته بأن يكتب في القوالب السيمفونية 
والاوبرالية.. فإنه وجد نفسه في القوالب البسيطة.. التي تمجد بلاده 
وتنتمي إلى تربتها وبيئتها.. كتب في القوالب التي تعبر عن قضايا بلاده.. 
والتي تحمل صرخات ونداءات الحرية.. القوالب التي تحمل اسم بولندا 
مثل «البولونيز» و«المازوركا».. وأحس بالحاجة إلى دفء الحب ليشعل في 
قلبه نيران العواطف الرقيقة الباكية.. ْ 

في باريسء كانت تعيش الأديبة «اورو ديديفان» التي كان يعرفها العالم 
باسم «جورج صاند» التي كانت تكتب روائع الأدب والحكمة وتشتهر بعلاقاتها 
بالفن وبالرجال.. وكانت لها شخصية رجل.. تشرب الخمر بكثرة. وتدخن 
السيجار الأسود. وتحب مثل الأمراء.. وكانت أما لطفلين.. في الرابعة 
والثلاثين وكان وقوع شوبان في حبها نذير خطر في حياته المهدمة.. فقد 
كان هو يمثل الموت وهي تمثل الحياة والإيجابية.. 


718 


عبقريات موسيقيه 


عاشت جورج صاند مع طفليها إلى جوار شوبان.. وساءت صحته.. 
وتعذب من قسوة الأطباء حتى كتب لصديق له يقول: «أنهم يعاملونني 
كالحيوان.. فيقول أحدهم أني سأموت و يقول الثاني أني على وشك الموت, 
أما الثالث فيقول إني ميت فعلا». وكانت جورج صاند قد أخذته لقضاء 
شهر عسل بالجزيرة الساحرة «مايوركا» بالبحر الأبيض المتوسط.. بعد أن 
وعدت بالتضحية بحياتها لتمريضه وفى سبيل استعادته لصحته.. 

كان شريان رشاع الببافر»» يفضل الحمل اللوسيقية السيظة الكانسة 
المشحونة بالشاعرية والانفعال.. فقد كان هدفه هو أن يمنح الروح لآلة 
البيانو. ويجعل منها آلة قادرة على الغناء والتعبير بروح وعاطفة؛ بعد أن 
كان الاهتمام بشاعرية الصوت وغنائيته مركزا في الآلات الأخرى. كان 
يهدف إلى جعل البيانو أوركسترا كاملا مستقلاء له طابع وإمكانيات خاصة 
متكاملة لا يستطيع حتى الأوركسترا الكامل أن يجاريه فيها.. وكتبت جورج 
صاند «إنه لمن الممتع حقا أن يرى الإنسان يدي شربان الصغيرتين وهما 
تمتدان لتسيطر على مفاتيح البيانو.. ولكل إصبع من أصابعه الرقيقة 
صوت مميز..».. «يجلس إلى البيانو ويحوله إلى حياة.. حياة حزينة كنفسه 
ومثل بلاده».. كانت حياته تذوب في موسيقاه.. وكل من موسيقاه وحياته 
تتحدان مع بلاده بولندا وشعبه بأمانيه وآماله الحزينة.. طالما نزف دما 
وهو يعزف أمام الجماهير ليجمع المال لبلاده.. في ميدان المعركة التي كان 
يستطيع أن يخوضها بينما يحمل رفاقه السلاح في قلب بولندا .. 

وبعد أن عادا إلى باريس بدأت جورج صاند تتبرم بالحياة معه.. فقد 
بدأ أطفالها يكبرون وبدأت هي تذبل وتبحث عن الحياة.. وكانت قد كتبت 
قصتها وأفشت أسرار نفسها في رواية انتهت من كتابتها تناولت فيها حياتها 
مع شوبان.. وتضحياتها من أجله.. وبقسوة متناهية أعطت مسودات الكتاب 
لشوبان لقراءتها وتصحيحها .. ولكنه فهم أنها ستهجره. 

عاش سنتين فقط بعد رحيلها عنه.. في وحدة ومرض وعذاب.. تحرك 
جسده كالظل في قاعات الكونسير بباريس.. ولم يكن يحيا منه سوى عقله 
وأصابعه؛ يرددان أغاني بولندا الحزينة.. و يعكسان معاركها في ميدان 
لقو الدماء والالم. ضكله كان اللولس هب واضابفة لكا تكتيموقها كفا جنا فير 
التي خلقت مدرسة في الكتابة والأداء الشاعري للبيانو.. مدرسة أكملها 


70 


دعوة إلى الموسيقى 


«فرانزليست» من بعده.. وانتقلت إلى الأجيال التالية عبر «ليست» إلى 
ملامح عالمية بإيقاعاتها وهارمونياتها.. ورشاقتها وعاطفيتها.. 

وفي الساعة الثانية من صباح 17 أكتوبر سنة 1849 .. لفظ أنفاسه الأخيرة 
شهيدا في معارك تحرير بلاده.. وكان بجواره عدد من أصدقائه الثوار 
اليولنديين وأخته «لويز».. وشيع جثمانه من كنيسة مادلين بياريس حيث 
عزف جناز موتسارت الشهير ونثر على قبره تراب من أرض بولنداء أما 
قلبه فقد دفن بمدينة وارسو عاصمة بلاده. حسب وصيته.. 


فاجنر 

ولد «فيلهلم ريتشارد فاجنر» بمدينة ليبزج بألمانيا فى 22 مايو سنة 
3 وتوفى بعد ذلك بسبعين عاما.. بمدينة البندقية بإيطاليا في ١3‏ 
فبراير سنة ..١883‏ يعد حياة شديدة الخصوية غمرت البشرية يتراث 
موسيقي أدبي فلسفي متكامل.. وبتجربة فريدة معجزة في مجال تجسيد 
«وحدة الفنون».. قفى شخصيته النادرة تتبلور عناصر التعبير الموسيقى 
المسرحى التى أدت إليها الحركة الرومنتيكية بألمانيا.. كما احتوت عبقريته 
التطور الموسيقي الذي خلفه بيتهوفن. فضلا عن الأساطير والفلسفة 
الجرمانية التي تطابقت مع فكره وأحاسيسه؛ وعكست على موسيقاه عناصر 
القوة والعاطفة الحادة المتطرفة. 

دارت رسالته الموسيقية حول ارتباط الفنون وتكاملها .. في وحدة حقيقية 
متجسدة.. وحدة فكر وحركة وتعبير.. 

... «الكلمة ليست سوى وسيلة لنقل الأفكار والاتصال بالناس.. إلا أن 
تأثيرها لا يكمل إلا بموسيقية الصوت البشري.. وبالنظرة: وبالإشارة... 
حك تكو لها إنكانية قل الضمون الشكرى والطيدي وح تارف لفرضها 
بتكامل وفاعلية وثراء».. 

ثار الجدل حول نسب فاجنر إلى والده الشرعي كارل فريدريشء وكان 
فاجنر نفسه مقتنعا بأنه ابن لودفيج جيير الذي رباه ورعاه وأحبه.. أما 
والده الشرعى.. فقد مات بالتيفويد بعد ولادته بشهور قليلة.. ورحلت به 
أمه إلى درسدن لتعيش بجوار جيير الذي تزوجته في فبراير سنة 1815.. 





فاجنر 


ولقد ألقى الفيلسوف نيتشه الضوء على هذا الجانب من تاريخ فاجنر 
يقدس فكره وفلسفته وموسيقاه.. ثم انقلب عدوا وناقدا لاذعا له بعد أن 


دعوة إلى الموسيقى 


نشبت بينهما الخلافات.. ولقد أتاحت هذه العلاقة الفرصة لنيتشه للاطلاع 
على الخطابات المتبادلة بين أم فاجنر وجيير والوقوف على الكثير من 
أسرار العائلة. 

كان جيير ممثلا ومغنيا.. وكان يصحب فاجنر الصغير معه في جولاته 
المسرحية.. وبذلك وجد فاجنر نفسه يحيا في المسرح.. يعيش أحداثه 
ويستمع ويشاهد ويرقب عن كثب.. حتى أصبح المسرح حلم حياته.. وعندما 
مات جيير.. كان فاجنر لا يزال في الثامنة من عمره.. قفأصبح مصدر 
إزعاج ومضايقات لأقاربه.. ولم ينجح أي منهم في التحكم أو السيطرة على 
الصغير.. وقبل أن يبلغ العشرينء كان يتردد على صالات المقامرة.. حيث 
كانت الحياة الخطرة تستهويه.. 

لقد قامر مرة بمعاش أمه كاملا.. ولحسن الحظ انه كسب الرهان.. 
التحق وهو في طفولته بالمعهد الموسيقي بليبزج حيث تلقى تعليمه الموسيقي 
على اكمل وجه.. وكان المؤلف الألماني العظيم ج. س. باخ قد أرسى تقاليد 
الدراسة بهذا المهد قبل ذلك بثمانين عاما.. وعندما بلغ فاجنر السابعة 
عشرة من عمره.. كان قد بدأ في كتابة الموسيقى.. وبعد ذلك بعامين. كتب 
سيمفونيته الوحيدة التي لم يكتب لها الخلود .. 

ولد فاجنر إبان غزو نابليون لمقاطعة سكسونيا في ظروف مقاومة الشعب 
الألمانى للغزو.. وانتقلت به أمه من مدينة إلى أخرى.. فعاش طفولته بين 
اتعارك الوطنية والترحال والفروباء. واختار لنفسه أن يحيا طوال بحيافة 
في خطر-الخطر الذي أحبه وبحث عنه-فعاش طوال حياته في ترحال 
وهروب ومطاردات.. وبين المعارك الوطنية التي اشترك إيجابيا في تحريك 
ثوارها.. وشحنهم بفكره الجرماني القومي المتعصب. 

كان يستدين بكثرة و يهدد أصدقاءه... «لا بد لي من المال.. وإلا.. 
سأجن».. وكان أصدقاءه يقدمون إليه ما في وسعهم.. ورغم دراسته الموسيقية 
المتواضعة نسبيا فإنه تمكن من تعليم نفسه بعمق وثراء.. فقد درس البيانو 
والنظريات.. ودرس مؤلفات أسلافه ورأى في بتهوفن مثلا أعلى.. وخاصة 
في سيمفونيته التاسعة.. التي وجدها منطلقا نحو فن جديد .. فن تمتزج 
فيه الكلمة بالصوت البشري المنفرد والجماعي بالآلات الموسيقية.. وكان 
وهو في العشرين من عمره يثق في قدراته على إبداع فن يذهل العالم.. 


عبقريات موسيقيه 


وقد عين وهو في هذا السن قائدا للكورال في دار الأوبرا بمدينة فيرتزبورج. 

وفى هذه المرحلة من حياته كتب أويرا «الجنيات» مدوم وءزط (1834) 
زمعدها قاد واحد كتب أويرا «الحب المحرم» 1"6:606 5ه11606.. التي وقع 
بعدها في حب «مينا بلاتر» وتزوجها في 24 نوفمبر سنة 1833. 

وفي السنوات الأولى من زواجه كتب أربعة أعمال أوبرالية أخرى هي 
5 2 نتمعنع (1842) و«الهولاندي الطائر» تعلصة1اه8 علمععوعناط 3-5 
و «تانهويزر» أءداةطصصه] (1845) ودلوهنجرين» صترومعداه.آ (1850) .. ورغم أن 
هذه الأوبرات الأربعة كانت كافية لجذب أنظار العالم إليه؛ فإن الجماهير 
لم تكن قد اعتادت بعد اللغة الموسيقية الجديدة التي كانت حادة 
غريبة وعنيفة.. ولم يفقد ثقته بنفسه.. وهدأ من روع زوجته التعسة.. «إن 
عذابك وتعاستك سيؤديان إلى الشهرة والمجد».. وتفسر شخصية فاجنر 
على ضوء هذه الكلمات.. فقد كان لا يعباً بعذاب الآخرين.. حتى زوجته 
في سبيل شهرته ومجده.. وكان يطلب المساعدات المالية بوجه سافر.. 
مؤمنا بأن من حقه على الآخرين أن ينال ما يريد من أموالهم.. مقابل ما 
يمنحه للعالم من ألحان عظيمة. 

سافر إلى باريس والتقى بآئمة الحركة الموسيقية في ذلك الوقت وعلى 
رأسهم «فرانز ليست» الذي قدم إليه العديد من اللساهداث الفنية.. وهناك 
كان يضطر في أحيان كثيرة إلى كتابة الموسيقى الرخيصة لحانات باريس.. 
والى القيام بنسخ النوتات الموسيقية حتى بكسب قوته الضروري.. واضطر 
أخيرا إلى العودة لألمانيا بعد أن ضاقت به سبل العيش وأغلقت أمامه أبواب 
الحد هناك .. 

أحب ماتيلدا فيزندونك وعلل خيانته بأنها تتفوق على زوجته في قدراتها 
الفكرية.. غير عابىٌ بمشاعر «مينا» التى تفانت فى خدمته وعانت فى 
سول لحرا همه هر دف العيط ىوذل ساناي * ا 

وفي عام 1848 .. وبعد أن كان قد انتهى من كتابه أوبرا «لوهنجرين» 
ألقى بنفسه في أتون الثورة.. وتنقل بين أوكار الثوار كاتبا وناقدا .. ومشتركا 
في الدعوة لقلب نظام الحكم.. حتى صدر الأمر بالقبض عليه.. فأقام 
فترة متخفيا عند صديقه «فرائز ليست» بمدينة فايمرء نتدصمزء17؟ بألمانيا .. 


ف الفط اقرب إلى سوسيوا +« 


دعوة إلى الموسيقى 


لقد تم وصف فاجنر-وفقا لبيانات السلطات عندما طلب بوليس 
ساكسونيا القبض عليه عام 1849 بأنه «متوسط القامة؛ بني الشعر.. يلبس 
نظارة.. له جبهة عريضة؛ حواجبه بنية اللون وعيناه تخلط بين الزرقة 
والرمادية.. انفه وفقمه متناسقان وذفقنه مستديرة.. وهو فى عجلة دائما.. 
خاصة عندما يتحدث أو يتحرك.. الخ». ا 

عاش فاجنر اثنتي عشرة سنة في المنفى متنقلا بين البلاد والقلوب. 
باحثا عن طموحه وملذاتي ورغباته.. دون مراعاة للآخرين.. حتى لهؤلاء 
الذين يمنحونه أموالهم.. وضيافتهم أو صداقتهم.. 

وكان يقول: «أنا اختلف عن باقي الرجال.. والحياة يجب أن تمنحني ما 
أريد». 

كانت موسيقى فاجنر شيئًا جديدا في الوجود.. 

مكيرفن كان الكنية الكعررة كن جسؤسيق الالاات والكفارة القن بعد 
أن تليها.. هي الموسيقى التي تتكامل وتتوج بالشعر». 

«الدراما الموسيقية» هي الهدف الذي عاش فاجنر ليحققه بفنه المتكامل 
كشاعر فيلسوف وموسيقي في نفس الوقت.. «الكلمات وحدها لا تتمكن 
من التعبير في أرقى أنواع الشعر.. فالكلمات هي الجذور والموسيقى هي 
الزهور.. والزهور أجمل وأهم من الجذور».. 

وهب فاجئر حياته للموسيقى المسرحية.. فى إطاز ما سماه «الدراما 
الموسيقية» بدلا من تسمية «الأوبرا» التي شذ عن كرافوقا وتقاليدها التي 
كانت سائدة حتى أيامه.. وقد تمكن في أعماله الأخيرة من أن يخضع 
التوسيقى لأدق تفاضيل أفكاره السبرحية المتبثقة مخ النض والمضمون 
التذو اتن تاركا بذلك أسلوب الأغنية الاوبرالية المسبوقة بالإلقاء المنفم 
550 التي كانت تشكل عنصرا هاما في نجاح الأوبرا التقليدية, 
وجعل من الأغنية جزءا لا يتجزا عن النض الشعري والحركة المسرحية 
وموسيقى الآلات والأصواتء ولا يتجزاً عن سائر عناصر الدراما الأخرى 
من كورال وباليه ومناظر وديكور وإضاءة. 

وجعل من الصوت البشري آلة موسيقية تتكامل مع آلات الأوركسترا .. 
وبمعنى أدق.. فقد جعل الأوركسترا والغناء يتحدان كجهاز موسيقي تعبيري 
واحد.. لا يصاحب أي منهما الآخر بالضرورة ولكن يتحد كل منهما مع 


8/1 


عبقريات موسيقيه 


الآخر.. فالرئيسي عند فاجنر هو «الدراما الموسيقية» عامة.. وجميع الأجهزة 
الفنية المشتركة في الأداء تمثل أغنى وأعظم مجموعة موسيقية (آلية 
وصوتية).. ذلك بعد أن كانت الآلات الموسيقية تعمل في الأوبرا في خدمة 


الصوت البشري ولمصاحبته.. وهو بذلك قد أسس مدرسة جديدة في 
«التوزيع الاوركسترالي الغنائي» تبرز فيها إمكانيات التوازن والتناسق والتكامل 
بين الآلات الموسيقية والأصوات البشرية.. تلك الأصوات التي اعتبرها 
فاجنر آلات موسيقية أخرى لها إمكانيات جديدة في التعبير.. وهذا ما 
جعل المغنين يخشون على أصواتهم من غناء أدوار فاجنر.. بينما يتخصص 
القليلون منهم في أداء أعماله العظيمة وبأجور خاصة كبيرة.. وهنا تجدر 
الإشارة بان أسلوب فاجنر في الكتابة للأصوات البشرية هو أسلوب آلي 
وليس أسلوب غنائي.. فهو منحدر عن مدرسة باخ في معالجته للأصوات.. 
بينما نجد أغلب مؤلفي الأوبرا الإيطاليين وخاصة «فردي» يكتبون للأصوات 
بأسلوب غنائي منحدر عن مدرسة «بالسترينا» في الغناء.. 

استعمل فاجنر «اللحن الدال» .]1 بشكل رئيسي في أعماله ورغم 
أنه لم يكن مُبتكره.. فإنه جعل منه الوسيلة الموسيقية الأولى للربط بين 
سائر أجزاء دراماته الموسيقية الطويلة.. فقد رمز لكل شخصية بلحن دال 
أو عدد من الألحان الدالة.. وكانت هذه الألحان تتكرر وتتداخل في حوار 
وصراع درامي عظيم: فاللحن الدال يدل على الشخصية و يفسر انفعالاتها. 
لان فاجنر يطور ألحانه الدالة لتعبر عن حاله من تدل عليه.. وكان تطويره 
لألحانه الدالة وسيلة يستخدمها كمؤشر نفسي لتطور شخصية البطل 
الذي يدل عليه اللحن.. فهو يضع اللحن في التوزيع الآلي أو الغنائي وضي 
كليهما معاء ليتلاءم مع الحدث الدرامي.. واللحن الدال عبارة عن لحن 
صغير جدا .. له شخصية إيقاعية؛ مما يجعله قابلا للنماء والمعالجة الموسيقية 


العلمية. 

كان فاجنر شاعرا وفيلسوفا.. كتب نصوص اغلب أوبراته.. كما صمم 
الكثير من مناظرها إلى جانب كتابة موسيقاها.. فكان هو نفسه وحدة 
درامية موسيقية تاريخية فريدة.. لكنه تفوق على نفسه كمؤلف موسيقي.. 
وقد حقق فاجنر بهذه «الوحدة الفنية» آمال أسلافه ابتداء من جلوك 00 
أبو الأوبرا الألمانية. الذي سبقه بقرن كامل من الزمان.. وكانت أحلامه 


دعوة إلى الموسيقى 


أبكن ركه كر سمه سقاصنر الأزمزا وربتك 7 ككاريها الرسيفة 
بالسيحية», 

إن عبقرية فاجتر الموسيقية كانت اوركسترالية.. آما الصوت البشري 
فقد كان آلة جديدة حية في الأوركسترا.. وقد اتضح ذلك بوضوح في 
«تريستيان وايزولده» 106ه15آ نهنا مدنادت1 (1865) و«الشعراء المغنين» 868! 
(تععصةة تعاواء]2 عنط) ودبارسيفال» لزسةم .)١1882(‏ كان فاجنر لا يستطيع 
المياك أذ ويح سظلفن اكبدة والفرقه فكان ستتعيل عطر] خاضنا يانيه 
قن باريديب ويايقن التعري والنباقا واو يقلت للد راق بوالأانك والسبا تان 
الأبيض والأصفر والوردي والرمادي. ولم يكن يطيق إن يرى الخطوط الرأسية 
أوالآكتي حي فى الجدر ا دواد لك طفن يحول يض ران ديكه إلى مقحيات 
255 | 

ولخو اكفية واوو سنب اس رو لالد كاير ظوا ل عع اكه مالا 
لدور رسمه هو لنفسه.. ولم يلق عليه سوى القليل من الضوء.. 

وفي 22 مايو سنة 1872 وكان عيد ميلاده التاسع والخمسين.. تم وضع 
حجر الأساس لمسرح بايرويت في احتفال مهيب.. عزفت فيه سيمفونية 
تومن التاسعة...والقى فاجنر خظلبة:تاريسية تحدث:فيها عن الوحدة 
الآلمانية» وعن الدور الذي يأمل أن يلعبه مسرح بايرويت لإحياء القومية 
الأمانية.. وقد كان هذا المسرح هو حلم حياته.. والمعبد الذي تتحد فيه 
فون الشعرو اا رسيفى بكرن اككر جالاينة لنقديم خرامياةة الرسوكية فين 
مهيا بوستاكل تتكن وحدة الدراما الفاتسقرية بين الحصول علي العا مستوي 
من التحقيق.. وافتتح المسرح في ١0‏ أغسطس سنة 1876 برباعية الخاتم 
التي تضم «ذهب الراين» 10مع سصتعطع (1869) و«الفالكيري» عتتكللة117 عط 
)١1870(‏ و«دسيجفريد» 15860 عء51 (1876) ودغروب الآلهة» عسسعسسمل ه00 
(1876). وكانت الأوركسترا-التي تختفي تحت خشبة المسرح-تضم ١55‏ عازفاء 
تم انتقاؤهم من بين أعظم العازفين الألمان.. وهكذا أصبحت بايرويت-ولا 
قرا اخركو الذي عاو هيه شك وكام كامحر «والكفية التي يتجع إليها 
عشاق فنه الفريد. 

ومن إضافاته العديدة.. ابتكاره لنوع من الآلات الموسيقية يحمل اسمه 
«فاجنرتوبا» 162 :ءمع772, وهي آلات نحاسية تجمع بين صفات كل من 


036 


عبقريات موسيقيه 


الكورنو الفرنسي والترمبون.. واستعملها في درامياته الموسيقية.. ومن بعده 
استعملت بكثرة وخاصة في أوبرات ريتشارد شتراوس.. 

التقى بكوزيما 00518 ابنة فرانز ليست وأحبها.. رغم أنها كانت زوجة 
لصديقه هانز فون بيلوف 810107 700 11205 .. وتزوجها فى 25 أغسطس سنة 
0 بعد أن كانا قد فرا سويا بسنوات. ا 

وفي أواخر أيامه تحول إلى نباتي.. ودعا إلى أن يكون كل البشر نباتيين.. 
وقد عاش أيامه الأخيرة منعزلا عن المجتمع. ومات بالسكتة القلبية في 
مدينة البندقية.. في اليوم الثالث عشر من (فقبراير) عام 1883.. بعد أن 
عاش حياة شديدة الخصوبة أعطى لها بعمق.. كما انتزع منها كل ما تمكن 
من الحصول عليه.. 

«الكلمة ليست سوى وسيلة لنقل الأفكار.. والاتصال بالناس.. إلا أن 
تأثيرها لا يكمل إلا بموسيقية الصوت البشري.. وبالنظرة.. والإشارة.. 
حتى تودي غرضها بتكامل وفاعلية وثراء».. 


رافيل 

كان المؤلف الروسي الشهيرسترافنسكي-قد وصفه بأنه «خبير وعالم 
في صنعة الجواهر الموسيقية الدقيقة». وقد كان «سترافنسكي» في وقت 
ما صديقا حميما وزميلا لرافيل؛ المؤلف الموسيقي الفرنسي التأثيري 
العظيم.. الذي ولد في 7 مارس سنة 1875. 

ولد «موريس رافيل» ببلدة «سيبورن» بالقرب من مدينة «سان جان دي 
لوز» عام 1875.. وتوفى بباريس وهو في الرابعة والستين من عمره. وكان 
ذلك عام 1937.. ولقد قضى طفولته بضواحي العاصمة الفرنسية والتحق 
بالكنسرفتوار حيث درس مع المؤلف الفرنسي الشهير «فوريه» الذي علمه 
أسرار القيم العلمية الكلاسيكية.. وكذلك درس مع عدد من المشاهير على 
رأسهم «شابرييه» الذي علمه أهمية كتابة ألحان عاطفية غنائية تغمرها 
الحيوية والحركة والإيقاعات المبهجة. فضلا عن التلوين الاوركسترالي المتميز 
الواضح.. ولقد واصل دراسته بتفان وإخلاص؛ حتى أن بصماتها تظهر 
جلية واضحة في مؤلفاته الرائعة الهادفة والتي ترتبط بالصنعة التي أتقنها 
والمبادئ الفنية التي اقتنع بها .. 


6867 


دعوة إلى الموسيقى 





ةك 


امطة” لم الهس 


رافيل 


عبقريات موسيقيه 


بوجدان الجماهير التي تنفعل وتتشكل مع تأثير موسيقاه البالغة الدقة 
والالتزام.. وكان قبل ذلك قد فاز مرارا بجائزة-روما-للتأليف الموسيقي. 
وهي الجائزة التي كانت تاجا على رأس القلائل الذين حصلوا عليها في 
ذلك الوقت.. وفى هذه المرحلة من عمره. كانت قد اشتهرت له أعمال 
كانية شاكدة لمانو أعمينا و الناقون هو ورا قارع نفل ممك ‏ قيال عن 
«رباعية وترية» رائعة.. مما ساعد «فوريه» عنده8 وأكد إمكانياته كمؤلف 
وكأستاذ.. وقد أدى ذلك إلى حملة صحفية عارمة على «ديبوا» كتوطناط 
العالم والمؤلف الموسيقي الذي كان عميدا للكونسرفتوار.. وحل محله «فوريه» 
أستاذ-رافيل-الناجح. ومن بين أعمال رافيل الناجحة التي كتبها لآلة البيانو, 
نجد المجموعات المسماة «المرايات»: و«السوناتين»: ومقطوعات «جاسبار 
اللبليوو«الارفة الآ القىيقام فيه بعد يتوزيعها اوركيكراليا التصيح لعدى 
روائع موسيقى الباليه.. وأيضا نجد المتتالية «قبر كوبيران». وموسيقى 
باليه «دافنس وكلويه».. وتضمنت أعماله أوبرا هزلية بعنوان «الساعة 
الإسبانية» وأوبرا أخرى بعنوان «الطفل والشعوذة».. ولا يفوتنا ذكر «البوليرو» 
الشهير الى ضفن حدق الركاقق التاريحية في هنون الترزيع الاوركسترالي: 
وأغانيه العديدة وكونشرتو اليد اليسرى للبيانو والأوركسترا. فضلا عن 
كونشرتو البيانو والأوركسترا من مقام صول كبير.. 

وتجدوالإشازةينا إلى أن الكشرين يتخاولون راشبل على أله بور ةا مسفرة 
من معاصرة ومواطنه «ديبوسي» الفرنسيء الذي أسس التأثيرية في 
الموسيقى. وبالرغم من التشابه الكبير بين التأثيري الأول ديبوسيء ورافيل.. 
إلا أن ذلك لا يكون في صالح رافيلء الذي وضع بصماته على موسيقى 
فرنساء والتراث الموسيقي العالمي.. والذي قال كلمته في الموسيقى التأثيرية, 
وربط بينها وبين الكلاسيكية والتراث الملتزم الدقيق المترابط.. فقد احتفظ 
واقيل وأضائة والشخصية كردي ة كادارة هقرم | الى ديوس تأقيرنا ضبانيان 
غامضاء بعيدا عن التحديد في هارمونياته وألحانه وقوالبه. نجد رافيل 
محدد الخطوط حازماء واضحاء ملتزما في صنعته الموسيقية بالتراث 
الكلاسيكي وقوالبه.. وأكثر موضوعية وارتباطا بالمضمون الموسيقي ذاته.. 
وزاضيل لآ يعمل السلم الزسيقى اتكامل الأبناد (الجروك السك اسان 
مثل مواطنه ديبوسيء الذي استعان بكل ما هو غريب وغير مألوف 80806 . 


690 


دعوة إلى الموسيقى 


ولكنه كمعاصره وصديقه الروسي سترافنسكيء جعل من إمكانيات الصنعة 
الموسيقية وسيلة بسيطة ميسورة للتعبير الموسيقي القيم.. 

يتشابه في تآثيريته الموسيقية كثيرا مع ديبوسي في مجالات ابتكار 
وسائل تعبير موسيقية جديدة؛ سواء في إمكانيات عزف البيانوء أو في 
وسائل التعبير بالألوان الآلية في المزج الاوركسترالي.. ولقد ساعد على 
تشابههماء تأثر كل منهما بالآداب الفرنسية والشعر الرمزي الفرنسي.. 
ويتجلى ذلك في النصوص الشعرية التي لحنها رافيل في أغنياته الشهيرة 
والتي وضع كلماتها كل من «مالارمي» و«فيرلين» وغيرهم.. بل يتجلى ذلك 
في الأشعار التي كتبها رافيل نفسه وقام بتلحينها.. وكيف أنها صورة من 
فكر وإحساس الشعر الرمزي الفرنسي الذي عاصره ونهل منه مع معاصره 

وفي عام 1928 وافق رافيل على قبول درجة الدكتوراه الفخرية في 
الموسيقى التي منحتها له جامعة اكسفورد بإنجلترا.. عرفانا له بالجميل: لما 
تضمنته موسيقاه من قيم علمية ترقى إلى مستوى البحث الأكاديمي 
والمضمون الصحي الذي يساهم إيجابيا في تطوير وجدان البشر.. 

كان رافيل أحد أئمة عزف البيانو في التاريخ.. وواحدا من قلائل جمعوا 
بين إمكانيات هذا العزف المعجزء وبين التأليف لسائر الآلات الموسيقية, 
وبين قيادة الأوركسترا .. وقد كان في العشرين عاما الأخيرة من حياته.. قد 
وصل إلى قمة مستويات الشهرة في كل هذه المجالات؛ بأوروبا وأمريكا على 
السواء؛ كما أن أعماله أصبحت على بحث ودراسة في مجالات علوم التأليف 
والتوزيع.. فالبوليرو الشهير قد سجل إعجازا في التلوين» الاوركسترالي؛ 
وطول النفسء والتدرج المذهل في البناء حتى الذروة؛ حيث قمة الانفعال.. 
فضلا عن التلوين بالتغيير المقامي من خلال انتقالات هارمونية تكفل تجديد 
تلاط العاوف والبكهم عان اران الزواضا الغرقي: فى كاضة رفع العالفى: 
وأصبح الملل حين يصادف مستمعيه؛ يرتبط بسوء الأداء من الأوركسترا 
والقائدء لا من التأليف الأصلي للعمل. 

ومن خلال الصنعة الفرنسية لرافيلء: نستمتع برؤية نادرة لأسبانيا في 
«الربسودية الآسبانية».. كما أنه بصنعته الموسيقية النادرة يستطيع أن يصور 
المجتمع النمساوي الأرستقراطي إبان القرن التاسع عشر في مقطوعة 


560 


عبقريات موسيقيه 


«الفالس» التي كتبها كقصيدة موسيقية أوركسترالية لرقص الباليه. 

تميز رافيل طوال حياته بميول طفولية شديدة في الشفافية والبراءة 
وحب الاستطلاع.. فضلا عن شغف بكل ما هو خرافي أسطوري وساحر.. 
وكذلك بألعاب الأطفال الميكانيكية.. ولعل ذلك كان سببا رئيسيا في النجاح 
الكبير الذي لاقاه في أوبرا.. «الطفل والشعوذة».. التي يرتبط موضوعها 
بميوله الصاطية.. ولطاما أحضر لأصدقائه هدايا يما عندما كان يعود 
من رحلة في الخارج.. وكانت هذه الهدايا عبارة عن لعب أطفال.. وعلى أي 
حالء فإن هذا العالم الخرافي من الأحلام والغيبيات وحركات الآلة الموسيقية 
الأوتوماتيكية الذي يتبلور في ألعاب الأطفال؛ كان يسحره و يسعده ويسيطر 
على مشاعره.. وهو بالنسبة لرافيل أحد عناصر التأثيرية وواحدة من 
إمكانياته في التوزيع الأوركسترالي المتميز.. 

كان رافيل وثيقة نادرة في مؤلفاته للكورال.. وبوجه عام في أعماله 
الغنائية. ولعل ذلك كان سببا في حسرة علماء الموسيقى اليوم لأن رافيل لم 
يكتب كثيرا في هذا المجال الذي تلاءم مع هارمونياته الدقيقة الصافية 
وألحانه الغنائية الطابع والمتميزة بخطوط راقية تتلاءم مع كل حنجرة وطبيعة 
صوتية. إن الأصوات الصادرة عن الكورال في أعماله تشكل أبعادا سمعية 
متموجة كتماثيل متجسدة لشخصيات أسطورية تتلاءم مع طبيعته غيبية 
الحس. وعلى رأس هذه الأعمال نجد موسيقى باليه «دافنس وكلويه» و 
«الأغنيات الثلاث» التي كتب أغانيها وألحانها على السواء عام 1916 التي 
بلغت حدا من النجاح يتمثل في أنه لا يوجد فريق للكورال إلا ويجعل من 
هذه الأعمال ينبوع سحر لأداته وإمكانياته.. 

كان رافيل عَزْياًء خجولا. وانعزاليا طوال حياته.. وكانت هذه الصفات 
مظهرا لارتباطه بالفن الموسيقي الذي منحه كل عواطفه وأحاسيسه 
وازتباطاته ولق كانت كل موتفاعه نينا د راقمة اندي العشاية ال كان 
يمنحها للتفاصيل الصغيرة في موسيقاه.. وهذا هو السر الذي يكمن وراءه 
التأثير المذهل لألوانه الأوركسترالية البهيجة وغير المألوفة في نفس الوقت.. 
فقد كان دائم البحث عن التوابل الموسيقية اللاذعة.. والظلال الموسيقية 
النادرة.. ومن الأسرار التي توصل إليها لتحقيق ذلكء أنه يجعل الآلات غير 
المألوفة التجانس تتبادل الأداء للحن متميز.. فيحدث تعبير غير مألوف 


9 


دعوة إلى الموسيقى 


وغير متوقع يقابله بتوازن في البناء. وبهارمونيات شائعة حتى لا تصبح 
بالغة متطرفة.. كما أنه يلجأ إلى استعمال الآلات الأوركسترالية في مناطق 
صوتية شديدة الحدة تمثل الأوبوا والكلارينيت فيصدر الصوت غير طبيعي 
وغير مألوف من الآلة عن عمد .. لأنه يعطي المستمع جرعة جمالية يتخللها 
دائما ما هو جديد وغير مألوف أو متوقع ولعل كل ذلك يرجع إلى إيمانه 
الشديد بالإمكانيات العلمية للموسيقى... وإمكانيات الصنعة الموسيقية 
للمؤلف-كفاية ووسيلة على السواء-من أجل تعبير موسيقي تأثيري جديد 
يرتبط بالتراث الكلاسيكيء وبالتعبير الأدبي والشعري والتشكيلي لأعماق 
فنون الرومنتيكية المتأخرة وفجر القرن العشرين. 

هناك تساؤل هام يغمر الأوساط الموسيقية في العالم.. وهو يتعلق بالسر 
في أن-رافيل-يقل شعبية عن معاصره ومواطنه الفرنسي رائد التأثيرية- 
ديبوسي-.. هل يرجع ذلك إلى العاطفة التي تلعب الدور الأكبر في تأثير 
موسيقى ديبوسي؟ تلك العاطفة الفياضة التي تبلغ في بعض الأحيان قدرا 
من المبالغة5 أم هل يرجع السبب إلى اختفاء عاطفة رافيل خلف سواتر 
العلم والدقة والرشاقة: والصنعة المتناهية التفاصيل.. وهل هناك تعبير 
عاطفي بالقدر الكافي في موسيقى رافيل؟ أم أن «صنعة جواهرجي النغم»- 
كما أطلق عليه سترافنسكى-قد قيدت انطلاق عواطفه وتعبيرها فى نبض 
ساد ١‏ ا 

في الواقع؛ أن رافيل-الذي قال عنه سترافنسكي أيضا أنه «صانع دقيق 
للساعات السويسرية» كناية عن دقته وإمكانياته المبالغة-كان يكتب الموسيقى 
المكررة والتي لا تشوبها شاتبة ما.. وهذا يقلل من انطلاقها العاطفي.. لأن 
العاطفة البشرية تشوبها الأخطاء الإنسانية تلك الأخطاء التي تجعل من 
الإنسان بشرا سويا لا ملاكا منزلا .. كما أن أستاذه الفرنسى الجون-فوريه- 
كان قد طبع فيه إحساسا رزينا عميقا وجادا .. وهو أيضا ا حمل القواطلق 
تتقيد وتتشكل بالافتعال والالتزام... 

ولا يفوتنا إلقاء ضوء على مؤشر هام في إمكانيات رافيل وأحاسيسه 
وتجاوبه مع الآلوان الأوركسترالية بإمكانية وتفوق نادر فريد.. فعندما كان 
رافيل في الرابعة عشرة من عمره؛ وكان يدرس بالسنة الأولى بكنسرفتوار 
باريسء؛ أقيم معرض دولي حضرت إليه من روسيا أوركسترا كبيرة يقودها 


92 


عبقريات موسيقيه 


الأوركسترالي-واستمع رافيل كالما خوذ لأعمال كورساكوف الشهيرة وبيعض 
الأعمال الروسية القومية لبورودين ومسورجسكي.. وكان أهم هذه المؤلفات: 
نزوات أسبانية-رقصات التتار-ليلة على جبل عار. ومن هذه الأعمال والألوان 
الأوركسترالية الحية الجديدة على آذان رافغيل في ذلك الحين غرست بذور 
الإمكانيات الأوركسترالية البارعة فى نفس الفتى الناشي رافيل.. حتى 
يصبح واحدا من ثلاثة عمالقة مجدهم التاريخ في مجالات التلوين 
الاوركسترالي.. وهم: برليوز-رمسكي كورساكوف-رافيل-وفي أحيان كثيرة 

غمرت حياة رافيل الموسيقية عناصر غيبية كثيرة.. من أهمها ذلك 
الغموض الذي يلف حقيقة أن أسلوب رافيل في الكتابة الموسيقية كان قد 
تشكل وتكامل وهو لا يزال في عمر الزهور.. وعاش بعد ذلك يعمل أربعين 
عاما متصلة دون أي تغيير يطراً عليه سواء في إمكانياته أو في تطوير 
أسلوبه.. هذا في الوقت الذي نجد فيه عظماء المؤلفين يمرون في حياتهم 
بمراحل مختلفة من التمو الفني يختلف فيها أسلوب كتابتهم الموسيقية 
وفقا للتطور الثقافي والعاطفي والعلمي الذي يطراً عليهم.. ووفقا للمتغيرات 
الاجتماعية والسياسية المؤثرة فى شخصياتهم.. 

ولكن هناك عاملا واحدا برز في أسلوب كتابة رافيل بعد عام 1920.. 
فقد زاد اهتمامه بموسيقى الجاز وطابع موسيقى الزنوج الأمريكيين (البلوز) . 
ولعل جذور ذلك ترجع إلى أنه كان يهتم طوال حياته بالإيقاع البارز المتميز 
وخاصة الإيقاعات الأسبانية الساخنة.. ولقد أدى اهتمامه بالجاز إلى 
إعجاب شديد بموسيقى الأمريكي-جورج جيرشوين-الذي كتب بأسلوب 
طابع (البلوز). وكذلك الحركة الأولى من كونشرتو البيانو من مقام صول 
كبير.. وفقرات من كونشرتو اليد اليسرى حيث عناصر موسيقى الجاز 
إلى كل ما هو غريب وجديد على الموسيقى الأوروبية.. ليلونها بما هو غير 
مألوف من الأصوات الموسيقية الجديدة.. 


لعن 


دعوة إلى الموسيقى 


هذه لمحة عن موريس رافيل-العملاق الموسيقي الشامخ, الذي منح التراث 
الذى عرفه التاريخ.. وكان بسيبب إمكانياته الخاصة النادرة. أقل شهرة 
وبريقا من قدره الحقيقي.. 


دى فايا 

مانويل ماريا دي قايا 061*112 1312 اعناسه3/1 هو المؤّلف الموسيقي الإسباني 
الشهير الذي غزت موسيقاه قلوب ملايين المستمعين عبر الأجيال في شتى 
بقاع العالموضي الشرق: اشتهرت موسيقاه ختى بين من لا يتذوقون الموسيقى 
العالمية.. وذلك لطابعها الشرقي العربي الأصيل.. ولا يكاد يوجد إنسان في 
المشرق لم يستمع إلى رقصة النار حتى لو كان يجهل اسم مؤلفها.. وهذا ما 
حمل العضن يعتقى انه من أشل غريي وأن أضل اشعه هواضيت الله 
وحرفت باللهجة الأوروبية لتصبح (دي فالا).. وبصرف النظر عن احتمال 
صحة هذا الاعتقاد لارتباط الشعب الإسباني بالعرب بصلات الدم والتقاليد 
والمؤثرات اللغوية والتاريخية مند احتلال العرب للأندلس: فإن «دي فايا»- 
حسب النطق الإسباني-هو المؤلف الإسباني العظيم الذي سحر العالم 
بموسيقى تحمل تراث العرب في خلفيتها الحضارية.. 

ولد مانويل دي فايا بمدينة كاديس في 23 من نوفمبر عام 1876 .. وعلمته 
أمه عزف البيانو وهو في السادسة من عمره.. وبرع الطفل الموسيقي في 
العزف لدرجة أنه اشترك بالآداء في احتفال عالمي وكان لا يزال في الحادية 
عشر من عمره.. ولهذا الاحتفال مناسبة وقصة.. فقد كان هايدن العظيم 
قد كتب-قبل ذلك بمائة عام-عملا دينيا ضخما رائعا بعنوان «الكلمات السبع 
الأخيرة للسيد المسيح» وذلك بطلب خاص من إحدى كنائس مدينة كاديس- 
مسقط رأس دي فايا-و أ صبح تقليدا تاريخيا أن يعزف هذا العمل الكبير 
بنفس المدينة في يوم الجمعة الحزينة التي تسبق عيد الفصح من كل عام.. 
وقد وقع الاختيار على الموسيقي الصغير دي فايا ليعزف هذا العمل في 
شمن اللناضسية يع نأو ثم إعداده لآل بيانوى. عرف هو الهو الترتيسي: 
وصاحيته أمه بالبيانو الثاني.. ا ا 

بدا دراسة علوم التاليف الموسيقي وهورضي الثاتية غشرة من عمره على 


9 





دى فقايا 


يد اأشهر أساتذة البلدة.. وواضل وراهه كن يلغ السابعة غعشرة:. 
فبدأ يتطلع للدراسة في باريس حيث الدراسة والحياة الموسيقية في ذروة 
تطورها.. ولم تكن أسبانيا قد بلغت شأنا في مجالات الموسيقى الجادة 
المتطورة.. فمجالات التأليف الموسيقي التي يمكن أن تقبل عليها الجماهير 
كانت نوعا شائعا من الأوبريتات القومية المحلية التي تسمى سارسويلا.. 
أعظم أساتذتها «تراجو».. ولكن دي فايا لم يرض أن يضيع المزيد من 
سئوات غهره فى أي مجال غير التاليف الموسيقى ودراساتة.. وهى تفس 
الوقت. وقفت ظروفه المادية المتواضعة حائلا دون السفر إلى مدينة أحلامه 


95 


دعوة إلى الموسيقى 


باريس.. فقام بدراسة مؤلفات الألماني العظيم ريتشارد فاجنر عن كثب.. 
وقام بكتابة عدد من مؤلفات موسيقى الصالون كانت تعزف في قصر أحد 
الهواة المتحمسين يدعى «فينيجرا». 

بدأ مانويل دي فايا يكتب الموسيقى في القالب الموسيقي الوحيد الذي 
كانت الجماهير تقبل عليه.. وهو (السارسويلا).. وذلك بيهدف جمع المال 
الكافي لرحلة دراسية جادة في باريس.. ودون شغف بهذا اللون الموسيقي 
الساذج المحلي الاستهلاكي.. وكان عمله من هذا النوع بعنوان «عشاق 
اينيس».. وقدم على المسرح عام 1902.. وفشل بشكل قاس وذريع لكنه 
واصل العمل من أجل الهدف البراق.. فجاءت مخاطرته الثانية يعنوان 
«منزل روك». ونال العمل استحسان عشاق هذا الفن المحلي وحماسهم.. 
ولكنه لم يعرض على الإطلاق بسبب خشية أصحاب الفرق من الخسارة 
والعشل»: 

كانت أسبانيا في هذه الفترة قد عاشت في تخلف موسيقي دام ما 
يقرب من مائتي عام.. ولم تكن قد حظيت بمؤلف موسيقي مرموق واحد 
يرفع ألحانها إلى مستوى العالم المتحضر في هذا المجال.. كانت الأوبرا 
تدور في آغاق ضيقة من التقليد الساذج للنماذج الإيطالية والآلمانية.. أما 
الموسيقى السيمفونية وموسيقى المجاميع الآلية؛ غلم يكن لها وجود يعد.. 
وفي الفترة التي ولد فيها مانويل دي قاياء كان هناك مؤلف أسباني مثالي 
شجاع يعمل بنشاط نادر لإحياء التراث الموسيقي القومي.. كان هذا لشيس 
هو فيليب بيدريل 5814:6116 الذي خطط لاستكشاف الكنوز الخصبة للاغاني 
الشعبية؛ وعمل على نشر موسيقى الماضى الرائعة التى كانت قد غطاها 
الثببيان والأهمال: ْ ْ 

تحول دي فايا شطر بيدريل-الموسيقي المثالي الوحيد في ذلك الوقت.. 
وكان في الستين من عمره-وسأله النصيحة والتوجيه بعد أن باءت محاولاته 
الأولى بالفشل.. وكانت النتيجة أن درس التأليف الموسيقي لمدة ثلاث سنوات 
بمدريد مع بيدريل.. ولقد اعترف دي غايا بالجميل لأستاذه المثالي. وسجل 
رأيه وأعلنه في كل المناسبات وهو أنه يدين لبيدريل العظيم بمعرقته وثقافته 
كمبدع موسيقي.. 

قبل دي فايا مبادئ بيدريل التي كان يعتبرها قانونا قوميا مقدسا.. 


9 


عبقريات موسيقيه 


وهي: «أن كل أمة يجب أن تبني موسيقاها الفنية المتطورة على أساس من 
الجذور الشعبية التي تتجسد في الألحان الشعبية». 

ولكنه رفض من مبادئّ بيدريل هذه أن يقوم باستعارة نصوص موسيقية 
بحذافيرها من الألحان الشعبية.. فقد رأى أنه يكفي نقل روح الألحان 
الشعبية ومميزاتها الفنية وملامح قوميتها دون أن ينقل ألحانا أو قطاعات 
من الألحان الشعبية التي اعتبرها كنزا تاريخيا يجب أن يتجدد في أعمال 
معاصرة تحمل ملامح الماضي ببصمات جديدة.. وهو بذلك يكون قد احترم 
قانون بيدريل الذي يقول: «إن المميزات الجماعية للأمة تكمن في الأعمال 
الفنية العظيمة المتطورة التي تنتمي إلى عصور الأزدسان العدى». 

وهكذا نجد موسيقى دي قايا القومية في نص للشاعر المعاصرر ت. س 
اليوت 1.5.51106.: فقد فسرها بقوله: «إن اورسفي دي فايا تتضمن مفهوما 
واعيا بماضي الماضي.. وأيضا بحاضر الماضي». فقد تمكن دي فايا من 
خلال هذا الفكر من تحقيق ذاته ومن وضع بصماته الشخصية في ألحانه.. 
وبالتالي فقد مكنته من التأثير في مجرى تاريخ الموسيقى الإسبانية الحديثة.. 
بينما يهدد الارتباط الحرفي بالنصوص الشعبية الفنان بفقد الذاتية 
والارتباط المرن بالواقع اليك 

وفي عام 1904 أعلنت أكاديمية الفنون الجميلة بمدريد عن جائزة كبرى 
تمنحها لأفضل دراما غنائية موسيقية يكتبها موسيقي إسباني.. وبدأ مانويل 
دي فايا العمل من أجل نصر قومي وذاتي في نفس الوقت.. فقد كان يمر 
بفترة عصيبة يتطلع فيها إلى تجاوب الجماهير ويجد نفسه فيها مرتبطا 
بمجتمعه.. وبعد عام حصل على الجائزة بعمل رائع خالد يمثل جانيا من 
أروع إنتاج البشرية هو «الحياة قصيرة» 616"6 17106 وهي مسرحية غنائية 
من فصلين.. ولكن الجائزة لم تتضمن أهم الشروط التي تطلع إليها وهي 
عرض الأوبرا. 

وفي نفس هذه الفترة. تعرض «دي فايا» لضغط كبير من عدد من 
أصدقائه. ومن «تراجو» أكبر أساتذة البيانو يمدريد .. وذلك لدخول مسابقة 
كبرى في البيانو الذي كان يتوق في طفولته للوصول إلى أعلى مراتب المجد 
في عزفه.. وعلى العكس من توقعاته؛ فقد حصل على الجائزة الأولى وكان 
ذلك عام 1905. 


97 


دعوة إلى الموسيقى 


عمل دي فايا أستاذا للبيانو لمدة عامين بمدريد لتوفير بعض المال. وضي 
صيف عام 1907 تحقق حلمه الكبير للرحيل إلى باريس ليحصل على أعلى 
مستويات الدراسة في التأليف. وقد رحل بطريقة اقتصادية في عربة 
بضائع سافرت على مدى سبعة أيام.. وهناك مكث ستوات سيع: حصل 
خلالها على فوائد جمة في الجوانب التعبيرية والجمالية والعملية للتأليف 
الوسيات .بهذا بالركم هن إكانياده الالية المسدودة الك اصطرةاتلسياة 
في مستوى شديد التواضع.. فهناك في باريس تصادق مع أئمة التأليف 
الموسيقي وعلى رأسهم «ديبوسي» «ورافيل». و«بول ديكا».. وهذا ما جعله 
يشعر بأنه يحقق أهداقه وآماله التي طال انتظاره لها بأن يعيش في مجتمع 
موسيقي خلاق ويعايش أحدث موجات التأليف الموسيقي في ذلك الوقت 
وهي العاقوية الفرضنية.» دا 

كان لقاؤه بديبوسي وتصادقه معه كبير الأهمية.. لأن ديبوسي كان 
يبحث عن الجديد في موسيقى الشعوب وكان يهتز بالموسيقى الأندلسية 
التي شعر أنها كنز كبير يسيطر عليه دي فايا.. فناقشه طويلا في وسائل 
معالجتها والاستفادة بها.. وقد ظهر ذلك في العمل الذي وضع فيه دي فايا 
خلاصة عبقريته وخبرته وشعوره العميق بالتراث الموسيقي الأندلسي وهو 
«في حدائق إسبانيا» الذي كقيه تلباتو المتفرد والأور كرا عام 09 . 

وفي باريس-حيث يصغون باهتمام لكل جديد وغريب خاصة فيما يتعلق 
بموسيقى الشعوب-تلهف العازفون على مؤلفات دي فايا.. كما أنه كان 
يعزف أعماله بنفسه بناء على طلب الجمعية القومية للموسيقى.. وذاع 
صيته كمؤلف نادر في الوقت الذي كانت فيه التأثيرية الفرنسية تنادي 
بالبحث عن ألحان غريبة لا يمكن الحصول عليها إلا من ألحان الشعوب 
التي لا تزال بعيدة عن الآذان الأوروبية في فرنسا وألمانيا وإيطاليا.. 

مناقردى فياف مولات مررسيفية إلى العاصيدة البريطانية وانتدل ون 
نجاح إلى نجاح.. وعرضت أوبرا «الحياة قصيرة» في مدينة نيس بجنوب 
فغرنسا ثم في باريس بمسرح الأوبرا كوميك.. وبدأ المال والشهرة يتدفقان 
عليه بعد طول انتظار.. وفي عام 19/4: عاد إلى عاصمة بلاده مرفوع 
الرأس لتعرض أعماله بمسرح السارسويلا ومسرح لارا وكان أهما: الحياة 
قصيرة: والحب الساحر. 


568 


عبقريات موسيقيه 


وصل دي قايا إلى مستوى من الشهرة والتقدير جعله يواصل العمل في 
العديد من المؤلفات الناجحة التي تلقفها الناشرون في مختلف أنحاء العالم.. 
ووضعته بلاده على رأس المؤلفين القوميين العالميين المعاصرين.. وأصبحت 
مؤلفاته من أفضل ما تقبل عليه الجماهير بمسارح شتى البلاد الأوروبية 
وخاصة المسارح الروسية التي وضعت أحدث تصميمات لرقصات الباليه 
على إيقاعات موسيقاه.. ومن الأعمال التى حققت له المجد الساحق فى 
عام 1916: نجد : في حدائق اعيافةة القيعاث الثلاث. ومولينيرا. ا 

انتقل دي فايا إلى مدينة جرانادا التي اختارها مقرا لسكنه؛ وكان يتنقل 
منها كثيرا ليمضي فترات طويلة بجزيرة بالمادي مايوركا الشهيرة بجمالها 
الساحر.. وظل يسافر في جولات موسيقية كعازف بيانو وكقائد للأوركسترا 
يقدم مؤلفاته في شتى بلاد العالم حتى عام 1934.. وكانت صحته قد 
تأثرت من رحلة حياته الشاقة.. وضي هذا الوقت بدأت الحرب الأهلية في 
إسبانيا.. فأتى ذلك على ما بقى له من أمل في نهضة لبلاده.. 

وانهارت صحته.. واضطر في عام 1939 لقبول دعوة من الأرجنتين 
لقيادة أربع حفلات اوركسترالية تتضمن مؤلفاته.. وفى بيونس ايرس عاصمة 
الأرجنتين؛ اعتبروه ملكا متوجا للفن الموسيقي.. وأغروه بالبقاء في الأرجنتين 
بعد أن كان قد قرر عدم العودة إلى بلاده في ظل النظام الذي لم يرتضه.. 

وفي مدينة «ألتا جراسيا دي قرطبة» بالآرجنتين». قضى سنواته الآخيرة 
مع أخته التي كانت ترافقه في هذه المرحلة من حياته.. وتوفي بهذه المدينة 
عام 1946 عن سبعين عاما.. وأوصى بأن يدفن بمسقط رأسه بأسبانيا. 

والآن نعود إلى الحياة الفنية التي لا تزال نابضة في موسيقاه.. 

اختلف دي فايا مع قوانين بيدريل كما ذكرنا في أنه لم يعتقد في 
استعارة الحان شعبية بحذافيرها في أعماله من أجل إضفاء المسحة القومية 
على موسيقاه.. ولكنه استشف روح هذه الألحان الشعبية وكتب من جوهرها 
موسيقى جديدة تماما ذات طابع قومي.. وبالرغم من ذلك فإننا نجد في 
عمل واحد له ألحانا شعبية بحذافيرها وهو «سبعة ألحان شعبية أسبانية».. 
ويفسر النقاد ذلك بأنه هنا يستعرض دراسة علمية على ألحان شعبية 
واقعية.. ويعلن عن ذلك صراحة في عنوان العمل ذاته فيسميه «سبعة 
انحاخ شعبية أبسائية وشوذالك فإن كل حورببيظاء متمرها كماما البصيمات 


99 


دعوة إلى الموسيقى 


والنبض والروح القومية الإسبانية في الشعور والتعبير ولقد أخطأ الكثيرون 
عندما تصوروا أن ألحان باليه «الحب الساحر» هي ألحان شعبية أندلسية.. 
ولهم العذر في ذلكء لأنها موسيقى مستوحاة بشكل عميق من روح ألحان 
الغجر الأندلسيين.. وجاءت الألحان الجديدة شديدة الارتباط بروح الألحان 
الشعبية لدرجة أن المرء يخطئ ويعتقد أنها شعبية منقولة بحذافيرهاء 
بينما هي ألحان شعبية جديدة كتبها بإبداع ملهم مانويل دي فايا .. 

إن النظرية الجديدة التي ابتكرها دي فايا هي: تجديد وإحياء التقاليد 
الموسيقية الإسبانية التي تمزقت وتشكلت على مر الزمن.. وذلك بخلط 
جديد يجمع بين أشلائها في عصورها المختلفة. من خلال النظرة الشخصية 
للموسيقي المبدع ومن واقع مشاعره ومفاهيمه لهذا التاريخ والآلحان الشعبية 
التي ترمز إلى كل حقبة فيه.. وبتفسير آخرء يمكن القول أن دي قايا أراد 
من خلال شعوره القومي أن يبدع لغة موسيقية جديدة تعبر عن إسبانيا 
الحديثة وتربطها بسائر عصورها السابقة التي اشتملت على ألوان مختلفة 
من الألحان الشعبية.. 

نجد في الألحان الأندلسية روح الشرق تماما وتأثير العرب وموسيقاهم.. 
ويتعرف الكثيرون على روح الموسيقى الإسبانية من خلال موسيقاهم 
الأندلسية.. ولكن إسبانيا تشتمل على جذور شعبية تحتفظ بطابع آخر 
يختلف تمام الاختلاف عن الطابع العربي الأندلسي.. وقد حاول دي فايا 
لذلك أن يجعل من نفسه وفهمه وأحاسيسه بوتقة تنصهر فيها العناصر 
المتفرقة في الموسيقى الشعبية, وتتبلور في ألحان جديدة تعبر عن القومية 
الإسبانية كرهدة واحدة.. 

أبقى دي فايا على الميراث المقامي للموسيقى الشعبية الإسبانية بمختلف 
نوعياتها بأمانة بالغة.. في وسار الأندلسية الطابع استخدم المقامات 
التى ترتبط بالألحان الشعبية الأصلية.. وهى مقامات تختلف عن المقامات 
الأرديسة القناكيه.. وكفرى هن القامات العرفة الخالية من أرباع الأبعاد. 

وحافظ أيضا على الشخصية الإيقاعية للألحان الشعبية المختلفة فى 
مويديقاه الشعبية الحديية وريط رين الإرعاغ والقالب العام الوسيفات قاها 
كما يحدث في الموسيقى الشعبية الأصلية لبلاده والتي يقوم الإيقاع في 
الكثير منها بتشكيل القالب العام للحن.. كما اتبع نفس وسائل التعدد 


عبقريات موسيقيه 


الإيقاعي.. حيث تختلط إيقاعات مختلفة مكونة مزيجا غريبا من الإيقاعات 
الكمدةة التكاملة كناها كنا فرجى شن الانحان انكسبية الأصلية: 

كاخودى هايا كي أسلوب كتابته الاوركسكرالية بالدوسة الفرشهية وله 
الملاو الناء فى لاسرم لأنه لي محف سدريينة النائية منيفته فى زنك اتسال 
لينهل منها ويعبر بألوان اوركسترالية نابعة من بيئته.. ومع ذلك فقد تمكن 
ببراعة نادرة من كتابة نسيج اوركسترالي ثري ومتنوع الآلوان.. وشديد 
الارضاط نما قتطابهموسيعام من ترابط بين هذا النسيج ف خفة وورشاقة 
وتعبير ساحر.. 


بارتوك 

ولد بيلا بارتوك بمدينة «ناجيستز نتميكاوس» المجرية. والتي تنتمي 
الآن إلى رومانيا وتسمى «سينيكولاو». في 25 مارس عام 188١‏ .. ومات 7 
في الرابعة والستين من عمره بمدينة نيويورك في 26 سبتمبر عام 1945. 
وهو ينحدر عن أسرة موسيقية؛ وأظهر مواهبا مبكرة في كل من عزف 
البيانو والتأليف الموسيقي. كان الحفل الجماهيري العام الأول في حياته 
الموسيقية عام 1892: أي وهو في الحادية عشرة من عمره.. كان ذلك بمدينة 
مجرية صغيرة؛ ولكنه ظهر كعازف بيانو متفوق ومؤّلف موسيقي على السواء.. 
فقد شهد هذا الحفل الأول عملا ناجحا من مآثره باسم «الدانوب» يصف 
فيه نهر الدانوب خلال مروره بدول متعددة. وعندما بلغ الثالثة عشرة من 
عمره انتقل إلى مدينة «بوتزوني» التي تسمى الآن «براتسلافا» عاصمة 
إقليم سلوفاكيا بجمهورية تشيكوسلوفاكيا.. وهناك درس مع قائد الأوركسترا 
«لازاو إركل 5:161» ابن المؤلف المجري الشهير «اركل» حتى عام 1899.. 
وبعدها انتقل إلى العاصمة المجرية بودابست ليدرس بالأكاديمية الملكية 
للموسيقى كلا من البيانو والتأليف. وكان في التاسعة عشرة من عمره.. 
وقد اشتهر بالعاصمة كعازف خارق للعادة عن البيانو.. إلا أنه كمؤلف 
موسيقيء تأخرت شهرته حتى عام 1902 عندما تبلورت شخصيته الموسيقية 
بعد أن استوعب أساليب الألماني العظيم ريتشارد شتراوسء وبعد أن اهتز 
كيانه بالتيار القومي الموسيقي الجارف في المجر.. فكتب قصيدا سيمفونيا 
كبيرا باسم 520 في 35 0]| متناولا فيه الأحداث السياسية 


دعوة إلى الموسيقى 





بارتوك 


والاجتماعية ببلاده المستقلة المتحررة.. فعزفت غلى الفور وتلقفتها 
الجماهير بأعظم تقدير في كل من بودابست ومانشستر في عام 1904 . 

إن الموسيقى المجرية الشعبية الشائعة. تختلف هناك كثيرا عن موسيقى 
الريف المجري وألحان الفلاحين البسطاء الاصلاء.. ويعتبر عام ١905‏ حاسما 


عبقريات موسيقيه 


بالنسبة لحياة بارتوكء لأنه في هذا العام بدأ يكرس جهودا متفانية في 
دراسة وتناول موسيقى الفلاحين المجريين. ولقد تعرف على زميله المؤلف 
المجري الشهير «زولتان كوادي» الذي كانت له نفس الاهتمامات؛ ونسقا معا 
جهودهما من أجل موسيقى الوطن القومية, ومن أجل إثراء الموسيقى المجرية 
العالمية بنغمة غريبة جديدة محيبة من ألحان الفلاحين الأصيلة الخصبة. 

وفي العام التالي (1906) تم لهما نشر 20 أغنية مجرية شعبية بمصاحبة 
شيقة من البيانو.. وقد دفع هذا التيار ببارتوك إلى دراسة التيارات المشابهة 
في العالم» فدرس موسيقى التأثيري الفرنسي الشهير ديبوسي بجدية وعمق.؛ 
وخاصة في مجال إثراء الموسيقى الفرنسية بنغمة غريبة من الشرق 
الأقصى... 

وفي عام 1907 عين بارتوك أستاذا للبيانو بالأكاديمية الملكية للموسيقى 
ببودابست.. وقام في نفس الوقت بدراسة الموسيقى الشعبية المجرية, 
وموسيقات البلاد المجاورة وخاصة رومانيا وسلوفاكيا.. وهي البلاد التي 
تتمتع بثراء في الفن الشعبي رغم أقليتها.. كما أنها ترتبط ببلاده (المجر) 
بحدود كانت مفتوحة متحركة قبل عام 1919.. فقد كانت المجر (هنغاريا) 
تضم أراضي أصبحت الآن داخل الحدود الرومانية والسلوفاكية.. أما عن 
مؤلفاته الموسيقية في تلك الحقبة من الزمن. فإنها لم تكن شائعة ولا 
محببة بين جماهير عريضة. فقد تفرغ للدراسة والكتابة.. وتم طبع كتابه 
الأول عن الأغاني الشعبية الرومانية ببوخارست عام 1913. 

وفي نفس هذا العام بدأ تيار الشهرة يزحف عليه. فقد نجح عمله 
الرائع لموسيقى الباليه بعنوان «الأمير الخشبي» نجاحا ساحقاء أدى إلى 
لفت الأنظار من جديد إليه واعادة تقديم أعماله السابقة التي لم تنل 
حظها من أضواء الشهرة.. وتعاقدت معه اكبر دار للنشر الموسيقي بفينا 
يونيفرسال 501105 [01076:58[] على نشر جميع مؤلفاته وتوزيعها في كافة 
بقاع العالم. وكلفته حكومة المجر بكتابة متتالية موسيقية في الاحتفال 
بمرور خمسين عاما على توحيد بلدتي «بودا» و«بست» التي أصبحت العاصمة 
«بودابست».. وقد تناقلتها اوركسترات العالم بمجرد عزفها في هذا الاحتفال 
الدولي الشهير عام 1923 . وظهرت له كتب تشتمل على دراسات عن الموسيقى 
الشعبية المجرية ووسائل تناولها في المؤلفات العالمية وطرق معالجتها موسيقيا 


دعوة إلى الموسيقى 


باللغات المجرية والألمانية والإنجليزية. وخلال هذه الفترة واصل عمله كعازف 
كبير للبيانو في جولات عالمية ناجحة؛ وكان هذا مجالا لتقديم العديد من 
المؤلفات التي كتبها للبيانو خصيصا لهذه الحفلات المتعاقبة. وفي عام 
4 استقال من منصبه كأستاذ للبيانو. وعين في وظيفة هامة بأكاديمية 
العلوم المجرية. حيث أشرف على طبع الأعداد المهولة من الأغاني والموسيقى 
المجرية التي أشرف بنفسه على جمعها وتدوينها وتحقيقها كثروة قومية 
نادرة. وفي الفترة المتبقية من حياته؛ لم يكتب أي موسيقى إلا بناء على 
طلبات خاصة وتكليف من الدولة والهيئات الموسيقية العالمية. 

وفي عام 1939ء عند نشوب الحرب العالمية الثانية كان بارتوك قد فكر 
في ترك المجر والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبالفعل اختتم 
جولته الموسيقية الثانية بالولايات المتحدة في ربيع عام 1940 وبعدها مكث 
هناك كمهاجر مع زوجته وابنه. ولكنه لم يجد السعادة في مجتمعه الجديد, 
فقد كانت صحته في تدهورء وفرص العمل الموسيقي البراق محدودة. وفي 
عام 194١‏ عمل بتكليف من جامعة كولومبيا لإعداد مجلة عن الموسيقى 
الكرواتية السرية الشعبية. ولم يكتب الموسيقى حتى جاءه تكليف خاص من 
مؤسسة كوسيفتسكي 05560121 الموسيقية لكتابة كونشرتو للأوركسترا 
في عام 1943 وهو العمل الرائع التاريخي الفريد في هذا المجال.. وتبعه 
نسوتاتة للقيولينة التفردة ندون مصاحية :وفنن وفاكه اكتشفت مسودة 
كاملة لكونشرتو للفيولا والأوركسترا.. 

وكاستعراض لأعماله؛. نجد أن مؤلفه الأول كان رابسوديه للبيانو 
والأوركستراء و«أغنية البجعة» كانت تعتبر كنشرتو آخر للبيانو إلى جانب 
ثلاثة أعمال كبرى للبيانو والأوركستراء وسوناته للبيانو. وأخرى لآلتي بيانو 
مع الإيقاع» وأيضا مجموعة من 400 عمل صغير للبيانو. خصص الكثير 
منها للأغراض التعليمية وتدريب العازفين؛ ومنها مجموعة ميكروكزموس 
95 الشهيرة. وأعظم أعماله من ناحية القيمة العلمية الموسيقية 
هي ستة رباعيات وترية كتبها وهو في كامل نضجه الموسيقي.. ولقد ساعده 
على إتقانها دراسته المتعمقة للآلات الوترية. فقد درس الفيولينة مع أعظم 
أساتذة معاصرين متخصصين منهم «منهوين». كما انه كتب للفيولينة 2 
كونشرتوء 2 رابسوديء 4 سوناته؛ 44 ثنائية صغيرة مبنية على الألحان 


104 


عبقريات موسيقيه 


الشعبية المجرية.. أما أعماله للمسرح فقد كانت كلها في الثلاثينات وهي 
تعكس موهبة نادرة وثقافة مسرحية متعمقة.. وأهم أعماله الاوركسترالية 
لم تتضمن سيمفونيات: ولكن تضمنت الكونشرتو للأوركسترا-وهو عمل 
أوركسترالي كبير يستخدم فيه آلات الأوركسترا بطريقة الكونشرتوء وهو 
لمسة جديدة حديثة الأسلوب عمق بها الفكر الموسيقي الأوروبي والحس 
الشعبي الهنغاري-كما أن عمله الرائع «موسيقى للوتريات والإيقاع والسيلستا» 
يعتبر لونا غريدا في التراث الموسيقي الإنساني بوجه عام.. وتضمنت مؤلفاته 
أيضا عملا كوراليا كبيراء ومجموعات متنوعة من الأغاني.. إلا أن ألحانه 
الغناتية تعتبر أقل أعماله أهمية.. 

وعند تناولنا لأسلوبه في الكتابة الموسيقية نجد أن أعماله المبكرة قد 
تأثرت بموسيقى ريتشارد شتراوس.. وهي تعكس التيار الهارموني الذي 
ميز الرومنتيكية المتأخرة.. وابتداء من 1904؛ نجد أن أسلوبه تحول من 
التأثر بشتراوس إلى مواطنه القومي الشهير «فرانزليست». ويبدو ذلك 
جليا في «الرابسودي» حيث التحولات اللحنية دء:دهطام:ودسماءعم التي استعملها 
بارتوك طوال حياته كجانب رئيسي في أسلوبه. 

ومنذ اندماجه في الموسيقى الشعبية المجرية وموسيقى الفلاحين 
الجريين عاء 1488 تجدد داك الأستسمال للآتحان الشعبية بإمكاثيافه التى 
تتسم بالبساطة وبتكرار القطاعات اللحنية الصغيرة بطريقة دائمة التنوع.. 
كما أن موسيقاه شعبية الطابع تميزت بالهارمونية المقامية :إدمصعة]] 210021 
التي ترتبط بالمقامات الجميلة السائدة في موسيقى الفلاحين والتي تتشابه 
فى كليواسن الأمثلة مع مقامات لوس المرينة. ورت كملؤاقه الأجدية 
بمسافات هابطة مميزة هى الرابعة التامة المتبوعة بالثانية الكبيرة.. وهى 
المسافات اللحنية التى ول بين اتحانة والأساليت الأكائية اللعديكة كين 
اقل الرايحات العاده تحدرت اسالبي سديكة اهمه الاقنى مشر يفا 
الموسيقى التي تعتمد على مجموعات من اثني عشر صوتا كبديل للمقام 
الموسيقي-وقد تضمنت المقامات الشعبية المجرية السلم الخماسي في بعض 
أشكاله التي تتشابه مع المقامات الإفريقية.. هذاء فضلا عن الإيقاعات 
ذات الضغوط غير المتوقعة, والتي تثري الموسيقى المجرية بحياة متوقدة 
بالعاطفة والحركة.. 


دعوة إلى الموسيقى 


ومن الجدير بالذكر أن بارتوك استعمل بكثرة الازدواج المقامي (إاتاهصه-ز8 
وطرق أساليب كانت شديدة التطور في عصره وهي الدوديكافونية أو الاثني 
عشرية إلا أنه لم يستمر فيها. وهذا دليل على عدم إيمانه بهاء وبعدم 
ملاءمتها لمعالجة الآلحان الشعبية المجرية؛ أما عام 1916: فإنه يشهد استعمال 
بارتوك للمذهب الكلاسيكي الجديد 260-01255155 بحثا عن وضوح اللحن 
الشعبي وعدم تشويهه بالمعالجات المتطرفة والشديدة التطور.. 

كان بارتوك يرقب الحياة الموسيقية من حوله عن كثب. ويتجاوب بمنتهى 
السرعة مع كل جديد في أساليب عمالقة التأليف المعاصرين. ولكنه كان 
يطبق منها ما يتناسب فقط مع التيار القومي المجري المبني على الألحان 
الشعبية أو على الألحان ذات الطابع الشعبي.. فلم يسمح لنفسه بتطبيق 
علوم موسيقية هارمونية تطمس روح بلاده وتحول قوميته إلى عالمية مجردة 
تتشابه في أسلوبها وطابعها مع كافة أساليب العالم في كل بقعة من الأرض.. 
ولكنه أراد من أسلوبه العلمي جعل موسيقى المجر القومية عالمية.. لا أن 
يجعل العالمية هي التي تسيطر على ملامح روح بلاده.. ولقد تأثر بأسلوب 
سترافنسكي-الروسي الأبيض الذي عاش بأمريكا-و يظهر تأثره بموسيقى 
باليهات «بتروشكا» و«طقوس الربيع» لسترافنسكي واضحا في موسيقى 
الباليه التى كتبها فى المجر فيما بين ١914‏ و1919 .. وهى «الأميرة الخشبية» 
ووالبوهانه اتكبية ,مولن كان امقكوانه فالأسباريعرالكالاشيك السديدة» 
بمثابة معارضة للمذهب التعبيري الذي كان سائدا في ألمانيا والنمسا وإيطاليا 
في ذلك الوقت.. وكبديل للأسلوب السيريالي الذي لم يؤمن به ولا بمطابقته 
لموسيقى الشعوبء فإنه اتجه إلى أسلوب «ليسّت» الذي يسمى بالتحولات.. 
ويتناول تطويرا ودراسة وتحويرا للأنماط اللحنية المميزة.. 

استخدم بارتوك الأساليب الحديثة المختلفة ولكن بتحوير يجعلها ملائمة 
لاستخداماته اللحنية والإيقاعية والمقامية.. وكان عندما يطبق نظريات 
التعدد المقامي التي تسمى بوليتونال 2011:0021 فإنه كان يسميها بوليمودال 
041ز1ه لأنه استعملها في مقامات متعددة في نفس الوقت بدلا من 
سلالم تقليدية كبيرة وصغيرة.. 

وعند تقييمنا بارتوك كمؤلف موسيقي معاصرء فإننا نضعه في مصاف 
«سترافنسكي» و«شونبرج»» رغم أنه لم يكن له دور مؤثر في مسار التطور 


1١006 


عبقريات موسيقيه 


الموسيقي العالمي بالدرجة التي اثر بها كل من زميليه؛ و يرجع ذلك إلى 
ظروف قومية بحتة. فبلاده؛ المجر غنية بتراثها الشعبي البكر والذي لم 
يكن قد بدأ النهل منه بعد.. وهي أيضا بلاد تقع في محو الحركة القومية 
الموسيقية لظروفها السياسية والاجتماعية.. فبلاده: المجر. كانت تحت 
حكم عائلة «الهابسبورج» حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.. وكان الذوق 
الموسيقي هناك محصورا في موسيقى «برامز» و«فاجنر». وفيما بين عامي 
90]| و 945 فقدت الجر يها زد على نصف مساحة أراضيها . وهذا نين 
إلى ظروف اقتصادية قاسية مما خلق ظروفا شديدة الصعوية للحياة 
الموسيقية ودفع بالكثيرين من العباقرة الموسيقيين المجريين إلى ترك البلاد: 
بحثا عن فرص العمل ومنهم قادة الأوركسترا: أناتول دوراتي: اويجين 
اورماندي. وجورج شولتي. وبالرغم من ذلكء, فقد صارع كل من «زولتان 
كوداي» و«بيلا بارتوك» من أجل خلق نوع جديد من الموسيقى القومية 
المجرية العالمية المتطورة. 

كان تناول بارتوك للموسيقى المجرية مختلفا بشكل جوهري عن معالجة 
زميله ومعاصره زولتان كوادي.. فقد كان بارتوك شديد التفتح؛ وينهل من 
منابع الموسيقى الشعبية لبلاد أخرى أهمها رومانياء من أجل المزيد من 
الإلهام والإثراء والتجرية والمقارنة.. وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن استخداماته 
للألحان المجرية الشعبية كان بهدف رئيسي هو الاهتداء إلى الصيغة العلمية 
العالمية المناسبة لطرح هذه الموسيقى أمام العالم وفي تيارات التراث الموسيقي 
الإنساني كفن موسيقي قومي متطور فكريا وحضاريا ووجدانيا في نفس 
الوقت.. ولذلك؛ فهو الموسيقي المجري الأول الذي أخرج موسيقى المجر 
إلى مجال الاهتمام العالمي.. 

لعل الميراث الحضاري للمجر بالإضافة إلى النشأة الأولى لبارتوك قد 
عملا على غرس العقيدة القومية الراسخة في قلبه.. فهو ابن لمزارع يرتبط 
بالأرض والريف والفلاحين.. وأمه كانت موسيقية تعمل مدرسة:؛ وقد لقنته 
دروسه الأولى في الموسيقى.. وأتيحت له الفرصة في وقت مبكر من عمره 
للتفريق بين الموسيقى الريفية المجرية والموسيقى الشعبية المجرية التي 
تمتزج كثيرا بموسيقى الغجر المستوطنين بكثرة في بقاع المجرء والذين 
تختلف موسيقاهم جوهريا عن الموسيقى المجرية بالرغم من أن الكثيرين- 


107 


دعوة إلى الموسيقى 


حتى من الموسيقيين المجريين-قد وقعوا في التباس كبير بين موسيقى الغجر 
وموسيقى المجر. وعلى رأس هؤلاء كان الموسيقي العظيم «فرانزليست» 
الذي وجد معارضة شديدة من مواطنيه عندما كتب عن موسيقى بلاده أنها 
مرتبطة بموسيقى الغجر.. ولكن بارتوكء, كان من القلائل الذين تعمقوا في 
جذور موسيقاهم الشعبية وفصلوها وحققوها ونقحوها.. لتحديد الملامح 
القومية الصحيحة لموسيقى المجر المتطورة. 


قوالك موسيخيةه 


الافتتاحية 

تعتبر الافتتاحية إحدى القوالب الموسيقية الهامة 
والمحببة إلى جماهير المستمعين في نفس الوقت. 
فهي قصيرة نسبيا يتراوح طول القطعة منها في 
المتوسط ما بين أربع وعشر دقائق.. وهي تكتب 
لاأوركسكرا القامل يقاهة إيغانيات:انطلويخ 
الاوركسترالي.. كما أنها حركة واحدة سريعة؛ في 
غالبها براقة. نشيطة وتمهيدية معبرة.. وقد مرت 
الافتتاحية بتاريخ طويل من التطور.. وظهرت 
مرتبطة بالآوبرا وبالمسرح.. كما ظهرت مستقلة 
ومحايدة.. كعمل موسيقي له كيانه المنفرد في برامج 
الحفلات الوسيقية؛ 

استعملت كلمة افتتاحية عند6رء017 بمعنيين الأول 
منهما يعني مقطوعة من موسيقى الآلات تعزف 
كمقدمة للأوبرا أو الاوراتوريو أو أي عمل فني 
غنائي ممائل. والثاني يعني عملا موسيقيا مستقلا 
رهم أنه يتبع نماذج افتتاحية الأوبرا أو الاؤراتوريو.. 


الافتتاحية الإيطالية والفرنسية: 
في بداية القرن السابع عشر كانت الأعمال 
الأولى للأويرا والاوراتوريو لا تتضمن مقدمات 


109 


دعوة إلى الموسيقى 


موسيقية بالمرة وأحيانا كانت تتضمن فاصلا موسيقيا قصيرا جدا هدفه 
جذب الانتباه إلى أن العرض سيبداً . ومع تطور فنون الأوبرا والاوراتوريو 
بعد ذلك بوقت قصير دعت الحاجة إلى تطوير مقدمة الأوبرا حتى تكفي 
للتمهيد موسيقيا ونفسيا للأوبرا التي يرفع عنها الستار بعد ذلك؛ وتمخض 
هذا الفطون هن ها بسب بالاقتتانفية الايطالية والترسية.: 

ارخطله الاسكاتحية الإيظالية واس انك الإرطاني سكا زلافى (1659- 
5 أما الافتتاحية الفرنسية فقد ارتبطت باسم المؤلف الفرنسي لولي 
(1687-1632): فقد كان لكل منهما فضل على بلورة مفهوم الافتتاحية في 
بلاده وعلى استمرار هذا القالب الهام وتطوره. كانت كل من الافتتاحية 
الايظالية والغرنسية #كون من خلؤقة أجواع (حركات) مكانيت الامتكاحية 
الإيطالية تبدأ بحركة سريعة تليها حركة بطيئة أو أقل سرعة من الأولى ثم 
تنتهي بحركة سريعة. أما الافتتاحية الفرنسية فكانت على عكس ذلك تبدأً 
بحركة بطيئّة تليها حركة سريعة وتنتهي بحركة بطيئة.. 

وكان الإيطاليون يدعون أن افتتاحيتهم تتفوق على افتتاحية الفرنسيين 
وأكثر خدمة للأوبراء باعتبار أن الجمهور الذي يحضر لمشاهدة الأوبرا 
يكون غفيرا وصاخبا وتلزم لذلك موسيقى سريعة صاخبة نابضة بالحيوية 
والحركة حتى يركن الجمهور إلى الهدوء ويتهياً للعرض الاوبرالي؛ و يضيفون؛ 
سانخرين'آن الوسيقق التطيكة الخرينة والعريضة الت كيدا بها الافقائمية 
الفرنسية هريغو الحمهور إلى الاعتقاد يان الوسيقيين لا بزالوة يخيطون 
آلاتهم استعدادا للعزف. وبالطبع فإن هذه المنافسة (والمبالغة) كانت تخدم 
التطور الموسيقي العام؛ كما كانت ذا مضمون كاريكاتيري أكثر منه واقعي.. 
فالافتتاحية الفرنسية ببدايتها البطيئة كانت كثيرا ما تتضمن القوة في 
الأداء. كما كانت تتضمن التمهيد بالعظمة والرزانة. 

والأسباب الجوهرية للخلاف والاختلاف بين الافتتاحية الإيطالية 
وزميلتها الفرنسية يرجع إلى طبيعة الإيطاليين العصبية والتي تبحث عن 
أحداث التأثير السريع.. وجذب الاهتمام والانتباه بالضجيج والصوت العالي. 
أما الفرنسيون فكانت تدعوهم إلى تكوين افتتاحيتهم ضرورات ماثلة في 
تكوين العمل الاوبرالي نفسه فكانت الأوبرا الفرنسية تتضمن رقصات كثيرة, 
كما أنها طورت فن «باليه الآوبرا» وجعلته جزءا لا يتجزأ من العمل الدرامي 


قوالب موسيقيه 


الاوبرالي.. ولذلك فإن الافتتاحية الفرنسية تضمنت رقصة بطيئة في حركتها 
الأخيرة. وقد كان طابع الرقص الفرنسي في ذلك الوقت وقورا وهادئًا 
ورزينا.. 

ورغم أن نموذج الافتتاحية الإيطالية لم يكتب له الدوام طويلا فإنه كان 
يشبه كثيرا قالب السوناتة الكلاسيكي.. وقالب الحركة الأولى من السيمفونية 
والرباعي الوتري.. ومن الجدير بالذكر أن كلمة «سيمفونيا 12ه510ز5» كانت 
تاق على الاضسابية الايظا ليا وامستعر كينا التغليى طوياة ولأايزال تعمل 
بين بعض فئّات جمهور الموسيقى في العالم كتسمية للافتتاحية بوجه عام.. 


افتتاحيات جلوك وموتسارت: 

لم تكن الافتتاحية الإيطالية ولا الفرنسية تتضمنان ارتباطا عضويا 
بالأوبرا التي تقدمان لها.. وقد فكر جلوك طويلا في ربط الافتتاحية 
بالأوبرا وجعلهما وحدة موسيقنية عضوية مترابطة. ووفق في المرحلة الأخيرة 
من إنتاجه في جعل الافتتاحية عملا موسيقيا يمهد للأوبراء ويعد المستمعين 
لتقبلها . فقد بحث في الرسائل التي تربط بين العمل الدرامي وبين افتتاحيته 
الوشيقية» وح يحقق الك هعد ريظ نياية الانتضاحية بيداية الأويرا: 
أي أنه لم يجعل من الافتتاحية عملا له نهاية مستقلة يصفق بعدها الجمهور, 
بل جعل لختام الافتتاحية ارتباطا عضويا بالأوبرا.. فلا تنتهي الافتتاحية, 
بل تصبح مرتبطة بالفصل الأول.. وبذلك حقق إحدى الوسائل التي مكنته 
من الارتقاء بفن الأوبرا.. حتى أنه لقب بأبي الأوبرا الألمانية ومؤسسها 
وجاء من بعده موتسارت وفيبر وفاجنر ليكملوا الطريق.. وفي افتتاحيته 
لأوبرا «افيجينيا في تاوريس» نجد النموذج الواضح الذي حذا فاجنر حذوه 
في كتابة مقدمة أوبرا «الفالكيري».. فقد صور جلوك فيها «العاصفة القادمة 
من بعيد» «والعاصفة وهي تقترب» ثم «عنف العاصفة» وأخيرا «الإعصار».. 
كل هذا مرتبط بالفصل الأول الذي يبدأ من حيث تنتهي الافتتاحية.. 

وجاء موتسارت العظيم.. وأضاف جديدا هاما في صرح البناء التاريخي 
المجيد.. كان تأثير جلوك على موتسارت واضحا.. ففى افتتاحية أويرا 
«ايدومينيو» عام 178١‏ نجد الخيال والقوة والرشاقة أكثر بزما نجدها في 
الأعمال المماثلة السابقة.. ونستمع إلى الأرستقراطية والنبل في التعبير 


دعوة إلى الموسيقى 


الكلاسيكي الرصين. ونجد أيضا الارتباط العضوي بينها وبين المنظر الأول 
من الأوبرا.. ولكن الارتباط الدرامي بالآوبرا لم يكن قد قوي بالدرجة 
الكافية وهو ما نلمسه في افتتاحيات أوبرات «دون جوان» و«الناي السحري» 
اللتين كتبهما موتسارت يعد ذلك. 

كان موتسارت كلاسيكيا ملتزما .. وكان الالتزام الكلاسيكي بالبناء يظهر 
في اتباعه لقالب السوناته عند كتابته لافتتاحياته مع إدخال تغييرات طفيفة 
لا تغير من جوهر القالب نفسه؛ وكان من الصعب عليه أن يجعل من افتتاحياته 
روايات تحكيها الموسيقى الاوركسترالية ويخضع فيها القالب لمضمون 
الرواية.. ففكر طويلا حتى تمكن من ربط الافتتاحية بالمضمون الدرامي 
للأوبرا دون المساس بقالب السوناته الكلاسيكي البحت؛ فقد استعار في 
افتتاحية «دون جوان» لحنا رئيسيا يرمز إلى التمثال الذي تدور حوله موسيقى 
وأحداث المنظر الأخير من الأوبرا.. وفي أوبرا «الناي السحري» استعار 
الطرقات الثلاث على باب معبد الحكمة وهي الضربات الإيقاعية الثلاث 
للماسونية العالمية.. وجعلها لحنا مميزا في كل من الافتتاحية والأوبرا. 
فالمشاهد الذي يستمع إلى هذه الطرقات في الأوبرا يتذكر على الفور انه 
استمع إليها في الافتتاحية ويشعر أن كلا من الافتتاحية والآوبرا مرتبط 
بالآخر دراميا وموسيقيا. 

وبعد موتسارت نجد أن «فيبر» في افتتاحياته قد تأثر بطابع موسيقى 
أوبراته أي أن افتتاحية الأوبرا عنده تردد ألحانا من الأوبرا التي تفتح ع 
الستار بعد ذلك وتنقل نفس طابع الأوبرا وأحاسيسها. 

... وجاء بتهوفن وكتب ثلاث افتتاحيات لأوبرا «فيديليو» وهي الأوبرا 
الوحيدة التي كتبهاء ونستمع في هذه الافتتاحيات إلى نفس ألحان الأوبرا 
مستعارة بطرق مباشرة وغير مباشرة.. كوسيلة للربط بين موضوع الأوبرا 
وبين الافتتاحية التي تضمنت قصة الأوبرا وموضوعها. 

وقد حاول «روسيني» جعل الافتتاحية ملائمة ومرتبطة بالأوبرا ومتكاملة 
معها.. واعتبرت افتتاحية أوبرا «وليم تل» هي الأولى التي تلائم بين الموسيقى 
الافتتاحية وبين الأوبرا ففيها وصف و(تعبير) يرتبط تماما بالأوبرا ويماثلها 
من الناحية الدرامية والموسيقية بتركيز واختصار.. هذا بالإضافة إلى الجمال 
والرشاقة والمرح والخفة التي تميزت بها موسيقاه. 


قوالب موسيقيه 


وهنا تجدر الإشارة إلى أن الافتتاحية قد تأثرت في القرن التاسع عشر 
بالمدرسة الرومنتيكية.. حيث الانطلاق والتحرر من القوالب أو على الأقل 
عدم الالتزام بحرفية قالب السوناتة.. والانسياق وراء التعبير عن الموضوع 
الدرامي ووصفه؛ء ونقل الصورة الدرامية وتقليد المناظر والأحداث الرئيسية.. 
وهذا ما فعله الرومنتيكيون ابتداء من بتهوفن بشكل مباشر مقصود بينما 
كان الكلاسيكيون يأتون في بعض الأحيان تقليدا وتصويرا للأحدات إلا أن 
ذلك كان مقيدا وغير مباشر نتيجة للالتزام بالشكل وعدم التفريط في 
مقدساته. 

وعندما برزت المدرسة القومية.. وانتشرت مبادثتها .. دخلت إلى الافتتاحية 
الحان الشعوب كوسيلة لنقل الملامح القومية وفقا لهذا التيار الذي تدفق 
بخصوبة في منتصف القرن التاسع عشر ببلاد وسط أوروبا وشرقها وخاصة 
روسيا وتشيكوسلوفاكيا والمجر. حيث عالجت الأوبرا مشاكل الشعوب 
والطبقات الكادحة؛ وهو أيضا التيار الذي استمر في العالم الاشتراكي 
حتى العصر الحديث.. ومن النماذج العظيمة لذلك افتتاحية أوبرا «الخطيبة 
المباعة» للمؤلف التشيكى «سميتانا». 

وفي ألمانيا سار «فاجنر» في خطى «جلوك» و«موتسارت» و«فيبر» إلا 
أنه عاد إن قالب السوناتة العلاسيقى فى افتتاحية أويرا «أساطين الشعراء 
اللقون الف سواه مالوانة بمرنارد» جزانام زنوج زيمتي لطا رضة مومنيق يه 
مستقلة تصلح للأداء السيمفوني في برامج الكونسير وضمنها الألحان 
الدالة الرئيسية للأوبرا-التي سماها دراما موسيقية-ولم يربط الافتتاحية 
بالأوبرا بل جعل لا نهاية تامة يصفق بعدها الجمهور.. ويمكن نقلها إلى 
برامج الحفلات السيمفونية.. هذا فيما عدا افتتاحية أوبرا «تانهويزر» 
التي اضطر إلى إعادة كتابتها لتتناسب مع متطلبات العرض بأوبرا باريس 
ولترتبط نهاية الافتتاحية بالفصل الأول من الأوبرا في موجة موسيقية 
واحدة متدفقة. ا 

وكما كان بتهوفن يروي قصة أوبرا «فيديليو» في افتتاحياتها الثلاث 
بطريقة أو بأخرى نجد فاجنر يفعل نفس الشيء في كل افتتاحياته وخاصة 
افتتاحية أوبرا «أساطين الشعراء المقيوه وهده الافعاميات رغم انتماتها 
وارتباطها بالأوبرا وخدمتها للعمل الدرامي.. فإنها أعمال موسيقية سيمفونية 


دعوة إلى الموسيقى 


رومنتيكية ترتفع فيها القيمة الموسيقية نظرا لعظمة مؤّلفيها وثراء مواهبهم 
وإمكانياتهم.. 

هناك نوع قليل الأهمية من الافتتاحيات يسمى «افتتاحية البوبوري» 
0م20 أي التي تتضمن حشدا لآلحان خفيفة براقة تجدب اهتمام 
الجماهير وترفه عنهم. وهي ترتبط أساسا بأعمال الآوبريت والمسرحيات 
الفنائية النسيظة واشتهر يتاليقها «أوفنباخ» و«سوبيه» و«يوهان شتراوس» 
وعادة تنتقى هذه الألحان البراقة الراقصة من داخل الأوبريت لتكون دعاية 
له.. ونكتة مرحة تمهد لفتح الستار. 

وهناك افتتاحيات العروض المسرحية.. ومنها افتتاحيات «اجمونت» 
و«كوريولان» التي كتبها بتهوفن كمقدمات لمسرحيات مرموقة حتى تمهد 
للمشاهدين وتروي لهم بالأنفام المضمون الدرامي للمسرحية.. ومن النماذج 
البارزة أيضا في هذا المجال افتتاحية «مندلسون» لرواية شكسبير «حلم 

أما الافتتاحية المستقلة أو افتتاحية الكونسير.. فهي ليست أبدا ما 
يقال.. من أنها أي افتتاحية لا ترتبط بالآوبرا.. إلى.. ولكنها تكون أية 
افتتاحية جيدة.. لها قيمة موسيقية عالية تسمح لها بالعرض الموسيقي 
المستقل.. سواء كانت في نفس الوقت مقدمة لأوبرا أو لمسرحية, أو كانت 
عملا موسيقيا بحتا يحمل اسم افتتاحية؛ ويكتب خصيصا للأداء السيمفوني 
في برامج الكونسير كما هو الحال في افتتاحيات برامز العظيمة «الافتتاحية 
التراجيدية» وافتتاحية «المهرجان الأكاديمي».. . 


السوناتة 

ترقبط السوناته في اذهان جمامير الوننيقع بالشكل الف وصنلت إليه 
في مؤلفات عظماء الكلاسيكية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر 
وعلى رأسهم هايدن وموتسارت وبتهوفن.. فقد كتب كل من هؤلاء العباقرة 
عددا كبيرا من روائع التراث الموسيقي في قالب السوناته وأيضا تحت اسم 
وضل'إق الشكل الذى يرقيطل ان أذهاتنا , 

كلمة سوناته 28 مشتقةهة من اللاتينية وأصلها «ع:50131» أى «يسمع» 


1 14 


قوالب موسيقيه 


أو«ما يعزف ويتغنى». وقد التصقت التسمية بالمقطوعات التي تعزف بالآلات 
الموسيقية في مقابل النوعية الثانية من الموسيقى وهي التي كانت تغنى 
بالصوت البشري وتسمى «كانتاتا» وهي مشتقة أيضا من اللاتينية وأصلها 
03 بمعنى «ما يغنى» بالصوت البشري وتطورت السوناته لتصبح أهم 
القوالب الموسيقية على الإطلاق» فهي ذات قالب يشتمل على العرض 
والتفاعل وإعادة العرض والختام؛ و يشتمل على الحوار والدراما بين المقامات 
وجزتيات الألحان وتفاعلها ودراستهاء ولذلك فقد أصبحت الحركة الأولى 
في كل من السيمفونية والكونشرتو والرباعي الوتري؛ بل وسائر الأعمال 
الموسيقية الكبرى الأخرى مثل الافتتاحية وسائر أشكال موسيقى الحجرة 
(الثلاثي-الرباعي-الخماسي-السداسي.. الخ) أصبحت تكتب من قالب 
السوناته. وهنا يجب علينا أن نفرق بين «قالب السوناته» وبين السوناته 
كمقطوعة موسيقية مستقلة تستخدم «قالب السوناته» أيضا في حركتها 
الأولى. فالسيمفونية مثلا وعلى وجه الخصوص «السيمفونية الكلاسيكية» 
هي عبارة عن سوناته مكتوبة للأوركسترا الكامل؛ بينما السوناته تكتب 
ديح ها لكآلة البيافي فاده يك ل وجوه البياق عي كلكلات ناك تريحات 
المفاتيح مثل الكلافيكورد-الهاربسيكورد وهي التي تطور عنها البيانو قبل 
متقصضيف القرق الثامة فشر 

كتب بتهوفن 32 سوناته شهيرة قال عنها النقاد أنها كانت كافية لتخليد 
بتهوفن وتمجيده حتى لو لم يكتب في حياته غيرها. والسوناته تتكون من 
ثلاثة حركات في أغلب الأحيان. وتوجد بعض الأعمال الشهيرة من أربعة 
حركات؛ وعدد أقل من حركتين. وهي تكتب أساسا لآلة البيانو ومنها ما 
يكتب لآلتين يكون البيانو أحدهما. فمثلا توجد سوناتات للبيانو والفيولينة, 
وأخرى للتشيلو والبيانو وأخرى للكلارينيت والبيانو. و يكون البيانو رئيسيا 
في السوناته دائما لأنه الآلة الوحيدة التي تتمكن من عزف الموسيقى كاملة 
بألحانها وهارمونياتها أو القادرة على عزف ثلاثة خطوط لحنية (بوليفونية) 
أو أربعة أو أكثر في نفس الوقت بينما تعجز آلات الأوركسترا جميعا عن 
عزف أكثر من صوت واحد فى نفس الوقت باستثناء الآلات الوترية 
ويتحفظات كبيزة. ا 

يتمكن البيانو أيضا وحده من عزف نغمات متعددة في مساحة صوتية 


دعوة إلى الموسيقى 


كبيرة جدا تشتمل على مساحة جميع الآلات الموسيقية الحادة الطبقة 
والغليظة الطبقة على السواء. ولقد حافظت السوناته حتى ما بعد منتصة 
القرن التاسع عشر على القيم العلمية للتأليف الموسيقي في هذا القالب 
الرصين ولم يتطرف مؤلفوها في التحرر من قيودها العلمية إلا قليلاء وهي 
لذلك لم تستعرض في نماذج كثيرة الإمكانيات الرومنتيكية التي تقدم براعة 
العزف المهولة «فيريتوز و 9711]1051]9» على اليناء الموسيقى الرصين. 
واستمر ان الأدا وهو الجراعة الف كاقرف فرت وا لمبتقة ا الرسيقية عزو كرود 
القوالب إلى مظاهر الاستعراض الفردي في الأداء. لذلك ظل هذا النوع 
من المؤلفات أكثر من غيره محتفظا بقيم الكلاسيكية في صنعة التأليف 
دون صنعة الآداء وبوضوح أكثر. لم تضح السوناته بالمؤلف من أجل العازف, 
بل أصبح العازف دائما في خدمة الكتابة الموسيقية التي تسجل تاريخ 
الفكر والخيال والإلهام الموسيقي. 

سمي قالب السوناته باسم «قالب الحركة الأولى» خاصة عند استعماله 
في الحركة الأولى للمؤلفات الاوركسترالية. وسمي أيضا «قالب السوناته 
السريع» نظرا لأن الحركة الأولى تكون سريعة 20عه411 في حركتها (في 
الزمن).؛ أما الحركة الثانية في السوناته فهي (كما هو الحال في السيمفونية 
والكونشرتو وأغلب المؤلفات الكبرى التي تشتمل على حركتين أو أكثر) 
بطيئة وغنائية الطابع وكثيرا ما تكون في قالب الأغنية الرفيعة لءذآ (الليد)؛ 
أما الحركة الثالثة والأخيرة فتكون عادة سريعة وبراقة وذات صيغة تعرف 





بالروندو 10000 وبالتحديد «الروندو سوناته», نسبة إلى استخدام صيغة 
الروندو في أعمال السوناتة. 

لا تخلو مناهج لآلة موسيقية على الإطلاق من أعمال السوناته:؛ أما 
البيانو فإنه الآلة التي لا يستمتع بها أحد دون أن يعزف أو يستمع إلى 
مؤلفات السوناته. تلك المؤلفات التي احتفظت بقيمها اكثر من أي قالب 
موسيقي آخرء ففي الموسيقى المعاصرة نجد أيضا السوناتات في صور 
جديدة تختلف كثيرا عن السوناته الكلاسيكية المجيدة. ولكنها تحتفظ مع 
ذلك ببصمات التراث العظيم في الوقت الذي نجد فيه القوالب الأخرى 
مثل الافتتاحية والسيمفونية والكونشرتو قد اتخذت مسارات تجريبية شديدة 
البعد عن جدورها العريقة. 


16 


قوالب موسيقيه 


العو نشرتو 

ريما كان الكونشرتو أشهر القوالب الموسيقية الكبيرة وأقربها إلى قلوب 
المستمعين.. لأنه القالب الموسيقي الذي يتضمن أكثر من غيره تجسيدا 
للحوار والدراما والبحث عن الحقيقة بافتراض الشيء ونقيضه.. ولأنه 
رمز لصراع الفرد مع الجماعة وارتباطه بها وانتمائه إليها في معارضة 
والتحام وتقارب وتباعد . والفرد هنا هو الفنان العازف المنفرد .. الذي يعيد 
الخلق الفني.. فهو الذي يمنح الحياة للعمل الموسيقي من خلال نفسه 
وإحساسه وثقافته وخبرته وإمكانياته.. وهو الوسيط بين المؤلف والمستمع 
وبدونه لا يوجد مؤلف ولا مستمع.. ولكل عازف آلته الموسيقية التي تمنحه 
القدرة على الابتكار وعلى الأداء الفني الخالق.. والكونشرتو كما نعرفه من 
أعمال عباقرة التأليف الموسيقي الكلاسيكيين: عبارة عن عمل كبير لآلة 
منفردة مع الأوركسترا الكامل؛ وسواء كانت هذه الآلة المنفردة بيانو أو 
فيولينة أو أوبوا.. أو غير ذلك.. فإنها تقوم بالدور الرئيسي في حوارها 
وصراعها مع الأوركسترا الكامل.. أو بمعنى آخر فإن النصر يكون في 
جانبها رغم موضوعية الحوار.. لأن الكونشرتو يكتب أساسا لإلقاء الضوء 
على الآلة المنفردة المعنية, فيقال كونشرتو للبيانو.. أو للفيولينة أو غيرها 
مع الأووكسهرا .. قفية تستعرطن. الآلة إمكانياتها بأقصى طافاتها في يذ 
عازف بارع متمكن من أداء كل ما يكتب للآلة المعنية مهما كانت صعويته.. 
والكونشرتو هو أيضا تمجيد للعازف المنفرد الذي يفني حياته في التدريب 
الشاق والدراسة الطويلة الجادة.. و يضحي بالجهد والمال من أجل الوصول 
إلى مستوى الأداء المطلوب توفره فى العازف المتمكن من أداء الكونشرتو 
وما مشاكله ين الأعبال اللوسيفية شوق سمي مكل هنذا الشادف 
«فيرتيوزو» 0050:ذ؟ أي العازف الذي يتمكن من العزف ببراعة خارقة.. 
ويسمى أحيانا (سوليست) أي عازف منفرد.ء وأحيانا أخرى يسمى 
(كونسرتست). 

وحتى يستعرض المؤلف إمكانياته في الكتابة لآلة معينة مع الأوركستراء 
فقد تضمن الكونشرتو ثلاثة أجزاء أو حركات تختلف في سرعتها وصيغتها 
وطابعها ونسيجها الموسيقي العام؛ فما يتمكن المؤلف من التعبير عنه في 
موسيقى سريعة جادة يختلف عما يعبر عنه في موسيقى بطيئة غنائية 


117 


دعوة إلى الموسيقى 


حالمة كما هو الحال في الحركة الثانية البطيئة؛ وفي الحركة الثالثة يلتقي 
المؤلف بإمكانيات السرعة البراقة النشطة فى صيغة دائرية استعراضية 
تسمى صيغة (الروندو) 10000.. وكل ذلك لاستعراض إمكانيات الآلة المنفردة 
وفي نفس الوقت؛ لعرض إمكانيات العازف البارع المبتكر الذي تجلس 
الآوركسترا من خلفه مصاحبة ومطيعة تابعة؛ وأحيانا مزمجرة ومتمردة. 
فالكونشرتو بمفهومه العام. تمجيد للعازف المنفردء وللآلة المنفردة 
بإمكانياتهما الهائلة المتميزة.. مع الأوركسترا الكامل بألوانه المتكاملة وأداته 
الجماعي المهيب.. وأحيانا يكون الكونشرتو لآلتين أو لثلاثة آلات منفردة 
بمصاحبة الأوركستراء وفي هذه الحالة يكون التركيز على الآلتين المنفردتين 
اللشين تمتخرضاق إمعاتياتييا. 

وحتى تكتمل لآلة المنفردة فرص استعراض إمكانياتها الكبيرة في يد 
عازفها المتمكن فإن جزءا كان يترك له دون تأليف حتى يرتجل فيه و 
يستعرض براعته وإعجازه وأسرار آلته الحبيبة.. كان ذلك في القرن الثامن 
عشر عندما كان المؤلفون أمثال هايدن وموتسارت لا يكتبون هذا الجزء ذا 
الطابع الارتجالي الحر الذي تتوقف فيه الأوركسترا وتتركز الآذان والعيون 
على العازف الفنان المعجز وآلته العجيبة.. وهو يؤدي «الكادنزا» م2معله0 
التي كان يكتبها هو أو يرتجلها .. وابتداء من القرن التاسع عشر بدأ المؤلفون 
يكتبون «الكادنزا»بأنفسهم قبل ختام الحركة الأولى حتى لا تترك لتصرف 
العازف الذي قد يفكر في استعراض إمكانياته وإمكانيات آلته اكثر مما 
يفكر في وحدة العمل الموسيقى وترابطه.. والآن.. بعد أن تعرفنا على 
الصورة العامة للكونشرتو تعال معي نتعمق قليلا في تاريخه وتطويره 
ومميزاته.. 

إن كلمة كونشرتو في الأصل تعني «يعزفون معا» أو «عمل موسيقي 
يشترك في أداته عدد من الموسيقيين» ولقد استعملت الكلمة بهذا المعنى 
في أواخر القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن السابع عشر عندما 
كانت مقطوعات «الموتيت» للكورال والأورغن تسمى «بالكونشرتو الديني» 
كما هو الحال في مؤلفات «جابريللي» 1587 و«بانكيري» 1595 و «شوتس» 
6 الذي كتب أعمالا صغيرة في قوالب ال «كونشرتو الديني» لا تزيد عن 
كونها أعمالا من «الموتيت» للكورال بمصاحبة الأورغن. 


قوالب موسيقيه 


والاستعمال الأول لكلمة «كونشرتو» كقالب تعزف فيه الآلات الموسيقية 
كان في عام 1686 عندما نشر «توريلي» ما سماه «كونشرتو الحجرة» لآلتين 
من الفيولينة وآلة باص؛ وسار على نهجه أساتذة الفيولينة الإيطاليون 
«كوريلي» و«جيميناني» و«فيفالدي» فكتبوا من أعمال الكونشرتو عددا وفيرا 
كمف الممو تاق كان وتم اموه صغيرة من الآلات الوترية تعزف معا 
وتسمى «منفردة» 5011 تتحاور مع المجموعة الكاملة للأوركسترا الوتري 
وتسمى «ريبينو» 0«هنم أي الكامل. فكانت عناصر الدراما الموسيقية تتواجد 
بين المنفرد والجماعي. و«المنفرد» كان يعني عازفين أو ثلاثة أو أربعة أو 
خمسة و«الكامل» يعني كل الأوركسترا. ولقد سمي هذا النوع بالكونشرتو 
(الكبير) أو (جروسو) نظرا لأن الدور الانفرادي كانت تقوم به مجموعة من 
الآلات.. وكان من أجمل ما كتب بهذا العنوان ست أعمال «ليوهان سباستيان 
باخ» هي كونشرتات براند نبورج؛ وكانت هذه الأعمال تتضمن ثلاث حركات 
أو أكثر.. كان أغلبها عبارة عن رقصات قديمة: كما هو الحال في حركات 
المتتاليات اذن5 ومن ذلك نرى أن قالب الكونشرتو لم يكن قد تحدد بعد إلا 
من ناحية الشكل. وكان «هيندل» 1810061 هو أول من أفرد فقرات للآلة 
المنفردة تستعرض فيها نفسها بطريقة الارتجال كما هو الحال في «الكادنزا» 
التي ظهرت فيما بعد.. وكان قد كتب ذلك لنفسه كعازف للاورغن. كما 
يتضح ذلك من كونشرتو الاورغن الرابع الذي ترك فيه جزءا للعزف المرتجل. 

ظهر الكونشرتو الحديث الذي يمثل براعة الآداء المنفرد 5010 بعد ميلاد 
السوناته الحديثة-وبعد ظهور السيمفونية بوقت قصير.. وكان ذلك على يد 
الكلاسيكيين الآوائل وعلى رأسهم موتسارت الذي كتب ما يقرب من خمسين 
كونشرتو لمختلف الآلات المنفردة ومنها ما كان لآلتين منفردتين.. وقد تحدد 
بثلاث حركات فقط بعد أن استبعدت منه رقصة «المنويت» أو «السكرتزو».. 
كانت الحركة الأولى في «صيغة السوناته» وتبدأ بتمهيد طويل من الأوركسترا 
مورعبارة غن الأنحان الرئيسية «الموضوع الأول» وأحيانا تتضمن «قسم 
العرض» كاملا ومنتهيا في المقام الأصلي وبعده تبدأً الآلة المنفردة» وحينئذ 
ينكمش دور الأوركسترا ويقتصر على المصاحبة في أغلب الوقت.. 

وقبل نهاية الحركة الأولى تتوقف الأوركسترا حيث الكادنزا التي تحدثنا 
عنها.. أما في الحركتين الثانية والثالثة.. فإن موتسارت أدخل تقليدا اتبع 


110 


دعوة إلى الموسيقى 


من بعده بكثرة.. وهو كتابة كادنزات صغيرة.. ليتذكر المستمع إمكانيات 
العازف والكادنزا الكبيرة الأولى ولفرض أسلوب الأداء البارع على قالب 
الكونشرتو.. هذا فضلا عما ينتج عن هذه الفقرات التي تسبق عادة تكرار 
الآألحان الرئيسية-من تأكيد لما يأتي بعدها.. ولفت النظر إلى دوره ومضمونه 
الموسيقي الهام.. ولقد اتبع بتهوفن نفس هذا الأسلوب خاصة في الحركة 
الثالثة من كونشرتو البيانو الثالث.. حيث يسبق تكرار اللحن الرئيسي في 
كل مرة كادنزا صغيرة مكتوبة من المؤلف تمهد للحن الرئيسي الذي يتبعها.. 
وتوضح صيغة الروندو التي تميز هذه الحركة. 

ومن تجديدات بتهوفن الهامة في كتابته للكونشرتو الاهتمام بدور 
الأوركسترا الذي كان يقتصر قبله على التمهيد الطويل للعازف المنفرد- 
وبعد ذلك كان يتحول إلى المصاحبة في أغلب الوقت. فجعل بتهوفن من 
الأوركسترا دورا رئيسيا يتحاور مع الآلة المنفردة و يعمق دورها ومضمونها.. 
حتى أن كتاباته للأوركسترا في الكونشرتات الأخيرة: تعتبر ذات شخصية 
سيمفونية متميزة.. وكذلك فإن بتهوفن هو أول من ربط الحركتين الثالثة 
بالثانية عن طريق وصلات قوية تربط بين طابع وسرعة ومضمون ومقامية 
كل من الحركتين.. وتجعل منهما وحدة سيمفونية تتدرج في بناء قمة الانفعال 
الكبرى قبل نهاية العمل.. ولقد تمرد بتهوفن على مبداً التمهيد بالأوركسترا 
للعازف المنفرد قبل أن يبدأ دوره فجعله يبدأ بعد لحظات قصيرة من عزف 
الأوركسترا ليشترك معها في الاستهلال للعمل الكبير. وإحقاقا للحق فإن 
موتسارت كان قد بدأ هذا التقليد في عملين سابقين له. وتقليد هام آخر 
بدأه بتهوفن في الكونشرتو هو كتابة الكادنزا المصاحبة من الأوركسترا التي 
يؤديها العازف بحرية محدودة مقيدة بعض الشيء.. لأن الأوركسترا 
تصاحبها.. ومثال ذلك كونشرتو البيانو الذي صاغه وأعده من كونشرتو 
الفيولينة الشهير.. 

وعندما كان يكتب الكونشرتو لآلتين منفردتين أو أكثر فإن القالب لا 
يحدث له أي تغيير ولكن ما يحدث هو أن تلقى الأضواء لتبرز آلتين من نوع 
واحد-مثل كونشرتو (موتسارت) لآلتين من البيانو-أو لتبرز مزيجا بين آلتين 
أو أكثر في اندماج ووحدة وتكامل في الطابع وفي المساحات الصوتية كما 
هو الحال في الكونشرتو الثلاثي «لبتهوفن» الذي كتبه للفيولينة والتشيلو 


قوالب موسيقيه 


والبيانو مع الأوركسترا.. والكونشرتو المزدوج للفيولينة والتشيلو مع 
لآتين من الفيولينة وكونشرتات أخرى لآلتين ولثلاث آلات وحتى لأربع آلاات 
من الها رسكو 


الكو نشرتو الحديث: 

عدل المؤلفون الرومنتيكيون الكونشرتو الكلاسيكي ليتلاءم مع شخصية 
المجال لعرض إمكانياته بكافة الوسائل؛ ويساعد المؤلف على التعبير عن 
اثتنين من كونشرتو البيانو والأوركسترا ولم يكتف بربط الحركات المختلفة.. 
بل اسضمل جملا موسيقية واحدة تجري في غروق العمل الكامل وكويحه 
بين نبضه ودمائه.. وأخضع السرعات والإيقاعات المختلفة لتساعد على 
أصبح الكونشرتو حركة واحدة كبيرة تتسع للأحاسيس والعواطف والانفعالات 
المتباينة المختلفة,: ويكون كل حر فيها مميزا بإيقامات :وسرمات وبيثة 
ولقد أثر ذلك على كل المؤلفين الذين أتوا من بعده أمثال «سان صائنس» 
و«ديليب»» أما تشايكوفسكى و«دفورجاك» و«جريج» ودماكس بروح» فقد 
فضلوا اتباع أسلوب الكونشرتو الكلاسيكي الذي تتباين فيه الحركات الثلاثة 
والذي يبنى أساسا في حركته الأولى على صيغة السوناته. 

ورغم أن الكونشرتو الحديث قد طبق قواعد التأليف التى سادت في 
القرن العشرين بما في ذلك من «تعدد مقامي» ودلا مقامية» و«سيريالية» أو 
«اثنا عشرية» فإن القالب العام قد عاد في كثير من الأحيان إلى ما قبل 
الكلاسيكية ليستعيد ملامح «الكونشرتو الكبير» 010550 0006110 الذي يعرض 
مجموعة منفردة من الآللات تعزف معا أو بالتبادل وتتحاور مع الأوركسترا 
الكامل.. ولا يفوتني الإشارة إلى العمل العظيم «كونشرتو للأوركسترا» الذي 
كتبه المؤلف المجري «بيلا بارتوك» والذي جعل فيه من كل آلة في الأوركسترا 
شخصية قائمة بذاتها تعزف منفردة بمصاحبة بقية آلات الأوركسترا .. 


دعوة إلى الموسيقى 





دافيد أويستراخ-فيولينة 


و«الكونشرتو الأكاديمي» ل «بول هاندميت».. الذي يهدف إلى إبراز 
آلات الأوركسترا وإحيائها أو بمعنى آخر-كونشرتو الأوركسترا-وعند 
«سترافنسكي» نلتقي بالإيقاعات المتعددة وبالإنسانية في صورتها الطبيعية 
الأولى.. مع عودة إلى القديم.. إلى أسلوب «باخ» في صيغة عصرية حديثة.. 
تماما كتفسير إنسان القرن العشرين للقيم الخلقية والإنسانية والدينية, 


قوالب موسيقيه 


وارتباط الحديث بالقديم. هذا عن الكونشرتو. وهو ليس سوى موسيقى 
من لون خاص ترتبط بالإنسان وصراعه من أجل البقاء ومن أجل الحياة.. 


الصيعفو نية 

يتساءل الكثيرون عن ماهية السيمفونية.. ماذا تعني وكيف نشأت 
وتطورت.. وما الذي وصلت اليه في تطورها5.. وأخيرا كيف نتذوقها ونستمتع 
بها.. وكيف نتمكن من استشفاف معانيها والتعرف على أسرارها5.. والسؤال 
عن السيمفونية يتزايد .. فهي القالب الأكثر شيوعا وهي الأقيم.. كما أنها 
هي التي تنسب إليها الموسيقى الجادة والجيدة.. فيقال «الموسيقى 
السيمفونية» و ينسب إليها الاوركسترا المتكامل في مجاميعه وفي مستوى 
أدائه فيقال «الاوركسترا السيمفوني» ولنبدأ من الصعب لأنه لا يوجد صعب 
طالما توجد بداية. 

السيمفونية هي عمل موسيقي كبير للاوركسترا الكامل وينقسم عادة 
إلى أربعة أجزاء (حركات) ويمتد طولها الزمني ما بين نصف الساعة وثلاث 
أرباع الساعة.. وهي تدور حول طبيعة مقامية واحدة تميز السيمفونية (كل 
عمل على حدة).. فيقال مثلا السيمفونية من مقام ري صغير لشومان.. 
نظرا لأن السلم أو المقامية الموسيقية تحدد جزءا من الطبيعة النفسية 
للعمل.. ولأن أنغامه تدور في هذا الفلك المعين.. ويختلف كل جزء من 
أجزاء السيمفونية عن الآخر في سرعته وقالبه وطابعه العام حتى يكون 
هذا التنويع إثراء للتعبير الموسيقي وجذبا للمستمع واستعراضا لإمكانيات 
المؤلف.. وحيوية وتجديدا وتكاملا موسيقيا.. فيكون الجزء الأول من 
السيمفونية في صيغة السوناته وهي الصيغة الدرامية الكبرى في مجالات 
الكتاية النسية لما تتضمنه من عتاصير متقابلة ومقامات متنوعة وتفاعل 
ودراسة للألحان وإمكانيات علمية جمالية رائعة.. و يكون هذا القسم الأول 
سريعا جادا في طابعه «الليجرو».. أما الجزء الثاني أو الحركة الثانية 
فتكون بطيئة غنائية في طابعها وفي قالب حر غالبا ما يكون قالب الصيغة 
الغنائية. والجزء الثالث يكون فى صرخة «المينويتو والتريو» متا ع» مناعناصتدر 
والختاء يكو سيريا براها ذا ظابع حفيف وتشيظاءر غاليا ما يكون في 
صيغة الروندو الذي يتكرر فيه لحن رئيسي عدة مرات و يفصل بينه و بين 


دعوة إلى الموسيقى 


إعادته في كل مرة لحن اعتراضي جديد في مقامية مختلفة. 

ولقد بدأت السيمفونية تطورها في العقد الأول من القرن الثامن عشر 
على يد أبناء المؤلف الألماني العظيم باخ ومعاصريهم في دول أوروبا المختلفة.. 
و يرجع الفضل الأكبر في ابداعها لكارل فيليب ايمانويل باخ. وفي إيطاليا 
لعبت مؤلفات سمرتيني نه3:6م5 دورا كبيرا في تثبيت هذا القالب الجديد 
ولفت الانظار اليه.. كما أن فضلا كبيرا يرد إلى مدرسة مانهايم للموسيقى 
السيمفونية وعلى رأسها يوهان شتاميتز منصسةن5 (1757-171) واينه كارل 
(1801-1746) الذي كان يعمل قائدا لأوركسترا مانهايم الشهير.. وهو 
الاوركسترا الذي كان الأول والأمثل في العالم أجمع من حيث الجودة 
وإمكانيات الأداء.. فقد ابتدع هذا الاوركسترا وسائل علمية عملية مذهلة 
في التعبير الموسيقي أوحت إلى المؤلفين المعاصرين له بإمكانيات هائلة في 
مجالات الككاية الوبليقية ركان مقة نالارة لكل من سطع لباه مما عل 
لهذا الاوركسترا فضل كبير على تطوير الكتابة الموسيقية وخاصة على 
القالب الموسيقي الأعظم السيمفونية.. التي كانت لا تزال تحبو في مهدها .. 
ولقد كان أول من كتب السيمفونية من الفرنسيين فرانسوا جوزيف جوسيك 
(1829-1734) وكانت ممارسته لهذه الكتابة السيمفونية نتيجة لما استوحاه 
من شتاميتزء الابن الأكبر لقائد أوركسترا مانهايم العظيم.. وكان في زيارة 
لباريس عام 1750.. 

وفي ذلك الحين.. لم يكن هناك تكوين محدد ومتفق عليه للأوركسترا 
السيمفوني.. فكان يتكون عادة من العائلة الوترية فقط.. وفي بعض الأحيان 
كانت تضاف آلتان من الفلوت أو الابوا أو الكورنو ونادرا ما كانت تضاف 
جميعها مشتركة مع العائلة الوترية.. ولقد تم إدخال آلة الكلارنيت إلى 
الأوركسترا في مرحلة لاحقة.. وكان عنصر التقوية والإثراء الهارموني 
يتأتى عن طريق آلة الهاربسيكورد التي كان يقوم عازفها بالقيادة الموسيقية 
في أغلب الأحيان. ومن المقابلات ذات المدلول العظيم أن عازف القانون في 
التخت الشرقي يقوم بالقيادة أو الرئاسة للفرقة الموسيقية كما أن الطبيعة 
الصوتية لآلة القانون تشبه كثيرا صوت آلة الهاربسيكورد الأوروبية.. 

وفي سنة 1777 كان أوركسترا مانهايم قد تكامل وبلغت شهرته كل أنحاء 
العالم الموسيقي ووصل بعدد عازفيه إلى التكوين الكلاسيكي الأمثل وهو 0! 


1 4 


قوالب موسيقيه 


فيولينة أولى-10 فيولينة ثانية-4 فيولا-4 تشيلو-4 كنترباص بالإضافة إلى 2 
فلوت-2 أبوا-2 كلارينيت-4 فاجوت-2 كورنو فرنسي 2 ترومبيت إلى جانب 
الإيقاع.. وكان أداؤه يتميز بالروح المتوهجة وبالامتياز والرحلة في الأداء 
التعبيري وفي اتجاهات أقواس الآلات الوترية.. ومما قيل عنه.. «بفضل 
عبقرية شتاميتز أصبحنا نتمكن من الحصول على التأتير المذهل الناتج 
عن الظلال والأبعاد والألوان الموسيقية البراقة التي تقابل الأحمر والأزرق 
والأبيض والأسود في الفن التشكيلي».. وهنا تبرز حقيقة تاريخية هامة 
وهي أنه حتى أواخر القرن الثامن عشر لم يكن مؤلفو السيمفونيات قد 
كتبوا بعد لآلات النفخ بشكل رئيسي مستقل إلا بقلة وندرة وكانت لمجرد 
تقوية الأداء الذي كانت تقوم به العائلة الوترية.. وكانت هذه التقوية تتركز 
في الأجزاء الذي يصل فيها الانفعال إلى ذروته أو لتأكيد الهارموني 
والانتقالات الهارمونية ولتأكيد النبض الإيقاعي في أجزاء أخرى من 

وكانت سيمفونية بتهوفن الخامسة «القدر» في حركتها الأخيرة حيث 
المارش العظيم.. هي أول عمل سيمفوني في التاريخ تستعمل فيه آلات 
الترمبون وبالتالي تزيد فيه بالضرورة آلات الأوركسترا عددا لتتوازن أصواتا 
مع الآلات التحاسية.. 

والآن فلنتساءل.. ما معنى كلمة سيمفوني وكيف تطور استعمالها؟ وحتى 
نجيب على هذا السؤال التقليدي نعود بالضرورة إلى الحضارة اليونانية 
القديمة.. فنجد أن الكلمة تعني (صوتان أو أكثر يسمعان معا) وقد نادت 
الحضارة اليونانية القديمة في القرن الرابع قبل الميلاد بضرورة تنمية 
قدرة الاستماع إلى أكثر من صوت واحد في نفس الوقت.. أي إلى 
السيمفوني.. كوسيلة لتهذيب الخلق وتنمية المدارك وتطهير النفوس 
وللارتفاع بمستوى التربية.. وبالتالي فإن كلمة سيمفوني كان لها مدلول 
ثقافي تربوي هام وخاصة في فلسفة أفلاطون وتعاليمه.. وفي القرون 
الوسطى (1400-1000) كانت هذه الكلمة «سيمفوني» تطلق على أي صوتين 
متوافقين يسمعان في نفس الوقت.. ثم أطلقت بعد ذلك على أي عمل 
موسيقي للأصوات البشرية أو للآلات يستعمل فنون الكونتربوينت (فنون 
تعدد التصويت الأفقية) وتكون في الأصوات المتقابلة متوافقة بالضرورة.. 


دعوة إلى الموسيقى 


وكانت نفس كلمة سيمفوني تطلق أحيانا على بعض الآلات الموسيقية التي 
كانت تتمكن من أداء أكثر من صوت واحد في نفس الوقت مثل آلة موسيقى 
القرب كيك تكن العاركامن اداع صركي (الحنيد) توفي تقنسن 
الوقت. 

وهناك مؤلفات تاريخية هامة لا تزال تعتبر دررا موسيقية تحمل اسم 
السيمفونية ولا تخرج عن هذا المضمون مثل السيمفونية المقدسة 010018ز5 
للمؤلف الألماني شوتس التي هي عبارة عن موسيقى للأصوات والآلات 
«تسمع سويا» وهي تضم الغناء في أشكاله المنفردة والجماعية مع آلات 
موسيقية تعزف أيضا منفردة أو بشكل جماعي.. وبعد ذلك بما يقرب من 
ماكة عام كتب باخ الغظيم الكثير من الأعمال تحت اسم «سيمفوني» ومتها 
الابتكارات كدمنامء:م1 وهي عبارة عن مبتكرات دراسية لثلاثة أصوات تعزف 
عا بالبياتو أو الوايسيكورد.. انا رهايدن للقي كرابو السيمفونية التق 
كني 84] ميمقونا هو قلي للق اسع |السديك وني على برياضيياته اللرتويية .. 
وبعد هايدن بما يقرب من قرنين من الزمان نجد المؤلف المعاصر سترافنسكي 
مكيل عليه يتوت عتاها القدي اللبيى:.وذلك قن سملة الشمير 
«سيمفونية لآلات اللفده. 

وفي إيظاليا اتعمات شممشوني ابقد ارسق اوانخر العرون السادس فكتن.. 
فكانت تطلق على موسيقى الآلات التي تتخلل المسرحيات أو أعمال الأوبرا 
أو الاوراتوريو.. وانتقلت التسمية إلى كل العالم الموسيقي الأوروبي.. وكنموذج 
باو ندلكب رالسيمترنية الريقية#لويكد ل رهى غبارة ويد كه ارشيقىن 
الالاح فى واخل العمل الفتاقى الكبيوواوراتوزيو امنيس و1 عا شي 
الأرفرا ككل المسيلك اضرق 8 ككتاه ةبس يوق الآلات وميك 
السيمفونية السابقة للأويرا نهونا سمي فيما بعد بالافتتاحية عتتارء0101© 
ولأوال الكتيرون من مشاهوي الأزيرا في إتجلترا وامريكا يطلقون ملن 
افتتاجية الأوثرا أعمينا القديم ويسيمقوتيون وترى من ولك ان السيمفوتية 
الكلاسيكية هي عبارة عن تطوير بسيط لافتتاحية الأوبرا الإيطالية وكانت 
تتضمن ثلاث حركات. الأولى سريعة والثانية بطيئة يتلوها ختام سريع.. 
وهو ما أخذته السيمفونية وأضافت إليه «المينوتو والتريو» فأصبح كحركة, 
خالذة كيل الخجام السريع.: 


1 6 


قوالب موسيقيه 


وبذلك فإن السيمفونية الكلاسيكية تكونت من أربع حركات: سريع- 
بطيء-مينوتو وتريو-ختام سريع.. أما في فرنسا فإن الافتتاحية الفرنسية 
كانت تتكون من ثلاثة حركات أيضا: بطيء-سريع-بطيء.. ولما كانت بعض 
هذه الافتتاحيات الإيطالية والفرنسية على درجة كبيرة من الجودة فقد 
عزفت في حفلات موسيقية منعزلة كل الآوبرا ومستقلة عنها ودخلت إلى 
آدب الوسيقى الاوركسترالية أو موسيقى الآلات فأصبحت هي السيمفونيات 
الأولى.. هي في ذلك ليست سوى سوناتات؛ مكتوبة للأوركسترا التي تطورت 
أيضا عن موسيقى الأصوات و بالتحديد عن الأغنية-الكانزونا والكانتاتا 
ولكنها كتبت للآلات وأخذت طريقها في التطور.. وتطورت السيمفونية عن 
الافتتاحية وسارت في طريق مواز للطريق الذي سلكته السوناته وفي تشابه 
كبير معهاء فليست السيمفونية إلا سوناته للأوركسترا الكامل أضيفت إليه 
حركة رابعة.. 

وفي أوائل القرن الثامن عشر استعمل باخ السيمفونية-كافتتاحية للمتتالية 
الاوركسترالية في جزثئها الأول.. وأحيانا كان يطلق على كل المتتالية 
الاوركسترالية اسم سيمفونية على أساس أنها تشبه في تتابع حركاتها 
الافتتاحية الفرنسية (بطيء-سريع-بطيء). 

ورغم أن السيمفونيات الأولى كانت تتضمن ثلاثة حركات فإن المؤلف 
النمساوي مون (حوالي 1704) استعمل رقصة المنويتو في الحركة الثالثة 
والأخيرة.. وكان هذا تجديدا في ذلك الوقت.. وقد لاقت هذه الفكرة 
نجاحا كبيرا.. واستمر المنويتو والتريو كجزء رئيسي من أجزاء السيمفونية 
مضافا إلى أجزائها الثلاثة الرئيسية القديمة والمأخوذة عن حركات 
الافتتاحية الإيطالية. كما ذكرنا من قبل المنويتو 211010110 عبارة عن رقصة 
نشآت أصلا في فرنسا ولكنها عاشت وترعرعت وتطورت في ألمانيا.. حتى 
أن الكثيرين من علماء الموسيقى الألمان يدعون لها أصلا ألمانيا.. وهي 
معتدلة السرعة ذات ميزان ثلاثي. جذاب راقص وتتلوها رقصة التريو التي 
هي عبارة عن منويتو ثان ولكن في غنائية عاطفية. والتريو 1:10 كان يعزف 
بعدد أقل من الآلات يعود بعدها المنويتو بالأوركسترا الكامل ليختم الحركة 
الثالثة.. 

واستمر المنويتو والتريو مرتبطا بالحركة الثالثة من السيمفونية متطورا 


127 


دعوة إلى الموسيقى 


معها.. فزاد هايدن من سرعته في بعض سيمفونياته الأخيرة ثم جاء بتهوفن 
الثائر فاستبدل به السكرتزو 566:20 الإيطالي الفائق السرعة والذي تبلغ 
سرعته ما يقرب من ثلاثة أضعاف سرعة ال منويتو الأصلي. وأصبح السكرتزو 
(وهو الحركة الثالثة في سيمفونيات بتهوفن) معبرا عن الثورة على رقص 
الطبقة الحاكمة وترف الأرستقراطية.. فسرعته لا تسمح لهم بالرقص.. 
كما أنه ليس سوى منويتر وتريو ولكن في طابع جديد سريع متحرك 
ومتجدد .. وسمي بتهوظفن لذلك أبا السكرتزو. 

وقد كان كارل فيليب ايمانويل باخ (1788-1714) الراتد الأول للسيمفونية 
وللسوناته أيضا. ووصل هايدن إلى قمة الإتقان في كتابة السيمفونية 
الكلاسيكية بفضل دراسته الوافية لأعمال كارل فيليب ايمانويل باخ.. وتعتبر 
السيمفونيات الاثنتي عشر الأخيرة التي كتبها هايدن لحفلاته بإنجلترا .. 
قمة أعماله السيمفونية على الإطلاق.. ومن الممتم حقا أن بلاحظ المستمع 
بوضوح تأثير عبقرية موتسارت على سيمفونيات هايدن الأخيرة.. فبالرغم 
من أن هايدن يكبر موتسارت بما يقرب 25 عاما وأن موتسارت كان قد 
درس سيمفونيات هايدن الأولى كمدرسة أصلية في الكتابة السيمفونية إلا 
اهائدى تاكر بالسييقونياك الثلاثة الأخيزة الى كعمو مرستبارية كن فتن 
قصيرة قبل وفقاته ووصل فيها إلى قمة عظمته وهي السيمفونيات رقم 39 
و40 و|4.. 

وجاء بيتهوفن بسيمفونياته التسع واضعا للتاريخ النماذج الثورية المعجزة 
للكتابة السيمفونية.. عاش بتهوفن الثورة الفرنسية والثورة الفكرية والانقلاب 
الصناعي وتحرير الطبقة العاملة وكان هو ثورة وانقلابا في حياته وموسيقاه.. 
ربط الموسيقى بالحياة وبكل العناصر الخارجة عن تكوينها الموسيقي 
الكلاسيكي فربطاه بالطبيعة في سيمفونيته الريفية السادسة وتغنت حركتها 
الكافيش را سات اليل والكوانس يكنا أن حركتها الثالثة: في نصفها الثاني 
تضمنت عاصفة عارمة هي صورة للطبيعة الناضبة.. وسيمفونيته الخامسة 
هي تجسيد لصراع الإنسان مع القدر.. وذلك بعد أن كانت السيمفونية 
تعبيرا عن الجمال الموسيقي نفسه في بنائه وتناسقه ورشاقته وإتقان الصنعة 
وذلك للترفيه عن طبقة الأرستقراطيين في مناسباتهم الخاصة المنعزلة عن 
حياة الكادحين من البشر. كتب بيتهوفن مارشا جنائزيا لرثاء الأبطال الشهداء 


قوالب موسيقيه 


وتكريمهم في الحركة الثانية من سيمفونية البطولة (الثالثة) وأدخل آلات 
الترمبون لأول مرة إلى سيمفونيته الخامسة؛ وأضاف إليها مجموعة من 
الآلات الموسيقية الإيقاعية في سيمفونيته التاسعة.. وجعل من السيمفونية 
وحدة مترابطة بوصل بعض حركاتها مثل الحركة الثالثة والرابعة من 
سيمفونيته الخامسة (القدر) التى أعاد فيها فقرات من حركتها الثالثة فى 
جزئها الختامي لتقوية 550000000 الأضوات البشرية بشكل 
جماعي وفردي وثنائي ورباعي مع الأوركسترا الكامل ليختتم سيمفونيته 
التاسعة «الكورالية» بقمة التعبير الموسيقي الإنساني المتكامل.. وليضع تقاليد 
جديدة للكتابة السيمفونية سار على نهجها من جاءوا بعده ليكملوا الطريق 
الظويل:: 

لا يفوتنا أن نذكر سيمفونيات برامز 5دصطةء8 الأربع.. وهم درر رومنتيكية 
كلاسيكية.. حتى أن سيمفونيته الأولى تسمى العاشرة لبتهوفن لعظمتها 
من ناحية, ولأن رسالة بتهوفن العظيم تتحقق من خلال أنغامها القوية.. 
وبنائتها الرصين.. 

وعند برليوز الفرنسي نجد تطورا عظيما في الأوركسترا وفنون التوزيع 
الاوركسترالي مما يثرى السيمفونية بالآلوان البراقة للآلات التي تطورت 
مقافقها والقى ضاف وقطورها شخكامة وإمكاتياث شاقلة تلكعابة 
السيمفونية.. 7 أن استعماله لما يسمى «بالفكرة الثابتة» ع:8 ءع106 (وهى 
نوع من الألحان الدالة القصيرة ذات الشخصية الإيقاعية المميزة والقابلة 
للتلوين والتطوير الموسيقي) أضاف جديدا هاما إلى السيمفونية ذات البرنامج 
(التي تروي قصة أو تعبر عن موضوع).. والى جانب ذلك فإن برليوز استعمل 
الفكرة الثابتة كوسيلة للربط بين أجزاء السيمفونية فاستعمل بعضها بشكل 
مكرر في كل حركة من سيمفونيته «الخيالية» ذات الخمس حركات والتي 
تطبيته تجديدا كبيرا في مجال الكتابة السيمفونية. ْ 

إن سيمفونية هايدن وموتسارت وبتهوفن هي الأساس والأصل.. وهي 
التي تحمل بذور كل ما تبعها من تطور وهي التي يعود إلى محاكاتها كل 
المعاصرين من المؤلفين المحدثين المتطرفين في استعمال الأساليب الحديثة 
التي تبعد عن الجمال بل وعن الموسيقى في بعض الأحيان وتقترب من 
الواقع بضجيجه وفلقه وتساير علوم الإلكترونيات والكون والفضاء.. 


120 


دعوة إلى الموسيقى 


ل جٍ 


وضسيي 6 متم يت مورصم | هي 
| تت رسيم يمسج لي كج رنقم | مجم مستتر)ب كج 





القصيد السيمفونى 
«والرومنتيكية الواقعية, 


القصيد السيمفوني هو عمل موسيقي أوركسترالي حر في قالبه ولكن 
هذه الحرية لا تعني أنه بدون قالب.. وقد ابتدعه المجري القومي فرانزليست 


قوالب موسيقيه 


كتعبير رومنتيكي واقعي. 

فالقصيد السيمفوني يبنى على الموضوع الأدبي الذي يعبر عنه ويتحد 
مع مضمونه الشعري ويتشكل قالبه وأسلوبه وفقا لمساراته. وقد كتب «ليست» 
سبعا من قصائده السيمفونية على قصائد فعلية لشعراء مرموقين مثل 
«الذي اسمع على الجبل»ل «فيكتورهوجو» و«تاسو» لبايرون وكان هدفه فضي 
ذلك أن يكتب تعبيرا موسيقيا عن الفكر والشعور واللون الذي يميز كل 
قصيدة أي أنه كان يريد أن يقول بلغة الموسيقى ما قاله الشاعر بلغة 
الكلمات والشعر. فالقصيد السيمفوني بالنسبة له كان عبارة عن عقل 
الموسيقي الذي يستقبل الفكر والإحساس من القصيدة ويحولها إلى عمل 
موسيقي مطابق للعمل الشعري. 

وكوسيلة موسيقية لتحقيق فكرة بالنسبة للقصيد السيمفوني استعمل 
الوا عفيرا فى الكناية يمد على «الجان معيزة وقوه بإغادقها وطريقة 
«التحويلات» كتطوير لهذه الألحان إيقاعيا ومقاميا.. وهو في ذلك متأثر 
بطريقة «برليوز» في استعماله ل «الفكرة الثابتة» وبفاجنر في «ألحانه الدالة» 
وهي جميعا ترمز إلى شخصيات أو مواقف وتتفاعل وتحرر وهي تتحول 
إلى ألوان مختلفة على حسب تطور الموقف الدرامي أو المضمون الشعري 
الذي تعبر عنه الموسيقى. 

والمهم هنا هو معرفة أن «ليست» لم يكن يمقت القوالب الموسيقية المجردة 
ولكنه بطبيعته الشاعرية ودوافعه الأدبية الدفينة كان يثق في تمكنه من 
إبداع قوالب موسيقية ينطبق كل منها على قالب العمل الأدبي الذي يعبر 
عنه.. وبذلك يتمكن من كتابة قصائد سيمفونية يكون لكل منها قالب خاص 
مميز ومطابق لقالب القصيدة الأصلية وفي نفس الوقت يكون متحدا مع 
الشعر والحس الأدبيء؛ وهكذا تكون عشر قصائد سيمفونية بمثابة عشرة 
قوالب موسيقية مختلفة متجددة؛ ولعل أشهر قصائد «ليست» السيمفونية 
التي تضمنت تجسيدا لأفكاره كانت «المقدمات» وهي عبارة عن قصيدة 
لصديقه الشاعر لامارتين ذات أربعة أقسام مرتبطة ومتداخلة وتبنى جميعا 
بطريقة التحولات اللحنية التي تحدثنا عنها. 

تأثر كل معاصري «ليست» بقالب القصيد السيمفوني وحاكاه جميع 
مؤلفي المدرسة القومية في شتى البلاد الأوروبية.. وبالرغم من أن كل 


دعوة إلى الموسيقى 


نموذج كان خروجا عن قدسيات هذا القالب بالنسبة لفكر «ليست» إلا أنه 
بوجه عام أصبح القالب المرن الذي يسمح باقتناء الألحان الشعبية وتطويرها 
والتعبير بها عن الأساطير والتاريخ والفلسفة لسائر الشعوب التي ساعدها 
القصيد السيمفوني على التغني بقوميتها من خلال ألحانها الشعبية. 

وعلى رأس مؤلفيه بعد «ليست» نذكر زعيم المدرسة القومية التشيكية 
«سميتانا» «تصماءم5» الذي كتب ست قفصائد سيمفونية شهيرة باسم «بلادي»» 
«وبوردين» في روسياء و «سان سانص» في فرنساء و «سيبليوس» في فنلندا 
الذي تغنى ببلاده في قصيده السيمفوني الشهير «فنلنديا». 

أما «تشايكوفسكي» في روسيا و«سيزار فرانك» في فرنسا فهما 
الموسيقيان الوحيدان اللذان كتبا قصائد سيمفونية لا تشتمل على مضمون 
قومي. وهما-ينتميان إلى الجيل التالي «لفرانزليست» فقد كتب تشايكوفسكي 
مراضييد أقبية إضبافية عالية مذل رهاطاكوتوورونيو وجولبية». ْ 

أما «سيزار غرانك» فقد أدخل تجديدا على القصيد السيمفوني الذي 
ظل أوركستراليا حتى كتب هو عملين غنائيين للكورال لهما نصوص شعرية. 


عصور عامة في الموسيقى 

- العصر الإغريقى الرومانى صقددهظ]-مء»:0 

يمتد ما بين 200| أو 46! دوعق ساف 
الإغريقية. وبعد ذلك حتى عام 476 بعد الميلاد في 
مرحلته الرومانية. 

وقد تميؤبيداية هون اللنظطرياك اللوسيقية 
والمقامات ونظم وضبط وتحديد الذبذبات الصوتية 
الخاصة بكل صوت موسيقيء كذلك فإنه شهد 
نهضة في فلسفة الموسيقى.. وبرز لدى الرومان 
استخدام الموسيقى العسكرية وآلات النفخ 
الفجاسية .وس العظريين والرسيقيين افيه 
فيثاغورس_أ فلاطون-بطليموس-ارسطو. 

- العصر الرومانسك- »1502122650006 

فيما بين 250 و ١١150‏ م. و يتميز بالطقوس 
الدينية الكنسية الموسيقية.. وفيه برز التدوين 
الموسيقي وتحددت قوالب الغناء الديني. ومن 
مؤلفيه: بوب-جريجوري-بويتيوس-جيدو دارتسو. 

- العصر القوطي: ء1طاه60© 


(*) عن: دو صن .101 للهده2) عانج5 لمعتدسط8 2ه عممنتضعط ع1 ) . 





دعوة إلى الموسيقى 


فيما بين 1150 و 400ام. وشهد تطور البوليفونية وقوالب الموسيقى 
الدينية. وفى هذا العصر بدأت الموسيقى الدنيوية فى الظهور.. كما أن 
قالب القداس الكنسى تبلور وأضيفت إلى الأصوات الشركة مصاحبة من 
الآلات الموسيقية. ا أهم مؤلفيه: «ليونين» و«لانديني». 

- عصر النهضة: ع0155300معظ1 

فيما بين 1450 و 1600 م. وقد شهد قمة تطور الغناء الجماعي (الكورال) 
بالأسلوب البوليفوني وفيه تطور استعمال الآلات الموسيقية: وبدأت موسيقى 
الحجرة. ومن أشهر مؤلفيه: دي بريه-بالسترينا-جبريللي-دي لاسوء ومورلي. 

- الباروك: عناومتة8 

من 1600 حتى 1750 م: وقد شهد بداية كل من الأوركستراء والأوبراء 
والاوراتوريوء وقوالب الكونشرتوء والفوجه. والمتتالية» ومن أشهر مؤلفيه: 
مونتفردي-كوريللي-فيفالدي-باخ-وهيندل. 

عصر الركوكو والكالاسيكية: [01255122 220 0عمع0ئ1 

ويبدأ من 1740 حتى 1800 م أي أنه متداخل مع الباروك وقد شهد مولد 
السيمفونية وتطور كل من قالب السوناته؛ والكونشرتوء والأوبرا .. والرباعي 
الوتري. ومن أعظم مؤلفيه: هايدن-موتسارت-وبتهوفن. 

- عصر الرومنتيكية: ددواء )مهمه ]1 

فيما بين 1800 و 1900 م.. وشهد مولد وتطور موسيقى البيانو-أغاني 
الليد (الفنية)-السيمفونية ذات البرنامج-القصيد السيمفونيء والدراما 
الموسيقية ومن أعظم مؤلفيه: بتهوفن-شوبرت-شومان-شوبان-ليست-برليوز- 
برامز-وفاجنر. 

- التأثيرية: داوتمهذووع1مت1 

فيما بين 1880 و 1918 م.. أي أنها متداخلة مع كل من الرومنتيكية 
وموسيقى القرن العشرين. وتميزت بموسيقى البيانو-والقصيد السيمفوني. 
ومن أشهر مؤلفيها: رافيل» وديبوسي. 

-القرن العشرون: 17تأمعن) 2010 

فيما بعد عام 1900 م وحتى يومنا هذا .. يتميز بالتعبيرية-والكلاسيكية 
الجديدة-والرومنتيكية الجديدة-واتجاهات كثيرة متعددة أخرى منها الموسيقى 
الإليكترونية والدوديكافونية. ومن أشهر مؤلفيه: شونبرج-برج-بارتوك- 


1! 4 


عصور موسيقيه 
هندميت-سترافنسكي- شتوكهاوزن-فيبرن-نونو. 


العصر القوطي 

كان أسلوب الحياة في كل عصر من العصور متميزا في جوانبه الفكرية 
والاجتماعية والسياسية.. وكان لكل من هذه العصور مجالات تفوق؛ تكاملت 
مع بعضها عبر الزمن بشكل يجعل الإنسان المعاصر يرجع كل حركة موسيقية 
أو اتجاه جديد أو نظرية علمية موسيقية إلى جذورها التاريخية.. ليرى 
مثلا تطور الآلات والقوالب وأساليب الكتابة والأداء الموسيقي وارتباطات 
اللوشيقى بالدين»والعالم الشاريجي والفاشعة.واتتكر.. إلى اآخر ذلك من 
ازتباظات تجعل من الفتون والعلوم ونحدة متكاهلة:, حكى لآ يرى الإتسان 
فنا معمارياء مغايرا في أسلويه عن ما يسمع من قن موسيقي: ومغايرا في 
فكره عن فنون الشعر والآدب والدراما.. لآن العقل البشري يربط بين 
حواس السمع والبضن في الإنسان الواحد الذي من أجله ومن أجل تكامله 
وتوازن قيانه حاعف كبرورة القن مرنيظا هن كل بعزانية. ومتسها ف كل 
مظاهر الحياة.. 

كانت الحياة والفكر في العصر القوطي تتميز بالطابع الديني.. فالكنيسة 
الضخمة-« الكاتدرال» كانت خلاصة الإلهام: فبد اخلها تكاملت فنون الخطابة: 
والرسكي: و اله رافا الحية والتجت وا لتسيد سس وكات اسان محدة 
إحساسه بوحدة المشاعرء و يستعيد توازنه وتوافقه مع نفسه.. وقد وصل 
الدين في إلهامه ثلفن والفكر إلى ذروة تأثيره في هذا العصر الذي سمي 
بالعصر القوطي 6ذ60 نسبة إلى الفن ا معماري الذي يحمل نفس الاسم 
كما سنوضح بعد قليل. وقد حدد المؤرخون لهذه الحقبة من الزمن؛ الفترة 
الواقعة فيما بين 150! و ١400‏ ميلادية.. وهو التاريخ الذي يفصل بين ما 
سمي بالرومانسكء وبين عصر النهضة الذي يبدأ بعام 1400 م. 

في القرن الثاني عشرء بنيت كنائس شاهقة؛ على رأسها كنيسة «شارتر»؛ 
و«توترذام» بباريسء: وكانت هذه النماذج المعمازية المميزة تقوم كمهد يبارز 
لوجهات نظر اعد يرز فى مجالات التهورى الفلى بوحه هار ينا فى لكا 
التعبير الموسيقي. فاللغة الموسيقية لهذا العصر تحولت إلى لغة عالمية 
مشتركة بين شعوب أوروبا التي وحدت الكنيسة بين مشاعرها وأفكارها 


دعوة إلى الموسيقى 


وفنونها.. 

وكان ذلك متميزا بشكل خاص في المائة عام الأولى من العصر القوطي؛ 
وقد قام موسيقيو هذا العصر بالتعبير بنجاح عن كل جوانب ملامح العصر 
والتوحيد بين المفهوم والإحساس الموسيقي العام وبين كل ما كان سائدا في 
الفكر والفن. و بالطبع فإن روح العبادة والدين هي التي كانت سائدة 
ومسيطرة:؛ كما أن الشعور الروحاني العجيب الذي كانت توحي به عجائب 
المعمار القوطي في الكنائس الضخمة ذات المنارات الشاهقة المسحوية 
بشكل انسيابي في اتجاه السماءء كانت تقوي روحانيات الإنسان. وقد 
وجدت الموسيقى تعبيرها في الأسلوب البوليفوني الذي يتميز بالخطوط 
اللحنية المتعددة, والتي تصل بمساراتها الآفقية المتشابكة إلى تعبير سمعي 
مماذل.. 

لقد تميز التعبير الديني في الفن إبان العصر القوطي بالبعد عن الغيبيات 
التي سادت في العصر الرومانيء والتي اكتنفها الكثير من الغموض.. ولذلك 
فإن موسيقى وفنون العصر القوطي اتجهت في تعبيرها الديني إلى الإيمان 
العميق: والى ما سمي بالأسلوب الإنساني أي الدين والعبادة وطقوسهاء من 
أجل سعادة البشر.. والآن» دعونا نفوص قليلا في الظروف الاجتماعية 
والفكرية التي شكلت الشعور الروحاني الذي ميز هذا العصر.. 

كانت المنطقة المحيطة بالعاصمة الفرنسية باريس تسمى في العصور 
الوسطى-جزيرة فرنسا-وكانت أرضا خاصة بالملك وهذه البقعة هي نفسها 
التي نبعت منها مميزات الزعامة الثقافية لفرنساء وهي أيضا التي منحت 
العالم الأسلوب القوطي في الفنون. فالفن المعماري الفرنسي ونظريات 
الفلسفة والغناء الجماعي «الكورال» البوليفوني نبعت من جزيرة فرنسا 
هذه وخاصة من جامعة باريس.. ومن هناك انتقلت إلى سائر بقاع أوربا 
التي قامت بنقلها. ولقد كان السبب السياسي في هذه الزعامة. هو حكم 
الملك «فيليب أوجستوس» الذي حكم فرنسا قيما بين ١180‏ و ١223‏ ميلادية, 
والذي كان الزعيم المدني لكل أوربا.. خفي عهده أنشئت جامعة باريس 
بزعمائها الذين قادوا حركة الفكر وحددوا مفهوم الثقافة في هذا العصر.. 
وهم (بيتر لومبارد-البرتوس ماجنوس-توماس ايكيناس).. وكان من البديهي 
أن يتطور الفن الموسيقي الذي تميز بالغناء الكورالي البوليفوني.. في ظل 


36 


عصور موسيقيه 


هذه النهضة المعمارية والفكرية التي ترددت في أجواء كنائس نوتردام: 
وشارترء وجامعة باريس.. وقد قام بالزعامة الموسيقية في مجال الكورال 
البوليفوني المؤلفون: ليونين» وبيروتان» وبيير دي لاكروا.. ومعاصروهم.. 

سادت الحركات الاجتماعية في هذا العصر قوة فكرية نابضة.. فالمجتمع 
الذي يعتبر الأساس والأصل لكل الإبداع الفني تميز بفيض من الفكر 
الإنسانيء وباتجاه دنيوي متزايد في مقابلة الروح السائدة فلم يكن هناك 
صراع بين فن ديني وآخر دنيوي.. ولكن كان هناك فكر متحرر دنيوي.. 
وروح دينية أخلاقية سائدة أكدت المذهب الإنساني.. ولقد تحددت الجذور 
الاجتماعية بعناصر هامة هي نزوح الريفيين من القرى إلى المدن الجديدة 
التي كانت تنشأ وتعمرء وإنشاء الطرق الدولية التجارية المعبدة التي كانت 
تربط بين فرنسا وإنجلترا.. . وكذلك ازدهار التجارة البحرية بين فرنسا 
ودول أخرى كثيرة.. وأدى ذلك إلى ظهور طبقة جديدة من الميسورين 
المتوسطين (البورجوازيين) .. كل ذلك جعل من الفن وسيلة إنسانية أخلاقية 
روحية وثقافية فكرية.. وقد أصبح العصر القوطي بذلك مدرسة فنية 
متكاملة لكل طبقات المجتمع الذي كان مركز إشعاع علمي وفكري وفني.. 
وهو أيضا مجتمع الفن الديني المتعبد في الكنائس القوطية الشاهقة الضخمة 
التي مزجت كل ذلك في الفن الإنساني المتكامل. 

وعند تناول أسلوب وإمكانيات الفن القوطيء فإننا نرجع إلى الملامح 
الاجتماعية التي شكلت كل ذلك.. فقد أصبحت الكنيسة لا تتزعم الثقافة 
والفكر.. والمدارس الدينية بدأت تقفل أبوابها لتفسح المجال للمدارس العامة 
والجامعات التي انتشرت في القرن الثاني عشر.. وقد أنشئت جامعة 
اكسفورد عام ١167‏ م وتبعتها جامعة كامبريدج عام ١209‏ م؛ وقد تضمنت 
المناهج علوم اللاهوت إلى جانب الطب والأدب والفلسفة والفلك والرياضة 
والموسيقى والشعر وفقه اللغة.. فالأسلوب قد تأثر بالعلم والدراسة والجو 
الأكاديمي الإنساني. 

لقد كانت جامعة باريس نموذجا للمناهج العلمية المهيأة بالإمكانات 
اللازمة.. فلم يكن ينقصها الأساتزة ولا الإمكانيات المالية ولا عنصر الحرية 
اللازم لانطلاق العلوم والفنون.. هذا فضلا عن الموقع الجغرافي الرائع في 
قلب باريس والثراء الذي كانت تزخر به هذه البقعة والرعاية الملكية الخاصة 


17 


دعوة إلى الموسيقى 


ذات الطابع المدني البحت.. ومن أجل الخروج إلى العالم بأرقى مستويات 
العلوم والفنون.. خفي هذه الجامعة برزت أرقى النظريات الموسيقية التي 
ارتبطت بالرياضة والفلسفة والفلك وغنون النحت والتصوير والعمارة: وفيها 
كان العقل والمنطق يحكمان الفكر بدلا من النزعات الدينية المطلقة التي 
كانت سائدة في العصور السابقة على العصر القوطي.. وتبلور ذلك إلى 
الحركة الإنسانية التي ميزت القرن الرابع عشر في أوروبا. 

تشكلت علاقة الإنسان بالخالقء فبعد أن كانت إيمانا مطلقا وعقيدة 
يحكمها الإيمان المجرد أصبحت العلاقة تتحقق بشكل إنساني أي أن الإيمان 
بالله اصبح من خلال قوة المنطق والعقل؛ وقد تحقق ذلك لإنسان العصر 
القوطي بمفهوم الجدل الفلسفي العلمي الذي كان أحد مظاهر الحضارة 
الأكاديمية المتكاملة للعصرء والعمارة القوطية المتجسدة في البناء الرائع 
الضخم والمنارات الناطحة للسحاب كالسهام الشامخة؛ وكانت هذه العمارة 
أيضا تجسيدا للفن العلمي المتطور والمرتبط في نفس الوقت بالعبادة.. وهو 
أيضا الفن الذي أدى إلى أسلوب مماثل في الغناء الجماعي (الكورالي) 
بشكل بوليفوني (أي متعدد الخطوط اللحنية بشكل يبدأ بلحن ثم يضاف 
إليه لحن ثان ثم لحن ثالث فرابع).. وهكذا حتى يبلغ التعبير الديني ذروته 
خلال التعبير الجماعي المتزايد الكثافة.. تماما كالارتفاع في الأسقف 
والمنارات للبناء الداخلى والخارجى فى الكنيسة.. التى كانت مركزا لفنون 
العصين: 1 00 ١‏ 

فالأسلوب الموسيقي الذي سمي بالأسلوب القوطيء تطابق مع العمارة 
التي أدت إلى وجوده والتي اشتركت معه في تعبير مشتركء فلم يكن ممكنا 
لهذا الأسلوب أن يتخذ شكل اللحن العريض الجميل فحسب. ولكن إضافة 
العناصر المعبرة المتعددة والكثيفة فوق هذا اللحن العريض الجميل: كان 
ضرورة لإعطاء الشعور بالبناء الشامخ والهادئ في نفس الوقت. وكان ذلك 
رد قعل لأسلوب العصر الروماني السابق للعصر القوطي.. وهو العصر 
الذي تميزت آلحانه بالحزن والقتامة والتعبير عن العقيدة المطلقة دون فكر 
أو وجود للانسان كإرادة حرة في العبادة. 

كانت القيم الجمالية في الموسيقى هي نفس القيم الجمالية في التعبير 
الفني المعماري عن وقار الكنيسة وعظمتها.. فقد كان اللحن الرئيسي 


عصور موسيقيه 


يعرف بالغناء الجريجورياني (نسبة إلى جريجوري في القرن السادس 
الميلادي) الهادئ العريض وتبنى عليه وتشترك معه في الأداء؛ ألحان مقابلة 
حرة لتحقق التعبير الروحاني والفكري-في نفس الوقت-المقابل للتعبير 
المعماري القوطي للكنيسة. وفضلا عن ذلك فإن البناء المعماري كان يقوم 
على شكل رئيسي للصليب.. تتشكل عليه كافة المساحات في البناء الكنيسي.. 
وكان يقابل ذلك في الموسيقى ما نجده من لحن ثابت رئيسي غنائي عريض 
يسمى باللحن الجريجورياني وتبنى عليه جميع الخطوط اللحنية التي يتكامل 
بها اللحن ليسمى (البوليفونية الكورالية).. 

وكما أن العمارة القوطية كانت تقوم على إضافة عناصر متعددة بعضها 
فوق بعض تبدأ من البسيط العريض وتتزايد وتنسج الذروة الشاهقة: فإن 
الفن الموسيقي كان يبنى على الأصداء المتعاقبة بين جوانب الكتابة البوليفونية. 
أي أن الألحان كانت تضاف بعضها فوق بعض مما كان يؤّدي في بعض 
الأحيان إلى أسلوب متنافر يزيد من عبء القواعد العلمية للكتابة البوليفونية 
الملتزمة.. وهي المشاكل التي وجدت الحل الكامل في عصور الباروك قيما 
بعد. 

كانت الكنيسة القوطية تشيد في وسط المدن إبان القرون الوسطى 
فكانت مناراتها الشاهقة تشاهد من آفاق بعيدة من المنطقة كما أن كثافتها 
من الداخل كانت تمثل مشهدا من النشاط المدني الديني الذي كان يعبر 
بوضوح عن مركز الثقل في كل أوجه الحياة بالمدينة. فقد كانت المسرحيات 
الدينية تقدم هناك وكان رجال الدين المتجولون يلقون هناك بمواعظهم.. 
هذا في إطار فني يضم اللحن الرائع والأحجار الضخمة والجدران الزجاجية 
الملونة التي كانت تزين من الداخل برسوم دينية تهدف إلى نشر الفضيلة 
والجمال بين سكان المدينة.. ولقد شهد القرن الثاني عشر بناء ما يزيد 
على خمسين كنيسة بهذا الأسلوب القوطيء الذي اعتمد على الخطوط 
المسحوبة الانسيابية وعلى الحوائط الزجاجية الرقيقة التي استعملت كنوافذ 
ضخمة مزخرفة.. وتحولت فيما بعد إلى جدران رقيقة كاملة. 

أما فن النحت فقد شكل جزءا هاما في الفن القوطي بداخل الكنيسة 
وخارجها.. ولقد اعتمد على التعبير الإنساني وعلى الأشكال الجادة وتعبير 
الوجه.. بدلا من المبالغة في تمجيد الجسد وجماله.. هذا مع إبراز الجمال 


36 


دعوة إلى الموسيقى 


الطبيعي دون مبالغة.. وذلك كرد فعل للضخامة وتأليه الجسدء الذي كان 
شائعا في العصر الروماني السابق.. ولقد كان ذلك جمالا نيا متكاملا مع 
فنون العمارة والغناء في الكنيسة القوطية التي كانت مركز فنون ذلك العصر.. 

كانت كنيسة نوتردام بباريس هي مركز الزعامة الدينية والفنية كما 
ذكرنا من قبل. كما أن موسيقى القرن الثالث عشر يتم الرجوع إليها على 
أنها (الفن القديم) نومك 4:5.. ولعله من الملفت للنظر أن العصور المختلفة 
في تاريخ الموسيقى الغربية تكرر نفساء غفي القرن الرابع عشر كان 
الموسيقيون ينظرون إلى أسلافهم في القرن الثالث عشر بنفس الطريقة 
التي ننظر بها نحن في القرن العشرين إلى مؤلفي الموسيقى في القرن 
الماضي. وباختصار شديدء فإن القرن الثالث عشر كان ذا أسلوب قديم 
يسمى بالفن القديم نسبة إلى الفن اللاتيني القديمء: وكان ذلك يرجع إلى 
السير على نهج مدرسة باريس التي اعتبرت مصدرا لكل الإبداع الفني 
والفكري في ذلك الوقت. وكانت مؤلفات (ليونين) موسيقى نوتردام الذي 
عاش في أواخر القرن الثاني عشر هي التي حاكاها مؤلفو القرن الثالث 
عشر وعلى رأسهم بيروتان. 

كان بيروتان يحمل لقب «ماجستير» :210815166 وهو لقب علمي كان يطلق 
في ذلك الوقت؛ على أعظم الموسيقيين بوصفهم أساتذة كبار.. وكان يعتبر 
أهم مؤلف في مدرسة «الفن القديم» ولقد شاعت أسماء هامة كثيرة في 
جمالات التآليف والنظريات الموسيقية منها (فرانكو الكولوني): (و بيير دي 
لاكروا). 

ولقد لعبت المؤلفات الكنسية القوطية التي عرفت باسم «البوليفونية 
الدينية» دورا عالميا هاماء فعن طريق الكنيسة انتقلت إلى بلاد كثيرة وقامت 
بتوحيد الشعور الفني القوطي بين سائر الشعوب الأوروبية وخاصة بين 
فرنسا وإنجلترا واسكتلندا وأسبانيا.. ولقد اعتبر الفن القديم في العصر 
القوطي مماثلا للفن القديم (الكلاسيكي) الأساسي الذي كان مصدره العصر 
اليوناني العظيم قبل الميلاد.. والذي وجد صحرة رئيسية في القرن الثامن 
عشر الميلادي المعروف بالعصر الكلاسيكي في الموسيقى. أما الفن القديم 
في العصر القوطي فقد استخدم التراث الجريجورياني القديم بوسائل 
حديثة ممتزجا بقوالب كان مؤلفو نوتردام قد ابتكروها مثل «الاورجانوم» 


1 10 


عصور موسيقيه 


و«الموتيت».. 

كان «الاورجانوم» هو النوع الرئيسي من المؤلفات الغنائية حتى عام 
0 .. وكان يتكون من ثلاثة خطوط لحنية وأحيانا من أربعة ألحان تؤدى 
في نفس الوقت بطريقة بوليفونية رائعة. وكان الأداء يتم بواسطة أفضل 
المغنين في الكورال.. وكانت له وسائل علمية رائعة منها النماذج الإيقاعية 
المحددة التى كانت تبرزه.. فضلا عن صوت الباص المتكرر «أوستيناتو» 
مق م05 الذي أصبح شائعا في كافة الأساليب التي استحدثت في التراث 
الموسيقي بعد ذلك. وأهم ما يجب ذكره هو أن تطوير هذا الأسلوب أدى إلى 
والكم مم أمقه 5 الذي تتحرك فيه الأصوات معا من نوتة موسيقية 
إلى أخرى بشكل إيقاعي موحد. 

أما (الكوندكتوس) 002010105 فقد كان عبارة عن مجموعة من القوالب 
الغنائية البوليفونية تتحرك فيها الأصوات (التي كانت من صوتين فقط في 
أغلب الأحيان) بشكل إيقاعي منتظم.. وكان (الكوندكتوس) هذا يتميز بنص 
لاتيني في أي موضوع ديني أو سياسي أو اجتماعي مرح. ولقد عرف نفس 
هذا القالب في إنجلترا باسم آخر هو «جيميل» بمعنى توأم.. ويتميز بأنه 
استعمل مسافات هارمونية جديدة لم تكن مستعملة من قبل وهي مسافات 
الثالثة والسادسة. 

أما «الموتيت» :210166 فقّد اعتبر أهم قوالب (الفن القديم) وقد استمر 
شائعا مفضلا حتى نهاية عصر الباروك في 1750.. وقد كان الموتيت في 
القرن الثالث عشر جزءا من طقوس العبادة وغير منفصل عنها-وهو غنائي 
من أصوات متعددة تتحاور في أصداء.. وفي أحيان كثيرة كان اللحن العلوي 
في الموتيت يستعار من غناء دنيوي.. 

ومن الجدير بالذكر أن «فرانكو الكولوني» الذي عاش حوالي عام ١260‏ 
لعب دورا هاما في تطوير التلوين الموسيقي فهو أول من أضاف علامات 
تحديد الموازير (الخطوط الفاصلة الرأسية على المدرج الموسيقي).. ولقد 
تطور التدوين في خطوة تالية بعد ما يقرب من قرن من الزمان على يد 
(فيليب دي فيتري) الذي ابتدع التدوين المحدد الموازير وهو التدوين الذي 
حدد النسب الإيقاعية للأصوات الموسيقية بشكل دقيق متوازن.. 

أتى القرن الرابع عشر-في نفس العصر القوطي-يما سمي بالفن الجديد 


لكل 


دعوة إلى الموسيقى 


45 نسبة إلى التجديدات الموسيقية التي استحدثت في الحقل 
الموسيقي فيما بين 1300 و 1400 ميلادية في كل من فرنسا وإيطاليا. ولقد 
كانت القرون السابقة للقرن الرابع عشر تحفل بالجنود المجهولين في مجالات 
الإبداع الموسيقي.. فالكثير حظي بأسماء عديدة خالدة على رأسها : «فيليب 
دي فيتري».؛ «جيوم دي موشيه». «فرانتشكو لانديني». «ياكوبو البولوني». 
«جيرارديللو الفلورنسي». وأصبح هذا القرن يزخر بالمدونات الواضحة 
التدوين و بالأسماء اللامعة. 

ولتوضيح ملامح الفن الجديد دعونا باختصار شديد نلقي الضوء على 
العناصر المتباينة بينه وبين الفن القديم. فبينما نجد الفن القديم مشغولا 
بالازدهار العلمي الحديث و بالروح الدينية السائدة و بالمقامات الموسيقية 
القديمة الموروثة من الموسيقى اليونانية القديمة. نجد الفن الحديث يتميز 
بإهمال الكثير من المبادئ الرئيسية التي سادت القرن الثالث عشر. فقد 
زخر القرن بحرية إيقاعية جديدة (ثنائية) إلى جانب الإيقاع الثلاثي الذي 
كان سائدا . وفي إيطاليا تم الاستغناء عن ما يسمى (باللحن الثابت): الذي 
كانت تبني عليه وتتناسب معه كافة الخطوط اللحنية البوليفونية المقابلة.. 
وشاعت أيضا الألحان الدنيوية المرحة المتموجة فى تكوينها والتى تصارعت 
مع التقليد السابق من الآلحان الجريجوريانية. ْ ْ 

وفي مجال الموسيقى الدنيوية نجد أنها خطت خطوة عملاقة نحو ترسيخ 
أقدامها.. ففي إيطاليا بدأت اللغة العامية تحل محل اللاتينية العريقة.. 
وفي نفس الوقت ساد أسلوب الكتابة الموسيقية البوليفوني بشكل فائق 
الدكة وانساس كما أن الأشهاز الناطنية درريك اكه ومعابااتها في الحان 
«لانديني» زاد الهوة بين الكنيسة والمجتمع الدنيوي وقد كان «لانديني» (1325- 
7) هو المؤلف الموسيقي الرائد في مجال الفن الجديد في إيطاليا.. ومن 
أهم أعماله مجموعات من: (المادريجال: الكاتشياء البلاتا).. و«المادريجال» 
عبارة عن أغان عاطفية لصوتين أو ثلاثة لها طابع ريفي أو نص عاطفي.. 
و«الكاتشيا» هي أغنية صيد بوليفونية أيضا وتلعب فيها الآلات الموسيقية 
دورا رئيسيا .. أما «البلاتا» فهي شبيهة بالمادريجال في نصها ومضمونها 
العاطفي الغنائي وسنافتيا الساكية الروليق و يي 7 

ومن أهم إضافات «لانديني» إلى العلوم الموسيقية هو ما يسمى الآن 


12 


عصور موسيقيه 


بقفلات لانديني وهي استعمال لحني للتابع بين الدرجات السابعة والسادسة 
والثامنة للسلم في ختام الجملة الموسيقية. 

أما عن الآلات الموسيقية المستعملة في العصر القوطي.. فلا يفوتنا ذكر 
أن الحروب الصليبية التي بدأت في القرن الحادي عشر كانت قد عرفت 
الغرب بالكثير من الآلات الموسيقية العربية التي نقلوها مهم إلى أوربا 
وحاكوا صناعتها وتفننوا في عزفها. هذا فضلا عن الانتقال الآخر عن 
طريق العلاقات التجارية المتبادلة بين دول شمال أفريقيا وإيطاليا وصقلية.. 
إلى جانب الفتح العربي للأندلس الذي نقل إلى أوربا آلات العالم العربي 
الموسيقية» وعلى رأسها الآلات الفرعونية الأصلء وكانت اليونان القديمة 
قد نقلت عن مصر الكثير من آلاتها الموسيقية وأغانيها وتقاليدها الفنية 
منذ عصور سحيقة. 

وأهم الآلات الموسيقية التي كانت شائعة في العصر القوطي: 

الفييل :716116 وكانت الآلة الوترية اللز ارسي بالقرون الوسعطي وهي 
تشبه الجيتار وتعزف بالقوس (في مراحلها المتطورة) ولها خمسة أوتار 

الليرة: وتشبه الهارب ولكنها صغيرة ويتم حملها أثناء العزف بين 
الذراعين. 

الكلافيكورد: وهي الآلة التي تطورت فيما بعد إلى البيانو الحديث 
وكانت تضم ما يقرب من 5ا! وتراء يتم الطرق عليها بمطارق معدنية صغيرة. 

الهاربسيكورد: وهو الذي تطور بعد ذلك إلى الآلة التي وصلت إلى 
ذروتها في عصر الباروك؛ ويتم العزف عليها بجذب الأوتار بطريقة ميكانيكية 
يه البيائره 

العود: وهو أشبه بالعود العربي وقد تطور بعد ذلك في أوربا إلى مستويات 
غاية في الرقي وثراء الإمكانيات. ْ 

الفنا لتر ي القدم والدولسيمير :عصنءاهآ 

وهي أنواع بسيطة من الآلات الموسيقية الشبيهة بالقانون العربي.. وتعزف 
الثانية بمطارق بينما تجذب أوتار الآولى. 

الصفارات والفلوت الخشبي الترومبيت والترميون: 

وهي آلات نفخ نحاسية جاء بها الصليبيون من الشرق. 

آلات القرب: ثم الاورغن بنوعيه المحمول على الكتف والرأس الثابت 


015 


دعوة إلى الموسيقى 


الذي تطور إلى الاورغن ذي الأنابيب المعروف. 

وتم تصنيف الآلات الموسيقية في نوعيات خافتة وأخرى قوية للتوافق 
مع متطلبات الأداء في المحاولات الأوروبية الأولى الجادة للأداء الاوركسترالي 
العلمي.. 

وهكذا اتجهت موسيقى نهاية العصر القوطي إلى ما هو دنيوي بل وما 
هو شائع ومرح بين سائر فئات المجتمع وخاصة الطبقة الأرستقراطية في 
إيطاليا التي بدأت تشمل الفن الموسيقي بالرعاية الأدبية والمادية.. 


عصر النعضة 

1600-0 يعرف عصر النهضة في أوربا باسم الرينيسانس وهو الاسم 
الذي يدل على حركة فنية سادت الآداب والفنون الجميلة في أوربا خلال 
القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادين.. هي حركة موحدة متكاملة 
متعددة الجوانب تتجسد فيها عناصر الفكر والخيال وحب الفن من أجل 
الفن والجمال كشكل ومضمون على السواء. ولقد اعتبر هذا العصر عصر 
نهضة وإحياء وصحوة لما ساده من أفكار مثيرة وفنون ملهمة مليئّة بالتجارب 
والابتكارات الحية المتجددة والمثيرة. 

لقد ظهرت ملامح التجديد العقلاني في كل مظاهر الوجود البشري 
الإنساني كالفنون والموسيقى والسياسة والدين والآداب والعلوم والاكتشافات 
الجغرافية. وتحركت روح النهضة من مدينة فلورنسا بإيطاليا حيث بدأت 
الحركة؛ إلى كل المراكز الأوروبية الهامة. ولهذا فإن الحركة الجديدة وصلت 
إلى قمة مستويات تعبيرها بمختلف البلاد في أوقات متباينة.. وبالتالي 
فإن منجزات عصر النهضة كانت لها ملامح مختلفة من بلد إلى آخر. فكان 
لإيطاليا مثلا التفوق الساحق في مجالات الفنون التشكيلية. والبلاد الواطئة 
التي تعرف الآن باسم بلجيكا وهولنداء تفوقت في الحان الكورال وفي 
التصوير الزيتي. أما إنجلترا فقد تفوقت في فنون الدراما والموسيقى الآلية.. 

وبالطبع فإن الفهم العميق لروح موسيقى عصر النهضة لا يتأتى إلا 
بدراسة شاملة مقارنة لشتى ملامح الفن والفكر السائدة فيه. وهذا يفجر 
تساؤلا هاما عن أثر هذه الحركة الفكرية والفنية الواعية على مجالات 
الإبداع الموسيقي؛ وتساؤلا آخر عن العلاقة بين الأساليب الموسيقية التي 


184 


عصور موسيقيه 


ميزت الكتابة الموسيقية في هذا العمر وأساليب الإبداع الفني في مجالات 
الفنون الأخرى خاصة أن دور الفن في مجتمعات عصر النهضة كان إيجابيا 
ورئيسيا وهاما. ش 

كان القرن الرابع عشر قد شهد حركة فكرية سميت بالإنسانية تزعمها 
«بيترارك» و«بوكاشيو» أدت إلى تغييرات هامة في الثقافة والفكر الأوروبيين 
إبان عصر النهضة وقد قام الانسانيون الآوائل بأعمال بطولية في مجال 
إحياء التراث الفني-اليوناني والروماني-القديم.. وأصبح اصطلاح «إنساني» 
في عصر النهضة يعني الموقف المتعدد الجوانب من الناحية الإنسانية والذي 
يشتمل على الحب للحياة بكل ما تشتمل عليه من جمال المناظر والأصوات 
والأحاسيس.. وتبلورت الحركة الإنسانية كتيار معارض للزهد في الحياة 
والتقشف والتصوف, وهو الفكر الذي ساد العصور الوسطى السابقة لعصر 
النهضة. 

كما كانت إحدى مميزات الموجة «الإنسانية» هي الحب غير المحدد للفن 
والآداب. والدراسة.. إلى جانب القيم الكلاسيكية المثالية والاحترام والتمجيد 
وإمكانياته وطاقاته التي تحقق له الوجود من خلال قوى العقل البشري 
المعجز. 

ولذلك فإن الإنسان المثالي-الذي يمكن اعتباره ممثلا لعصر النهضة- 
كان إنسانا متميزا وساميا وراقيا تربطه بالفكر والثقافة والفلسفة والموسيقى 
والتصوير والنحت والآداب روابط قوية. ومن ملامح الإنسانية المميزة لعصر 
النهضة: 

-١‏ الثراء البصري والسمعي.. و يتمثل ذلك في إمكانيات التصوير الزيتي 
المهولة وقوالب الموتيت 5 والقداس 11255 الغنائية الجماعية الديرة 
للأسماع التي تفوق فيها فنانو الأراضي الواطئة (هولندا وبلجيكا). 

2- تمجيد الشكل الإنساني الذي تمثل في لوحات وتماثيل كل من «ميكل 
انجلو» و«ليوناردو دافنشي». 

3- التعبيرات المحاكية للحياة.. وتتمثل في إنتاج «رافائيل».: و «ميكل 
انجلو. 

4- إيقاع الرقص ذو النبض الإنساني.. و يتمثل في موسيقى الآلات ذات 
لوحات المفاتيح (فصيلة البيانو) ومجموعات الأداء الموسيقي الجماعي. 


1 75 


دعوة إلى الموسيقى 


وبوجه عام فقد كانت كل هذه الأمور مصادر الهام لملكات الإبداع الفني 
التي وجدت وسائل جديدة متجددة لمشاعر وأحاسيس ارتفعت بمستوى 
لفان وزع جه 

لذلك فإن الحركة «الإنسانية» لم تكن جماهيرية شائعة ولكن كانت 
قاصرة على الفنانين والباحثين المفكرين.. وعلى الهواة من الأثرياء الذين 
قدموا الرعاية المادية والاجتماعية للفنانين. كانت كذلك بمثابة المخرج للفن 
والفنانين من الظلام الذي سيطر في ظل القرون الوسطى وما سادها من 
فكر معاد للحياة.. إلى النور والعمل والحب والتكامل الجمالي مع الحياة. 

ولقد واصل الفن الديني طريقه في المجتمع إلى جانب الفن الدنيوي 
لأسباب تتعلق أساسا بظهور البروتستانتية.. والتنافس الذي بدأ بين 
الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في مجالات استخدام الفن في العبادة 
كوسيلة للتقرب من الفضيلة. وأيضا واصل الفن طريقه الدنيوي بشكل 
أوسع وأسرع لأسباب تتعلق بازدهار المعاني الأدبية والجمالية والفلسفية 
للنصوص الملحنة.. فضلا عن نمو الرعاية الاجتماعية للفنانين من جانب 
الأثرياء والنبلاء والأمراء بعد أن كان مجال احتضان الفن والفنانين يرتبط 
بالكنيسة وكبار رجال الدين. 

وكان نتيجة لمجلس «ترنت» الذي عقد فيما بين عام 1545 وعام 1563 
ولانفصال الكنيسة الإنجليزية عن روما في عام ١534‏ بعد نمو البروتستانتية 
أن قامت الكنيسة بإحياء طقوسها وإنعاش وتقوية وبعث كل قيمها الروحية 
بمشاركة الفنون التشكيلية والسمعية والمعمارية مما أدى إلى نهضة في 
موسيقى الكنيسة وقوالبها ووسائل أدائها .. ووصل ذلك إلى درجة اتهام 
رجال الدين لبعض الموسيقيين بأنهم يخلطون ألحان الكنيسة ببعض ملامح 
الموسيقى الدنيوية؛ وطالبوهم بالمحافظة على الموسيقى الدينية بطابعها 
وقوالبها ووسائل أدائها الخاصة؛ بتركيز يميز بوضوح الفرق بين كل ما هو 
دنيوي وما هو ديني في الموسيقى.. 

ومن مظاهر النهضة في الموسيقى الدينية أيضا نتيجة لكل ذلك: اهتمام 
رجال الدين بنقاء الأصوات الفرعية في الغناء الديني المتعدد الخطوط 
اللحنية وذلك خوفا من أن يطغى الصوت الثاني على الصوت الرئيسي 
الذي حاولوا أن يحفظوا له وضوحه وهيبته ونقاءه.. وقد تزعم هذه الحركة 


1 06 


عصور موسيقيه 


في ألحان الكنيسة الكاثوليكية, إبيان عصر النهضة:؛ المؤلف الموسيقي الإيطالي 
(بالسترينا) الذي يعتبر حتى الآن المرجع التاريخي الأول والأفضل بالنسبة 
لفنون الكتابة الكنترابنطية أي ذات الخطوط اللحنية المتعددة والمتقابلة. 

شهد عصر النهضة بداية الطباعة الموسيقية كفن علمي فني وتجاري.. 
وقد بدأ ذلك في النصف الثاني من القرن لكايو عاتر يردم وفينسيا 
بإيطاليا.. و بالطبع فإن هذا الحدث اصع هذ ثرا وتاريخيا في انتشار 
التعليم الموسيقي.. وتداول المدونات الموسيقية على مستوى جماهيري مما 
أدى إلى نهضة وتطور وإعادة بعث وإحياء للتراث الموسيقي الذي كان سائدا 
قبل عصر النهضة وأثناته.. وأدى أيضا إلى بداية ظهور الناشرين للموسيقى. 

من إيطاليا انطلقت النهضة؛. حيث تكافلت عوامل تقافية واجتماعية 
واقتصادية على ترويج مبادثها ونشر حركتها.. وقد ساعد على ذلك نمو 
حركة التجارة التي تفوقت فيها إيطاليا حتى تكونت نظم البنوك الحديثة 
على العكس من النظم المالية والتجارية البدائية التي كانت سائدة قبل ذلك 
إبان العصور الوسطى. ولقد أدت هذه الظروف إلى إنكانيات في الفن 
الموسيقي.. إمكانيات الدقة والوضوح في الأصوات الموسيقية المتعددة 
(البوليفونية) وضي مزج الألوان بألنفشة لقن التسوير مكلا .بحي اد التعلون 
الصناعي إلى مزيد من الدقة والوضوح والإمكانيات في إنتاج الزيوت 
والآلوان. 

كانت بلاد شمال أوروبا تحظى بنوعية من الموسيقى تميزها ملامح 
العظمة والوقار والوضوح في خطوطها اللحنية التي كانت في القرون 
الوسطى تنتمي إلى الترانيم الجريجوريانية ذات الأسلوب الديني اللحني 
والغنائي.. وفي عصر النهضة تطورت هذه التقاليد الورية التكارا مايه 
الهارمونية البسيطة لهذه الألحان الوقورة التي ميزت اللغة الموسيقية لعصر 
النهضة ببلاد الشمال في القرن السادس عشر. 

أما إنجلترا فلقربها من بلاد الأراضي الواطئة؛ فقد أخذت النهضة 
فيها شكلا علميا يرتبط بالمزج الهارموني بين الأآصوات المختلفة من أجل 
الحصول على تركيبات موسيقية تبعد عن التوافق التام وتحقق تجديدا 
سمعيا يقابل المزج بين الألوان في التصوير الزيتي على سبيل المثال.. وبالفعل 
لقد حققوا أسلوبا في الكتابة يعرف حاليا في علم الهارموني (توافق 


17 


دعوة إلى الموسيقى 


الأصوات) بالانقلاب الأول للتآلفات.. وسمى ذلك في إنجلترا باسم 
(ديسكانت) وسمي في بقية أنحاء القارة الأوروبية باسم (فوبوردون) . 

وكان المؤلف الموسيقى الأشهر فى هذا الأسلوب بإنجلترا هو «دنستابل 
عاطمأكصن<طة» الذي كتب أعمالا ديق دينية عديدة ورائعة أغلبها عبارة 
عن ن ترانيم وموتيت ذات قالب قي ومعالجة هارمونية متطورة جديدة 

تعتبر نماذج رائعة للنهضة الموسيقية + حومصر الرويساسي» 

كان «دوفاي (إننا» هو الأستاذ الأول لمؤلفي الموسيقى البورجنديين 
(نسبة إلى بورجنديا بالآراضي الواطئة) وقد اتجه هو واتتاغة الموسيقيون 
إلى كتابة نماذج جديدة من موسيقى وألحان القداس الكنسي مما جعل 
هذا القالب الموسيقي الديني يتوفر بأعداد كبيرة ونوعيات متطورة خاصة 
أن الكنائس كانت تستعمل هذه النماذج الجديدة من القداسات في طقوس 
العبادة.. ولذلك فإن القوالب الغنائية الثلاثية الرئيسية فى عصر النهضة 
حتى القرن السادس عشر كانت هي والقداسه و«الموتيت» 
و«الأغنية».. وهي قوالب غنائية متقاربة في أساليب معالجتها العلمية فقد 
كانت ذات أسلوب غنائي جماعي (كورالي) تنقسم الأصوات فيه إلى أربع أو 
ست مجموعات وترتبط كل مجموعة فيه بخط لحني أفقي مستقل 
الشخصية رغم تكامله مع الخطوط اللحنية الأخرى؛ ورغم بروز اللحن 
الرئيسي عن الألحان الفرعية.. وقد شهد الأسلوب البوليفوني-أي المتعدد 
الأصوات بطريقة أفقية-المرتبط بعصر النهضة دراسات متعددة لوسائل 
علمية جمالية أدت إلى ذروة تطوره التاريخي في عصر الباروك اللاحق 
لعصر النهضة إلا أن وسائل المحاكاة الموسيقية كانت قد ميزت عصر النهضة 
بالفعل.. والمحاكاة دهناهانسآ عبارة عن أداء لخط لحني ثم إدخال نفس 
اللحن (أو لحن مشابه) كإضافة في صوت ثانء و يؤدي ذلك إلى ما يشبه 
الأصداء للألحان الرئيسية في أصوات مختلفة تبدأ متعاقبة لتكوين النسيج 
الموسيقي المتعدد الخيوط اللحنية. 

وإجمالاء يمكن القول بأن البورجنديين وصلوا بالإبداع والآداء الموسيقي 
إلى مستوى نموذجي تمثلت فيه القيم الجمالية من خلال فنون الصنعة 
الموسيقية في مجالات المحاكاة والهارموني ونقاء ووضوح كل من الخط 
اللحني والتآلفات الهارمونية إلى جانب التناسب بين مختلف أجزاء اللحن.. 





1 8 


عصور موسيقيه 


وقد تحقق ذلك منذ فجر عصر النهضة (1450-1400) ووصل إلى أرقى 
مستوياته الناضجة في الفترة التي تسمى بالرينسانس المتأخر أي فيما بين 
1600-0 .. وكان ذلك بفضل ارتباط المؤلف الموسيقي بالحياة الإنسانية 
بشكل حر مبني على الثقافة والفلسفة والفكر وعلى النهل من معين المعارف 
وجماليات الحياة والاستفادة بالعلوم الموسيقية الجديدة ووسائل التعبير 
المتجددة المتاحة.. مما أثرى مشاعره وأدى إلى نضج إنتاجه ووفرته. هذا 
بعد أن كان الشعور الديني وحده هو مصدرا لإلهام الموسيقي في العصور 
الوسظى السايقة لعضير التهضة؛ 

كان لترجمة «كتاب الشعر» لأرسطو دور هام في مفهوم الفن ككل في 
المرحلة المتأخرة من عصر النهضة.. فقد انعكست فلسفته على مضمون 
الفن ومثالياته.. ويمكن بلورة ذلك فى هذا النص: 

«الفن يحاكي الطبيعة بالإضافة إلى ذلك فإنه لا ينقل المواد الطبيعية 
بشكل حرفي كما هو الحال في تصوير المناظر مثلا ولكنه يؤدي إلى نقل 
الحركة والحالة العاطفية النفسية مثل الغضب والسعادة».. 

كانت مقامات الكنيسة القديمة لا تزال تستعمل وخاصة على يد- 
بالسترينا-الذي بقى حتى الآن المعلم الأعظم لفن البوليفونية المقيدة.. ولكن 
نهاية عصر النهضة شهدت بلورة هذه المقامات إلى مقامين رئيسيين أصبحا 
السلم الكبير والسلم الصغير اللذين يستعملان في موسيقى العالم حتى 
يومنا هذا . 

وقد تبلور أيضا تقليد الغناء الجماعي (الكورالي) بدون مصاحبة من 
الآلات الموسيقية وهو ما يسمى (بالكورال آ-كابلا 2ااءمة© 2) وقد تبلور هذا 
التقليد كوسيلة لوحدة الطبيعة الموسيقية الصادرة عن الأصوات البشرية 
بشتى فنون التأليف الغنائي.. وعدم المساس بهذه اللوحة المتجانسة الألوان, 
البشرية التعبير بل تركها دون مصاحبة من الآلات الموسيقية كقديس وتكريم 
للصوت البشري وإمكانياته.. 

وقد وضع «مارتن لوثر» مؤّسس البروتستانتية 95 نظرية خاصة بما 
يسمى بالكورال البروتستانتي الذي ميز المدرسة الألمانية في هذه الفترة. 
وقد أدى ذلك إلى أسلوب في التلحين والغناء ظل مؤثرا في التراث الموسيقي 
حتى الآن ووصل إلى ذروة أمجاده على يد الألماني العظيم باخ الذي عاش 


1] 0 


دعوة إلى الموسيقى 


حتى نهاية عصر الباروك عام 1750. ولقد برزت الألحان المسماة (بالكورال) 
وهي التي كان ينشدها المصلون بالكنيسة البروتستانتية والتي اعتبرت تجديدا 
في الموسيقى الدينية بألمانيا في عصر النهضة. 

أما في إنجلترا فقد تحول الشعراء المتجولون من موسيقيين بالقصور 
أثناء العصور الوسطى إلى موسيقيين محترفين في عصر النهضة. وعلى 
أيديهم قامت نهضة موسيقية كبيرة؛ فقد كانت عروضهم تتضمن كافة 
أنواع موسيقى الاحتفالات والمناسبات المختلفة.. وتشمل مختلف الآلات 
الموسيقية الخشبية والنحاسية مما أدى إلى تطور العزف الجماعي.. وصناعة 
آلات الأوركستراء بمجموعاته المختلفة. كما ظهرت بالقصور موسيقى 
الحجرة التي واصلت تطورها بعد ذلك إلى القمة في أعمال الكلاسيكيين 
إبان القرن الثامن عشر. وقد تطورت أيضا في عصر النهضة بإنجلترا 
الآلات الموسيقية الوترية ذات القوس العروقة فالفيية دا جامبا) وكان 
الإنجليز يسمونها (الفيول) وهي أصل عائلة الفيولينة التي تطورت بعد 
ذلك إلى الشكل والإمكانيات التي نعرفها الآن منذ القرن التاسع عشر.. ولا 
يفوتنا ذكر الآلات ذات لوحات المفاتيح وهي أصل البيانو.. فقد لاقت اهتماما 
خاصا بإنجلترا سواء في صناعتها أو في الأعمال التي كتبت لها وهي 
الهاربسيكورد والكلافيكورد .. 

ولقد اهتم الإنجليز بكتابة المؤلفات الخاصة بأغاني المادريجال وهو 
القالب الذي بدأ في إيطاليا في بداية القرن السادس عشرء وكتب منه 
الإنجليز كميات هائلة وتتبلور فيه القيم الإنسانية الدنيوية بأسلوب غنائي 
بوليفودي. 


عصر الباروك 

إن كلمة باروك مشتقة من البرتغالية بمعنى اللؤلؤّة غير المستوية الشكل. 
ولقد أطلق نقاد الفن في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر هذه التسمية 
على فنون القرن السابع عشر والنصف الأول من الثامن عشر أي فيما بين 
1750-0 لأنهم وجدوا أن فن هذه الحقبة الزمنية يتميز بالضخامة 
والزخرقة المبالغ فيها.. لقد كانت الموسيقى قبل عصر الباروك-أي موسيقى 
عصر النهضة حتى نهاية القرن السادس عشر.تعتمد على وحدة التعبير 


عصور موسيقيه 


فكانت في غالبها دينية في موضوعها وطابعهاء وقوالبها بوليفونية (أي 
متعددة الخطوط اللحنية بشكل أفقي) في معالجتها العملية. أما في الباروك 
فإننا نجد التعقيد والصعوبة نظرا لتعدد القوالب السائدة مثل الأويرا 
والأعمال الاوركسترالية ومؤلفات البيانو والآلات ذات لوحات المفاتيح (التي 
تطور عنها البيانو) وأعمال لموسيقى الحجرة. كل ذلك في ميداني الموسيقى 
الدينية والدنيوية على السواء.. مع نمو اكبر وتطوير ظاهر للموسيقى والغناء 
الدنيوي. هذا فضلا عن الأسماء اللامعة والعديدة في مجالات التأليف 
الموسيقي التي عاشت إبان عصر الباروك وحققت وجودها بنتاج عبقري 
مذهل حدد ملامح موسيقى العصر ووحد بين خصائصها ومضمونهاء وتكامل 
مع هنون العمارة التي ميزت هذا العصر ومعها فنون التصوير والنحت 
والآدب والفكر.. فن الباروك يغمرك بالشعور بالعظمة والانبهار. فن لا 
يناقش في موضوع وجوده لأنه يفرض نفسه بقوته ووضوحه وسيطرته 
بضخامته الهائلة التي تفوق أي مقاييس للفخامة والأبهة. 

إن تاريخ الموسيقى في أوروبا يوضح أن هذا الفن قد مر بدورات منتظمة 
يعيد فيها التاريخ نفسه. ففن عصر النهضة يمثل تجديدا لفنون اليونانيين 
الباروك فيمثل الجانب الآخر الذي ينطلق إليه بندول حركة الزمن. فموسيقى 
الياروك تحمل سمات الحرية والانطلاق والتلقائية والتدفق والثراء في 
إمكانيات التعبير أي أنه رومنتيكي درامي عفيف وعاطفي تماما. كما يدور 
الزمن بعد ذلك لنلتقي ببلورة الكلاسيكية في النصف الثاني من القرن 
الثامن عشر وخلاصة الرومنتيكية في القرن التاسع عشر. 

إن عصر الباروك يشغل 50! عاما تبدأ كما ذكرنا بعام 1600 وتنتهي 
بوفاة الموسيقي العظيم يوهان سباستيان باخ عام 1750.. ولقد شهد التاريخ 
الموسيقي صرحا شامخا من رصيد ال مؤلفات الموسيقية التي تمخض عنها 
هذا العصر لا تزال تمثل قطاعا رئيسيا من برامج الحفلات الموسيقية حتى 
يومنا هذا وظل بعضها ممثلا لأعظم إنتاج موسيقي بثرى في مجاله فضلا 
عن بقائها مدرسة رئيسية لتعليم فنون الأداء والتأليف.. ينهل منها الدارسون 
اليوم كما تعلم منها عظماء مؤلفي القرنين الماضيين ولقد غطت هذه المؤلفات 
قوالب وأساليب عديدة تبدأ من الأوبرا القديمة وتنتهي بالأعمال العظيمة 


دعوة إلى الموسيقى 


الهائلة والضخمة المركبة التي تمثل قوى فوق مستوى البشر.. وأعني بذلك 
مؤلفات باخ العظيم.. ورغم تعدد أساليب هذه الحقبة الزمنية فإن هناك 
وحدة تربط بين كل وسائل التعبير التي سادت موسيقى الباروك الدينية 
والدنيوية على السواء. 

كانت الدراما ضخمة ومناظرها شديدة التعقيد والأبهة.. و بالتالي غإن 
الموسيقى والغناء فى الأوبرا تأثرا بذلك وسارا على نهجها.. كما أن كثافة 
وقوة أضوات الازوهن والات الأوركبيعرا ويخاضة الات الف والارطاغ جعاث 
من موسيقى الباروك فنا موازيا لفنون العمارة والتصوير والنحت التي 
اعتمدت على المساحات الكبيرة والضخامة والزخرفة التفصيلية لكل قطاع 
مهما كان ضخما بشكل يشعر الإنسان أمامه بالرهبة والذهول من غرط 
الانبهار. 

والآن ماذا عن الخلفيات الاجتماعية والثقافية لهذه الأعمال؟ 

كانت البروتستانتية تتصارع مع الكاثوليكية.. وكان كلاهما قويا وصاحب 
نفوذ.. وبالرغم من أن الموسيقى الدينية لم تكن تسيطر وحدها على ألوان 
التعبير الموسيقي كما كان عليه الحال في عصر النهضة: فإن تقاليد الموسيقى 
الكاثوليكية-ومركزها روما-واصلت مسيرتها بعناد وإصرار خاصة أن الفن 
الموسيقي في عصر النهضة لم يكن قد تطور علميا إلا على يد رجال الدين 
من الموسيقيين وفي أحضان الكنيسة والعبادة.. وقد برز أسلوب مؤلفي 
مدينة البندقية الإيطاليين في كتاباتهم الضخمة الهائلة للكورال الكبير.. 
وبالرغم من ذلك فإن أهم التجديدات في مجال الموسيقى والغناء الديني 
في هذا العمر جاءت على يد المؤلفين الألمان اللوثريين (البروتستنت) مثل 
«شوتس» و«بوكستودي» و «باخ» العظيم الذين أثروا الكنيسة المعارضة 
بمؤلفات دينية نادرة للكورال والأرغن. 

أما الموسيقى الدنيوية فقد تأثرت بتغييرات اجتماعية جذرية طرأت 
على المجتمع الأوروبي وخاصة في فرنسا فقد نشأت طبقة البورجوازيين 
ونادت بالتجريد أي بكتابة الموسيقى التي لا تعبر عن عاطفة محددة بشكل 
مياشرولكنيا شير عع الإمكانيات الوسيقية تضهها رضن ميال الاأضنوات 
الوسيقية وعظمة البناغ والتركيب وقد ساعد ذلك احتضان قلوك فرنسنا 
للفنانين ورعايتهم لهم بشكل يفوق كل اعتبار.. فنهضت وانتشرت الموسيقى 


عصور موسيقيه 


الدنيوية وخاصة قنون الأوبرا والباليه وموسيقى الحجرة.. وهي جميعا 
تميل إلى الأرستقراطية. إلا أن الطبقة المتوسطة من المثقفين شاركت في 
تأييد هذا التيار الفكري الاجتماعي السياسي بشكل ساعد على انتشاره.. 
فلم تصبح الموسيقى الدنيوية وقفا على الطبقة الرفيعة خاصة بعد أن 
شيدت دور الأوبرا للجماهير (في إيطاليا على وجه الخصوص) إبان القرن 
السابع عشر. وهكذا شارك الرأي العام للجماهير في تطوير الشكل والطابع 
لفن الموسيقي.. 

لقد شهدت هذه الفترة حركة فكرية فى الأدب والفكر تسمى بالعقلانية 
مسكتتمهدمتاة» والتنوير امعصمعغطع نامظ . اويح العقلانية إلى انتشار الفكر 
العلمي في القرن السابع عشر أما التنوير فيرتبط بتحكيم العقل في كل ما 
هو اجتماعي أو ديني أو سياسي.. وساد هذا التيار الأخير في القرن 
الثامن عشر وكان من نتائج ذلك تفضيل الدرامي والعاطفي على ما عدا 
ذلك. مما ساعد على نهضة قوالب الأويرا والاوراتوريو والكنتانا.. فقد 
تأثرت الكنيسة بقرارات «مجلس ترنت» التي صدرت في القرن السادس 
عشر وأدت إلى تكوين سياسة عامة الكرمات الوسرعيةاى نجالات العيادة.. 
ولقد تأكدت قراراته في مرات عديدة بعد ذلك فيما يتعلق بارتباط الموسيقى 
والغناء وسائر الفنون الأخرى بالطقوس الكنسية. وهذا ما أدى إلى تطوير 
فنون الموسيقى والأداء. هذا بالرغم من نهضة الموسيقى الدنيوية وتطورها 
في خط آخر مواز.. وكان لهذه الخلفية الدينية دفعة قوية في مجال تشكيل 
ملامح أسلوب موسيقى الباروك التي كانت تعمل جهدها لتوصيل أحاسيس 
الورع والتقوى والخشوع إلى نفوس المصلين وأحاسيسهم.. 

وكانت عيون المصلين تربط بين فنون الباروك المعمارية الممثلة في الكنائس 
والرسوم المبهرة التي تغطي سقوفها والأعمدة الضخمة المطرزة واللحن 
الديني وتعبيره.. لقد استخدموا أعظم المثالين والرسامين والمعماريين 
والموسيقيين على السواء. 

كانت الموسيقى الدنيوية تطل برأسها لتثبت وجودها وجماهيريتها وتفوتها 
في هذا العصر الزاخر. فالأوبرا التي أبدعها الإيطاليون في باد الأمر 
ظهرت في شكلها الآول ممثلة في «اوريديتش» للمؤلف «بيري <تءم عام 
0 وفي «أورفيو» للمؤلف «مونتفردي» عام 1607. وبالرغم من أن أويرا 


دعوة إلى الموسيقى 


الباروك لم تكن في ضخامة وتنميق الأعمال الدينية فإنها أصبحت تدريجيا 
فنا مقابلا للموسيقى الكاثوليكية التي تمركزت وتعصبت بضحخامة وشموخ 
فى عقر دارها-روما-والتى ازداد التعقيد فى تأليفها حتى أن المؤلف «بنيفوليو» 
استخدم أربع فرق كاملة من الكورال لأداء أحد أعماله الدينية الضخمة 
التي قام بعرضها في الميدان الواقع أمام كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان 

إن مميزات التعبير الموسيقى لعصر الباروك تعكس التشايه الكبير الذى 
توح بينها ودين عرسيقى همسر النيضة (السابقة للباروك) هنذا من ناسية 
الضخامة والفخامة والكثافة.. وهو ما يتمثل أيضا فى فنون التصوير والنئحت 
التي أبدعها في عصر النهضة كل من «رافابيل» و«ميكل انجلو» و«ليوناردو 
دافنشى». 

إن ذلك يقابل فنون الباروك لكل من «روينس» في التصوير: و «ميلتون» 
فئ الشعر و«باح» فى الموسيقى. 

إن أحد العناصر الدرامية الهامة الداخلة فى تكوين البناء الموسيقى 
للباروك هو التباين والتناقض بين ما هو خافت وما هو قويء أو بين مجموعة 
صغيرة منفردة من العازفين وبين كل الأوركسترا كما في قوالب الكونشرتو 
الكبير 010550 0006110 أو كما يوجد لحن ولحن معارض (موضوع وموضوع 
مضاد) فى أعمال الفوجه عناوناظ. 

إن أمور الزخرقة والتنيع البالع ذيهما انض غيرت كفين المسوير 
والنحت والعمارة وجدت أيضا في الموسيقى عن طريق زخرفة وتنميق 
الخطوط اللحنية الغنائية المنفردة وخاصة فى الأويرا وسائر القوالب الغنائية 
وكذلك في موسيقى آلة العود والهاربسيكورد التي شهدت في فرنسا مستوى 
مبالغا فيه من الزخارف اللحنية التي تنطوي على تقاسيم وارتجالات على 
اللحن الأصلى ذي الخط اللحني البسيط الواضح.. وقد أدى ذلك-في 
القرن الثامن عشر-إلى موسيقى الروكركو التى سادت فى الفترة من -١715‏ 
00 كرد فعل للضخامة والانطلاق والمبالغة والتعقيد التى تميزت بها 
موسيقى وفنون الباروك. 

في فجر عصر الباروك (1600) برزت قيمة جمالية للصوت الموسيقي 
التغرد كي لمق هناك التعبر رك (بالوترويةةا وكأدت جه سدويسية ستميت 


54 


عصور موسيقيه 


باسم (جماعة كاميراتا الفلورنسية) التي كانت تتكون من باحثين وأدباء 
وفنانين وفلاسفة ومفكرين.. والمونوديه كلمة مشتقة من اليونانية القديمة 
«مونرديا» بمعنى يغني بمفرده وهي دعوة إلى ارتباط الموسيقى بكلمات 
النص الاوبرالي والبعد عن تعدد التصويت الأفقي (البوليفوني) بحثا عن 
البساطة ووضوح التعبير بالكلمة واللحن.. كما نادت بأن يكون اللحن الغنائي 
منطلقا بأسلوب الإلقاء الطبيعي أو الحديث البشري العادي بما يتضمنه 
من إيقاعات طبيعية وقفلات تلقائية.. هذا إلى جانب ضرورة أداء المفنى 
للتعبير الدرامي الذي يتضمنه الخط اللحني.. كل هذا مع مصاحبة هارمونية 
تعمق المضمون وتمنحه أبعادا أعمق في التعبير.. وكانت هذه المصاحبة 
تؤدي بآلات العود والهاربسيكورد بالإضافة إلى الباص المستمر والمرقوم.. 
أي أصوات الاورغن والتشيلو والكنترباص الممتدة والتي تبنى عليها التآلفات 
الهارمونية وكان عازف الهاريسيكورد يقوم بأداء هذه التآلفات من واقع 
الأرقام الدالة عليها لملء الفراغات بين الجمل الموسيقية وللارتجال على 
نفس الواقع اللحني والهارموي وهي الحركة التي أدت إلى تطور علوم 
الهارموني فيما بعد . وتعتبر الأوبرا التعبير الموسيقي الذي سيطر على 
المرحلة الآأولى لعصر البارولك إلا أن قوالب أخرى قريبة منها في المجالين 
الديني والدنيوي قد نمت وترعرعت وهي «الاوراتوريو» و «الكنتاتا». 
وكتضعة بالموكونيةم كفيك وكات الأعمال اتناك العفروة القهنيرة 
للصوت البشري في قوالب «المادريجال» و«الكانزونا» التي لا تحتاج في 
أدائها إلى نصوص أوبرالية طويلة «ليبريتو» ولا إلى كرا ملابس 
وديكورات. ومما هو جدير بالذكر أن أهم وأكبر القوالب الموسيقية الغنائية 
والآلية قد وجدت وبداً تطورها في هذا العصر.. فالأويرا التي تعتبر أقدم 
القوالب الموسيقية الكبيرة هي ابنة الباروك وكذلك الكونشرتو الذي يعتبر 
ثاني القوالب الموسيقية الآلية قد ولد بعد الأوبرا بما يقرب من سبعين عاما 
(1670) ثم السيمفونية.. القالب الموسيقي الاوركسترالي الأول وجدت في 
أواخر عصر الباروك الذي كان زمن الابتكارات والتجديدات التي ظهرت 
معها الأوبرا والاوراتوريو والكنتاتا والكونشرتو والسيمفونية فهو عصر 
التجربة والابتكار والتجديد كما أن نهاية هذا العصر قد شهدت تطويرا 
ونضجا لهذه القوالب.. 


دعوة إلى الموسيقى 


وفي مجال الموسيقى الآلية نجد أن الأورغن قد سيطر على موسيقى 
إيطاليا وألمانيا بينما تغلغل العود والهاربسيكورد في فنون فرنسا الموسيقية.. 
وبوجه عام فقد نشأت موسيقى الحجرة وترعرعت وتضمنت اثنين من 
العازفين أو أكثر فنمت «السوناته» و«الكانزونا» و«الريتشيركار» الذي كان 
يمثل أي مزج بين آلات موسيقية مختلفة ولقد برزت سوناتة الكنيسة أو 
السوناته الدينية ه5عنط0) 02 502318 وسوبناته الحجرة 72عتتة0 02 502218 فى 
إيطاليا وقام الرائد الموسيقي الإيطالي العظيم «كوريللي» بإبداع روائع فده 
الأعمال التي أعلنت عن تيار جديد للموسيقى الآلية بإيطاليا ونمت وترعرعت 
قوالب «التوكاتا» و«البارتيتا» و«الفوجة» حتى وصلت إلى قمة إبداعها على 
يد باخ العظيم في أواخر عصر الباروك كما تطور الكنشرتو الكبير مااءع 0026© 
560 وبرزت جدور الكونشرتو الكلاسيكي للآلة المنفردة مع الأوركسترا 
على يد كل من «كوريللي» و«توريللي» و«فيفالدي» الذي كتب ما يقرب من 
0 كونشرتو وصل بها إلى قمة الإبداع.. كما أنه كتب أريعة كونشرتات 
باسم (الفصول الأربعة) معبرا فيها عن الطبيعة في الفصول الأربعة بروعة 
وإتقان حتى أنها تعتبر أول تصوير بالموسيقى على غرار (الموسيقى ذات 
البرنامج) التي تميز بها العصر الرومنتيكي في القرن التاسع عشر.. 

وببروز أعمال يوهان سباستيان باخ.. الألماني العظيم.. تخبو الأضواء 
من على الجانب الإيطالي لموسيقى الباروك وتتحول إلى ألمانيا والنمسا 
حيث «باخ؛ هيندل؛ شوتسء وشتاميتز» وأبناء «باخ» وعلى رأسهم «كارل 
فيليب ايمانويل باخ».. و بعدهم المدرسة الكلاسيكية حيث «هايدن, 
وموتسارت». ثم «بتهوفن»-الكلاسيكي الرومنتيكي-ومن بعده «شوبرت,؛ و 
برامزء وشومان:؛ وفاجنرء وبروكنر».. وأخيرا «ماهلر #علطة/8». 

إن «العقلانية» التي سادت فكر وفلسفة القرن السابع عشر وأدت إلى 
التجويد والابتكار والتفكير الدائم في علوم الموسيقى وتطورها جاءت نتيجة 
لميلاد العلوم الجديدة الحديثة التي ظهرت على يد كل من «جاليليو» و«نيوتن» 
و«كبلر».. والعقلانية عبارة عن دعوة إلى تفسير الوجود والظواهر الطبيعية 
والحياة بمنطق العقل الذي يسيطر على العلوم.. وفي القرن الثامن عشر 
ظهر مذهب «التنوير» الذي سمي به العصر والذي دعا إلى تطبيق الفكر 
والثقافة والفلسفة الموضوعية على نظام الحكم والسياسة والشئون الإنسانية 


56 


عصور موسيقيه 


والفنون الجميلة. وضي مختلف الفنون التي سادت هذه الحقبة نجد انعكاسا 
لهذه الفلسفة التي أدت إلى توحيد مضمون الفنون وتطويرها وشمولها 
وكورني وميلتون وموليير وراسين في الأدب تقابلها لوحات وتماثيل الجريكو 
وروبنس وفيشر.. كل هذا مقابل قوانين الجاذبية لجاليليو وقوانين حركة 
الكواكب لكبلر... الخ. 

هذه نبذة عن عصر شامخ متطور إلى أساليب جديدة مختلفة جاء بها 
القرق الفاسع عش وفاايهده ولكن موسيقى الباروك هي الكدريبة التي قبن 
عليها حتى أحدث نظريات التأليف وأكثرها تحررا فى كافة الأساليب 
والمدارس.. إنها تمثل الجد الأكبر لكافة الأساليب والمذاهب التى جاءت 
بعدها.. الجد الذي تفخر البشرية بانتماء فنونها إليه. 


حياة يوهان سباستيان باخ وأعماله: 

اشتملت عائلة باخ على أكثر من خمسين موسيقيا في جميع فروع الأداء 
والإبداع الموسيقي كان لكثير منهم أفضال كبيرة على الحضارة الموسيقية 
الاتسانية! لعانية ولكن رعيديم كديفا المتانةالأجاقة دفوو يزه وسساسيان 
باخ» الذي ولد في 21 مارس 1685 بمدينة ايزيناخ بألمانيا وعاش حتى الخامسة 
والستين حيث توفى بليبزج عام 1750. 

عاش «يوهان سباستيان باخ» في الفترة التي كانت الموسيقى تشغل فيها 
اهتمام الحكام والكهنة وكبار رجال الدولة وعامة الناس وتمثل عظمة القصور 
وهيبة الحكام وجلال رجال الدين وبهجة العامة من الناس وسعادتهم في 
ألمانيا.. فتنقل بين الغناء في كورال الأطفال وعزف الفيولينة بأوركسترا 
الأمير والأورغن بكنائس المدينة ثم عمل رئيسا لموسيقات القصر كم أستاذا 
للغناء بالمدرسة ومديرا مسكولا عن موسيقات الكناكس بمدينة ليبزج.. 
وكمؤلف موسيقي فإنه يمثل نهاية مدرسة الأسلوب «الكنترابنطي» الذي 
توجه بأعظم أعمال «الفوج» التي شهدها التاريخ الموسيقي على الإطلاق. 
كما أنه استمد إلهامه من ترانيم الكورال الديني الذي نستشف مضمونه 
الديني في الكثير من أعماله. وهو أيضا يمثل المرحلة التي وصلت فيها 
«امتخالية» الموسيقية إلى نقطة الروة في القطور والإتقان. 


]57 


دعوة إلى الموسيقى 


تزوج مرتين وأنجب عشرين طفلا من بينهم الكثير من الموسيقيين 
المرموقين الذين تطوروا بأساليب. الكتابة الموسيقية وقوالبها وعلى رأسهم 
«كارل فيليب ايمانويل باخ».. وفي سنواته الأخيرة عانى من فقدان البصر 
نتيجة للإرهاق الشديد في العمل منذ طفولته. كان يستمد سعادته من 
القناعة والتواضع وكان شديد التدين دمث الخلق وطيب القلب.. دائب 
العمل عن حب وهواية.. يدرس كل ما تقع عليه يداه من أعمال لأسلافه 
ولعاصريه وينظر بتقدير إلى كل قيمة قنية جميلة تضمنها أعمال غيره من 
المؤلفين.. اشتملت أعماله على مؤلفات للأورغن ولسائر الآلات وللأوركسترا 
ومؤلفات عديدة لموسيقى الكنيسة.. 

وبعد وفاته ظلت أغلب أعماله مغمورة لأنه ارتبط في حياته بالناس من 
خلال أدائه المعجز على الأورغن وجاء «مندلسون» بعد قرن من الزمان 
ليزيح الستار عن أعمال أهملها التاريخ وليافت النظر من جديد إلى هذا 
العظيم الذي سبق عصره وترك نماذج موسيقية أصبحت أقيم مدرسة 
لتعليم الأداء والكتابة الموسيقية حتى لأكبر وأعظم الفنانين الموسيقيين الذين 
شهدهم التاريخ من بعده. 


عصور موسيقيه 





56 


دعوة إلى الموسيقى 


العصر الكلاسيكي 
يمكن تعريف الكلاسيكية بأنها أسلوب تبلور في فترة زمنية معينة تتمركز 
حول منتصف القرن الثامن عشر وتستمر في عنفوانها حتى نهاية القرن. 
إنها عودة إلى القيم الجمالية اليونانية والرومانية القديمة متمثلة في فنون 
الرسم والعمارة والنحت والموسيقى والأدب.. وقد أدى إحياء مجد هذه 
الفنون القديمة إلى كتابات عديدة تدعو إلى تأكيد «تحكم العقل والمنطق» 
تزعمها فلاسفة وكتاب ومفكرون؛ منهم «كانط» اها الفيلسوف الألماني 
الشهير.. فاتجه الفنانون من كتاب وشعراء وتشكيليين وموسيقيين إلى 
الحضارات القديمة مستلهمين القدوة الحسنة فى الإنجازات الفنية لليونانيين 
القدماء.. التي تسيطر عليها صفات موحدة واطبخة هي : 
الوضوح-التوازن-التكوين العقلي المنطقي المنظم-البساطة-الصفاء والرقي- 
الرشاقة والتحكم العقلي البعيد عن الاندفاع والنزوات. 
كان هذا هو رد الفعل الطبيعي على الأعمال الفنية الضخمة الشديدة 
العظمة والأبهة والتعقيدء التي تميز بها فن «الباروك» الذي كان سائدا من 
قبل والذي فصل بينه وبين الكلاسيك أسلوب يسمى «الروكوكو». وقد تخلص 
«الروكوكو» من الضخامة والعظمة البالغة التي تميز بها «الباروك»؛ ولكنه 
أرتبط بمبالغة شديدة في الزخرفة والتنميق التي كثيرا ما كانت تعطي 
مضمونا سطحيا مصطنعا وأثيري التعبير ليلقى القبول لدى الأرستقراطيين. 
كان الآدب هو أسبق الفنون إلى الكلاسيكية. وهذا أمر طبيعيء. نظرا 
لأن اللغة هي وسيلة الاتصال بين الناس جميعا في مختلف الميادين. وتحت 
تأثير تطور العلوم ووجود الإنسان المثقف الجديد الذي كان دائم الاطلاع, 
وبفضل نشأة الآكاديمية الفرنسية فقد اتجه الكتاب والمفكرون إلى أسلوب 
أدبي جديد .. يتحدد بالوضوح والاختصار والموضوعية كما أنه يختص بكل 
ما هو تعبير راق متقن محبوك. وابتعد هؤلاء عن الاشتعال «العاطفي 
والمبالغات في الأحاسيس ووضهوا مبدأ بديلا هو التنميق. وعند الحديث 
عن الكلاسيكية: لا يمكن إلا أن نركز على الصنعة في البناء والموضوعية 
والعالمية في التعبير. سميت فنون عصر الروكوكو ب «الجالان <اشهلة© أي 
الأسلوب الزخرفي الرقيق الذي تتركز جذوره في أواخر القرن السابع 
عشر. و ينتقل هذا الأسلوب بالموسيقى من «الباروك»-الضخم الهائل العظيم 


600 


عصور موسيقيه 


والمركب-إلى «الكلاسيكية» الموضوعية؛ العاملية» التي تمثل الصنعة في فقمة 
إتقانهاء والرشاقة والبساطة والوضوح-كما اعتبرت الفنون الكلاسيكية 
«مرهفة» وحساسة» 5016 0م56 تستعرض اليناء والشكل والتوازن 
والإحساس الدقيق المحكوم بالفكر والبعيد عن التطرف. 

والى جانب ذلك فإن «الكلاسيكي» هو أيضا المجرد والقديم والأصيل. 
وبمعنى أدق فهو الفن الذي يتميز بالقيم الكلاسيكية القديمة لليونانيين 
القدماء؛ تلك القيم التي أثبت التاريخ صلابتها وبقاءها وعالميتهاء دون أن 
تطفى عليها موجة حديثة أو اتجاه آخر جديد . وينطبق عليها تعريف أغلاطون 
للفن في «جمهوريته» بآنها: 

جما الأسلوب. والهارمونية: والرشاقة والإيقاع الجيد والبساطة والفكر 
النبيل والشخصية المعتدلة المنظمة». 

وفي الموسيقى نجد الكلاسيكية تتبلور تجاه منتصف القرن الثامن عشر 
على يد «كارل فيليب أيمانويل باخ» الذي وضع الأساس ومهد الأرض لعظماء 
الكلاسيكية الكبار «هايدن» و«موتسارت» وبتهوفن» وقد ترعرع هذا الفن 
الموسيقي «المجرد» في أرجاء المحيط الأوروبي الأرستقراطي وبتسهيلات 
من إمكانيات هده المليقة ذابت السلطة والقماعة. وال جانب الأناتن «كارل 
فيليب ايمانويل باخ» نجد «سمارتيني» الإيطالي وعددا من المؤلفين الألمان 
من معاصري مدارس «مانهايم» و «برلين» و«قينا». وهم الذين أسهموا 
بإنتاجهم في بلورة هذا الفن والوصول به إلى قمة التطور الذي تحقق على 
يد عظمائه الثلاثة هايدن وموتسارت وبتهوظفن الذين أخصبوا الموسيقية 
بالأعمال الآلية والمؤلفات الأوركسترالية مثل السيمفونية والسوناته والرباعي 
الوتري والكونشرتو الكلاسيكي المتطور. وفي الكلاسيكية نجد استمرارا 
للموسيقى الدينية ولكن بقلة ملحوظة أمام ازدهار ونماء الموسيقى الآلية 
بقواليها الجديدة المزدهرة. 

وفي فرنسا تجد الكلاسيكية تطورا طبيعيا في لوحات «بوسان» و «لينان» 
وأبرات «لولي» ومسرحيات «كورني» و «راسين» وقد اتجهوا إلى الأسلوب 
المتحضر الراقي الذي يعكس المجتمع الأرستقراطي لبلاط «لويس الرابع 

كان هناك تحول في الملامح الفنية من الضخم إلى الصغير الدقيق ومن 


6١‏ ا 


دعوة إلى الموسيقى 


المتكلف المترفع إلى البسيط الواضح المتواضع. 

اتجهت السيمفونية الكلاسيكية إلى اتباع قالب السوناته الآلية إلا أنها 
بالطبع كتبت للأوركسترا بدلا من البيانو أو الهاربسيكورد . كما أن الرباعية 
الوترية اتبعت أيضا نفس قالب السوناته الذي كان قد تبلور على يد 
«سكارلاتي» وكارل فيليب ايمانويل باخ «ثم وصلت إلى قمة نضجها على يد 
«هايدن» وموتسارت و«بتهوفن». ومن العوامل التي تكاملت مع القوالب 
الكلاسيكية المسيطرة هذه نجد تطورا في أساليب الأداء بإمكانياته المتجددة 
في التعبير-من قوة وضعف وتفاوت في السرعات والألوان. ولا يفوتنا التنويه 
بمدرسة «مانهايم» التي شهدت قمة تطور فنون الأداء الاوركسترالي والتي 
ساعدت على نمو وازدهار السيمفونية والكونشرتو الكلاسيكي. 

ولقد كتب كل من هايدن وموتسارت للأوركسترا المكون من 25 إلى 35 
عازف والذي يشتمل في أغلب الأحيان على زوج من كل آلة نفخ «الفلوت- 
الابوا-الفاجوت-الكورنو-الترومبيت» وزوج من آلة التمباني فضلا عن العائلة 
الوترية بمجموعاتها «الفيولينة الأولى والثانية والفيولا والتشيلو والكنترياص» 
ولقد سمي هذا التكوين بالأوركسترا الكلاسيكي وسمي أيضا بعد ذلك في 
الصون اللانتعة باد كنيهرا الجحرة القير 0 5 ا 

وقبل أن نتعرض إلى عظماء مؤلفي الكلاسيكية الثلاثة: يجدر بنا الإشارة 
إلى أن الموسيقى الكلاسيكية استمدت جذورها من الأسلوب البسيط المرح 
لأغنية رجل الشارع بفيناء التي استمد منها هايدن وموتسارت روح البساطة 
والرشاقة والمرح؛ إلى جانب تحضر وأناقة اللحن الفرنسي مع غنائية 
الكشقن الايطالية ووصومهاء هذا إلى جاتب ود العدل الأناني هلي 
الضخامة البوليفونية والتعقيد الذي كانت قد تميزت بها فنون الباروك 
هناك. فموسيقى الكلاسيكيين تعبر عن البناء الموسيقي نفسه؛ والصوت 
الموسيقي الجميل في توازنه ورشاقته ومقاميته وبنائه؛ بل وأدائه أيضا. أي 
أن التعبير الكلاسيكي هو تعبير موسيقي مجرد. يتناول جمال الصنعة 
الموسيقية والإحساس بالأصوات والإيقاعات والهارمونيات والآلات والتوازن 
ونوعيات القوالب وتشكيلاتها ومعمارياتهاء ولذلك فإن الصنعة الموسيقية 
قد شهدت قمة تطورها على يد الكلاسيكيين العظماء.. تلك الصنعة التي 
وصلت بالقوالب والعلوم الموسيقية إلى أعلى مراتبها وأسس إمكانيات التعبير. 


162 


عصور موسيقيه 


استعمل كل من هايدن وموتسارت لغة موسيقية كلاسيكية واحدة؛ فقد 
جمعت بينهما ظروف متقاربة في الثقافة والخبرة والبيئة واللغة والزمن.. 
وقد انتمل الحمل الوضيقية النقية السلسة التمعة بغفلاتها الواضحة 
المعبرة وبمضمونها اللحني البسيط الذي يلصق بالذاكرة بسهولة وبساطة. 
ولقد اعتبر هايدن أبا السيمفونية والرباعية الوترية رغم أنه لم يتزعمهما .. 
ولكنه وصل بهما إلى قمة الإتقان والإبداع الكلاسيكي في نماذج عديدة 
خصبة منها أكبر عدد من السيمفونيات كتبها مؤلف موسيقى على الإطلاق 
وهو 104 سيمفونية. 

أما موتسارت العظيم فقد وصل بالصوت الموسيقي إلى قمة إمكانيات 
التعبير وحقق نجاحا عبقريا براقا في كل قالب موسيقى تناوله وخاصة 
سيمفونياته الواحدة والأربعين إلى جانب رباعياته الوترية وأعمال الكونشرتو 
الفريدة التي وصل فيها إلى قمة الإتقان والإبداع. ولقد أسس كل من 
هايدن وموتسارت أسلوبهما السيمفوني على الافتتاحية الإيطالية 
(السيمفونيا) وعلى مدارس الأداء الآلي بكل من «مانهايم» «وفينا». كما أن 
موتسارت أوجد التوازن في الأوبرا بين ما هو موسيقي وما هو درامي؛ 
واستفاد من خبرات الإيطاليين السابقين وخاصة مونتفرديء وهو الذي 
استعان بالأوركسترا السيمفونى الكبير نسبيا فى أداء الأويرا. 

أما العملاق الأعظم ل (1867-1770) قن عاش في المرحلة الأولى 
من حياته في ظل الكلاسيكية واستمد منها تعاليمه وخبرته وجوهر أعماله 
وكتب فيها دررا رائعة هي أعماله الأولى: ثم قام هو بعد ذلك بالتجديد 
الذي تمثل في التحرر من قيود القوالب الكلاسيكية الرصينة مما أدى إلى 
الرومنتيكية بفضل ما تحقق للموسيقى على يديه من ارتباط بالفكر الثوري 
والتعبير عن ذاتية المؤلف,. والارتباط بالطبيعة؛ وتطويع القوالب الموسيقية 
لأفكاره الثورية التي انطلقت متحررة بعد شرارة الثورة الفرنسية وحكم 
الشعب لنفسه والانقلاب الصناعي. فقد حرك الفن الموسيقى إلى آفاق 
جديدة في التعبير والإمكانيات تميز بها القرن التالي-القرن التاسع عشر- 
وعرف بالعصر الرومنتيكي. إلا أن الكلاسيكية ظلت هي المرجع التاريخي 
والمنبع الأصيل الذي يعود إليه جميع المؤلفين لالتماس العلم والبناء والقيم 
التي حكم عليها الزمن بالخلود والقوة والحياة.. 


065 


دعوة إلى الموسيقى 





هايدن:: ابو السيعفونية 


1 4 


عصور موسيقيه 


العصر الرومنتيكي 

تروت كيس البناويه هل فى ال :ا لرمبيقية ساكو يكل 
مركز وبضرورات التداعي الطبيعي لظروف المجتمع العالمي بأوروبا في 
القرن التاسع عشر من بدايته حتى نهايته (1900-1800).: ولا تعتبر تلك 
الفكرة الزمتية وهاء وعيدا لهذا الأسلوب |المديقي لان الروشتيكية ردت 
أيضا قبل ذلك وبعده. قلا توجد عوامل فاصلة بين عصر وآخر أو أسلوب 
وما يناقضه من أساليب. فالرومنتيكية كنقيض للكلاسيكية كانت سائدة 
ايشاافي اكير هن اعمال العهير العلا ع يفي يعصن أعفال هايدن 
وموتسارت مكلاكما ان العلاديكية بنيمها الحلمية ومقائباتيا في البقاء 
والرشاقة والتوازن والقوالب الرصينة ظلت سائدة في مؤلفات الكثير من 
الرومنتيكيين مثل بتهوفن-مندلسونن-و برامز. 

ولفظ رومنتيكي يعني خيالي غير منطقي مرتبط بالصورة البصرية: 
وف القن المرسيقى ته أن الرويتتي كي انجى للحن على بحا تلقال 
والبناء وتربط بين اللحن وعناصر أدبية أو طبيعية أو مادة مصورة.. أي أن 
الرومنتيكية هي أسلوب يربط بين الموسيقى وعناصر خارجة عن جوهرها 
وكيانها مثل الطبيعة والبيئة والشعر والآدب وما إلى ذلك.. كما أنها موسيقى 
توحي بفكرة أو قصة أو منظر أو تاريخ وهي أيضا «الموسيقى ذات البرنامج» 
التي كان يقصد بها «ليسّت» الموسيقى التي تتبع في تأليفها موضوعا مكتوبا 
أو برنامجا واضحا محددا لها كمقدمة تضع المستمع في إطار الجو العام 
لأحاسيس وأفكار وصور الموسيقى المراد أذاؤها. وذلك على عكسن «الموسيقى 
المجردة» وهو الاصطلاح الدال على الكلاسيكية؛ فلا نربط بين الموسيقى 
الكلاسيكية وموضوع معين أو فكرة توحي بها بشكل مباشرء ولكن التعبير 
االوسيق يكون هيار: عن الحمال الوسيق التق يسس هن التوا زرو التاق 
والفافل بين الآتحان والإتعانيات العامة لليناء الرسيقي الرضين وإمكانيات 
الكتابة الموسيقية في إطار القوالب الموسيقية المحددة. أي أن أحد الفروق 
ونا عوك اسيك وتيك | وسادن ين الختوق جرد «الوسيقي 
المجردة» و«الموسيقى ذات الموضوع أو البرنامج». 

وي الأدب نجد أن الرومنتيكية هي تفضيل للضخامة والصورة الأخاذة 
الملحة والعاطفة المبالغة والجمال غير المنتظم وغير المتناسق.. نجدها تفضيلا 


65 


دعوة إلى الموسيقى 


لذلك على الشكل المنمق المتكامل المتوازن. هي التضحية بالقالب والشكل 
من أجل الموضوع.. ولا أقول المضمون.. لأن الكلاسيكية التي شهدت في 
القرن الثامن عشر قمة إمكانيات البناء والقالب والشكل كانت أيضا ذات 
مضمو:وموناايوح اليه السعل تبه كالقاات والبناء القوى الكوازن 
يشهرالقيعية والشرو: سشوو ا ليما منحيها رجه التعباق الويتي 
التاكتوهق البتاء للكطوو والاستسوان اللحين الضيتكة الرسنيقية ها ومن 
الواضح أن أي عمل كلاسيكي مجرد .. يشمل على عاطفة وأحاسيس تعكس 
زو الولف والعصسر مهما كاق ذلك شين باششر وغين ميال هيف إلا أن 
الرومنتيكية هي تجسيد للعاطفة ومبالغة في الانفعال بل وتضحية بقيم 
البقاق و القواؤن واللشكل اللرمتيقيسن أجل السدير الشخصي من الأحانييس 
واتواضيع الريظة زالعياة وال بلميقيا الز نفب الوسيقى: العادبيكية 
هي الوشيهية الوسقية ينها الروشتيعية من الفروية الذافية هي قسن 
الؤلف ورقياتة هوي الشخصية»» وتحسين لخطباع الككابة اللرسيكية 
لأحاستيس المؤلف وأفكازه:: 

يضم العصر الرومتتيكي لمرو اعظم يولس (لغراك سيف بو عر 
يتمتع بها عصر آخر من العصور الفنية.. ولذلك فإن البشرية تدين لهذا 
العصر بالسعادة البالغة التي حققتها أعمال هؤلاء أمثال بتهوفن-برامز- 
شومان-شوبان-تشايكوفسكي-ليست- قا جنر.. ومئات غيرهم من العمالقة 
الذين عبروا عن نماذج لشتى أحاسيس البشر في كل مكان وزمان.. 

لمكن الحركة الرومتتكية في الوسيقى متعزلة عرق الحياة فحن كانت 
جزءا من حركة شاملة في كل بلاد أوروبا وخاصة ألمانيا وفرنسا وفي سائر 
الفنون. وقد كان ممثلوها في الأدب الإنجليزي هم و«والتر سكوت» و 
«كوليريدج» و «وردزورث» الذين كان لهم أثرهم بالتالي على تيار الآأدب 
العالمي بوجه عام.. ولقد ظهر في هذا العصر لأول مرة تأثير قوي لفنون 
الآدب والرسم على الموسيقى وقد تبلور ذلك في الميول الأدبية الجديدة 
لبعض كبار مؤلفي الموسيقى الرومنتيكيين أمثال «غيبر» و «شومان» و«ليست» 
وكاتر إلى العاسفة والأساظير النقاضة يشمال أوروباء يينما رك شرمان: 
على الحركة الأدبية الرومنتيكية السائدة في بلاده؛ أما شوبان فقد شدته 
أشعار مواطنه البولندي «ميكيفتس» و«برليوز». تعصب للشاعر الإنساني 


| 6 


عصور موسيقيه 


القديم شكسين كما آن «ليسه»: ارقبط هكريا ووجدانيا بالشعراء 
الفرنسيين وعلى رأسهم «لامارتين».. وهكذا ارتبطت الفنون والآداب, 
وعكست على بعضها البعض من وسائل تعبيرها واتجاهاتها الفكرية 
والحسية.. وقد تطور ذلك إلى أحد جوانب الرومنتيكية الضخمة وهو 
المدرسة القومية والتي بلورت الأحاسيس القومية لمؤلفين من روسيا مثل 
«كورساكوف» و«بورودين» وبولندا مثل «شوبان»», والمجر مثل «ليست» جعلتهم 
يكتبون الحان بلادهم الشعبية أو أسلوب الألحان الشعبية في موسيقى 
عالمية تتغنى ببلادهم وتمجد ربوعها وتاريخها وشعبها.. وتنفض التراب 
عن الملامح القومية المميزة للحن والإيقاع والمقامية لكل شعب من الشعوب؛. 
وبالطبع فإن الحركة القومية شهدت نمو قوالب جديدة وأساليب مبتكرة 
في التعبير أضيفت إلى حصيلة التراث العالمي من الروائع والأمجاد التي 
تتغنى بها البشرية حتى الآن؛ وفي إطار هذه المدرسة كتب «ليست» رابسودياته 
المجرية و«شوبان» مازوركاته وأعمال البولونيز الشهيرة و«دفورجاك» رقصاته 
السلافية.. 

وواصلت الحركة الرومنتيكية مسيرتها حتى بداية القرن العشرين حتى 
شهدت تذمرا وانشقاقا من بعض اتباعها أمثال «ريتشارد شتراوس» و«إلجار». 
كما شهدت نشأة مدرسة جديدة هي «التأثيرية» التي أسسها الفرنسي 
«ديبوسي» كانعكاس لتيار التأثيرية في الفن التشكيلي الفرنسي على يد 
«مونيه» و«رينوار» وفي أشعار «مالارميه» التآثيرية أيضا. ْ 

وواجهت الرومنتيكية جحودا من بعض المؤلفين الذين تبنوا تيارات مضادة 
منها الحركة المضادة والكلاسيكية الجديدة «رو7160-013551 على يد كل من 
«سترافنسكي» و«بارتوك» اللذين بحثا عن عاطفة أقل تتناسب مع المجتمع 
المادي المعاصر.. أو عودة إلى الكلاسيكية لإنقاذ القوالب الموسيقية التي 
دمرت على يد المتطرفين من الرومنتيكيين في بحثهم عن المبالغة في العواطف 
وربط الموسيقى بالحياة والبيئة والإنسان والفنون الأخرى على حساب القيم 
الموسيقية نفسها والقوالب والتوازن والرشاقة وعلوم الكتابة والصنعة 
والحرفية الموسيقية.. 

واستمرت الرومنتيكية كتيار لا يرتبط بفواصل زمنية استمرت حتى في 
موسيقى القرن العشرين تماما كما كانت سائدة حتى بين طيات الكلاسيكية.. 


167 


دعوة إلى الموسيقى 


رغم أن زمنها وعرشها يمتدان بين سنوات القرن التاسع عشر. وهذا أمر 
طبيعي فكما قال الفيلسوف الموسيقي هوفمان: «الموسيقى هي أكثر الفنون 
رومنتيكية بل أنها أكثر الفنون تأصلا في الرومنتيكية لأن موضوعها الوحيد 
هو اللانهاية والانطلاق الحر..». 

في بداية القرن التاسع عشر (عام 1800) كانت النزعة الرومنتيكية قد 
غمرت كل أوروبا في كل مجالات الفنون.. فقد بدأت الحركة في القرن 
الثامن عشر خاصة في الأدبيين الألماني والإنجليزيء إلا أن ثمارها لم تظهر 
إلا مع بداية القرن التاسع عشرء فالثورة الفرنسية وما صاحبها من نمو 
لسلطة الفرد وحكم الطبقة العاملة وحرية التعبير وانتهاء الملكية والانقلاب 
الصناعى كل ذلك جاء نتيجة للكتابات الأدبية والفلسفية خاصة فى فرنسا.. 
لذلك هن الآدب كان سابقا على ا موسيقى حي روستتيكيته لآن القورةوالحتف 
والمقاومة والتعبير عن الذات كلها مشاعر رومنتيكية لا تسمح بها الكلاسيكية 
الهادتة الرزينة التابعة لطبقة الحكام والملوك والنبلاء. أما الرومنتيكية في 
الموسيقى فقد جاءت انعكاسا للثورة الفرنسية وصورة المجتمع الأوروبي 
الجديد الذي تحرر فيه الفنان وبدأ ينظر إلى داخل نفسه ليعبر عنها 
بحرية وبدأ يعكس حرية الفرد وحرية المجتمع كما بدأ يعبر عن البيئة التي 
أحس أنه منها وهي منه بعد أن كان خادما لهاء وأدى ذلك بالطبع إلى حرية 
التعبير الموسيقي وزيادة عدد آلات الأوركسترا لتتناسب مع قاعات الكونسير 
التي امتلآأت بالجماهير.. بعد أن كانت في غالبها في صالونات القصور 
وقفا على الطبقة الأرستقراطية. 

عبر الموسيقي الجديد عن الثورة والحرية والعاطفة. عبر عن نفسه بعد 
أن كان يكتب الفن الكلاسيكى المجرد: ونمت القوالب الموسيقية الحرة 
الحعديدة يكاكلنك الع الب الك ات سيكية الرصينة لخدمة التعبير الذاتي الحر 
للفنان الجديد الذي لم يتوان عن إدخال تجارب جديدة لإحداث أصوات 
موسيقية مبتكرة ومزيج جديد من الآلات للحصول على ألوان أوركسترالية 
جديدة.. 

وهكذا نما الأوركسترا وتطور وأضيفت آلات جديدة وازدادت التجارب 
حتى شملت مزيجا من أنواع الكورال المختلفة والأوركسترا الكبير.. وزاد 
الطول الزمني للسيمفونية وتطور قالبها ميلا للتحرر من قيود القوالب 


1 68 


عصور موسيقيه 


الكلاسيكية التي كانت بدقتها والتزامها تعتبر المجال الغالب للتعبير الموسيقي 
الجيد.. وتطورت الأوبرا واندمجت بها سائر الفنون والشهر والدراما 
والفلسفة والغناء والموسيقى في بوتقة «الدراما الموسيقية» التي تزعمها 
«فاجنر». كل ذلك لتحقيق ذات الفتان ولتحقيق المزيد من الفجارت النئ 
أصبحت ضرورة في المجتمع الفكري الثوري الصناعي الجديد.. المجتمع 
الذي قربت فيه المسافات بين الدول واستقلت فيه إرادة الفنان وتوحدت 
فيه الأحاسيس ونوقشت فيه المبادئّ والآديان والسياسة والفكر والفن 
والفلسفة.. المجتمع الذي شهد نظريات التطور والارتقاء التي نادى بها 
«داروين» وما تبع ذلك من بلبلة في الفكر وتغيير في المبادئ. 

إن التيار الموسيقي الجارف لتمجيد الفرد ولتحقيق ذات الفنان أدى إلى 
نمو وإبراز إمكانيات القازفك المنفرد وتسليط الأضواء عليه. فنمت إمكانيات 
العزف سواء في مجال الأداء (إعادة الخلق) أو في مجال التأليف الموسيقي 
نفسه فقد اهتم المؤلفون بإبراز مهارات العازفين المنفردين لتمجيد عبقرياتهم 
وكان الكثيرون من هؤلاء المؤلفين عباقرة في الأداء في نفس الوقت فنجد 
بباجائيتي» فى إيطاليا أعجوية كن الثاليف ورشيمتانا فى الأداء. يشلك 
قدرات في الأداء وصفت بأنها غير بشرية. و«ليست» المجري الذي سيطر 
على البيانو كعازف ومؤلف على السواء مع زميله البولندي الثائر «شوبان» 
وغيرهم من عباقرة التأليف الذين كتبوا لأنفسهم أو لغيرهم من العازفين 
المعجزين إمكانيات معقدة هائلة تستعرض عبقرياتهم. ومن كل ذلك نشأً 
تيار (البراعة المعجزة في العزف) 60105119 ؛ وهو اتجاه رومنتيكي فردي 
ذاتي أدى إلى تطوير قوالب موسيقية مثل الارتجالات والكابريتشيو 
والتنويعات.. الخ. وبالطبع فإن مهنة قيادة الأوركسترا أيضا قد تطورت 
وأصبحت لها دراسات وأصول وقواعد؛ فهي ممارسة معقدة تتناسب مع 
أهميتها فى الربط بين الأعداد والنوعيات الهائلة للآلات الاوركسترالية 
والأصنوات البشيرة الجماعية والفردية.. 

إن تاريخ الرومنتيكية يرجع إلى يوم 7 إبريل من عام 1805 وهو اليوم 
التاريخي الذي شهد العرض الأول لسيمفونية بتهوغن الثالثة (البطولة). 
فهذا المؤلف الموسيقي العظيم ولد قرب نهاية القرن الثامن عشر(عام 1770) 
وعاش كلاسيكيا ملتزما في نصوصه الموسيقية رومنتيكيا ثائرا في أحاسيسه 


69 


دعوة إلى الموسيقى 


وأنغامه. كان يترقب الثورة على الحكام والإقطاع وذوي النفوذ الذين طاما 
سخروا الفنانين كالخدم في قصورهم وأبى هو إلا أن يكون سيدا حتى في 
أضخم القصور. وما أن نشبت الثورة الفرنسية حتى مجد نابليون بهذه 
السيمفونية الخالدة التي عبر فيها عن البطولة ورثاء الشهداء.. وبدأ بها 
أسلويا جديذا كان صريخة خورة وتدين الال القن اللوسيشي إلى الرومشتيكية 
التي عاشها في سنوات حياته التالية انق نتم هى العو التاشع عشي 
عصيو الرومتتركية وكاى سمل راكد معان ها بحماه النقناق الذين الم يكوقوا قن 
اعتادوا بعد أن يستمعوا إلى الوسبيقي الخاكرة الشى فيك يبيان كورة على 
السائد والمألوف. إن مفهوم الرومنتيكية في الموسيقى لا يختلف كثيرا عن 
النقد الذي لاقاه بتهوفن في سيمفونية «البطولة» هذه. فقد قالوا عنها أنها 
محركةةو ستوحشة» وبخيالية »لها طول غير شادق» هيج قشر حسين 
دقيقة بدلا من السيمفونية الكلاسيكية التي يندر أن تتخطى الثلاثين دقيقة . 
ويضيف اللقادوإنها تنكل اتعاها جديذد ا سجس 'فية مقامير الخيان 
والخرافة والتحرر من القوالب والابتكار الجريء فضلا عن التعقيد والصعوبة 
في الأداء.. وكل ذلك يمثل العناصر الرئيسية للتعبير الرومنتيكي لأغلب 
الأعمال التي تمخض عنها القرن التاسع عشر.. 

وبالرغم من أن أساليب الكتابة الموسيقية اختلفت وتعددت في القرن 
التابع عقر إن كلاثة اتجاهات: أو جرال مها للع رازه متحسدة ومن 
«النطوق المروككة يكيوقن وزالشا هرف مويكل جيل الشبان الروجشيكيين: 
شويرت وشومان وشوبان: وأخيرا الرومنتيكية المنطرفة ويمثلها فاجئر 
«وبروكنر» و«مالر». كما أن هناك رأيا لا يختلف عليه اثنان وهو أن بتهوفن 
توعيس فى كتاياقه اللإسيقية روح الفكر والثقافة والتجريد والتجمال الت 
تميزت بها الكلاسيكية في القرن الثامن عشرء وضي نفس الوقت تمكن من 
تجح موسيقاه زالطس الروشفكي الكورق التطولي :وان يطيع كل ذلف 
ببصمة البيئة والطبيعة. ورغم أنه لم ينقل صورة واقعية مادية حرفية 
للظبيعة ولا نشامرف كإنه تمكن من أن يكيوقى قوس سابفية الاتجاسيين 
بهذه العناصر الرومنتيكية سواء كانت بيئية أو طبيعية أو مجرد أفكار 
وآراء؛ ولقد جاء تشيف السعادة للشاغن الآكاني شيلر تتويجا لسيمفوتيقة 
التاسعة (الكوراكي6 التي أدخل عليها لآول مرة في التاريخ أربعة مغديين 


]70 


عصور موسيقيه 


منفردين يمثلون الآصوات البشرية للنساء والرجال بالإضافة إلى الكورال 
الكامل؛ وبهذا فهو يرمز لنا بسائر البشر ويجعلهم يدعون إلى الحب والسعادة 
والإخاء.. كل ذلك بتعبير بطولي مشحون بأسمى المشاعر والأحاسيس. 

وفي المرحلة الأخيرة من الرومنتيكية نجد «فاجنر» وقد نشر أصواته 
الفداقيه واللمسبيقيا على اللفقيق والعا زهي يقة اراق مد خل بحا عن السوات 
جديدة ومكونات تعبيرية كثيفة. كما استخدم انتقالات هارمونية تعصر 
الأحاسيس وتشحن العقول بالجيد من الألوان التي لم تكن مألوفة ولا 
متوقعة. وقد استخدم الطاقة الكاملة للأوركسترا الهائل الذي استعمله 
وسخر إمكانياته في الكتابة الموسيقية ليحقق الوحدة بين فنون الدراما 
مستعينا بالألحان الدالة التي شكلها بتحولاته لتتناسب مع تغير المواقف 
الدرامية في الأوبراء وقد أدت هارمونياته الجريئة إلى النظريات الحديثة 
التي تبناها من بعده الفرنسي التأثيري «ديبوسي» والنمساوي «شونبرج» 
الذي تطرف في تحطيم الإحساس المقامي حتى وصل إلى اللامقامية 
والاثنى عشرية. 

إن الرومنتيكية تحيا في كل العصور ولكنها تجسدت في القرن التاسع 
عشر وتطرفت وانساقت إلى تيارات الموجات الحديثة . ولكن كثيرا ما يبحث 
المعاصرون عن الجمال في لحن رومنتيكي معبر يشعرون معه بالقيم العاطفية 
للانسان الذي يرفض دائما أن يتحول إلى آلة مهما اهتزت قيمه وتفوقت 
عواطفه فيعودون إلى الإنسان بلحن يحاكي مجتمع القرن التاسع عشر 
حيث الفكر والفلسفة والحرية والجمال. 


17 


الموسيقى المعاصرة 


مصادر حديثة للإبداع الموسيقي 

يتاك مفووم التعمال فى العرنالمشتريح مد 
ف الارو الاضية لأ كسس الجبال كفيط 
بإيقاع العصر وأحداثه وملامحه الهامة.. وعلى ذلك 
فقد بحث الفن عن مصادر جديدة تمده بمميزات 
فصيو وان امو وقنا افع القطو العلفي الماتل 
فى شتى العلوم ومظاهن الحياة الحديكة.ولقد 
أدى هذا المفهوم الجديد إلى اتساع مجال 
الامعانيات الغلمية للنكليف المرسيقي يقت جوانيه 
وتوعياف وخاضة كينا كلق بالتسدم الماكل في 
دواشات النهينوة وتصضادره وهوادف»:وكناتت 
الاكتشافات في عالم الأصوات تتحرك بدوافع عامة 
مكل: 

- إمكانية الحصول على أصوات شديدة الدقة 
والأفضياظ اتطرد بها الخليده الوسيكية يشكل 
دقيقء بدلا من العزف البشري الذي يسوده الخطأً 
والتقريب للأصوات المطلوب أداؤها مهما كان 
العازؤف عبقريا وخارقا للعادة. 

- الميل إلى أصوات الكون والفضاء الخارجي.. 
والى الاختيارية المحضة في انتقاء الأصوات وفقا 
ترشبات المؤلف بشتى الطرق القلمية الإليكترولية: 


|] 


دعوة إلى الموسيقى 


- الالتجاء في بعض الأحيان إلى الأصوات التقريبية دون تحديدها عن 
قصدء وذلك بهدف الحصول على الضجيج المميز للقرن العشرين. 

وفى إطار هذه العواملء. يتحرك المؤّلفون المحدثون بوسائل ثلاث للأداء 
الأصوات هي : 

- استعمال آلات موسيقية حديثئة وغير تقليدية.. 

- الحصول على أصوات جديدة تماما من نفس الآلات الموسيقية التقليدية 
المعروفة. 

- تغيير وتعديل الآلات الموسيقية التقليدية واختراع آلات جديدة تؤدي 
الفرض من البحث عن أصوات جديدة تلائم الإنسان المعاصر. 

ومن الهام جدا أن نوضح قيمة هذه المحاولات الحديثة وضرورتها على 
ضوء حقيقة هامة وهي أن الموسيقيين الأسلاف منذ قرون طويلة سابقة 
كانوا دائما يبحثون عن مصادر جديدة للصوت فيطورون الآلات الموسيقية.. 
ويصنعون آلات جديدة ويدخلون مؤثرات صوتية متجددة عن طريق التآلفات 
المستحدثة في علوم الهارموني.. والاتجاهات اللحنية في علوم الكونتريوينت 
والألوان المنسجمة أو المتعارضة في علوم التوزيع الاوركسترالي.. فضلا عن 
الإيقاعات المتعددة والمتشابكة والمتعارضة.. إلى آخر الاكتشافات والبحوث 
التي كانت في كل عصر.ء تعتبر جديدة على الجماهير.. ومع مرور الزمن 
تصبح قواعد عامة وأساسية في إمكانيات التأليف الموسيقي. 

يدك القاريع أن إمقال الحساهات (القبا داكا ل الاف الدع المعاسية 
في عام 1815: غير في أصواتها ومنحها طابعا جديدا .. وكذلك بالنسبة 
لآلات النفخ الخشبية التي زادت مساحتها الصوتية وأصبحنا نحصل منها 
على إمكانيات جديدة لم تكن معروقة قبل إدخال التحسينات على صناعة 
الآلات في أوائل القرن التاسع عشر. 

ولقد أضيفت العشرات من الآلات الموسيقية مثل الساكسفون والفانجر 
توبا.. وباستثناء الآلات الوترية فقد تغيرت أصوات آلات الأوركسترا بعد 
تطور صناعتها المطرد. 

لقد أدت هذه التحسينات والتجديدات إلى مدارس جديدة للعزف 
والتدريب على هذه الآلات وأيضا أدت إلى إمكانيات جديدة فى التأليف 
الموسيقي الذي استقى من المصادر الجديدة للصوت هاا ذات إمكافيات 


174 


الموسيقى المعاصرة 


أفكتل وهساخات صنوقية اكثر افساغا وألواتا موشيفية أكثر قوعا: 

حاول بعض مشاهير مؤلفي القرن العشرين تغيير وسائل ضبط الآلات 
التقليدية من أجل الحصول على أصوات جديدة ومساحات صوتية أكبر.. 
أو من أجل تضخيم الصوت وتكبيره بوسائل علمية إليكترونية إلا أن أغلبهم 
مع ذلك لا يزال يعمل في إطار السلم الموسيقي التقليدي المكون من 2 
صوتا.. أي السلم (الكروماتيك) الملون. 

وكان لتطوير استخدام الموسيقى لمصاحبة العروض المسرحية أثره على 
البحث عن مصادر جديدة للصوت بآلات غير تقليدية.. ففي باليه بعنوان 
«البانية اتبكافيك» لعووج الثيل» تجن اسشخداما لصوت طاكرة متروحية 
«هليوكوبتر» يخدم العرض المسرحي ويقدم ما لا تتمكن الآلات التقليدية 
من التعبير عنه بطرق مادية وافعية تتفق مع روح القرن العشرين. وضي 
التوزيع الاوركسترالي للعمل المسرحي المسمى «ماتش». نجد المؤلف كيجل 
يستخدم صفارة البوليس بشكل واقعي لإيقاف الحركة المسرحية بمجرد 
سماعها.. وضي موسيقى «لاجارين هيلر» بعنوان «الآلة» نستمع إلى أصوات 
العاب الأطفال في الحركة الأخيرة. 

وفي مجالات الغناء نجد ارتباطا أزليا بالكلمة الملحنة؛ وقد وجد المؤلفون 
المحدثون وسائل متعددة للخروج بأصوات جديدة من الكورال.. فنجد 
«شونبرج» مثلا قد ابتكر وسيلة للأداء الإلقائي نصف الغنائي بطريقة 
أصبحت تتميز بها مدرسة فينا الحديثة للأصوات البشرية الجماعية وهي 
تحدث تأثيرا بالمفاجأة تجعل المستمع يشعر بأن هذا أسلوب حديث مقنع 
للغناء أو الإلقاء والغناء مما يتمكن بشكل أسرع من التعبير عن عناصر 
المفاجأة والضياع التي تميز الحياة المعاصرة؛ ومنذ سنوات قليلة قام هنري 
برانت؛ ولوتسلافسكي باستخدام الكورال في تعبير جديد يستخدم في 
الصراخ والهمس ونصف الهمس الذي لا يكاد أن يسمع من أجل دواع 
درامية تتطلبها الأحداث المسرحية التي تصاحبها هذه الألحان: وبالرغم 
من أن المسرح كان هو السبب الأول في بعض هذه الابتكارات الموسيقية 
والغنائية إلا أنها أصبحت تقليدا موسيقيا عاما ومع مرور الوقت أصبحت 
تؤلف وتؤدى منفصلة تماما عن المسرح وبدون هدف درامي على الإطلاق؛ 
ولكن بهدف موسيقي حديث يعيش تجربة الأصوات الجديدة والمصادرة 


]715 


دعوة إلى الموسيقى 


الحديثة لهذه الأصوات. 

وضي مجال آلات النفخ الخشبية (الفلوت-الاوبوا-الكلارنيت-الفاجوت) 
نجد أن أواخر القرن التاسع عشر قد شهد بداية لإصدار أصوات جديدة 
عن 501 الغاوظ والتتدرك هف يدنه كا رسن تئر زى رساود شترارس] كاك 
ذلك بالنفخ ضفي الآلة بطريقة جديدة تصدر عنها أصوات جديدة لا تتميز 
بالنقاء وتسمى اللسان المفلطح عنا108 111161 . وبعد ذلك نجد أن تغيير 
وساكل النفخ في الآلات للخصول على أصواتث جديدة قد امتد إلى باق 
الاك العفنع منى وى مكار كهركي روكش ارد نهر ارس عير سوباك و متش 
كما ظهرت تعبيرات جديدة من الآلات النحاسية فى عزف الجاز تسمى 
«ضرب اللسان» عناوه10-م512 التي أصبحت تقليدا كثير الاستعمال في فرق 
الساء العديرت كبا ان تقئى اغالب الاذاة فاتك بوانيظة ججير قوي ةو 
الربااتوة ووكوركر د جولت» 

ومن الأساليب الحديثة في الأداء استخراج الأصوات الطبيعية التي 
تسمى أحيانا بالسلسلة التوافقية في آلات النفخ.. وقد طلب ذلك 
سترافنسكي في أداء ثلاث آلات من الفلوت في مقطوعة طقوس الربيع 
بالاعتماد على أصوات السلسلة التوافقية.. وهي الأصوات التي يمكن 
الحصول قليها نزيادة ضغ المراء موشفة الحازف يدوق اعمال مماق 
(صمامات) الآلة.. وهذه الآأصوات هي بلا شك طبيعة موسيقية جديدة 
مرتبطة بالعلم والتجربة والدراسة والتجديد. 

وأصبح من الشائع فى التجارب الحديئة بين (قظكة القم) اي الج 
الاق ينفح فيه العارف (النفت] أو (الريققة الزديجة)» 1 زرانريقة الشردية 
والتحكم فيها بطريقة تجعل من الكلارنيكت مثلا آلة جديدة ذات طبيعة 
مروقية مخطفة تماها'عن كلما هو مالوف وشائع ومكواررث: 

أضيفت اصطلاحات جديدة تختص بنوعية الأداء تمكنت منها الآللات 
الويبينية الحديكة والعازف البارغ المدذوب وكدوق هذه الأمنظالاحات مع كل 
ما ورثناه من اصطلاحات الأداء الكلاسيكية.. ومن الجديد (نحاسي-شديد 
الكيعلق الانسوار د دقوي وتتصي اند 

وفي العائلة الوترية من الأوركسترا تستعمل الآن بكثرة الأصوات الطبيعية 
قباد (كاكتهر نيت وعى |القى انمره رصقيزا دن الشيولرقة تعمل جيك إلى 


ما 


الموسيقى المعاصرة 


أبعاف اككردين اللسناحة الصروفية السادقى كما ارخ العوف باثي اساي اليد 
المي رويةون الساسمال القوور) نظي إلى إخراط كن سرف التبيو بيصناي 
اليه البمرى ريلها شرك اليد لبوق كتران القرس .ب ومنا لف جيه وهر 
العزق على اظوو 1لا الديرليتة ناه اطياق سورج كراسي عازه بالشون 
بجنانب اصايع الين البسرى التي تقوع يعفق الأوتار.: وهد| ينتج غنة صبوت 
أجوف بدون رنين.. ولكنه صوت جديد وتعبير غير مألوف. 

ومن الشاكع الآن أن ينض غازف البياتو هي أثناء العزف ويثرك أصايع 
البباك الرئسية لويف ينه إلى الأ رفارفي ذابكل البيا ار ووكازة عليه ان 
يجذيها بأصايكة :وقد انعشر هنذا الأسلوؤب:فى اغمال أغلب المؤلسين 
العاصدريق رفخ أهم روا هذه الشكره ذاه الخاقر :الخريي كليم الطنية 
المؤلف: اللوسيقي المصرى الذى يعتبرهن رواد الحركة اللوسيقية المفاصرة 
في الولايات المتحدة الأمريكية. 

نهاك تهات رقيو روف واندم رودويت م اليرت رفير 
من لونه وتعبيره.. ولقد اعتدنا ذلك في العائلة الوترية بالأوركسترا .. وأيضا 
في الات النفع الحاسية:, ولكن مؤلفي القرن العشرين وغلى واسهم 
سترافنسكي طالبوا العازفين على آلات النفخ الخشبية باستعمال كاتمات 
خاصة للرنين.. وأصبحت الابوا من أهم هذه الآلات التي نحصل منها على 
ألوان جديدة تماما.. ولقد أدى ذلك إلى تطوير دائم متجدد في صناعة 
الات اسحخاية ترغيات | لؤلفرن الذين يسكون دوما هن كل جديد في عالة 
الأصوات. 

وفي مجالات (الآلات) الإيقاعية ذات الأصوات المنغمة قام (كارل أورف) 
بدور رئيسي في البحث عن مصادر جديدة لموسيقاه.. فصنع نوعا من 
الأعراس[ التق سرف بيطا رق جل العسيليات قاد وا سفيدل بالعضهات 
المعدنية التي تعطي صوت الأجراس نوعا من الأحجار ذات الرنين الخاص 
المتقم» وفنا لأطوالها المتختلفة :, 

كبا امازل ترنياك) كاد ممع الساوماريه ارهن الكبيوة با باز 
موتعوامن اكرمر لخن صبوةا شدي الغراية والفموط ب وغل ران الآلات 
الأرظاضينة تطلوى ايتكميال(القبير اضوخ)توكناع ماله وهو يقميز بامقد اد 
وق أسواقة لفكراتك طريلة: 


177 


دعوة إلى الموسيقى 


أما عن الآلات الإليكترونية فهي من نوعين: الأول هو الآلات التقليدية 
مع تعديل بسيط وإضاقة تكبير إضافي للصوت بطريقة إليكترونية. والنوع 
الآخرهو الآلات الحديثة التى صنعت وققا لمبادئّ جديدة تماما. 

النوع الأول مرتبط بموسيقى الجاز والموسيقى الخفيفة.. أما النوع 
الثاني فهو الذي يدخل في أداء موسيقى الكونسير.. وهو الذي نرى فيه 
إمكانيات جديدة تماما لإصدار أصوات إليكترونية يآللات هى أيضا أجهزة 
اليكترونية تماما كالمحوللات والمولدات والمحلالات للصوت.. وهناك اتجاه 
يدرسون فيه أساليب وإمكانيات حضارات أوروبا القديمة.. والموسيقى 
الشعبية الأوروبية والموسيقات الآسيوية والأفريقية وحصلوا من ذلك على 
عودة إلى الإنسان البسيط الأول في قبائل أواسط أغريقيا على آلات موسيقية 
مصنوعة في بيئاتها المحلية بطرق شعبية متطورة وبطريقة ذاتية وقومية 
شذكذة الارعناظط نصائقها وتازيكة :وخصارثة:وعان إنقافات نادرة وغرعة 
وجديدة على أسماع إنسان القرن العشرين. 

أما عن موسيقى الضجيج والتقريب الموسيقي فهي أكثر أنواع موسيقى 
القرن العشرين تطورا من خلال الفرق الإيقاعية الكاملة ذات الآلات المتعددة 
والمتكاملة.. ومن خلال الآلات الجديدة التى تصنع وفقا لطلبات المؤلفين 
على أنماط آلات بدائية من حضارات أخرى غير أوروبية وغير أمريكية.. 
والموسيقى الإيقاعية وآلاتها هي بوجه عام أكثر الأنماط الموسيقية الحديثة 
انتشارا وشيوعا بين المؤلفين والعازفين والمستمعين على السواء وتمثل الاتجاه 
الذي تعتبر الأعمال الآتية علامات الطريق التاريخية له: طقوس الربيع 
لسترافنسكي-ايونيز لفاريز-تزيكو لوس لشتوكهاوزن. وقد تمكن العازفون 
من تنفيذ رغبات المؤلفين المحدثين بإصدار أصوات رديئة تعبر عن الضجيج 
والقلق.. 

من الآلات الموسيقية التقليدية الشائعة.. سواء بطريقة إيقاعية أو بطرق 
غير موسيقية-من وجهة النظر الجمالية الخاصة بالقرن الماضي-لآن جماليات 
القرن العشرين تشتمل على الضجيج والتعبير الصادر عن القلق والمتاهات 
التي يحياها الإنسان المعاصر الذي اصبح ضحية للحضارة والتطور وأصبح 
شديد الضعف أمام الآلات الحديثة الشديدة التطور والتي تستغني عن 


خدماته.. 


الموسيقى المعاصرة 


الموسيقى الا ليكترونية 

أصبح شائعا بين المجتمعات الموسيقية الأوربية والأمريكية أن نستمع 
إاك العديد والجديد من الاكتفافات العانية الك كهي» اللرسيفى في 
مجالات التأليف والأداء والاستماع وأصبح العلم هو الأساس الذي تتمكن 
الموسيقى من خلاله أن تبني هرما من التقدم والتطور السريع. ومع تطور 
الآجهزة الإليكترونية المطرد يتطور الإبداع الموسيقي مرتبطا بالمعامل التي 
تضم أحدث ما وصل إليه العلم من أجهزة تتحكم إليكترونيا في الصوت 
وإصداره وتنويعه وتصنيفه وتحليله وتكثيفه إلى آخر ذلك من إمكانيات 
علمية اشترك فيها العقل الإليكتروني بالتأليف الموسيقي.. 

وهو بذلك لا يلغي الإنسان الفنان المبدع ولكن يعمل في خدمته؛ وبالتالي 
فإن المؤلف الموسيقي الإليكتروني أصبح يربط بين الثقافة الموسيقية التقليدية 
المتوارثة وبين الهندسة الإليكترونية؛ كما أن الكثيرين من مؤلفي الموسيقى 
الإلكترونية هم أنفسهم مهندسون إليكترونين وجدوا في التكوين الموسيقي 
الحديت مقنة لجل من إسكانيايم الدانية وسيلة ظية جمالية. 

ونشأت وتطورت مذاهب متنوعة لتأليف الموسيقى الإليكترونية أهمها 
ما يتم تسجيله في نفس مرحلة التأليف أي أنه يتم تكوينه إليكترونيا على 
أشرطة ولا توجد وسيلة لأدائه إلا إدارة الجهاز والاستماع إلى الشريط. 
وبعضها يتم عزفه وفقا لمدونات خاصة تشكل لغة جديدة تماما في التدوين 
الوسيقي؛ ويتم هذا العزف على الات موسيقية إليككزونية أغلبها ذات 
لوحة مفاتيح تشبه مفاتيح البيانو وتصدر عنها أصوات متعددة وتأثيرات 
مختلفة يتم التحكم فيها وفقا لرغبة المؤلف ونوعيات الأصوات المطلوبة في 
العمل الموسيقي. 

وبعد دراسة عملية لهذا النوع من الموسيقى: فإني قد تأكدت بالفعل من 
الإمكانيات المهولة لنوعيات الموسيقى الإليكترونية.. وما يمكن أن تؤديه 
لإنسان القرن العشرين من تعبير تعجز عنه الآلات الموسيقية التقليدية 
وإمكانيات الصوت البشري.. بالرغم من التطرف والمبالغة التي شوهت 
الكثير من هذه الأعمال مما جعلها ترتبط بالهندسة الإليكترونية أكثر مما 
كسم بسح جبالية موسيعية وبالرغم هن ذلك إن الجامات جادة في 
هذا المجال تمكنت بالفعل من خلق تعبير موسيقي علمي ووجداني متطور.. 


170 


دعوة إلى الموسيقى 


يخدم الإنسان الجديد ويرفعه إلى مستوى العصر ويوحد بين إمكانيات 
التعبير الفني وبين التقدم العلمي بشكل يخدم الفن الموسيقي والإنساني 
المغاضسر: 

لقد بلغ عدد مؤلفات الموسيقى الإليكترونية عشرة آلاف عمل أو ما 
يزيد على ذلك كما أن عدد مؤلفي هذه الموسيقى يعملون فيما يقرب من 
0 استديو إلكتروني مخصص لهذا الغرض. ولقد انتشر الصوت 
الإليكتروني الآن ليعم أنشطة الإذاعة والتليفزيون والسينما والإعلانات 
المذاعة كوسيلة تطعيم حديثة كما انتشر الصوت الإليكتروني أيضا في 
موسيقى الأطفال والأساطيرء كما أن موسيقى الجاز أصبحت تعتمد بكثرة 
على الوسائل الإليكترونية مثل تقسيم الذبذبات الصوتية أو تأخير وإبطاء 
الأشرطة المسجلة أو تكوين ترتيبات صوتية. والموسيقى الإليكترونية هي 
التي تصدر عن مولدات صوتية تحدث ترتيبات صوتية اليكتروتية يت التحكم 
فيها بأجهزة تصدر نوعيات متعددة من النغمات المحددة وفقا لذيذياتها 
وتردداتها وانقساماتها المختلفة وهذه الأجهزة هي عبارة عن مولدات 
للاشارات الصوتية أو لموجات صوتية محددة النوعية من ناحية درجة التردد 
الكهربائية وسرعتها ونوعيتها . ومن أهم الموجات الصوتية ما يعرف (بالجب) 
وتظهر على الشاشة الضوئية على شكل موجات متعاقبة في انحناءات. 
ونوع آخر يسمى بال موجة (المربعة) وتظهر على الشاشة الضوئية بشكل 
مربعات متتالية ومتعاقبة. ونوع آخر يسمى (بالنبض) وهو هام جدا وهو 
موجات تظهر في شكل أعمدة متتالية وما يعنينا الآن هو أن المولد الإليكتروني 
يصدر موجات صوتية مختلفة لكل منها طبيعية صوتية ولون موسيقي 
خاص يرتبط بنوعيتها الإليكترونية. 

وحتى نخرج من الشرح العلمي إلى المفهوم الجمالي العام لهذه الموسيقى 
فإننا يجب أن نتحدث في حدود هذه الأفكار الرئيسية من الكثير الذي تم 
لهذه الموسيقى إنجازه: 

- الموسيقى الإليكترونية تعطينا ألوانا موسيقية لا تتمكن الآلات التقليدية 
ولا أي أوركسترا أو كورال من إعطائه عن طريق الآصوات الجديدة التي 
تولد إليكترونيا. ْ 

- باستعمال الموسيقى الإليكترونية نتمكن من الحصول على الأصوات 


الموسيقى المعاصرة 


الموسيقية بدقة متناهية وبذلك نتخلص من الخطاً البشري الذي يقع فيه 
أي عازف مهما بلغت عظمته وإمكانياته. 

- من خلال هذه الموسيقىء يتمكن المؤلف من كتابة موسيقى تقليدية 
عادية بألوان مختلفة وجديدة في الآداء كما يتمكن من توليد أصوات 
إليكترونية من الفضاء الخارجي وبأي وسيلة أخرى فضلا عن أنه يتمكن 
من مزج الأصوات المولدة إليكترونيا بأصوات آلات موسيقية تقليدية. 

- تستطيع الموسيقى الإليكترونية أن تحول آلات الأوركسترا السيمفوني 
نفسها إلى آلات أخرى يعجز البشر عن صناعتها .. كأن نستمع مثلا إلى آلة 
الفلوت الصغير... .-وهى أكثر الآلات الموسيقية حدة-فى طبقة أكثر غلظة 
من الكونترياصض وهو أكثر الآلات الوسيغية غلظة في الطبعة الصوفية. 

- عن طريق تغيير الفولت الكهربائي. أو سرعة جريان الشريط في 
جهاز التسجيل يمكن إحداث تتويعاك صوتية متعددة . 

- تتمكن هذه الموسيقى من تحديد السرعة في الزمن بشكل شديد 
الدقة بدلا من الأشكال الزمنية التقليدية التي تتناول نسبا زمنية هي الروند 
والبلانش والنوار.. الخ. 

- يمكن استخدام إمكانيات التأليف المتوارثة ذات الأساليب البوليفونية 
والهارمونية بأساليب إليكترونية و بأصوات جديدة مقابلة. 

- يتم الربط بين الموسيقى وعلوم الفضاء والصواريخ الحديثة. فتصبح 
الموسيقى فنا معاصرا بحق لا ينفصل عن منجزات العصر العلمية. 

وفي الحقيقة لقد استنفدت الآلات الموسيقية التقليدية وسائل تعبيرها 
وقد حاول مؤلفو التأثيرية ومن أتوا بعدهم الحصول على أصوات جديدة 
من نفس الآلات الموسيقية التقليدية وأصبح ذلك معروفا الآن ولكنه غير 
طبيعي وغير وظيفي بالنسبة للآلات التقليدية مثل عزف الآلات في مناطقها 
الصوتية شديدة الحدة مما يجعلها تتحشرج.. أو جذب أوتار البيانو بالأصابع 
البشرية بدلا من طرقها بشواكيش تتصل بأصابع البيانو التي يتم العزف 
عليها.. أو العزف على ظهرآلة الفيولينة كما لو كانت طبلة.. ولكن الموسيقى 
الإليكترونية تعطينا نوعيات جديدة من الأصوات يتم توليدها كهربائيا أو 
تسجيلها من الموجات الصوتية البعيدة المسموعة من الإرسال الإذاعي.. أو 
تسجيلها من مؤثر غير موسيقي مثل كسر زجاجة أو الصفير فيها.. أو 


دعوة إلى الموسيقى 


العبث بالأسلاك.. أو تسجيل صوت صنبور المياه.. الخ. و يتم الحصول 
على الطبقات الموسيقية المحددة لهذه الآأصوات الجديدة وفقا لتحديد 
الذيذبة العلمية المعروفة لكل نغمة موسيقية.. فمثلا إذا أردنا تسجيل لحن 
موسيقي تقليدي هو (دو مي لا صول) بآلة جديدة هي تسجيل لصوت 
خرير المياه أو فرملة سيارة مثلا فإننا نحدد الذبذبات الدالة على كل نغمة 


موسيقية.. 

دو - 262 ذبذبة في الثانية. 

مى - 330 ذبذبة فى الثانية. 

لاد 0 ذبنية فى الثانية. 

ول 3922 قيقد في الثانية. 

وبسهولة تامة نتمكن من الحصول على هذه النفمات عن طريق أزرار 
تتحكم في الفولت وتجعل من هذا الصوت المسجل دو-مي-لا-صول آداءً 
دقيقاً لا يمكن لعازف أن يقوم به إذا أردنا الحصول على أزمنة محددة لكل 
نغمة منها.. فإن ذلك يتم بالحساب الزمني وبدقة متناهية. فالنوتة الموسيقية 
أي الأصوات الإليكترونية يتم تسجيلها على شريط عادي بجهاز تسجيل و 
يكون طول الشريط محددا للاستمرار الزمني لكل صوت (فالنوار) مثلا 
طوله 4 سم على الشريط.. وعلى ذلك فإن الكروش يكون طوله 2 سم.؛ 
وهكذا يتكون اللحن أو التكوين الموسيقي على الشريط. 

والآن كيف يمكن كتابة خطوط لحنية متعددة مثل الهارموني أو الكونتر 
بوينت أو حتى أصوات إيقاعية؟ 

إن ذلك يتم بتسجيل الصوت الثاني (أي الخط اللحني الثاني) على 
شريط ثان.. والصوت الثالث على شريط ثالث وهكذا وفي النهاية يتم 
عزف هذه الخطوط اللحنية معا وفي وقت واحد وبدقة متناهية: ويتم 
تسجيلها على شريط جديد يكون خلاصة التجربة. وبطرق مماثلة يتم مزج 
الأصوات المختلفة الطابع بما يقابل فن التوزيع الاوركسترالي؛ فكل خط 
لحني يمكن أن يتم تسجيله بآلة موسيقية مختلفة أو بتعبير صوتي مختلف. 
فالخط الأول مسجل من صوت قزقزة لب والثاني من فرقعة بالونة والثالث 
مواء قطة.. وهكذا يتم مزج الأصوات الجديدة لتكون توزيعا صوتيا جديدا 
تماما.. لو استمعنا جيدا إلى تسجيل لحني صغير من كونشرتو الفيولينة 


الموسيقى المعاصرة 


لبتهوفن مثلا يقوم بعزفه أعظم عازفي الفيولينه في العالم لوجدنا حقيقة 
عجيبة وهو أن العزف يتم خطأ في بادئ الأمر ثم يتم تصحيحه بعد ذلك 
لاشعوريا من إصبع العازف. ويمكن الاستماع إلى ذلك بوضوح لو أدرنا 
شريط التسجيل بسرعة أبطأ من السرعة الأصلية وهذا هو ما يعرف 
بالخطأ البشري الذي يعتبر من ناحية أخرى فلسفية سرا من أسرار الجمال 
التعبيري الإنساني.. وفي الموسيقى الإليكترونية يتم التخلص نهائيا من 
الأخطاء البشرية في العزف لأننا نتمكن بسهولة من الحصول على كل 
صوت بدفة تامة وذلك بتحديد عدد الذبذبات الدالة على النغمة الموسيقية 
بدقة شديدة.. وإذا اعتبرنا أن مسافة البعد الموسيقى هى 48 ذبذيبة فى 
الاليةة فضا ييكق أو تحمل على اصوات جديك: اليكتروتي] لايمكن 
إطلاقا للموسيقى التقليدية أن تصدرها.. فمسافة ثمن صوت مثلا هي 
شيء متناهي الدقة ويستحيل عزفه بدقة ولكن عن طريق توليد الأصوات 
وتحديدها إليكترونيا نستطيع أن نحصل على تقسيمات للبعد الموسيقي 
الكامل (تون) يبلغ كل منها 48/١‏ من تقسيمات البعد. 

ويتم تسجيل مقطوعة موسيقية بآلة الفاجوت فلا.. وتقوم بعد ذلك 
بالاستماع إليها في طبقات أخرى شديدة الحدة.. وفي طبقات أخرى شديدة 
الغلظة.. وبدذلك يتحول الفاجوت إلى نوعية جديدة من العائلات الموسيقية 
لا يمكن صناعتها .. فنسمعه حادا مثل الفلوت الصغير ولكن بطايع جديد 
هو طابع الفاجوت.. ونسمعه أكثر غلظة من الكنتراباص ولكن بلون جديد .. 
ثم نسمعه ممزوجا مع أصوات إليكترونية جديدة يتم توليدها.. ثم نستمع 
إلى نفس التسجيل في مقامات موسيقية متعددة.. وكل ذلك يتم عن طريق 
تغيير سرعة دوران الشريط وتغييرء الفولت الكهربائي بمقاييس دقيقة 
وأجهزة متطورة. 

لقد صنعت آلات عديدة يتم العزف على أغلبها من خلال أصابع تشبه 
أصابع البيانو.. ولكنها تصدر أصواتا إليكترونية يتم توليدها كهربائيا وفقا 
لرغبة المؤلف.. وبالنسبة لهذه الآلات ذات الأصوات الرائعة فإن أنواعا 
متعددة من التدوين الموسيقي قد تم تحديدها للأداء الإليكتروني. 

الموسيقى العربية تتضمن عددا هائلا من المقامات التي تشتمل على ربع 
البعد وثلاثة أرباع البعد.. وهي الأبعاد التي لا توجد أيضا في إطار التقسيم 


دعوة إلى الموسيقى 


الموسيقي الغربي الشائع (2! تون).. وبالرغم من أن البحوث الغربية هذه لا 
تهدف بشكل مباشر إلى خدمة الأداء الموسيقي العربي وتطوير استعماله 
لإمكانيات تعدد التصويت مثلاء أو لاستعمال مزيد من الآلات التي يتعذر 
استعمالها حاليا لعدم احتوائها على أبعاد السلم العربي.. بالرغم من ذلك, 
فإن بحوثا ممائلة خاصة بالموسيقى العربية. يمكن أن تساهم إيجابيا في 
خلق تعبير جديد من المقامات العربية المتوارثة يعتبر تطويرا جديدا 
لموسيقانا.. إلى جانب المحافظة على كل ما هو تراث وتقاليد.. 


المسرج المو سيقي فى القرن العشرين 

ارتبط المسرح بالموسيقى منذ آلاف السنين.. وشهدت الحضارات القديمة 
مسرحيات يرتبط فيها التمثيل بالغناء مع العزف والرقص على السواء.. 
لان المسرح كان دائما البوتقة التي تنصهر فيها وتتبلور منها سائر الفنون.. 
وتطورت فنون المسرح واتخذت مسارات مستقلة في المجالات الدينية 
والدنيوية؛ ثم مجالات الدراما المستقلة عن الموسيقى والغناءء؛ والموسيقى 
والغناء المستقلين عن الدراما المسرحية. وبعد ذلك اجتمعت فنون الدراما 
مع الموسيقى والغناء في الأوبرا التي تطورت في أواخر القرن التاسع عشر 
إلى الدراما الموسيقية حيث تتزاوج فنون الشعر والدراما والموسيقى والغناء 
والديكور.. وينعكس كل منها على الآخر من أجل الدراما الموسيقية ككل 
يجمع سائر الفنون. 

ولكن هناك نوعيات متعددة من قنون المسرح الموسيقي تضاربت الأقوال 
والآراء فيها فمنها ما هو مسرح درامي مستقل يستخدم الموسيقى التصويرية 
لتعميق الحدث الدرامي بالعناصر السمعية الموسيقية. ومنه ما هو مسرح 
درامي بحت ولكنه يستخدم الصوت البشري في أغان جماعية مع الموسيقى 
في فقرات محددة بهدف التنويع والإثارة والإثراء.. ومنه ما هو روايات 
مسرحية تتخللها فقرات غنائية فردية وجماعية وفواصل موسيقية وأخرى 
راقصة بطريقة أو بأخرى وكل ذلك بالطبع يختلف عن قن الأوبرا الذي هو 
دراما موسيقية غنائية ملحنة بكاملها لكافة المجاميع الغنائية وبشتى الألوان 
الاوركسترالية. كما إنها تختلف عن فن الأوبريت التقليدي الذي لا يختلف 
كثيرا عن الأوبرا إلا في أنه خفيف مرح وتتخلله فواصل من الإلقاء السريع 


1 4 


الموسيقى المعاصرة 


بهدف الإسراع بالحدث الدرامي الذي كثيرا ما يتباطأ بسبب الأغاني 
المتتالية.. 

وحتى تتبلور صورة المسرح الموسيقي ومفهومه في القرن العشرين: فإننا 
نستعرض معا المسرح المعروف باسم 1/1151621 أي الموسيقي.. حتى نهتدي به 
في تصنيفنا للمسرح الغنائي المعاصر والذي كثيرا ما تطلق على رواياته 
المسرحية تسميات منها الأوبرا والآوبريت ولكنها تكاد تكون أقرب إلى 
المسرح الموسيقي الذي تطور وتبلور وأصبحت له تقاليد راسخة في الولايات 


المتحدة الأمريكية. 
يشتمل المسرح الموسيقي على نص أدبي درامي وموسيقي وأغان ورقصات 
-١‏ العاطفى الخيالى. 


ف الرضيض الشنانى الكسن: 

اخجور00011::0 

4د لدو مني 

5- الأردرفت الحديثة. 

نحن امسر ع العا اق نكي الى انو اكوا كلد هيام اللوسي قي 
وأكثرها شيوعا.. وهو عبارة عن كوميديا خفيفة ترتبط بالمادة الموسيقية 
القذاقيةة الف تكن با الكلورورة كدر طلامرعة ونسابة وترضيجة كن قود 
نماذج هده المسرحيات «ادعوني سيدة» للمؤلف الموسيقي «ايرظتج برلين» 
وركل الرسقس: للد لازو سو رواسا الأببرييةالصديقة الفاسية كفدياك 
عن المسرح العاطفي الخيالي في أنها تتطلب عددا كبيرا من الأدوار الغنائية 
فضلا عن أن موضوعها يكون اكثر بعدا عن الواقع.. ومن أمثلة هذه الأوبرتات 
نجد الآأسطورة المسماة (قفوس قزح فينيان) ٠ه0منه1‏ 5“'صدند81 التي كتبها 
بيرتون لين عام 1974.. و«كارنفال» لروبرت ميريل عام 196١‏ . 

وفيما يتعلق بالمسرح الغنائي الشعبي فإنه يرتبط عادة بشعب من شعوب 
الأركن ان جس من اجنان البشر و يهوم الع الشهدي الره ب طيهنا 
الشعب أو ذاك.. ومن اشهر واهم هذه المسرحيات ما كتبه جالت ماكدرموت 
غَام 1967 يتواخ «الشعر عتدط مساولا خركة المييز والعرى والركصن الصاح 
والأجناس الف ترج في المجتمع الأمريكن.. 


دعوة إلى الموسيقى 


ويعتبر المسرح الاستعراضي اقصر هذه النوعيات عمرا.. فهو يرتبط 
بالحركة السريعة والإثارة والترمن ونصوص الأغاني التي تلتقي برغبات 
الجمهور وبمشاكله وآماله.. ومن النماذج القليلة التي كتب لها الخلود من 
بين هذا النوع المرتبط بأحداث المجتمع المعاصرة «دبابيس وابر» لهارولد رم 
7 ودادعوني سيدة» (1946). 

ومن الجدير بالذكر أن ما يتبقى من المسرحيات الاستعراضية في ذاكرة 
العماهير هر الآغاتى الغردية التاسحة وك ارفيل العف دولاب الفين 
بتراث الأغاني الخفيفة الشائعة بعد أن نسي الجمهور أنها كانت فقرات 
في استعراضات مثيرة. 

وخ الخرهب يها أن السدرة التفاكي هذا يقكل على جبيع توهيات 
الدراما الموسيقية.. حتى الأوبرا بمفهومها الحديث المعاصر.. وهي هنا 
تنطوي تحت تسمية «دراما» وليس «أوبرا» والمسرح الدرامي هذا يقدم 
الأوبرا الشعبية فقط وهي برعم ذلك تكون ذات موضوع أكثر عمقا وجدية 
من النوع العاطفي الخيالي وتتميز بأنها متحذلقة أكثر من النوعيات الأخرى 
للمسرح الوضيقي التهنيت وبانها ترقيظ اككر بالشراث الوسيقي الجالي 
الجاد كما أنها تؤكد أهمية الأحداث الدرامية على المسرح وتجذب الاهتمام 


إل النص الدرامي اكثر من النص الموسيقي. . ونادرا ما تذ تنتهى بخاتمة 
سعيدة أو مرحة. ومن أهم نماذج هذا النوع هو نتظر والشارع تكورت شاي 
عام 7 . 


وهناك بعض الأعمال الناجحة التي قام مؤلفوها بالمزج بين أنواع مختلفة 
من هذه المسرحيات مثل «بريجادون» التي كتبها «فريديريك ليفي» عام 
7 ومزج فيها موصو حا لحني الأريرةك بجع متاظر يفعبية كاتني 
وتصميمات لرقصات من البيئة الاسكتلندية ترتبط بالمسرح الموسيقي 
الشعبي.. وكذلك نجد المسرحية الشهيرة «الملك وأخاء لرويششارد روجرز 
(عام )195١‏ التي تتميز بالألوان الشعبية الغربية والمثيرة فضلا عن نهاية 
حزينة ترتبط بنوعيات الدراما التي تقدم في كل رواية. 

عندما نعود إلى العروض المسرحية الأمريكية في منتصف القرن الثامن 
عشر فإننا نلتقي بالنماذج الأولى التي تطورت إلى ما وصل إليه المسرح 
الموسيقي الأمريكي المعاصر فقد كان العمل الموسيقي الأول للمسرح الأمريكي 


نا 


الموسيقى المعاصرة 


هو «القواسون» عام 1796.. وهو يعتبر أمريكيا تماما وبالكامل وقد بناه 
مؤلفه «بنيامين كار» على سيرة البطل السويسري التاريخي «وليم تل». 
وتلاه عمل آخر في عام 1866 بعنوان «المنحنى الأسود» للمؤلف الإيطالي 
الأقيل معيوسيين اليرت تج جما قهري لدرحة آنه الفسبى السمل الأب 
لمسارح برودواي الموسيقية.. ومن المعروف أن حي برودواي بنيويورك هو 
الموطن والمركز الرئيسي لفن المسرح الموسيقي في القرن العشرين.. فهو 
الحي الزاخر بعدد كبير من المسارح ذات النشاط العالمي المتخصص في 
هذا اللون من الدرامات الموسيقية التي يشترك في تأليفها وتمثيلها وغنائها 
وفيادتها خيرة الفنانين والموسيقيين المعاصرين.. وفي القرن التاسع عشر 
شهدت مسارح برودواي مجموعات من الأعمال الموسيقية الغنائية المسرحية 
ذات الطابع الترفيهي الفكاهي المبالغ. 

كانت الآوبريت.. وحتى الأوبرا الهزلية حتى عام 1903 تتآألف من 
مقطوعات موسيقية وغنائية تصل بينها فقرات من الحوار بطرق الإلقاء 
الدرامي أو الإلقاء المنغم بأنواعه المختلفة.. ولكن «فيكتور هيربرت» قدم 
في عمله المعروف باسم 20ذ1نإ10 12 8365 عنصرا هاما في الآأوبريت الحديث 
والأوبرا الهزلية الحديثة المعاصرة.. وهو عبارة عن موسيقى تصويرية 
للأحداث الدرامية بالإضافة إلى موسيقى أخرى للربط بين المناظر والأحداث 
وتأكيدها وتعميقها والتمهيد لها.. وهذا ما اعتبر من الملامح الهامة لفن 
المسرح الموسيقي المعاصر.. 

كتب النمساوي الشهير فرانز ليهار أوبريت «الأرملة الطروب» عام 1905.. 
وقدمت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1907؛ وبالرغم من الشهرة 
العالمية الفائقة لهذا العمل الخالد فإن عروضه في برودواي ربطته بالمسرح 
الموسيقي الحديث عن طريق إضافة مظهر الاستعراض المثير في الرقصات 
الطويلة الرومانسية التي يتضمنها هذا الأوبريت. وظلت هذه الأضافات 
والتجديدات تتوالى على الأرملة الطروب حتى أصبحت عام ١930‏ من 
المسرحيات الموسيقية المعاصرة في برودواي اكثر منها أوبريت رومنتيكية 
تحمل ملامح النمسا التقليدية كما قصد بها مؤلفها فرانز ليهار في الأصل. 

استخدمت المسرحيات الموسيقية المؤثرات الصوتية والدرامية التى 
شككهم إمكافيات المصر في اكالاسن والديكور والشركة المسرحية ركل ها 


167 


دعوة إلى الموسيقى 


يضيف إثارة للمشاهد المستمع.. وكان من أوائل واهم الأعمال التي اعتبرت 
نماذج لهذا الفن: «حول العالم» سئة |91ا و«حرب العالم» سئة 9814| وقد 
اشتملت على استعراضات خارقة للعادة بالنسبة للوقت الذى قدمت فيه 
لأول مرة وانجذبت جماهير غفيرة مأخوذة ومبهورة بالإثارة الممسرحية التي 
اشتركت فيها الموسيقى والأغانى والرقصات إلى جانب كافة عناصر الدراما 
الاستعراضية.. ومما هو جدير بالذكر أن فنون الرقص الاستعراضي في 
أمريكا إلى جانب رقص الباليه تطورت وانطلقت بفضل العديد من خبراء 
الرقص الروسي الذين كانوا قد هربوا من روسيا قبل الثورة.. وقبل غلق 
الحدود .. كما أن فرفا روسية بيضاء زائرة كانت تتردد كثيرا على أمريكا 
قبل الثورة البلشفية؛ وهذا ما أعطى لفن المسرح الموسيقي نفحة من التفوق 
فى الجانب الراقص من استعراضاته كما أمريكا هذه الفرق والخبراء 
الروس البيض الذين استوطنوا إلى؛ كونوا غن الباليه الأمريكي الذي اصبح 
الآن ينافس بحق وبجدارة الباليه السوفيتي و يتفوق عليه.. كما أمريكا 
المخرجين المسرحيين الألمان لعبوا دورا كبيرا في تطوير المسرح الأمريكي.. 
فهم خبراء الآوبريت والأوبرا الهزلية بالنمسا حيث تاريخ هذا الفن وجذوره 
العامية الراسخة.. فترابطت وامتزجت هذه الإمكانيات مع مسارح برودواي 
بأموالها وانطلاقاتها التجريبية وجماهيرها وإمكانياتها.. نجاح المسرح 
الموسيقى المعاصر اكثر ملاءمة لإنسان القرن العشرين فى مجالات الثقافة 
الغناتية الموسيقية الدرامية الاستعراضية. وفى غلاف من الإثارة خلال 
الإمكانيات العصرية الفكرية والتكنيكية والنفسية على السواء. 

كانت موسيقى الجاز وما سبقها من «راجتايم» و«بلوز» هي الفن الموسيقي 
الغنائي الذي وجد فيه الأمريكيون ملامحهم وهدفهم لتكوين الفن القومي 
المتميز.. باعتبار أمريكا هذا الفن تكون من مزيج للعناصر الفنية في جنوب 
الولايات المتحدة التى اشتملت على فنون أوروبية وأفريقية وأمريكية أصلية.. 
ولذلك فقد ادخلوا الجاز الأعمال المسرح الموسيقي بالإثارة مرة عام 914! 
كوسيلة لإضافة ملامح قومية وحديثة الأعمال هذا الفن.. وكان ذلك بفضل 
جورج كوهان في مسرحية «هالو برودواي» التي أضاف فيها موسيقى 
«الراجتايم» الأعمال المواقف العاطفية والهزلية.. وتبعه «ايرفنج برلين» 


الموسيقى المعاصرة 


موسيقى الجاز وخاصة تأخير النبر الموسيقي (السنكوب) الذي تتميز وتتفوق 
فيه موسيقى الجاز. 

حصل جورج جيرشوين على جائزة بوليتزر للدراما عن مسرحيته 
الموسيقية: م55 0171061 التي كتبها عام 1391 وأضاف إليها عناصر جديدة 
تماما وهي: 

- تقدير دور الإحساس والجو العام للمسرحية دراميا وموسيقيا. 

- تقدير وحساب الخطوة على المسرح وربطها بالرقص والإحساس 
الدرامي والإيقاع الموسيقي للعرض بكامله.. 

- وضع الأغاني بطريقة تتلاءم مع كافة المواقف الدرامية بدقة متناهية 
من ناحية النص واللحن والإيقاع والسرعة والتعبير بحيث تكون كل أغنية 
في مكانها تماما من العرض المسرحي الموسيقي العام.. 

- تصميم الرقصات بشكل متكامل ومتداخل مع المواقف الدرامية 

لقد كتب جيرشوين بعد ذلك قمته العالمية التاريخية في مجالات المسرح 
الموسيقي المعاصر «يورجي وبس» عام 1935.. وهي التي تعتبر أوبرا قومية 
أمريكية حديثة من جوانب وفصائل فن المسرح الموسيقي [210512.. وتبعها 
«كوت فايل» بمسرحية «سيدة في الظلام» عام 1941.. وفي كلا العملين 
نجد ذروة التداخل والامتزاج بين عناصر الدراما المسرحية والموسيقى.. 

تبنى المسرحيات الموسيقية الحديثة من فصلين.. ويبالغ طول الفصل 
الأول في المعتاد حوالي 90 دقيقة بينما يستمر عرض الفصل الثاني 45 
دقيقة فقط أي نصف الوقت الذي يستغرقه أداء الفصل الأول.. ولقد 
نصت على قواعد بناء المسرحية الموسيقية لوائح اتحاد نيويورك التي تعطي 
للموسيقيين وعمال وفناني المسرح الحق في اجر إضافي وفقا لجداول 
معينة ومحددة.. هذا إذا ما استمر العرض المسرحي لما بعد الساعة 30را! 
مساء.. وبالطبع قإن بناء المسرحية الموسيقية قف التزم بطول زمني يجعلها 
تنتهي قبل هذا الوقت وفي حدود فصلين حتى لا يتعرض صاحب المسرح 
للخسارة المادية الجسيمة. 

ومن ناحية البناء أيضا.. روعي أن يكون الفصل الأول مشتملا على 
افضل ما في المسرحية من مواد موسيقية حتى تشد المشاهد المستمع 


إنن! 


دعوة إلى الموسيقى 


وتعلق بذهنه في فترة الاستراحة وتشوقه إلى مشاهدة الفصل الثاني 
والأخير.. وفي هذا الفصل الثاني تعرض اعادات كثيرة لأهم الفقرات 
الموسيقية والغنائية الراقصة التي ترد في الفصل الأول بهدف الترابط 
والإمتاع.. ومن التقاليد الهامة في المسرحية الموسيقية ورود ما يسمى 
بأغنية الساعة الحادية عشر ضفي الفصل الثاني وبعد بدايته بحوالي ذا 
دقيقة تكون الساعة قد قاربت الحادية عشر مساء فتعرض فى المعتاد 
أغنية فردية هامة للبطل الأول في الرواية. وهذا ما يشد سكيس 
المشاهدين إلى الفصل الثاني و يعوض عن الضعف الدرامي الذي يحدث 
في أحيان كثيرة مع بعض القصص الضعيفة لهذه المسرحيات. 

يبع لقاع العاء للنسيحيات االرسحيظية #اصيسة هامتيق إلى عابنا 
سبق الإشارة إليه.. وهما ما يسمى بالبرنامج.. والتصميم العام (الإخراج 
الموسيقي): 

والبرنامج-يعني توظيف الموسيقي خدمة الدراما ووضعها بطريقة تساعد 
على تسخين المواقف الدرامية ولتقديم التكامل السمعي مع الدراما المرئية.. 
ومن اجل ذلك يفكر اكؤلت كخيرا في افتبارات السرعة وانطول الزمتي 
والإحساس العام لكل لحن.. هذا بالإضافة إلى التنويع بين الموسيقى أو 
الأغاني ذات الأداء المنفرد.. أو ذات المجاميع الاوركسترالية والصوتية.. 
وفضلا عن ذلك فإن ما يسمى ببرنامج الأغاني يلعب دورا كبيرا في خدمة 
قالب المسرحية حيث يتم اختيار نوعيات من الأغاني الهزلية أو الإيقاعية 
أو الفاطفية ذات السرعة الفائقة بشكل يجعل متها برئامجا وظيفيا في 
داخل السريعيةى والى جائف الك كان الرميفى الخلفوة والحبيري: 
والتصويرية تقوم بمصاحبة التمثيل والحوار والحركة في مواقف أخرى. 

أما التصميم العام (الإخراج الموسيقي) فيعني عدد المرات التي ترد فيها 
أغنية أو لحن في المسرحية الواحدة والأماكن والمواقف التي توجد أو تتكرر 
فيها هذه الأغنية.. وهذا يعتمد على نوعية اللحن ومميزاته وخصائصه 
ومدى ملاءمته لشتى المواقف أو الأبطال الذين يرتبط بهم.. كما انه يلعب 
دورا كبيرا في تكوين وتشكيل القالب العام للمسرحية.. وضي رسم الخط 
العاطفي التعبيري بشكل يشد المشاهد المستمع من البداية للنهاية. 

لقد تعقد تكوين الأغنية وتشكيلها على مر السنين.. وأصبحت الأغنية 


00 


الموسيقى المعاصرة 


ذات قالب غير ثابت يختلف من واحدة لأخرى.. وعلى سبيل المثال فإن 
أغنية 116 ءدنههء2 0 من رواية روبين هود لها قالب دائري تقليدي يتكرر 
فيها مقطع رئيسي بينما أغنية «هاريجان» من رواية 50 ميلا من بوسطن 
ذات قالب ثنائي شديد التعقيد حيث يتكرر قسمها الأول بتحريف شيق.. 
ثم يبنى قسمها الثاني على نفس المادة اللحنية للقسم الأول مع تنويع بسيط.. 
وقد بدأ هذا التقليد عام ١930‏ واستمر حتى 1950 . ولقد انتهى هذا القالب 
من مجال الأغنية لسبب بسيط وهو أن المؤلف الموسيقي «فرانك ليسر» 
استخدمه في أغنية تافهة هزلية متعمدة في رواية «صبيان ولعب». أما 
قالب الأغنية الأكثر شيوعا واستخداما في أيامنا هذه فهو الذي يبدأ 
بمقدمة غنائية شبه إلقائية وحرةء تليها 32 مازورة موسيقية مقسمة إلى 
نوع أشبه بالإيقاع الثلاثي التقليدي.. ومن أهم واشهر الأغاني الحديثة 
التي كتبت في هذه المسرحيات الموسيقية من هذا القالب هي: «اشعر أني 
حا من 037 ع0 كد77 . 

إن اغلب أغاني المسرحيات الموسيقية من-النوع العاطفي و يكون الهدف 
الموسيقي هو التعبير عن نوعية الحب الذي تحكى عنه كلمات الأغنية 
ويشتمل عادة على خط لحني غنائي بسيط متكرر. ومن النماذج الشهيرة 
أغنية «ليل ونهار» من رواية المطلقة المرحة وهي تعبر عن الوحدة والملل 
والأشواق من خلال لحن يتكرر بشكل ممل يصاحبه خط عميق (باص) 
يكرر نفسه أيضا بطريقة تعبر عن الوحدة والملل ولكن عنصر النجاح يتحقق 
من خلال التنويع الإيقاعي وتأخير النبر (السنكوب). 

إن نص المسرحية الموسيقية (الليبريتو) كثيرا ما يستعار من رواية أو 
مسرحية شهيرة كما هو الحال في الأوبراء إلا أن كتابته؛ ليتلاءم مع ظروف 
تكوين المسرحية الموسيقية؛ تعتبر عملية شاقة ومعقدة؛ ولم تنجح إلا بعد 
تجربة طويلة من الخطأ والصواب من واقع الإخراج الفعلي لهذه المسرحيات 
ومدى النجاح الفني والجماهيري لها.. و يهدف النص في اغلب الأحيان 
إلى معالجة إنسانية لمواقف تنتج عن عرض للشخصيات بطريقة شيقة 
ووافعية وفي المعتاد فإنه يوجد موضوع رئيسي يعرض بمجموعة من ال ممثلين 
المغنين أو الراضين المغنين ثم يعرض موضوع آخر مضاد ومتعارض مع 
الموضوع الأصلي من خلال مجموعة ثانية من الفنانين. وهكذا تتداخل 


10 


دعوة إلى الموسيقى 


الأحداث وتنسج المواقف الدرامية. ولقد نجحت منها مسرحيات عديدة 
بفضل ما قدمته للجمهور من متعة درامية موسيقية كاملة تتحقق من خلال 
التعارض الموضوعي المقنع بين الموضوعين المتعارضين في المسرحية. ومن 
أهم نماذج هذه المسرحيات هالو دولي عام 1964 وهناك نجاح آخر يتحقق 
بفضل المعالجة الإنسانية لمشاكل الإنسان: كما أن بعضها ينجح فقط بفضل 
الآغاني الجميلة الناجحة ذات النصوص الشعرية الجميلة. تخضع موسيقى 
هذه المسرحيات لضرورات هارمونية خاصة تتناسب مع الموسيقى الشعبية 
الشائعة؛ هذا بالرغم من اختلاف إمكانيات مؤلفي هذه الموسيقى في الكتابة 
والمعالجة الهارمونية.. ولكنهم لا يختلفون على ضرورة الكتابة وفقا للمقاميات 
التقليدية: أي إنهم-أو أي منهم-لا يحاول قط أن يستخدم الأساليب الموسيقية 
العلمية الحديثة في كتابة الهارمونية.. والمعروف أن هذه الأساليب الحديثة 
المعاصرة قد نبذت المقامية منذ زمن بعيد ونهجت في طرق اللامقامية أو 
السيريالية وغير ذلك من وسائل الكتابة المتطورة في الصنعة. وهم في 
ارتباطهم بالمقامية يتمكنون من كتابة الألحان الغنائية بطريقة لا تخرج 
المستمع من عالمه الموسيقي العاطفي الترفيهي الذي يرتبط بأهداف المسرحية 
الموسيقية. 

تختلف المسرحية الموسيقية عن الأوبرا التقليدية في جوانب متعددة: 
وعلى سبيل المثال فإن أسلوبها الموسيقي يكون بسيطا عن أسلوب كتابة 
الأوبرا. 

فهي تستخدم الأغاني ذات القالب الثلاثي البسيط. كما أنها تتضمن 
فواصل طويلة وكثيرة غير ملحنة على الإطلاق؛ ولكنها مجرد تمثيل وإلقاء 
درامي فحسب. والأوبرا يكتبها مؤلف النص (الليبريتو) ويلحنها المؤلف 
الموسيقيء أي أنها توجد من خلال اثنين من المؤلفين. أما المسرحية الموسيقية 
فتعتمد على فريق كبير من الفنانين ذوي التخصصات ال مختلفة والمتكاملة 
وتختلف العلاقة بين كاتب النص والمؤلف الموسيقي في المسرحية الموسيقية 
عنها في الأوبراء لأن المسرحية قد يكتب نصها أولا وتلحن بعد ذلك كما هو 
الحال في الأوبرا.. وقد يكتب اللحن الموسيقي أولا وتكتب عليه الكلمات 
فيما بعد إذا ما اقتضت الضرورة ذلك. وفي كل من الأوبرا والمسرحية 
الموسيقية يكون المؤلف الموسيقي هو العنصر الأكثر أهمية في الخلق الفني 


102 


الموسيقى المعاصرة 


إلا انه يتحمل مسئولية اكبر في حالة المسرحية الموسيقية لأن الأغاني 
الناجحة هي التي تؤدي إلى النجاح حتى ولو فشلت كل العناصر الفنية 
الآخرى التي تبنى عليها المسرحية. 

كما أن الأغاني تبقى وتتكرر بمعالجات موسيقية مختلفة وبتوزيع موسيقي 
متنوع ومغاير ليتناسب مع المجال الذي تعزف فيه خارج إطار المسرحية 
الموسيقية.. والجانب المسرحي يتغير ويتجدد ليتمشى مع ما هو حديث في 
الإضاءة أو الإخراج أو المناظر. ولكن الأغنية الناجحة تبقى حتى لو هدمت 
الممسرحية ونبتت أخرى مكانها .. وهنا تكتب في بعض الأحيان كلمات جديدة 
لنفس اللحن الشائع للأغنية بعد أن تكون الجماهير قد حكمت عليه بالشهرة 
والنجاح. 

وفي أحيان كثيرة تنتقل الأغاني الناجحة من المسرحية الموسيقية إلى 
التسجيلات المتنوعة إذاعيا وتليفزيونيا وعلى أشرطة الكاسيت.. الخ وأيضا 
في صالات الرقص وغير ذلك من الأماكن التي تناسبها الحان هذه الأغاني 
الخفيفة مع المعالجة الموسيقية المتنوعة والمتجددة حسب نوعية ومكان 
عرضها. 

وهناك منتج المسرحية الموسيقية الذي يتولى رئاسة العمل وتكليف المخرج 
والفنانين بكافة نوعياتهم وتخصصاتهم.. وهو الذي يحدد الأجور و يتحمل 
مسئولية المكسب والخسارة وفقا لمعايير اقتصادية وفنية.. ولذلك فإن 
المسرحية الموسيقية هي فن رأسمالي نشاً وتطور في نيويورك حيث رأس 
المال الخاص ودوره الإيجابي في المجتمع.. ولا يتصور أحد أن مثل هذا 
الفن كان يمكن أن يزدهر في مجتمع اشتراكي تنعدم أو تقل فيه الحوافز 
الفردية من كافة النواحي الاقتصادية والفنية. 

أما المخرج فهو ورجاله يتحملون مسئولية تجهيز العمل ونضجه وتكامله 
وترابط عناصره والقيم الترفيهية اللازمة لها.. وهذا ما يستشفه في 
التدريبات السابقة ليوم العرض الأول ولذلك فإن تغييرات وتعديلات متعددة 
تتم يوميا وحتى البروقة النهائية ليضمن النجاح لروايته وفقا لإحساسه 
بنفسية الجماهير ومعاناتها ورغباتها وهدفها من مشاهدة المسرحية بما 
فيها من عناصر التمثيل والغناء والرقص والموسيقى. 

ومصمم المناظر والملابس هو الفنان الذي يرفع من مستوى العرض في 


]|05 


دعوة إلى الموسيقى 


اخيانكتودوض يضدوو الإزاقياف اشرو ةمس يعية مو فل ارهن القع 
والمخرج.. ويحدث أن تنجح عروض لمسرحيات ضعيفة بفضل البيئة الطبيعية 
الخلابة التي يتمكن من تصميمها وتنفيذها الفنان التشكيلي الذي يجعلك 
لاعريضه 3 الكلمة والتحن والتمرعة لاني اتمبدر شى ركه حلبيدية ب ومقالت 
مسرحيات موسيقية عديدة يقوم عدد كبير من مؤّلفي الموسيقى بالاشتراك 
في كتابة موسيقاها وتلحين أغانيها.. وكثيرا ما تظل أسماؤهم مجهولة.. 
وفديعياو مع ممع الرقسات (الكرربيهر اف طوال القخرة الى يميم 
قيها الرلاميات السجاوا عن موسيكاقم اإلشاها وقييرا خمليا الشركة افوا 
الراقصين الجماعيين والانفراديين: هذا إلى جاتب الأبطال هن الممثلين 
واالشنين وقاده الأرركسكرا والكورال:والوسيعيين انها يجمل |الترعية 
الرسيقية فنا موسيقيا ابل .فيه الفدون مع إمكانياك الشرن العشرين 
وإنسان هذا القرن الذي يحتاج إلى المتعة والفن دون عناء أو تركيز طويل. 


مو سيقى الرقص المعاصر 

هناك علاقات تاريهية بين فنون الرقص والموسيقى تسجلها الحضارات 
القديمة والحديثة على السواء فالرقص حركة جمالية في المكان.. والموسيقى 
حركة جمالية في الزمان.. والرقص هو ترجمة للحن والإيقاع.. وهو في 
تعبيره وسرعاته ونبضه مماثل لما في الموسيقى من طابع وسرعة وإيقاع.. 
وبالنسبة للمشاهد والمستمع فإن الرقص (الذي لا يكون عادة إلا مع الموسيقى) 
هو ازدواج لحاستي البصر والسمع ليتكامل التجاوب البشري مع التعبير 
الفني بوسائل متعددة التأثير.. وفي العصر الحديث وبالتحديد في القرن 
العشرين.. مرت علاقة الرقص بالموسيقى في مرحلة جديدة تتناسب مع 
فكر العصر وحركته. مرحلة تسودها الإصلاحات والتجديدات والصراعات.. 
التي لا تزال تبحث عن أصوات جديدة تتمشى مع الفكر الشديد التطور 
والاختراعات والاكتشافات المهولة التي تطرأ على الحياة مع فجر كل يوم 
جديد.. 

وهذا الركت كن غلاظة الرقدى بالرسنيظن انعد كه بضا رس بوظوعع 
ماكاساكدا قي القرن التاسع فشر عندما كانث موسيقى الباليه: بالضمرورة: 


1 4 


الموسيقى المعاصرة 


في خدمة الرقص وتصميماته وحركاته وسرعاته وتشكيلاته وسائر 
متطلباته.. فقد كانت الموسيقى تكتب بناء على طلبات مصمم الرقصات, 
الذي كان قي أغلب الحالات لا يلم بشيء من الموسيقى وعلوم التوزيع 
الاوركسترالي في الوقت الذي كان فيه المؤلف الموسيقي يضطر لدراسة 
الحركة الراقصة وترجمتها إلى إيقاع موسيقي يرتبط برقصة بولكا أو 
جالوب أو مازوركاء وحتى موسيقى الباليه التي كتبها تشايكوفسكي نفسه. 
والتي تعتبر ذات جمال موسيقي نادر واستثنائي.. كانت تخضع في كتابتها 
لتعليمات مصمم الرقصات الذي يعرف باسم (كوريوجراف). 

وفي مجلة عالم الفن الأوروبية الشهيرة نشر متعهد الحفلات ومصمم 
الرقصات التاريخي الشهير دياجليف مقالات متعددة طالب فيها مع زملائه 
المفكرين والفنانين أن يكون هناك عمق مسرحي جديد لرقص الباليه. 
وكرامة جديدة للفن الموسيقي المرتبط بالرقص من خلال العمق الموسيقي 
واستقلال التعبير السمعي بجوانب من التعبير الدرامي.. على أن يلتقي كل 
من الرقص والموسيقى في الإطار العام للمضمون الدرامي.. كان ذلك في 
أوائل هذا القرنء وتجاوبت مع هذه الأفكار فتاة أمريكية كانت في الواحد 
والعشرين من عمرها تدعى «ايزادورا دانكان».. فسافرت إلى أورويبا وعرضت 
فنون رقصها المتحرر من التقاليد القديمة. رقصت حافية القدمين وبدون 
الزي التقليدي للرقصء؛ وتحركت على المسرح مندمجة مع الألحان التي 
كانت تنتقيها من موسيقى عظماء المؤلفين السابقين أمثال بتهوضن وبرامز 
وبرليوز.. وقد أرادت بذلك أن تبتكر وسيلة جديدة لدمج موسيقى جيدة 
عميقة مستقلة في تعبيرها. مع حركات رقص معبر يندمج مع الموسيقى 
دون أن يخضعها له.. وتبعها في ذلك كثيرون كان آخرهم «تيدشون» الذي 
توفي عام 1972 بعد أن أكد الاتجاه الذي بدأته كتقليد لرقص الباليه الأمريكي 
الحديث.. وهكذا قام هؤلاء الرواد بابتكار تيار جديد يتمشى مع التطور 
الدائم في الحركة الموسيقية الحديثة المعاصرة: ولا يقيد التطور الموسيقي 
في شيء بل على العكس من ذلك يستفيد فن الباليه من كل جديد يطراً 
على الموسيقى. 

وفي ضوء هذه التيارات الحديثة بدأ الرقص يؤثر في الموسيقى ويعكس 
كل منهما قيمه الجمالية على الآخر.. فبوجه عام اتجه كل من هذين الفنيين 


05 


دعوة إلى الموسيقى 


إلى آفاق جمالية واحدة. والى اكتشافات جديدة في مجالات الأسلوب 
والقالب والإمكانيات السمعية البصرية المشتركة في الحركة الدرامية.. 
وعلى سبيل المثال فإن الموسيقى التأثيرية كانت تلتقي مع تصميمات راقصة 
ذات مضمون وتعبير مشابه في الأسلوب والكلاسيكية الجديدة في الموسيقى 
الشركة كلت لحم مه شر كات مسرهينة راقم اديوه الشفافية: 
والأرستقراطية: بينما عاشت الموسيقى السيريالية مع حركات راقصة ذات 
نفس المضمون.. ومن مناظر ولوحات من رسامين سيرياليين أيضا أمثال 
بيكاسو فكانت تستمد وسائل تطورها من انطلاقات الرقص الحديث 
وإلهاماته. 

ترك الرقص بصماته على ملامح الموسيقى الحديثة بطرق أخرى.. 
ففي الوقت الذي اتجه فيه الرقص إلى التحرك وفقا للألحان المكتوبة 
أساسا للأداء الموسيقي البحت كما هو الحال في الرقصات الرومانية 
لبارتوك ولفالسات رافيلء فإن بعض مؤلفي الموسيقى الأمريكيين أمثال 
كوبلاند قد اهتم بالربط بين عناصر الحركة الدرامية للرقص وبين الموسيقى 
السيمفونية فكتبوا ما سمي بسيمفونية الرقص 0003م5(17 10300 و «موسيقى 
لباليه خيالي» و «كنشرتو للرقص». وبالرغم من أن هذه الأعمال الموسيقية 
كانت تكتب مستقلة عن أي رواية أو موضوع راقص أو تصميم لرقصات, إلا 
أن بعضها كان يستخدم حركات الرقص كبديل للحركات الموسيقية التي 
تتكون منها الأعمال السيمفونية؛ أمثال سريع (اليجرو) ومتمهل (اندانتي).. 
فكانوا يكتبون مثلا: مارش-خطوة مزدوجة.. وهي اصطلاحات مرتبطة 
برقص الباليه. وقد كتب المؤلف الموسيقي الأمريكي المعاصر (وليم شومان) 
عام 1949 عملا موسيقيا بحتا ليعزف في قاعات الكونسير مستقلا تماما 
عن المسرح والرقص.. ولكن عنوانه كان كونشرتو للرقص جعل فيه إحدى 
الآلات الموسيقية تقلد حركات الراقص المنفرد بمصاحبة الأوركسترا الكامل.. 
وفي عام 1952 كتب «مورتون جولد» كونشرتو مماثلا للأطفال.. 

و يعتبر سترافنسكي (ال مؤلف الموسيقي الروسي_-الأمريكي) هو المثل 
الصارخ الذي تتجسد في موسيقاه عناصر الرقص والإيقاع النابضة.. وهو 
يشرح هذه العلاقة بأن الصور الراقصة تلعب دورا رئيسيا في تحديده 
للإطار العام فضلا عن التفاصيل الجزئية لقوالبه الموسيقية ولتلوينه 


06 


الموسيقى المعاصرة 


الاوركسترالي.. فهو كثيرا ما يعتبر آلات الأوركسترا شخصيات راقصة.. 
تشترك في رقصات ثتنائية وثلاثية ورباعية.. وفي مجموعات.. في تعارض 
وخصام وحب وتوافق وتنافر.. إلى آخر العلاقات الدرامية الراقصة.. 

وهو يضيف انه عندما يتناول خطا لحنيا جميلا في باليه كلاسيكي 
الطابع والوطوع. فإنه يتحيل دا يسم بالبالية الأبيضن الذى يرى أنه يتتين 
بالصفاء والأرستقراطية والتحضر والرقي.. وهو يرى لزاما عليه في هذا 
المجال من التعبير أن يبتعد عن التلوين الاوركسترالي الصارخ وكل ما هو 
استعراضى فى الصنعة الموسيقية من أجل مزيد من الضفاء والشفافية 
الف توقيط يسركة الرقصن الكلاسيكي: ومريضنيف ايجار اللجموهة 
الوترية من الأوركسترا ليركز فيها تعبيره المقابل لهذا الرقص الكلاسيكي؛ 
كما انه يلتزم بالمقامية الطبيعية (الدياتونية) الكلاسيكية البسيطة للبعد 
عن الانفعالات.. ويحاول فى نفس الوقت أن يكتب ألحانا جميلة تفتقدها 
الأساليب التحويكة المعاصرة المقظورة حلميا .: 

وبمناسبة اللحن فإن سترافنسكي يقرر انه يشتاق إلى الألحان الغنائية 
ويحاول أن يجعل صياغته الموسيقية تدور حولها.. فهو يبتكر لحنا جميلا. 
وينسج حوله الخيوط اللحنية (البوليفونية) في أداء مجموعة من الآلات 
الوترية تكون لها طابع المزامير الدينية المتعبدة.. ثم يعود ليقرر أن ذلك 
ينطبق على الموسيقى التي يكتبها للرقص الكلاسيكي بأسلوب حديث. 

هناك ما يعرف بالتكليف.. يقوم بمقتضاه المؤلف الموسيقي بكتابة 
موسيقى الرقص مقابل مبلغ معين ولحساب مسرح معين ولراقصة محددة 
شهيرة وفي نفس الوفت يتم تكليف مصمم للرقصات بتصميم رقصاته 
وفقا لنص درامي معين.. ويعمل كل من المؤلف الموسيقي ومصمم الرقصات 
بشكل مستقل حر حتى يضع كل منهما كل تصوراته الفنية التي تخدم 
المضمون الدرامي الواحد والذي يلتقي فيه اللحن بالحركة الراقصة.. ويقوم 
كل من المؤلف ومصمم الرقصات بالتفاهم وإجراء بعض التعديلات البسيطة 
بعد إتمام التخطيط العام للحن وللرقص وقبل التنفيذ.. وتكون هذه 
التعديلات اختيارية ومن اجل التقاء اكثر اندماجا وعمقا وارتباطا بالحركة 
الدرامية الراقصة التي لا تكون متزمتة وشديدة التحديد الإيقاعي.. وهكذا 
خدم الراقص الموسيقي من خلال هذه التكليفات التي تؤدي إلى مزيد من 


107 


دعوة إلى الموسيقى 


التجديدات والتطوير الدائم لفنون الموسيقى والرقص وانعكاس لكل منهما 
غعلئ الآخر دون تصادم أو تعارض ودون أن يكون أي فن منهما في خدمة 
الفن للآخر على حساب قيمه ومكوناته ومضمونه.. ومن الجدير بالذكر أن 
المتعهد ومصمم الرقصات الشهير «دياجليف» قد كلف عظماء مؤلفى 
الموسيقى الذين امتد بهم العمر إلى سنوات فى القرن العشرين أمثال: 
سترافنسكي, ديبوسي» رافيل؛» دي فاياء ملييوبورتك:, ريتشارد شتراوس- 
ساتي-بروكوفيف. 
المعاصرين بموسيقى لموضوعات باليه محددة.. ومنهم: 

تدميت كررا كررالافسا جرف وهائدروالضري الفظيم اللقيهببالزلايات 
المتحدة الأمريكية حليم الضبع. 

ولقد شارك بعض الأثرياء الهواة فى عمليات التكليف هذه إلى جانب 
مديري المسارح ومصممي الرقصات وكان منهم أشراف وأمراء.. ولقد كان 
(البوليرو) الشوير كراقيل تتية ليت ركد الليوتيرات وابدارو يلشفين)» 
لرافيل. 

ولقد أقر سترافنسكى قبل وفاته منذ سنوات قليلة انه لولا تكليف 
دياجليف له لكتابة الكثير من موسيقى الباليه؛ لما كان قد انتج أروع أعماله 

مرت الموسيقى الجيدة بتطورات جوهرية في القرن العشرين في طريق 
البحث عن مادة لحنية جديدة ووسائل مستحدثة للمزج بين الأصواتء. بل 
وبحثا عن آلات موسيقية جديدة تتمشى مع تطور الفكر البشري في شتى 
المجالات التكنولوجية وعلوم الذرة وغزو الفضاء.. و يالفعل فقد وجدت 
مذاهب موسيقية تتميز موسيقاها بالغرابة والآصوات غير المألوفة؛ بل 
والأصوات غير الموسيقية على الإطلاق. واعتمد بعضها على الضجيج تعبيرا 
عن العصر الحديث ومأساة الإنسان فى المجتمع المعاصر.. وعلى أي حال 
فإن ازدواج هده الموسيقى مع الرقص قريها إلى المستمع المعاصر وجسدها 
الاندماج مع الرقص لظلت الكثير من الابتكارات الموسيقية الحديثة مرفوضة 
من المستمع.. أي أن الرقص أفاد الموسيقى الحديثة المتطرفة بشكل خاص 


18 


الموسيقى المعاصرة 


وساعد على وجودها واستمرارها وتذوقها وتطورها.. وتعليقا على ذلك 
فإن «جورج بالانشين» قام في عام 1963 بتصميم رقصات على عمل شهير 
ومعقد لسترافنسكي بعنوان-حركات للبيانو والأوركسترا-كان قد كتبها 
كموسيقى بحتة عام 1959.. وبعد أن عرضت الرقصات وأقبل الجمهور 
عليها بشغف صرح سترافنسكي: «إن من يشاهد هذا التصميم الراقص,» 
يتمكن من سماع الموسيقى بعينيه. فالرقص يجسد الموسيقى ويؤكد العلاقات 
السمعية التي لم اكن أنا نفسي على وعي تام بها وقد جاء العرض كالبناء 
الضخم المتكامل الذي لم أكن قد أبدعت منه سوى الفكرة والتخطيط 
المبدئي قبل أن اعرف الخلاصة الرائعة من التزاوج السمعي البصري 
للموسيقى والباليه معا..». 

وفي بعض الأحيان تقوم علاقات عمل وثيقة بين مصمم الرقص وال مؤلف 
الموسيقي يتم خلالها تبادل الأفكار الخلاقة.. هكذا يقول المؤلف الموسيقي 
المعاصر «رودهيار» في هذا الصدد: 

«ريما أكون المؤلف الموسيقي الوحيد الذي عايش عملية الخلق الموسيقي 
الراقص خطوة بخطوة بشكل أرضى عنه تماما.. فقد عملت مع الراقص 
المنفرد لهذا النوع الحديث المتطرف من الرقص وهو ما يسمى بالرقص 
الحديث المجرد.. ويسمى في أحيان أخرى بحفلة للرقص المنفرد من نوع 
(الريستال). 

وقد تناقشنا طويلا جدا في البناء المجرد لهذا النوع من التأليف ودرسنا 
سويا الضغوط الموسيقية الراقصة والسرعات والإيقاعات الرئيسية, 
والديناميكية اللازمة للموسيقى والرقص.. أي التباين بين قوة الأصوات 
وضعفها والتدرج في القوة وفي الخفوت.. وأيضا حددنا الطول الزمني 
التقريبي للعمل الذي يسمى «قصائد ساخرة».. وبعد أن أنجزنا العمل 
أصبح الرقص لا يمكن أن ينفصل عن الموسيقى ولا يمكن أن نستمع إلى 
هذه الموسيقى بدون اشتراك الحركات الراقصة.. فهي التعويض عن التجريد 
الغامض للحن.. وهو الترجمة الجمالية المرئية للمضمون الموسيقي 
النابض..». ا 

وهناك مؤلفون يقومون أنفسهم بتصميم رقصات موسيقاهم أو كتابة 
موسيقى رقصاتهم.. وهم في هذه الحالة يعتبرون العمل وحدة واحدة لا 


إنفدا 


دعوة إلى الموسيقى 


فرق فيه بين الموسيقى والرقص.. فالراقص هو آلة في الأوركسترا 
والأوركسترا عبارة عن مجموعة راقصين متحركين.. ومن هؤلاء المؤلف 
الأمريكي المعاصر «رو برت شومان» الذي قام بتجريته الأولى في عام 
7 

كان البحث عن الجديد في الصوت والصورة هو الهم الأكبر لمؤلف 
موسيقى الباليه المعاصرة ولقد تطرف الكثيرون لتأكيد مأساة الإنسان 
المعاصر في البيئة الحديثة المحفوفة بالمخاطر والضجيج والضياع. و بلغت 
ابتكاراتهم لدرجة تعمد الصمت التام أثناء الرقص في بعض فواصله-نعم- 
اقصد الصمت الموسيقي.. أي أن الموسيقى تتوقف عن العزف لتعطي تأثيرا 
من الفراغ والضياع والدهشة.. ونمثل ذلك في أعمال كثيرة منها «دراسة 
عن المياه» ل «هامفري» أما أصوات المصائع المسجلة. والطائرات» والصواريخ 
والأصوات الإليكترونية فقد أصبحت شائعة في مؤلفات الكثيرين.. و بعضها 
تسن الحا سديدة الرووتسعية لترضيع الصا وبين القبع والجمال 
والعاطفة والعقل.. 

وفقاك امام ولق وله جدوايد اتوشو الارك عين إرقاء افرشم ني 
ايك التعرقة الراخصية والايقاع اوديعي المساحب كربييلة اراز تفار 
الإنسان مع البيئة المعاصرة. 
النظر عن النتائج التى حصل عليها الإنسان حتى الآن» فإن التجرية والنقد 
والتاريخ هي العناصر التي ستحدد موسيقى المستقبل التي سترتبط حتما 
بشتى مظاهر الحياة المتطورة فى شتى المجالات فى العصر الحديث. 


بصمات آسيوية على الموسيقى المعاصرة 

تطورت الموسيقى في الغرب عن جذور إنسانية ترتبط بحضارات البشرية 
في كافة البقاع.. وكانت أفريقيا وآسيا مصدرين رئيسيين منذ قديم الزمان 
لصناعة الآلات الموسيقية: ولطقوس الغناء والعزف.. . وعندما تبلورت 
الموسيقى الأوروبية في عصورها الشامخة؛ بدأ البحث عن وسائل جديدة 
للتعبير بالأصوات غير تلك التى أصبحت مألوفة.. وفى النصف الثانى من 
القرن التاع مشزيدات اتعامات شاهو إلى إخراءالرسيعى القزيية يمقامات 


الموسيقى المعاصرة 


وإيقاعات ووسائل تعبير موسيقى جديدة.. فاتجهت الأنظار إلى آسيا 
وأفريقيا ولكن اهتمام بعض زعماء المؤلفين عرفتم الشرق الأقصى زاد 
من الاتجاه إلى آسياء وظلت الموسيقى الأفريقية كنزا لم يستغل بالشكل 
الكافي حتى الآن؛ بالرغم من انتقال الكثير من ملامحها الإيقاعية بالذات 
إلى أمريكا عن طريق الزنوج الأفريقيين» وعن طريق قلة من المؤلفين على 
رأسهم سترافنسكي الم 

ومنن نشأة الموسيقى البوليفونية (ذات الخطوط اللحنية المتعددة أفقيا) 
في أوروبا وحتى انحدار الرومنتيكية في أواخر القرن التاسع عشر كانت 
هناك ملامح للموسيقى الآسيوية غزت أوروبا وعلقت في آذان ووجدان 
الإنسان الغربيء وأدت بالتالي إلى زيادة الاهتمام بها ومزجها بالمؤلفات 
الأوروبية بعد و يي رن الآسيوية تبدو في الموسيقى 
التركية التي اشتهرت بها الموسيقى العسكرية وما سمي في الغرب بموسيقى 
المارش التركي الآسيوي.. وامتازت هذه المارشات بالزخارف اللحنية التي 
تجسدت بعد ذلك في موسيقى (شهرزاد) للمؤلف القومي الروسي (رمسكي 
كورساكوف).. وقرب نهاية القرن التاسع عشر اختلف المؤلف الفرنسي 
العظيم (ديبوسي) مع الألماني الشامخ (فاجنر) في اتجاهاته التعبيرية عن 
القومية الجرمانية واتجه ديبوسي إلى التآثيرية كنقطة انشقاق عن التيار 
الأوروبي التقليدي خاصة بعد أن اقتنع بالبحث عن الغريب على الأذن 
الأوروبية وبعد أن رأى ضرورة هز الوجدان الأوروبي بما هو جديد وغريب 
في أصواته وتعبيره.. ووجد ضالته المنشودة في ألحان إندونيسية استمع 
إليها في معرض باريس عام ١889‏ وهي الموسيقى التي تسمى بالجملانية 
له لعططة0 . 

وعند بداية القرن العشرين استخدم المؤلف النمساوي (جوستاف مالر) 
قصائد صينية شهيرة في ألحانه العظيمة التي أسماها أغنية من الأرض.. 
وهو الاختيار الذي أثر في مادته الموسيقية وفي تلوينه الاوركسترالي.. 
والعمل عبارة عن تلخيص روحي لحياة الإنسان في عصره وتوديع للحياة 
على الأرض. 

ونظرا لآن (جوستاف مالر) يعتبر همزة الوصل بين موسيقى القرنين 
التاسع عشر والعشرين ونهاية للتقليد العقيدي الأوروبي الموسيقي المتعصب» 


دعوة إلى الموسيقى 


فإن وداعة هنذا يعقن رهزا ذا ذلالة كبيرة لأنة تخد مضعونا آسيويا ويعتبو 
فصلا تاما بين الإقليمية في موسيقى أوروبا والعالمية التي بدأت تنمو ضد 
الحدود والفواصل بين البشر في القرن التاسع عشر الذي زادت فيه الوسائل 
والإمكانيات للاتصال بين مختلف القارات تدريجيا.. واصبح الإنسان الآن 
يرتبط بأخيه في سائر بقاع العالم بسرعة وتلقائية وحتمية.. كذلك قام 
(بارتوك) في المجر و(ميسيان) في فرنسا بفتح الباب أمام المؤثرات الموسيقية 
لتندمج مع التعبير الأوروبي المتوارث. وذلك بهدف الحصول على ألوان 
جديدة وتعبيرات أكثر غرابة بدون التفريط في تقاليدهما الموسيقية التي 

الموسيقى الجملانية هي نوع هام من الموسيقى التي تتميز بها بلاد 
شرق وجنوب شرق آسيا وهي تحمل خصائص طبيعية أصيلة ورائعة اكتشفها 
ديبوسي عندما استمع إليها من خلال الألحان الإندونئيسية التي عزفت 
بمعرض باريس الدولي عام ١889‏ وأصبحت حدثا تاريخيا لتحول موسيقى 
الغرب المتطورة إلى الاستلهام من موسيقى الشرق الأقصى.. 

وتسمية (جملاني) ترجع إلى اسم الفرقة الموسيقية التي كانت تنتشر 
في الأصل بمناطق شرق الهند.. وهي تتكون من آلات وترية معينة وآلات 
نفخ خشبية بالإضافة إلى تكوين عجيب من آلات الإيقاع على رأسها 
«الجونج»: و«الطبول»: و«الشخاليل»: وأحد أنماط آلات (المارينيا). 

من خصائص المؤلفات الموسيقية الجملانية أنها تبنى وفقا لمبدأ معين 
هو تأليف لحن قصير ودقيق أشبه ما يكون بالخلية اللحنية المنمقة..و 
يتكرر هذا اللحن باستمرار ودون توقف في طبقات موسيقية مختلفة ومتعددة 
مع الزخرفة والتنويع والتنميق في كل خطوة من خطوات نمو اللحن.. ومن 
ناحية التوزيع الآلي؛ فإن كل طبقة موسيقية تختص بآلة موسيقية مناسبة.. 
ولقد علق ديبوسي على هذه الموسيقى التي وقف أمامها مشدوها بأنها 
تشتمل على كونتربوينت (أي فن تعدد التصويت في خطوط أفقية متعددة) 
لا يتمكن فن (بالسترينا) المعروف تاريخيا بأنه ذروة إمكانيات الكونتربوينت 
القديم المقيد» من أن يجاريه.. ويضيف ديبوسي أن قيم هذه الموسيقى لا 
تقف عند جد تهدد الخطوط اللحنية بهذه الطريقة المذهلة ولكنها تشتمل 
على تكوين إيقاعي تلقائي لا يمكن أن يتصوره مؤلف موسيقي تقليدي.. 


الموسيقى المعاصرة 


وفي كوريا يوجد نمط آخر من الموسيقى التي ترتبط بالحكام وعلية 
القوم تسمى (هيانج آك) علة-ومة:1152 وتعزف بفرفة موسيقية تتكون من آللات 
وترية وآلات نفخ وآلات إيقاعية ولا تختلف عن الموسيقى الجملانية في 
مبدأ الإعادة المستمرة للحن في طبقات متعددة مع الزخرقة والتنميق مع 
كل تكرار.. 

ونلاحظ تأثر أعمال ديبوسي بقيم هذه الموسيقى.. فنسمع في موسيقاه 
عددا من الألحان الدقيقة والإيقاعات والطبقات الموسيقية المختلفة في 
طابعها وألوان تعبيرها.. فكل طبقة موسيقية لها خطوطها اللحنية وآلاتها 
المميزة وإيقاعاتها المختلفة.. فهي ترتبط بمبادىّ الموسيقى الجملانية. وربما 
كانت تطبيقا مباشرا للألحان الجملانية بشكل واع مقصود .. ومن النماذج 
الكبرى التي يتبلور فيها ذلك.. موسيقى «البحر» الشهيرة لديبوسي.. 

من المميزات الأخرى للموسيقى الآسيوية التي أثرت على موسيقى الغرب 
ف هذه الحشية من العارية اعمال الآزات الإرعامية غير مجددة الطبعة 
الموسيقية أي الآلات التي لا تصدر نغمات موسيقية محددة.. ولكن تؤدي 
الإيقاعات فقط بلون وطابع معين ومميز لكل منها .. والجديد هنا هو استعمال 
هذه الآلات الإيقاعية بطريقة تكشف عن القيم الغنائية الشاعرية الكامنة 
في طابعها وأسلوب أداتها.. ولقد كان ديبوسي هو أول موسيقي أوروبي 
يكتشف ذلك وينقله إلى مؤلفاته.. كما انه علق على ذلك بأن الآلات 
الإيقاعية الأوروبية لا يمكن أن تجاري الآلات الآسيوية.. فهي بجانبها 
تصدر أصواتا أشبه بضجيج السيرك المتنقل. وأول نموذج عالمي يتضح فيه 
ذلك هو(اللعب) لديبوسيء ففي بدايته نستمع إلى شكل إيقاعي من آلات 
الرق والكاسات تتجاوب وتتحاور مع أداء للآلات الوترية على منطقة معينة 
من الأوتار (بجانب الفرسة) تعطي لونا شديد الغموض والغرابة. 

أما استعمال ديبوسي للسلم المتساوي الأبعاد (السلم السداسي) الذي 
أدخله لآول مرة في الموسيقى الأوروبية.. فإن ذلك يرتبط بالمقام الآسيوي 
المعروف باسم (سلندرو) 10لمء51 الذي تتساوى أبعاده أيضا ويقرب إلى حد 
كبير من سلم ديبوسي السداسي الذي أحدث ضجة في النظريات الموسيقية 
وفي التعبير الموسيقي الغربي العالمي. 

هناك جانب جمالي فلسفي للموسيقى اهتمت به دول الغرب وجاء 


دعوة إلى الموسيقى 


نتيجة لفكر وفلسفة الحضارات القديمة بمصر القديمة والهند والصين 
حيث ظل الاهتمام يربط بين فكر وطقوس الموسيقى منذ عهودها السحيقة 
هناك وحتى يومنا هذا .. فترة التعبير الناتج عن الإحساس بالغموض وبقوة 
العاطفة في الموسيقى استمر موضوعا دائما للبحث.. وجاء الموسيقى الروسي 
الكبير (سكاريابين) يمعن النظر في التعبير الموسيقي الفلسفي وجره ذلك 
إلى التعمق في دراسات التصوف من أجل تحقيق حلمه الكبير لخلق التعبير 
(الغاقض) في الوسيق اللمائل للصبير اللوسيقي الأسيوق:. .: وتوصل إلى 
هارمونيات موسيقية سمي تآلف رئيسي منها بالتآلف الغامض وهو تركيب 
موسيقي سيريالي حاول. فيه الصبي عن الغموكن المناكل تبي (الراجا 
الهندية). ولقد توصل سكاريابين من خلال بحوثه في فلسفة جمال الموسيقى 
إلى ربط الدرجات الموسيقية الغربية المعروفة بالألوان المختلفة. فكل منها 
يقابل لونا بصريا .. وريط بينها أيضا وبين قصول السنة ومظاهر الكون 
والظبيعة: والمعروف أن الحضارات القديمة كانت تومن بكل ذلك وأيضنا 
كانت أوروبا في العصور الوسطى تربط بين الموسيقى والفلك.. ولكن الهند 
والصين اهتمتا دائما بالربط بين الموسيقى والروحانيات: وبينها وبين طقوس 
العبادة وفلسفة اليوجا.. واشتمل هذا الاهتمام بوجه خاص على ربط اللحن 
بالعواطف والألوان من خلال الطبقات والآلات الموسيقية المختلفة. 

كان كل من (سترافنسكي) و(بارتوك) موسيقيا شهيرا قام بجهود كبيرة 
في استكشاف مواطن الجمال في موسيقى الشرق منن بداية هذا القرن.. 
وجاء اهتمامهما أساسا بالتعبير الغريب في هذه الموسيقى البعيدة.. وتاما 
ذلك انه روسي, وموسيقى بلاده ينتمي جزء منها إلى آسيا.. كما أن سلفه 
وسكي كروس اكوك سولق موسيةى شهرؤا دلا يتكق إعفاله حت أن الكقين 
من النقد قد كتب عن علاقة موسيقى سترافنسكي في مراحل حياته الفنية 
الأولى المعروفة باسم (السابقة للكلاسيكية الجديدة) بموسيقى سلفه رمسكي 
كورساكوف الذي أثر عليه في جوانب التلوين الاوركسترالي والمادة اللحنية 
والإيقاعات على السواء.. وعلى أي حال فإن تأثير الموسيقى الآسيوية على 
إنتاج سترافنسكي يمكن التحقق منه على النور عند الاستماع إلى (موسيقى 
العرس).. ضفيها نستمع إلى المسافات الآسيوية المميزة (والتي يزيد بعدها 


204 


الموسيقى المعاصرة 


على الثانية).. ونستشف بوضوح أنواع الزخارف اللحنية الآسيوية الخاصة 
والانزلاقات اللحنية بين أبعاد السلم الشائعة في أساليب الغناء الآسيوي.. 

أما المجري العظيم (بيلا بارتوك) فقد اشتهر بطريقة فريدة باهتماماته 
المتعددة بموسيقى الشعوب وارتباطها بعلم الأجناس البشرية.. وقد درس 
عن كثب الموسيقى التركية والعربية والآسيوية على السواء. وأثر كل ذلك 
على جماليات التعبير في موسيقاه وعلى صنعته الموسيقية.. ولقد حدد ضفي 
دراساته.. ضرورة عدم الربط بين موسيقى الشعوب الأخرى والمفهوم 
الأوروبي ولكنه ربط بين موسيقى كل شعب وبين بيئتها النابعة منها وتاريخها 
وآلاتها الموسيقية وميراتها الحضاري.. وجعل من هذه النظرية وسيلة لتغيير 
ملامح الموسيقى الأوروبية عندما تحاكي موسيقى الشرق وتنقلها بدلا من 
تغيير ملامح الموسيقى الشرقية وتحريفها عند نقلها إلى الغرب. 

من عظماء مؤلفي الغرب الذين تطرفوا في موسيقاهم السيريالية 
الحديثة نجد (فيبرن) و(فاريز) ولقد درس فيبرن في مراحل حياته الفنية 
السابقة للسيريالية.. درس موسيقى آلة (الشن) الصينية. 

وهي نوع من (السيتر) يشبه القانون العربي.. ووجد فيها مجالا رائعا 
للتعبير الموسيقي بالرغم من أنها شديدة البساطة وتعتمد على مقام موسيقي 
واحد هو مقام خماسي.. ولكن المعاني الموسيقية تتجسد بعظمة من خلال 
الإحساس المجسد بالصوت الموسيقي الواحد.. أو بكل صوت موسيقي 
واحد يصدر عن هذه الآلة.. فالأداء يعتمد على تكوين الصوت عند العزف 
وعلى أحداث ذبذبات معينة تتردد بشكل شديد التعبير.. والآداء يعتمد 
أيضا على تفسير كل صوت يصدر بطابع كثير التنوع في تأثيره.. ومن هنا 
جاءت موسيقى فيبرن في مراحله الأولى معبرة عن الطبقات الموسيقية 
المختلفة.. والتفاوت فى التعبير والاعتماد على سيكولوجية الصوت الموسيقى 
وجمالياتة: ْ ْ 

أما (فاريز) فقد وضع نظرية (الأصوات المنظمة) باعتبار أن كل صوت 
موسيقي هو (مادة حية) لها مضمون تاريخي متصل بعمق الحضارة 
الإنسانية.. وذلك يتفق مع نظريات الموسيقى الصينية التي تقول: «إن كل 
نغمة هي تعبير موسيقي كامل.. وان المعنى الموسيقي هو أساسا في الأصوات 
الموسيقية نفسها .. وان المرء عليه أن يبحث في الأصوات المسموعة ليتعرف 


دعوة إلى الموسيقى 


من خلالها على النغمات الموسيقية؛ وان يبحث في النغمات الموسيقية ليتعرف 
على اللحن الموسيقي الكامل».. 

وتقول الفلسفة الصينية أيضا: «إذا أردت أن تحرر الصوت من القيود 
الميكانيكية. وان تستبدل استعراض الألحان بتعبير موسيقي شامل؛ عليك 
بالأعصام يكل حورت ممسوك حل هدة ع إمكانية ماكلة على اللتسييير 
الشمغى): 

وفقا لنظريات «كوتفشيوس» الفلسفية: فإن الضوت هو الأسان الذي 
يجب أن يحظى بالاهتمام من اجل البناء الموسيقي الجيد. وبالطبع فإن 
هذا المفهوم لا علاقة له بالغرب في تاريخه الموسيقي العريقء ولكن هذه 
النظرية وجدت طريقها إلى الموسيقى الغربية المعاصرة في أوروبا وأمريكا 
بعد أن زاد الاهتمام هناك بموسيقى الشعوب الأخرى في أفريقيا وآسيا.. 
وبعد أن تسابق الموسيقيون للبحث عن أصوات وأفكار موسيقية جديدة 
وغريبة وغير مآلوفة للمستمع الغربي من اجل التجديد ومن اجل توحيد 
مشاعر أبناء الكرة الأرضية ككوكب واحد عالمي الاتصال والفكر والمشاعر. 

اهتم المؤلف الموسيقي المعاصر «قاريز» باستعارة الفكر الموسيقي الآسيوي 
في جانب من جوانبه المتعددة, قاهتم بالتعبير من خلال التركيبات الصوتية 
بدلا من الخطوط اللحنية المفردة: وبالمكونات الدقيقة للحن التى تسمى 
(بالأفكار الذرية) بدلا من الحركة اللحنية المتدفقة.. فجاءت تجاربه الوه 
شديدة التقايل والشبه بالموسيقى الآسيوية.. فاستعار الألحان اليابانية 
ذات الأصل الصيني في مقدمة عمله المشهور باسم 12168:2165.. واستعمل 
آلات الترومبيت والكلارينيت الصغيرة (مي بيمول) لأداء نفس التعبير الذي 
يصدر عن الآلات الموسيقية الآسيوية المسماة «ريوتيكي» وهي آلة فلوت 
أفقي و«الهيتشيريكي» وهي آلة من نوع الكلارينيت. كما انه استعمل آلات 
الفلوت الصغير والكلارينيت المعتادة في مناطقها الصوتية الحادة كبديل 
للآلة الآسيوية المسماة «سوهو» وهي عبارة عن اورغن صغير يقوم العازف 
بالنفخ فيه بالفم مباشرة. واستخدم أيضا آلات الترومبون في مناطقها 
الصوتية الحادة والمنخفضة لتقليد تعبير آلة «الكوتو» الشبيهة بالقانون 
العربي. وآلة «البيوا» وهي نوع من العود الآسيوي. أما بالنسبة للايقاع 
فاستخدم مجموعة كاملة من الآلات الإيقاعية لتعبر عن لون الطبول الآسيوية 


200 


الموسيقى المعاصرة 


السماة تاكن 
وبالنسبة لفلسفة «الراجا» الهندية فإنها قد أحدثت صداها في موسيقى 
الغرب من خلال الموسيقى الاثني عشرية (نظام ١2‏ تون) التي تزعمها 
النمساوي «شونبرج». فموسيقى الراجا تشتمل على تصوير دائم لمكونات 
اللحن دون ارتباط ثابت بمقامية محددة.. وهي تعتمد على «تحولات» في 
قكاوين اللحى شربية بمنا رقع في الرسيكاى الاقى غشرية (الدوويك ا فونية) . 
وموسيقى الراجا تعتمد أيضا وبشكل مركز على الارتجالات التي تقوم 
هَل تحكيات اللحى زو امتسلويا اللنهية الكركة تتسن العاولج كنا انكل 
صوت موسيقي مشترك في تكوين موسيقى الراجا تكون له وسائل تعبيره 
تدده والسيوة ةلخن اللسع ككل 
وهناك تعريف لكلمة (الصوت الموسيقي) في الفلسفة الهندية.. فيقول 
الحكيم «عاتتجائة:الضوت الموسيقي هو ذلك الشيء الذي يشرق ويشع 
بمفرده ومن تلقاء نفسه. ويضيف: «الصوت الموسيقي يقوم بتوليد التعبير».. 
هذا ويعصو تأثير الصبوث المقرك معدا من لال الرتخارف اللحنية الك 
يسدونها محاماكلس»:والجاناكاس لها قييتيا التعبيرية الخاصية: في 
زخارف لحنية ترتبط بأصوات موسيقية محددة. أي أن كل صوت موسيقي 
له تشارفة وحليات اشام بديكها العالاقات القاكية رين مختلف الأسنوات 
سوسوي الراجا الوندية., 

٠‏ وبالإضاعة إلى ذلك فإن آذات السام اكت مده يتسمورغظية ماكلة ف 
التعبير لاشتمالها على طبقات موسيقية متعددة لكل صوت.. وكذلك وسائل 
أداء حسية هائلة على رأسها التفاوت الديناميكي في العزف والغناء (الفروق 
بين القوة والخفوت في الصوت). 

والراجا-لها وظائف مترابطة مع ما يسمى بال «تالا» التي تمثل الوحدات 
والقيم الزمتية السفجه يفك الوسيق وماتفصل هلية من حتقرظ إرغاهية 
محددة وتجمعات بين الأصوات المتعاقبة. 

ولقد كان للتالا-لوس كبير على الفكر الإيقاعي للمؤلف الفرنسي المعاصر 
الشيي سان اولبدبية» منة عام 198 .نان لهذا القعر الأنيوي إلى 
موسيقى الغرب بعد ذلك متمثلا في أعمال الكثيرين من مؤلفيهم.. 

قل او سيد اكذاهب الحريكة (السبريالية والعلسفية العدينة) غاقة 


207 


دعوة إلى الموسيقى 


في العالم الغربي بدأت حركة موسيقية جديدة تشق طريقها هناك.. وهي 
(جزئيات الأبعاد الموسيقية الدقيقة) أي «الميكروتون». ويعود البحث بهذا 
المذهب إلى عصر النهضة في أوروباء ولكنها لم تتبلور وتظهر كمدرسة 
موسيقية قائمة بذاتها إلا عاما 1930 على يد مؤلفين أمثال التشيكي «هابا».. 
وهي مدرسة تدعو إلى تقسيم الأبعاد إلى أقسام اصغر من نصف البعد 
المستعمل في الموسيقى الآوروبية كأصغر بعد بين الأصوات الموسيقية.. 
وكان هذا التيار الأوروبي تقليدا للمقامات العربية التي تشتمل على تقسيمات 
منها ثلاثة أرباع البعد.. أي أن الفرق بين الصوت وجوابه يقسم في الموسيقى 
العربية إلى 34 بعدا بدلا من آل ١2‏ بعدا المستعملة فى مقامات الموسيقى 
الغربية. ١‏ 

أما التقسيمات في الموسيقى الهندية فهي 22 بعدا موسيقيا فيما بين 
الصوت وجوابه أي أنها اقرب ما تكون إلى الموسيقى العربية. ولقد قام 
«هابا» بالاستفادة من هذه التقسيمات الدقيقة غير الواردة في نظريات 
الغرب الموسيقية؛ وذلك عند تناولة لأنواع من موسيقى سلوفاكيا الشعبية 
وموسيقى الغجر الشائعة هناك.. بينما نجد في أمريكا العديد من الموسيقيين 
على رأسهم «هاري بارتش» الذين اهتموا بموسيقى الهند والصين والعرب 
في تقسيماتها الذرية الدقيقة.. وحاولوا هناك إعادة ضبط آلاتهم الوترية 
لتتمكن من أداء هذه الموسيقى الدقيقة الأبعاد. فضلا عن صنعهم لآلات 
بيانو تشتمل على 24 بعدا لتتمكن من أداء هذا اللون الجديد على آذانهم.. 

قام المؤلف الفرنسي الأمريكي «رود هيار» عدتوط نني]ر رام الفلسفة 
والغموض الذي يلف موسيقى الشرق؛ واصدر نقدا للموسيقى الغربية 
التقليدية عام 920! عي هذا على 0 التأثير النفسي للموسيقى 
الآسيوية قائلا أن الموسيقى الأوروبية لا 5 سان الغاراك المفردة التي 
نسمعها بل على الطبقة الموسيقية للأصوات الموسيقية التي تسمع بشكل 
مجرد ويتقابل الإنسان في الموسيقى الآسيوية مع الأصوات الحية ذات 
المضمون الفكري والحسي والفلسفي. أما «إدوارد ماكدويل» الأمريكي-فقد 
وضت الرسيق الصنية جانها وكمة نبب لصوف لواحي ١‏ - 

وذهب كل من «هاريستون»؛ و«كيج» إلى الدعوة إلى الشرفية في الموسيقى 
أو على الأصح إلى «تشريق»موسيقى الغرب من اجل المزيد من القيم والعمق 


الموسيقى المعاصرة 


والأصالة والتعبير الخصب. وفي أعمالهم نشتم رائحة الموسيقى الصينية 
التي يسمونها «مجموعة الموسيقى الصينية الجديدة». وهم يستعيرون الحانا 
وإيقاعات صينية و يابانية وإندونيسية.. كما أنهم يستوحون منها تكويناتهم 
الموسيقية الحديثة وذلك بتقريب تدوينها إلى أقرب مقابل ممكن أداؤه 
بالآلات العالمية الغربية التقليدية وبوسائل التدوين الغربي التقليدي وهم 
بذلك لا يحصلون على التعبير الحقيقي لموسيقى آسيا ذات التقسيمات 
الدفيفة التق لذ يمكن أداؤها بالألات الدريية ولكنهم يجلعموة موسيقاقم 
بها ويضيفون تعبيرا جديدا من الشرق لا يخطر ببال مؤلفي الغرب 
التقليديين. 

ومع كل ذلك.. جاء «هاريسون» الأمريكي منذ سنوات قليلة ليكتب 
موسيقى غربية على نمط الموسيقى الآسيوية الأصيلة فأعد دراسات عميقة 
قام بها أثناء جولاته ببلاد آسيوية متعددة وكتب موسيقى ذات أبعاد ذرية- 
وقام بأدائها على آلات موسيقية آسيوية أصيلة؛ محاولا بذلك نقل الحضارة 
الموسيقية بدقة وآمانة إلى موسيقى الغرب. فهو قد جمع بين التدوين 
والتصحيح والأداء الدقيق للموسيقى الآسيوية؛ وبين استشفاف مكونات 
هذا العالم الموسيقي العجيب. 

أما المؤلف الذي توغل في التعبير الفلسفي والإيحاء النفسي للموسيقى 
الآسيوية فهو «كيج» 0086 الذي حاول في موسيقاه أن ينقل إلى الموسيقى 
«لعواطف الدائمة» التي ترتبط بالتقاليد الموسيقية في الهند وهي تستكشف 
حالة العقل البشري وما يدور فيه.. غفي «البهافز» و«الرازز» الهندية نجد 
الدعوة إلى التعبير عن الجمال من خلال المشاعر والأحاسيس العليا 
السامية.. وفي النظرية الموسيقية الهندية نجد أن كل صوت من ال 22 
صوت المكونة لبقا الموسيقي الهندي له قيمة العاطفية المتميزة.. وهكذا 
يتحقق للمؤلف الموسيقي الهندي أن ينقل مشاعر محددة من خلال أصوات 
موسيقية سابقة التحديد في نظرياتهم الفلسفية.. 

آما في الصين فإن هناك فلسفة موسيقية استلهم منها كيج بعض 
أعماله.. وهي توضح كيف أن الإنسان مرتبط بالكون الأعظم.. ووسائل 
التعبير الموسيقي لا تنفصل أيضا عن ارتباطات حركة الكواكب في الكون.. 

وبذلك يرتبط الكون بالموسيقى وبالإنسان في وحدة تعبيرية متكاملة 


200 


دعوة إلى الموسيقى 


تجعل من الإنسان عنضرا مترابظا مع ما يحعيط يه في العالم الدنيوي 
وعالم الكون الأعظم. 

وبتطبيق علوم الرياضة والفلك وجد أن كل مقام موسيقي من هذا النوع 
له زمان ومكان وظروف تجعله اكثر مناسبة وتوافقا مع مشاعر البشر 
وقدرهم وازتباطهم يالفلك والأجرام السماوية.. 

أما عن فلسفة الهدوء-فهي مذهب أمريكي نابع من الشرق ومرتبط 
تفداوبي الغايل لاسي الحدرلة وبالكتيين الوديقي القويب اللاي يحلل 
الإنسان من جميع مسئولياته في تصرفاته. وهي فلسفة (اللاشيء) المرتبط 
بالحظ وبالهدوء والذي يتمكن اللحن من خلاله أن ينتقل بالإنسان إلى 
التأثير المطلق من خلال التعبير الهادئٌ. 

وم فطلي كلرسق «كيج» الأسريكي بويوليق: القرفسي الويديقى نينا 
نجد أن الموسيقى الآسيوية لا تشتمل جميعها على عنصر الارتجال.. وان 
الارتجال:فيها يحتاق هنه فى هرسي الحرب التقليدية في ارتجال إسرن, 
بينما نجده محددا ومرسوما في موسيقى الغرب. وعندما يقوم الموسيقي 
الهندي بالارتجال في موسيقى الراجا فإنه يفعل ذلك مرتبطا بالضرورة 
بتقاليد هذا الارتجال الراسخة في الموسبيقى الهندية و يكون هذا الارتجال 
عن دراسة طويلة وعميقة الجذور.. 

ومن الواضح بذلك أن موسيقى الهند تقوم على نظام علمي تقليدي 
دقيق: وتبعد تماما عن العقل الباطن واللاوعي واللاعقلانية والارتجال 
العشوائي.. وهي بذلك أصبحت مجالا عميقا للدراسة والتأمل من جانب 
المؤلف الموسيقي الغربي بكل ما يحيط بها من فلسفة وارتباطات. 

ولقد قام كل من «شتوكهاوزن» و«بوليز». و«ميسيان» وهم في مقدمة 
مؤلفي الموسيقى الغربية المعاصرة.. قاموا بدراسة تأثير هذا العالم الجديد 
على موسيقى الغرب.. وقام «ميسيان» بكتابة موسيقى على نظرية حدد 
يها أن الإيشاء بحب ]ن تضاف إليه الغيم الصبيوية ...وده فبها إلى القوانب 
الموسيقية الجديدة ذات التراكيب الأكثر ثراء.. كصدى لموسيقى آسيا 
العظيمة:. 

قام المؤلف الموسيقي الياباني المعاصر «توري تاكيميتو» وزميله الفليبيني 
محولف ماسية ا« بابتك هتيعر انث خصية سح كود الرسيقي الاببيوية .. 


الموسيقى المعاصرة 


ومحاولة نقل تعبيرها إلى موسيقى الغرب العالمية. ومن أهم منجزات 
ماضيدا »القن اهبك تجاها مداه في االدرك هو الككيار السرم من 
اللفتين اليانانية والكورية كدو كينا الحطق بالألفاط إلى موسيقى هية 
تنطق بمضمون الكلمات من أحداث واقعية ودراما إنسانية تنقلها الكلمات.. 
ولقد أدى ذلك إلى صيحة إعجاب أذهلت مؤلفي الموسيقى في أوروبا 
وأمريكا.. الذين انطلقوا يبحثون عن المزيد من الكنوز في أعماق آسيا 
وأقريقيا:والحاني لذي لا يوال مكرا باللسرة لكر كتيي., ركم كلها تمدق 
لوسو تور علبي هلوب نيول 


الأداء والجماليات 


الأوركسترا والمايسترو 

الأوركسترا تسمية مشتقة من اليونانية القديمة 
وتعني الجزء الفاصل بين مقاعد الجمهور وخشبة 
المسرح:؛ وهو المكان الذي كان يستخدم للرقص في 
المسرح اليوناني. جاءت هذه التسمية نظرا لأن نفس 
هذا المكان من دار العرض أصبح حفرة الموسيقى 
في دور الأوبراء وهي المكان الذي يجلس فيه 
العازفون بين الصف الأول من مقاعد المشاهدين 
وخشبة مسرح الأوبرا.. 

الأوركسترا يعنى مجموعة من الآلات الموسيقية 
قوم إلى عاكاك ما فين ف طبيدنيا االعيرت” 
ولكنها متكاملة في طبقاتها السمعية. أي أن كل 
عائلة تشتمل على مجموعة من الآلات تضم جميع 
الآصوات المستخدمة في الموسيقى من الحاد إلى 
الغليظ. وأهم هذه العائثلات وأكثرها ارتباطا 
بوجدان المستمعين هى العائلة الوترية أو كما تسمى 
في بعض الأحيان بعائلة الفيولينة تزانسه مناه”/ا 
وهي: 

الفيولينة: أصغر آلات العائلة وأكثرها حدة و 
بريقا وإمكانية في التعبير العاطفي. وهي غالبا ما 
تضطلع بالخطوط اللحنية الرئيسية لآنها تستهوي 


دعوة إلى الموسيقى 


المؤلفين والمستمعين اكثر من بقية آلات الأوركسترا. 

تسمية فيولينة مشتقة من الإيطالية وسناهذ" وهي تصغير وتدليل لكلمة 
فيولا بمعنى وترء والمعروف سمعيا أن الصندوق المصوت للآلة الموسيقية 
يكون صغيرا كلما كان صوت الآلة حاداء و يكبر في الحجم كلما زادت 
أصوات الآلة عمقا وغلظة والعكس صحيح. وتعزف الفيولينة وسائر آلات 
عائلتها باستخدام القوسء وتتمتع بإمكانيات هائلة في التعبير بوسائل أداء 
متعدده. 

الفيولا: تكبر الفيولينة قليلا وتعزف بنفس الطريقة وتتمتع بأصوات 
اكثر غلظة ولذلك فهي غالبا ما تؤدي الأصوات الوسطى من التآلفات 
الهارمونية أو الخطوط اللحنية المتعددة فى المؤلفات الاوركسترالية. 

التشيلو: هو الأب للعائلة الوترية نظرا لرزانته ووقاره وعمق أحاسيسه 
وعواطفه. وهو اكبر من الفيولينة والفيولا و يعزف مستندا إلى الأرض بين 
ركبتي العازف ويتمتع بنفس إمكانيات العائلة و بطابع غنائي حزين. 

الكنتراياص: هو الجد الأكبر للأوركسترا السيمفوني وأكبرآلات العائلة 
الرقرية: ا صواته ذايظة قرسي ماتيظم والسكاية هذا حيو لز يفن ولكقي 
يتكامل سمعيا مع بقية أغراد العائلة التي تعطى جميعا المحيط السمعي 
اللازم للأذن البشرية المتطورة؛ وهو المحيط المشتمل على الأصوات الحادة 
والمتوسطة والمنخفضة والعميقة. و بالطبع فإن الكنتراباص يقوم بآداء أساس 
الأصوات الهارمونية؛ وهو الأعمدة التي يرتكز عليها البناء الهارموني للعمل 
الموسيقي.. 

وقد كتب كثير من المؤلفين أعمالا للأوركسترا الوتري بمفرده اكتفاء 
بإمكانياته الصوتية ورغبة في رسم لوحات موسيقية بلون واحد هو اللون 
الوتري وفي طبقات (درجات) متعددة من الآلوان الموسيقية. 

وكان الأوركسترا السيمفوني قديما وحتى نهاية القرن الثامن عشر 
يعتمد على هذه العائلة مع إضافات قليلة من آلات النفخ الخشبية في 
مؤلفات الكلاسيكيين العظماء وعلى رأسهم هايدن وموتسارت. 

وتوجد العائلة الوترية في الأوركسترا الحديث في أغلب الأحيان 
بالتناسب التالى: ١8‏ فيولينة أولى-6! فيولينة ثانية-2١‏ فيولا-0١‏ تشيلو-8 
كنتو ابام 7 


214 


الأداء والجماليات 


عائلة آلات النفخ الخشسية : 770000105 

ترجع تسمية العائلة إلى أن آلاتها كانت تصنع من أنواع خاصة من 
الخشب وأنها ذات طبيعة صوتية خاصة ترتبط بصوت النفخ في الأنابيب 
الخشبية. وتضم العائلة بالطبع آلات متكاملة في الطبقات الموسيقية المختلفة 
من الحدة إلى الغلظء ولكنها تتمتع بألوان مختلفة ومتكاملة ومتجانسة في 
نفس الوقت. وقد كتب الكثير من المؤلفين أعمالا للآلات الخشبية التي 
تتكون منها اوركسترات نادرة الجودة. وتوجد لهذه العائلة نظائر في كل من 
الحضارات القديمة وخاصة الحضارة المصرية القديمة:؛ إلا أنها تطورت 
في أوروبا إبان عصر النهضة واستكملت تطورها في النصف الأول من 
القرن الماضي.. وتضم العائلة آلات: 

الفلوت: ويستخدم في الأوركسترا بشكل مزدوج (أول وثان) وأحيانا 
ينضم إليهما الفلوت الصغير 010مه:2 (بيكولو)ء وهو يتميز بطبيعة النفخ في 
ثقب مستدير على جانب الآلة قرب بداية العامود الهوائي الذي يتخلخل 
بداخله الهواء المضغوط فينتج الصوت وفقا لطول الأنبوبة. والطول هذا 
يتحدد وفتا للتحكم في الفتحات الموجودة على جانب الآلة بواسطة 
الصمامات التي يعزف عليها المؤدي-وهي آلة تتفوق في اللون الشرقي وتقليد 
أصوات الطبيعة والطيور والعواصف والتغني بالصحراء والآفاق. 

الابوا: نوع من المزامير يعزف بالنفخ بين ريشتين صغيرتين من الغاب 
95 تكون بمثابة المنفخ الذي يمر من خلاله الهواء إلى الأنبوبة الخشبية 
الدقيقة الصنع. صوتها باك حزين وواضح مسموع يمثل دموع المرأة ويشبه 
اللون البنفسجي. ومن ناحية الطبقة الموسيقية غ21 فالابوا مع الفلوت 
تقابلان الفيولينة في العائلة الوترية. 

الكلارينيت: تكبر الابوا قليلا في الحجم ولذلك فهي تقابل الفيولا في 
العائلة الوترية من ناحية الطبقة الصوتية وهي مثلها تقوم بأداء الأصوات 
الوسطى من التآلفات الهارمونية أو الخطوط اللحنية الداخلة في التكوين 
الموسيقي؛ فضلا عن أدائها لفقرات منفردة تتناسب مع إمكانياتهاء وهي 
ذات طبيعة بشرية من ناحية نوعية الصوتء وتتمكن بسهولة من أداء الأصوات 
السريعة والزخارف اللحنية.. وهي تعتمد على النفخ باستخدام ريشة مفردة 
من الغاب في المنفخ ءهء1م21010 الخاص بها. وتستخدم في الأوركسترا 


دعوة إلى الموسيقى 





الاوركسترا والمايسترو. 


بشكل مزدوج في المعتاد مثل الابوا والفلوت. 

الفاجوت: جاءت التسمية من الإيطالية بمغنى ربطه أو حزمه وذلك 
نظرا لأن لها أنبوبة هوائية مزدوجة ترتبط في أسفل الآلة بما يشبه الحزمة: 
والتسمية الفرنسية والأمريكية «باسون» مشتقة من كلمتين (باص-سون) أي 
الصوت المنخفض الغليظ. وهي تقابل التشيلو في العائلة الوترية من ناحية 
الطبقة الصوتية ولكنها مرحة وتتمكن من التعبير بتفوق عن الضحك والمرح 


216 


الأداء والجماليات 


ولذا يسمونه مهرج الأوركسترا.. 

ترتبط العائلة النحاسية بالطبيعة العسكرية وباللون الأحمر الواضح.. 
وتتكون منها اوركسترات نحاسية مستقلة كما أنها تكون عائلة متكاملة في 
الأوركسترا السيمفوني وي مؤلفات عظماء المؤلفين الرومنتيكيين والحدثين: 
كد كانت جرقطه كديا بالوسيف الدفية في اعمال الأذر ا تورير وا لغوانيق 
إلى جانب الأوبرا. وآلات هذه العائلة من الحدة إلى الفلظ حسب وجودها 
في الأوركسترا هي: 4 ترومبيت-4 كورنو-3 ترمبون-توبا.. 

وتضم كل أوركسترا بالضرورة آلتين من التمباني نسصدمسة1 وهو الآلة 
الأيعاغية الركيسية بالأوركشكرا والثى قباد فى وين الأداء وطي تقلبين 
الاتعالات واصوات الشبيعة وقضاف الا إزساهية اشرق موده وق 
لرغبة المؤلف في مؤلفات كثيرة: إلا أن الآلة الدائمة والمرتبطة بالأداء 
الاوركسترالي ظلت هي التمباني الذي يتم ضبطه لتحديد النغمة الصادرة 
من كل آلةمنه حمبت"المدوئة اللوسيقية: 

أن قل قاقف الأوركمهر] :ا لايسترو تفوطه اللكثير من الأسزار.. ونكت 
الأداء المسموع يكون هو الرد الطبيعي المفسر لأي تساؤل.. 

القيادة علم وفن.. والقيادة الناجحة القادرة لا تتأتى إلا إذا اشتملت 
على الشخصية القيادية.. الموهبة كلمة مائعة ولكنها هنا تشمل القدرة على 
إدراك العمل الموسيقي بشكل متكامل؛ وجهاز الأوركسترا بشتى نوعياته؛ 
ونقل الفكر إلى الموسيقيين بالإقناع التام والسهولة والتلقائية .. وذلك من 
خلال الشخصية القيادية.. المشعة المؤثرة.. وإمكانيات الإشارة الشديدة 
الدقة والوضوح والإقناع.. . 

القيارة التإجتحة عي توحيد الفاكر والحنس ينيق البقا كي والاها اشيم دق 
خلال الإشارة ووحدة العمل وتكون الموسيقى هي عنصر الربط بينه و 
بينهم.. وعنصر توحيد النبض والتنفس والفكر والأحاسيس. إن العمل 
الموسيقي يجمعهم سويا في عصر واحدء قد يكون قديما منذ مئات السنين 
وفي قالب واحد.. وأسلوب واحد.. و يصبحون جميعا-من خلاله-وحدة 
واحدة.. وصوت واحد .. وأداء موحد لفن ساحر من عالم أثيري مغاير.. ولا 
يتأتى ذلك إلا من خلال الفهم المتبادل المبني على احترام التقاليد المدروسة 
وعدم المبالغة أو الخروج عن النص.. 


217 


دعوة إلى الموسيقى 


الموسيقى هي الفن الذي لا يسمع ولا يوجد إلا من خلال الأداء.. وبسرعة 
الصوت يصل إلى جهاز السمع.. إنها فن يسير في الزمن و يتكامل في 
ذاكرة المستمع.. والعازفون والقائد هم أيضا مستمعون لأدائهم ومتجاوبون 
مع فكرهم وحسهم المبدع.. وموجهون لفنهم إلى آذان مستمعيهم ومنها إلى 
عقولهم ووجدانهم. 

القيادة هى الأداء الموحد.. فى سرعته وحسه ومفهومه للعمل الموسيقى 
الذي يقوم المؤلف أولا بكتابته؛ و يقوم القائد مع الأوركسترا بإعادة خلقه.. 
من خلال فكره وفهمه وحسه ونيضه وتجاوبه العصبي.. ودراسته ومتابعته 
لتقاليد التأليف والأداء.. وكل ذلك يتأثر بإمكانيات العازفين ونوعيات آلاتهم 
وتجانشها...وستمعيات القاغة الموسيقية.:وغير ذلك من العتاضن القن ل 
يزال الكثير منها غير معلوم للإنسان. 

إن أعظم وأروع الألحان يمكن أن تتحول إلى رماد بارد بلا حياة تحت 
قيادة مايسترو لا يفهم مضمون اللحن والعكس صحيح فإن اللحن الياهت 
الذي لا حياة فيه يمكن أن ينشط و يعبر بوعي وإحساس بفعل القائد 
البارع. فهناك حركة من الزمن تؤدي إلى ذروة الانفعال في اللحن.. تلك 
الذروة التي يجب أن يحضر لها القائد ويبنيها بحكمة وفهم وحسء. حتى 
تجئىٌ ذروة فى التعبير لتؤكد ما قصد إليه المؤلف وأكثر.. وذلك بزيادة 
طفيفة غير مسموعة فى السرعة.. وقوة تدريجية معيرة واثقة غير مرتعشة.. 
حتى تجىّ تلك الذروة في الانفعال لتصل بالمستمع إلى قمة النشوة والتجاوب 

من ذلك فإن الأوركسترا الواحد له أكثر من صوت تحت قيادة اكثر من 
قائد.. بل وفي العمل الواحد يختلف التعبير والتأثير من قائد إلى آخر مع 
أوركسترا واحد.. فالأوركسترا يتحول إلى آلة موسيقية تخرج أصواتها 
بتأثير إشارات القائد تماما كما تعزف الفيولينة بفعل أصابع عازفهاء وكما 
تختلف طبيعة أصواتها من عازف إلى آخر.. أما العازف الاوركسترالى فهو 
ينكر ذاته و يتحول إلى جزء من كل.. وهذا الكل هو مجموعة عازفي 
الأوركسترا .. انه يتابع و يتجاوب مع الوهلة الأولى بل انه يستمع إلى زملائه 
ويتحول معهم إلى وحدة منصهرة في بوتقة نادرة.. هي الآوركسترا .. والعازف 
الاوركسترالى فى ذلك يمتلك قدرات لا تتوفر فى زميله العازف المنفرد 


الأداء والجماليات 


مهما بلغت إمكانياته.. لأنه لا يفرض أداءه الفردي. وفهمه الشخصي للعمل 
الذي يقوم الأوركسترا بأدائه ولكنه يمتلك شخصية جماعية وتجاوب عصبي 
يحوله إلى وحدة مع مجموع الكل وبذلك يتمكن المايسترو من وضع بصماته 
التي تحمل اسمه على الأداء والتي تميز تفسير العمل بأنه وفقا لإحساسه 
ومفهومه.. 

إن المايسترو الناجح يستمع إلى الموسيقى قبل أن تعزفها الأوركسترا 
بزمن كاملء وما نسمعه نحن من الأوركسترا يكون بالنسبة له صدى للصوت 
الذي يتخيله أولاء ويعطي الإشارة وفقا له.. وتتم مطابقة سمعية ذهنية 
عصبية سريعة بين الصوت المسموع والصوت الذي تخيله القائد وسبق به 
الأداء.. فتتضح الأخطاء أو الفروق.. ويظل هو سابقا لأداء الأوركسترا 
وقائدا له.. لا تابعا وراءه.. وهذه هي صفة القائد الناجح الذي يتميز أداؤه 
و يتجاوب معه الموسيقيون و يرتبطون به اكثر من غيره من القادة.. وهذا 
القائد المتمكن هو الذي ترتبط به الأوركسترا في تجاوب مذهل ساحر مع 
كل إشارة من إشاراته حتى لو اختلفت كثيرا عن النص المدون والذي يكون 
في أحيان كثيرة تدوينا تقريبيا نسبيا في سرعته أو قوته أو طبيعته بينما 
ينفعل قائد آخر في هسترية غير موضوعية ولا يتجاوب الأوركسترا معه 
أنه لا يرقيظ يه فلميا بوعاظفيا .كما أن تافر اشخصيتة الشباذية يكون 
مزيفا ومزورا.. 

المايسترو يتعامل مع النفس-جهاز التنفس-الذي تخرج به الأصوات من 
آلات الح ايه ولايد أن تكون يداه رئكة توحي لجهازهم التنفسي 
بالحركة المنتظمة.. وتمنحهم السكون اللازم لإتمام تغيير النفس في أماكن 
محددة.. أو يقوم هو بتحديدها وتنظيمها حتى ولو كانت متعارضة مع 
النص الأصلي الذي قد تفوت على كاتبه الكثير من الإمكانيات العملية 
للآداء.. أما عازفو الآلات الوترية ذات القوس فإن حركة أقواسهم المتحدة 
لها علاقة أيضا بالنفس.. والعازف الذي لا ينتظم تنفسه بعلاقة مع اللحن 
فإنه يختنق حتى لو كان عازفا لآلة وترية مثل الفيولينة أو التشيلو.. 
وهذا الاختناق يؤدي بالتأكيد إلى إجهاد وبلبلة في الأداء.. إن تنظيم التنفس 
لازم أيضا للمستمع: الذي يتنفس أيضا مع اللحن وطريقة أداته وسرعة 
نبضه وحدة عاطفته.. هذا لو كان القائد موفقا في ربط المؤلف بالمستمع.. 


2160 


دعوة إلى الموسيقى 





هانز سفاروفسكي أستاذي الراحل 


وفي التحكم في كل هذا العالم الإنساني التاريخي الفني.. هذا هو 
الساحر.. المايسترو الذي يضع اللحن في قبضته؛ و يضع نفسه وروحه مع 
اللحن لينسل إلى وجدان المستمع وليتحد مع فكره وإحساسه. 

هناك قائد يقود بيديه إمعانا في التعبير البشري بيديه وأصابعه وحتى 
باكر ركيوك كدو الأزركتيقر) والكرراليتوعانيا نيلها قاوة الكررا.- 
الفرقة الغنائية-إلى الاكتفاء بأيديهم دون عصا القيادة.. التى يجدونها 
معوفة.. 


أما عصا القيادة فهى التى يستعملها غالبية قادة الأوركسترا لطولها 


الأداء والجماليات 


النسبي وامتدادها مع الذراع إلى مسافة تسمح للموسيقيين بمتابعتها بسهولة 
ووضوح.. فضلا عن سهولة التحكم في حركتها السريعة ونقل النبض إلى 
طرفها ليوحي بالإيقاع والزمن.. 

إن القيادة تختلف من فن موسيقي إلى غنائي إلى أوبرالي.. إلى موسيقى 
مصاحبة للرقص.. وهنا توجد تخصصات يتفوق في جانب منها فائد بينما 
يتمكن آخر من تخصص مختلف.. وعلى سبيل المثال.. الأوبرا التقليدية 
مثل أوبرات فردي تعتمد على المغني المنفرد أو الثنائيات والثلاثيات 
والرباعيات الغنائية وما إلى ذلك.. و يكون في أحيان كثيرة تابعا مصاحبا 
يعتمد على الاستماع إلى الغناء ومصاحبته.. وبالطبع يتولى القائد تشكيل 
هذا الغناء وتوحيده ولكن المضمون الموسيقي يكون على المسرح وتظل 
الآأوركسترا في الدرجة الثانية.. وتكون مهمة القائد الربط بين الأوركسترا 
والمسرح في أغلب الأحيان.. ورغم أن ذلك يختلف في أعمال درامية أخرى 
مثل أعمال فاجنر-الدراما الموسيقية-التي تتحد فيها فنون الشعر والغناء 
والموسيقى.. إلا أن القيادة السيمفونية البحتة تكون تجسيدا لإمكانيات 
المايسترو في تشكيل الإحساس ال موسيقي والتعبير الناتج عن الأداء بشكل 
مستقل متكامل-فإن الموسيقى السيمفونية تتركز في الأوركسترا.. الذي 
يكون هو موضوع الأداء.. بدلا من مصاحبته للأداء.. أما عند مصاحبة 
الرقص فإن القيم الموسيقية تكون مهددة في أغلب الأحيان.. ويكون المايسترو 
ضحية الحركة في الفراغ والشكل.. وبدلا من أن يصاحب الغناء واللحن- 
كما هو الحال في الأوبرا والعزف المنفرد-فإنه يصاحب حركات رقص صامت 
باستخدام العين (البصر) وتقوم الموسيقى بمتابعة البصر. أي أن الصوت 
يتبع البصر و يضطر القائد لزيادة السرعة أو تقليلها حسب سرعة الراقصة 
ومدى لياقتها البدنية التي كثيرا ما تتغير من يوم لآخر هذا فضلا عن 
إمكانيات مصممي الرقصات الذين غالبا ما يضعون في اعتبارهم الجمال 
التشكيلي والحركي للرقص مهما تعارض ذلك مع متطلبات الصوت والأداء 
الموسيقي من سرعة أو بطء. 

يؤكد المؤلف الألماني العظيم ريتشارد فاجنر ضرورة تمكن القائد من 
تحديد السرعة اللازمة لأداء العمل الموسيقي وهي الاعتبار النسبي الذي 
يؤدي إلى تغيير التعبير الموسيقي حتى ولو كان الفرق الزمني طفيفا.. وهو 


دعوة إلى الموسيقى 


أيضا يؤكد ضرورة تمييزه للخطوط اللحنية المختلفة وإبراز كل منها ضفي 
توازن مع بقية الأصوات ومع باقي أجزاء العمل الموسيقي.. 

ترجع مهنة القيادة الموسيقية إلى القرن الخامس عشر على أقل تقدير 
فقد كان قائد «كورال السيستين» يمسك بلفة من الورق (لم يكن هذا القائد 
سوى المغني الأول في فريق المنشدين) ويحدد بها الزمن وطابع الآداء 
الموسيقي.. وكذلك أماكن السكون (التنفس). وفي أوائل القرن الثامن عشرء 
بدأ نظام تقليدي لقيادة الأوبرا من آلة الهاربسيكورد (جد البيانو).. فكان 
عازف هذه الآلة يقوم بدور القائد في نفس الوقت كما هو الحال في عازف 
القانون بالتخت الشرقي.. و يذكر التاريخ أن باخ كان يقوم بقيادة أعماله 
وهو يعزف الاورغن. أما في فرنسا فإن أوبرا باريس تسجل بدء القيادة عن 
طريق الحفاظ على الزمن والإيقاع الموسيقي وذلك بضرب الإيقاع بعصي 
أمام العازفين للمحافظة على الوحدة الزمنية؛ كان ذلك في بداية القرن 
القامق عش ورغم أن القيادة مح عزف الهاريسيكورد النتمرت هي أكانيا 
حتى أوائل القرن التاسع عشر.. إلا أن القيادة كفن موسيقي متطور بالعصا 
نما وتطور من أواخر القرن الثامن عشر.. وأصبح فنا مرموقا على يد 
مندلسون ومعاصريه في أوائل القرن التاسع عشر.. 

وما هو جدير بالذكر أن فن القيادة نما وترعرع مع نمو الأوركسترا 
وأجهزة الأداء الجماعي الموسيقي.. فحتى فجر القرن التاسع عشر كان 
الأوركسترا صغيرا و يعتمد في أدائه على إمكانيات أداء موسيقى الحجرة 
التي يستمع فيها الموسيقيون إلى بعضهم بسهولة ويسر.. دون حاجة إلى 
من يوحد لهم السرعة والأداء.. كما أن صوت آلة الهاربسيكورد كاف ليسمعه 
كل عازف بالأوركسترا أثناء العزفء إلا أن ازدياد عدد عازضي الأوركسترا .. 
ونمو إمكانيات التأليف الموسيقي وتشعب مذاهبه.. أدى بالتالي إلى ضرورة 
القيادة للربط بين هذا العالم الهاتل الضخم من العازفين والمنشدين.. 

وهتاك ليد شا في هينا هلى يف يؤهان شتراوس الاين الى اشير 
بمؤلفات الفالس الشائعة, فقد ابتدع القيادة بقوس الفيولينة.. فتارة يعزف 
ويقود كعازف للفيولينة وتارة أخرى كان يكتفي بتحديد الزمن للأوركسترا 
بقوس الفيولينة.. كان ذلك في منتصف القرن التاسع عشر. واستمر هذا 
التقليد حتى يومنا هذا بواسطة قلة من كبار عازفي الفيولينة عندما يعزفون 


الأداء والجماليات 


كونشرتو لباخ مثلا للفيولينة والأوركسترا (الذي يكون عادة صغيرا في 
تكوينه).. أما تقليد القيادة من مكان العزف على الهاريسيكورد فقد استمر 
أيضا حتى يومنا هذا بواسطة قلة من عظماء عازفي البيانو الذين يعزفون 
ويقوذون الأوركسكرا فى كفس الوشة ويكون ذلك في الأعمال الت تشترك 
فيها أوركسترا صغير مثل أعمال الكونشرتو للبيانو والأوركسترا لموتسارت.. 

هناك أيضا في داخل الأعمال الكبيرة أجزاء لا تتطلب تدخلا كبيرا من 
القائد.. عندما تكون الموسيقى لعدد محدود من العازفين.. و يقوم حكماء 
القيادة بأقل إشارات ممكنة دون استعراض قيادي يشوه الأداء. 

في عام 1922 بدأت روسيا تقليعة «الأوركسترا بدون قائد» وانتقلت 
البدعة إلى المجرء وتشيكوسلوفاكيا وأمريكا.. فتكونت أوركسترات محدودة 
العدد تعزف بدون قائد.. ولكنها بدعة سخيفة لأن الأوركسترا في هذه 
الحالة يتدرب مع قائد كما أنه يعزف بإشارات من رائد الأوركسترا و يؤدي 
أعمالا تتطلب قيادة حتمية.. وبالطبع فإن أوركسترا صغيرا و بدون قائد 
أفضل كثيرا من أوركسترا كبير وقائد غير متمكن. 

أنه من كبين نغمره السشحر.. وتحكمةه الخيرة وقوة الشخصية والفكن 
والإشعاع والإفناع. وسيظل المايسترو هو مركز السحر والتدفق وإعادة 
الخلق الموسيقي العظيم.. 
خاتمة 

الإحساس بالجمال الموسيقي 

علم الجمال هو أحد فروع الفلسفة التي تبحث في حقيقة التعبير 
الجمالي لشتى الفنون والآداب. والكلمة «استيتكس» دمناءطاد46 مشتقة عن 
اليوكائية القديمة وصفيسما يشخص بالشيء او -القون إلى اماق الأشيادار- 
الأشياء التي يتم استقبالها بالحواس البشرية. وقد أصبح معنى الكلمة 
المألوف وفق تعريف المراجع والقواميس الفلسفية هو فلسفة الجمالء أي 
المبادئٌ والأسس التي تحدد الجمالء أو علم الجمال والذوقء أو القدرة على 
التذوق الفني ونقد الفنون أو فلسفة الذوق» ونظرية الفنون الجميلة» وهي 
تشتمل على الغور في داخل الأعمال الفنية وتذوقها ونقد مواطن الجمال 
فيها وفقا للتقاليد التي تحدد الجميل من القبيح. 


دعوة إلى الموسيقى 


من كل ذلك نعرف أن هذه الفلسفة هي عبارة عن دراسة لمواطن الجمال 
ومسيياته في يكن من القنوي ونالنسية اكاك تقضين اتجبال ف التعبير 
الموسيقي؛ وحتى نتعرف على مكونات هذه الدراسة فإننا يجب أن نتعمق 
في الأعمال الموسيقية أولا باعتبارها الأصل والجوهر الذي ينبثق منه 
القبيل الجبالد وحقى تيكو مو ذلك فاخ دراقية |الوصيضى عون دمية 
شعرفة التلدق الرسيفية الدامة وسادكها رمناه ها جردي إلى بوضول 
الياضة إلى حاكن سر امال اميش بطريفة عقلية واعية ومنطفية, 
وبذلك تنطوي هذه الفلسفة على علم هو علم الجمال الموسيقي.. 

حتى يتمكن أي ناقد موسيقي من إبداء حكمه على مؤلف أو أداء موسيقي؛ 
فلا بد أن يكون نقده هذا مبنيا على بعض الأسس والنظريات العلمية التي 
تفسر الموسيقى إلى جانب ذوقه الفطري الآخر الذي ينبني على ظروفه 
النفسية والاجتماعية وعلى خبراته في ممارسة السياق ‏ " 

وحتى نحصل على النظريات والقواعد التي تحدد القيم الجمالية في 
الزسيعى فإننا ندر يسملية شدين» العرعوية والتكيد وتفرق تجاري فالاسفة 
الجبال فى مجالاك الفترع الأخرى لان للوسيقن هيازة عن اضكاس انخيرات 
موروثة وخبرات أخرى مكتسبة ولأنها أقل الفنون تكاملا مع مواد الطبيعة, 
فهي لا تدخل في مجالات الصورة التي تتميز بها الطبيعة؛ أو التمثيل الذي 
نجه الطبيعة مخ كاذل الدراما البشرية الحية: أو لحت والعمارة الذي 
يتجسد بالطبيعة في أعظم وأروع نماذج إلهية. ولكن الموسيقى هي أقل 
الفنون ارتباطا بالطبيعة الحية المجسدة أمام الحياة البشرية. 

كل كن سق |الذفون نه كواقين بماعفلة تدك جمائياقة وحقى على بامخضيقة 
المستقلة وعلى طبيعة وصوله إلى الإنسان الذي يستقبله ويتذوقه-هذا بالرغم 
من أن كل الفنون تشترك في صفات تجمع بينها وتوحد بين تأثيرها النهائي 
طلن البشي :وضيما يفلق باتظبيعة الوسيقية وغتاصرها ا فاح مارعونياتها 
وتصفينة نرهيات قرالبها وطبيعكها السفية (الحانها وإاهانياء تشكل 
القاعدة التي تبنى عليها نظريات استشفاف الجمال الكامن في كيانها. 
وتلل متك انك سعط الأنسرار متسر ةتعلى السل مال أهداقها] رخسي 
طبيعتها بشكل ملموس.. 

والفن الموسيقي يستفيد من استخدام القواعد العلمية التي تستتبط من 


2214 


الأداء والجماليات 


تحليله.. وهذا يؤدي إلى تكامل فني وتكوينات موسيقية أكثر تعقيداء تنتج 
عن تحليلها قواعد أخرى أكثر وضوحا وتطورا . 

وفيما يتعلق بعمليتي الإبداع والنقد. فإن النظرية الرئيسية هي أن 
الفنان يحطم القواعد من أجل إبداع فني متطور. ويأتي بعد ذلك دور 
العالم ليقوم بالشرح والنقد والتعليق. فالفن يؤدي باستمرار إلى تحقيق 
علميء و يدفع العلم إلى المزيد من التفسير لمنطلقاته الفطرية اللاشعورية 
المتدفقة, وينطلق العلم بعد ذلك في إمدادنا بالمزيد من التفسيرات المبنية 
على التحليل والمقارنة والبحث في أسرار الجمال.. 

لا يمكن للموسيقى أن تكتب بقيود مطلقة وفقا لنظريات شديدة التحديد 
وإلا أصبح الإبداع الموسيقي علما وأصبح التعبير الموسيقي هزيلا. فما 
يشكل الجمال في الموسيقى يظل سرا كامنا في انتظار التحليل الفلسفي 
الجمالي العلمي.. لآنها إبداع متجدد وتعبير عن كل ما هو موروث وما هو 
مكتسب من بيئّة الفنان وخبراته في إطار العلوم الموسيقية التي تهدي 
الفنان في طريق إبداعه دون أن تقيده بالسلاسل ليكون مجرد تطبيق 

بالرغم من أن الألحان الرائعة الخارقة للعادة كثيرة ومتعددة: إلا أن 
علماء الجمال لم يهتدوا بعد إلى أي عمل موسيقي يعتبر جميلا بحق 
وبشكل متكامل. فبينما يحكم كل فرد على المقطوعات الموسيقية التي يستمع 
إليها وذقنا لرأيه الشخصي فيهاء إلا أن الحكم الحقيقي على العمل الموسيقي 
إذا ما بني على نظريات علم الجمال الموسيقي فإن الرأي يصبح مختلفا 
الفني الجاد. ولكن أين هم المستمعون الجادون5 وكيف يمكن توفيرهم على 
المستوى الجماهيرية إن الإجابة تضطرنا إلى التسليم بأن التقييم الجمالي 
للموسيقى يتشكل في نموذج تقريبي يسمح بوجود تفاوت في آراء والتقاء 
للبحث والدراسة والتطبيق. 

وبالرغم من اختلاف وجهات نظر البشر عامة والنقاد بوجه خاص فيما 
يتعلق بالأعمال الفنية العظيمة الخالدة إلا أنه توجد ملامح مشتركة في كل 
هذه الأعمال الرائعة وهي النوعية الروحية التي تجعلهم متساوين في التعبير 


دعوة إلى الموسيقى 


الجمالي عبر العصور. فهناك خاصيات مشتركة ورئيسية تربط بين أعمال 
كل فن على حده أي الوسائط التي ينتقل بها هذا الفن أو ذاك إلى الإنسان 
المستقبل. ١‏ 

وهذه الخواص المشتركة قد تكون في المقامية أو في التركيبات الهارمونية 
أو في الآلات المستعملة في العزف أو القالب الموسيقي الذي يضم مضمون 
المقطوعة الموسيقية؛ إلى آخر ذلك من وسائل عديدة متنوعة. ونجد أن كلا 
من باخ وبرامز وبيتهوفن يقفون على نفس المستوى الجمالي من ناحية 
التعبير الموسيقي وإثارة الانفعالات في نفوس المستمعين من خلال روحانيات 
اللحن؛ أو الجمال الكامل في المضمون هذا بالرغم من الاختلاف الكبير 
بينهم في أسلوب التعبير المقصود المتعمد. وهذا ما يجعل من الموسيقى فنا 
متغيرا في نظرة الناس إليه وتذوقهم له نظرا لندرة المستمع الجيد المؤهل 
بالثقافة الموسيقية الواسعة وبالحساسية الجمالية. 

الموسيقى. شأنها شأن كل الفنون. تخضع لتزاوج بين العقل الواعي 
والعقل غير الواعي (اللاشعور) فبينما يوضح لنا الوعي أن الموسيقى دائمة 
الحركة وفي نفس الوقت تظل باقية دون تغيير عبر التاريخ.. نجد أن 
اللاشعور ثابت دون حراك أو تغيير لأنه الاختزان الآمين لكل ما هو موروث 
ومكتسب, وهذا ما يجعل تعريف الجمال مستحيلا بشكل دقيق مثل الحياة 
والحقيقة والجيد والمجرد والمقدس. 

إن التعرف على الجمال نتيجة الالتقاء به ي فن أو في الطبيعة؛ يؤدي 
إلى شعور بالسعادة الغامرة لأنه يعطي إحساسا متسعا ومنطلقا في الحياة. 
ولذلك فإن الخبرة بالجمال تؤدي إلى تجاوب مع الجمال نتيجة للنشاط 
الذي يدب في المشاعر والرغبات. فإذا امتلك الإنسان خيالا مبدعا خلاقاء 
بالإضافة إلى تجاوي جمالي: كإن .ذلك يجمل منه اشداذ| عاماة للابداع 
الجمالي والنشاط الفني. 

ونظرا لاختلاف مشاعر الناس وإمكانيات تذوقهم الموسيقي. فإن تطوير 
أذواقهم إلى درجة معقولة من الفهم الموسيقي يكون ممكناء وهذا يمكن 
تقريبه بين كل مجموعة من البشر يشتركون في بيئة واحدة. ويتكلمون لغة 
مشتركة؛ وتجمعهم أهداف واحدة, ويكونون من الحاصلين على ثقافات 
متقارية؛ وبالطبع فالمعروف كحقيقة لا تقبل المناقشة أنه لا يوجد شخصان 


220 


الأداء والجماليات 


تجمع بينهما نفس المشاعر والخبرات الموروثة والمختزنة في العقل الباطن؛ 
ولذلك فإنه لا يوجد اثنان يتجاوبان بنفس الدرجة مع عمل فني واحد مهما 
اشتركا في الثقافة والتربية والبيئة وغير ذلك. 

كتب البروفيسور لانجفيلد, وهو من أعظم فلاسفة الجمالء كتب تعريفا 
لكلمة وهناءطاعى (الجماليات): «أنها ترسم قانونا علميا لدراسة الجمال في 
الطبيعة وفي الفن؛ وأيضا لدراسة إمكانيات الاستمتاع ديكا امصمال: 
وإمكانيات تأصيل الإحساس بالجمال في الإنسان. و يقول-لانجفيلد- 
4 أيضا «أن القبح يتضمن الجماليات تماما كالجمال» و يعرف 
الجماليات بأنها «علم الجمال والقبح» ولكنه يوضح أنه لا يمكن مقارنة 
القبح والجمال باللذة والآلم؛ لأن القبح والجمال يصدران سعادة جمالية 
فلسفية بينما اللذة والألم تنتج عنهما لذة حسية عضوية. والجماليات 
تتعامل مع الحواس العليا وهي البصر والسمع. بينما اللذة والألم ترتبطان 
بالحواس السفلي في الإنسان. 

وهكذا تبحث الفلسفة في جماليات الموسيقى من أجل مزيد من التفسير 
لألغاز هذا الفن الإلهي الساح وتتعارض نظريات فلسفة الجمال وتتتابع 
تتخدم إنسان المستفيل الذف سيحدد لنفسنة الطريق السليم: وبيظ وساكل 
الاستماع والتقييم التي تحكمها العقول الإليكترونية الشديدة التعقيد, تلك 
العقول التي يدرسون الآن مدها بالمعلومات وفقا لنظريات النقد الجمالي 
الآكثر اعتدالا. وتستمع هذه العقول إلى اللحن وتقيس ذبذياته وتحسب 
تقديراتهاء وتصدر أحكامها بنقد لا يزال جامدا ومهينا للعقل والوجدان 

ويندر أن يستمع شخصان إلى لحن أو حتى نغمة واحدة بنفس المشاعر 
رغم أنه من الممكن أن يتجاوبا مع هذا الصوت بنفس القدر العاطفي العام 
وذلك لآن الموسيقى لا تمثل طبقة صوتية معينة ولا كثافة سمعية محددة 
فحسب. ولكنها تعتمد في وجودها بالنسبة للمستمع على إمكانية تسجيلها 
في العقل الباطن؛ والقدر الذي تتمتع به أذن المستمع من حساسية عصبية. 
فالحساسية العصبية للأذن تقابل الاصطلاح الطبي الخاص بالبصر والذي 
يحدد إن كانت العين مصابة ببعد نظر أو قصر نظر مثلا. وبالنسبة للأذن 
فإن حساسيتها العصبية تجعل منها جهازا قادرا على الاستماع إلى التنافرات 


227 


دعوة إلى الموسيقى 


في التركيبات الموسيقية براحة تامة بينما لا تشمكن أذن أخرى من ذلك 
وبماتصائحيا بالضيق والكقا زود التعافية عتدها مجع إلى تناظرانت 
موسيقية أو حتى إلى كثافة صوتية: أو قوة في الأداء. أو حتى حدة في 
الطبقات الصوتية.. هذا بالرغم من أن الموسيقى الحديثة أصبحت منذ 
فجر القرن العشرين تعتمد على التنافرات في جمال تعبيرها لدرجة أن ما 
يرد بها من توافقات صوتية يعتبر نقط ضعف أو خطأ في التأليف أو 
الآذاق ولكق القدرسب والتعود (لسودوزا كيرا فى لصي وضع بجماسية 
الأذن العصبية وتمكينها من الاستمتاع بكافة الأصوات التي كانت لا تحتملها.. 
وهذا يوضح كيف أن العقل يقوم بتعديل القدرة على تذوق الجمال الفني 
بتمكين أجهزة السم-في حالة اللوسيقى من التكيف مع ما يتم الاقتناغ بآنه 
جيد وجميل.. 

وهداك حلظظة الات يتم مع خلاليا كريى الإسناين السياتي للقن 
اسيك وى 'الاستعيال نص ,ظريق غيم القرالب.االرسيقية: والاسك فيان 
فن طريق العديل والامشياط :ثم الاستعبال عن طريق العاطفة: إن أن 
الحو نوراف عوابة] إغائية الاعساندن بالشكل والقدرة عقن إطلاق 
الخيال: ثم الانفعال العاطفي. وتكتمل هده الغناصر الثلاكة عن طريق 
العقل يشكل يجعل مخ الاستقيال القن مجالا للاستهتاء الجمالى. 

كا دشان رمن نشبا الين! برسي تاقيريا الى اله تادر مدن 
يماحو معو طرق العواسس يشكل مشر كنا أن المران البشرية تقو 
سبية وكير وكسيد ةا العاكير الوسوقى النالى بيط نه كالمو يضر 
الإيقاع في الموسيقى من خلال تعاطفنا معه لأن الإيقاع ينبع من داخلنا 
زقننا ما مجدكا ملح بالقيصا فى داحل الكران لصفي و سمخ إن 
الخنظ اللحتى والى الشركييات الهارمرلية الث تتحرل إلى ممان من خلال 
استقبالنا العقلي والخيالي. و يقوم علماء الطبيعة بمعاونة علماء النفس 
سير لمان اليد لبنس فى التشفاك الرمبيقية ررتكليان الكتبا بوي 
الونيقية وى تانى كر تجار منيهنا مضبييا فد الاطبو انعد والشروف 
أل العتاصير الحسبية فى الوسيق القى يتتاوكها لماخ الطبيفة بالبجية 
فى الإنقاء اللنمن التركيبات الماردوتية اللون الصيوقي: وهذه العناصر طتظلم 
هن بخلال التخطيظ والشكل فى العمل الوسيقي. أن اهذه العناصر 


الأداء والجماليات 


تنضم وتتجمع وتمتزج في داخل القالب الموسيقي الذي يقوم المؤلف بصياغته 
حتى يصبح العمل هادقا ومتكاملا.. 
يعثتوان «ما هى الموسيقى الجيدة؟». 

كتب يقول: 

«أن القوانين التي تحكم وتشرح علاقة الحواس البشرية بالفن الموسيقي. 
ني بعضها الح الحاقي العظي والتكرى بروالسحكن الأخريتها إلى التعانيي 
العاطفي. فالحواس تكون دائما في خدمة كل من العقل والعاطفة وعليها أن 
تطيع متطلباتها لأن الحواس البشرية وسيلة وليست غاية. فكل الحراس 
التي تستقبل الجمل الموسيقية تنتمي إلى مادة الفن وهذه المادة تخدم الفكر 
والشعور». 

أجا:الفاكل العاصةبالاستضال الاقسات الموسش شين ساق بالقالب 
أو الشكل. وهي تتناول مبادئّ التخطيط العام للعمل الموسيقي: والمادة اللحنية 
الواردة فيه والبناء الذي يمثل الهيكل الداخلي للعمل الفنيء والصنعة 
الموسيقية الخاصة بالموٌّلفء والتماثل بين الأجزاء المختلفة, والوحدة العضوية 
المكونة للشكل العام تلعمل الموسيقي.. 

ويقول العالم الموسيقي «هادو» في هذا الخصوص: 

«ينطبق قانون-التناسب العضوي-على الفن الموسيقي اكثر من انطباقه 
غلئ أي شيء آخر». 

ويقول «هندرسون» في نفس هذا الموضوع: 

«أن الترابط العضوي بين أجزاء العمل الموسيقي يعتبر من إنجاز الفكر 
والعقل في المقام الأول: أما ارتباط الأغكار الموسيقية بالعاطفة والمشاعر, 
كلاكبان عليه ونقن الصياغة الحانة ركل ماامرقط بها قصل سيار 
بالفكر وليس بالعاطفة والمشاعرء فالعنصر الفكري يصدر ويتبلور في الشكل 

يعتبر الخيال الإنساني هو أهم موضوعات دراسة الجماليات في 
الموسيقى؛ فالخيال هو القوة البناءة والخلاقة للعقل البشريء وقد قام عالم 
الجماليات «إدوارد هانزليك» فى عام 4 بكتابة تقرير هام في كتابه 


2120 


دعوة إلى الموسيقى 


«السميل ف الموسيقى» اغتبن اتريجم الآول فخ ختلدقة الكيال بالجماليات 
افكرة زمنية طويلة ,وقد جاء بها الخريرة إن اللوسيقه .هن الغائب الجمالن 
الموجود بتكامل ذاتيء ولا تعتبر العواطف والمشاعر هي الأسس الوحيدة 
التي يقوم عليها. وقد عارض هانزليك الفكرة التي كانت سائدة عن أن 
الموسيقى هي الموضوع الذي يرتبط بالعواطف والمشاعر. ولقيت معارضته 
هذه قبولا من جانب بعض الفلاسفة والمفكرين ومعارضته من جانب البعض 
الآخر.. فهو في نظريته يتساءل معارضا: 

- فاهى طبيعة الارقاظ نين الموسبيقى والعواطق البشريةة 

- ما غلاقة مقطوعات موسيقية محددة بمشاعر معينة؟ 

- ما القانون الطبيعي الذي يحكم علاقة الموسيقى بالعواطف؟ 

وهكذا فقد أنكرهانزليك أن موضوع الموسيقى وهدفها هو إكارة المشاعر, 
وأ القاغ ور هي اناد الرتضويفية الت طرالأغهان |السيعية يعثيلييا 
وتجسيدها للمستمع.. 

وقد قال هانزليك في هذا الشأن: 

«عندما نتحدث عن ما هو جميل بدقة وتحديد فإننا نجد انه لا يهدف 
إن ني على الإظلاق لآنه عيارة عن شكل (كاني) قابل لاس شخدام فى 
أغراض متعددة وفقا لطبيعته التي لا يمكن أن يكون لها هدف ما». 

والكهرها عرفم إقادن ماخزاياف ف تفن فيذا االوطيوع: 

«ومداق القن أمناسا إلى إبداء نيم جفيل وؤذر لذ هلي مقا رقا ب وفع 
على تكاملنا كبشر.. على خيالنا». 

ولتعين نكف تقول بحيال الزلف الرسيق عاذي شال السشيع. 
وفتدها لخو السك لقحو كاد عل تسز وى ميزه كنذا العم شين 
مدركين للخطوات التي قام بها المؤلف لإبداع هذا العملء. وهذا يؤدي إلى أن 
ننخدع في النظرية القائلة بأن: 

«الإلهام يعتمد في حقيقته على تسلسل فكري عقلاني مركب وان إثارة 
الشاعن والعواظف باللرسيقى فى صامل غيز عاشي من حاقين الإلفاء, آها 
الكيال:قإن دورة بنخصر :فى أنه ركاف والاليام كاخيرا مياشرا»: 

وبعد كل هذه المحاولات التي حار فيها الفلاسفة وعلماء النفس 
والاستكترن هن اعل السو الشجر و جما نعلت حملن تقر لوك 


الأداء والجماليات 


الجمالء فإن السؤال يظل بدون إجابة... وهو: 

«الموسيقى.. هل هي لغة بلا معنى محدد سوى ما يقترحه علماؤها 
ويتفقون عليه من وقت إلى آخر بأنها تفسير رمزيء وأنها القوة المصورة 
للعقل؟» وإذا كان الأمر كذلك فكيف تحقق للأجيال المتعاقبة من الموسيقيين 
والمستمعين المجيدين أن يكونوا تفسيرا يتفقوا عليه للفن الموسيقيء وأن 
يشتركوا معا في وضع مفاهيم محددة يفسرون بها اللغة الموسيقية من 
خلال خبرتهم وذاكرتهم التي شحنت بهذا الفن العظيم؟ 

إنه من الطبيعي والمنطقي أن الموسيقى تعمل فعلها في المشاعر الإنسانية, 
لأن التجاوب العاطفي بينها وبين مستمعيها قائم ولا يقبل المناقشة. والمستمع 
لا يعباً بمناقشة طبيعة تجاوبه الشعوري مع الموسيقى . المهم أنه قائم سواء 
أكان مباشرا أو من فعل الخيال الذي تحركه الموسيقى فيؤدي إلى الشعور 
العاطفي والتجاوب النفسي. 

والحقيقة هي أن المستمعين ينفعلون بشتى الأجواء الشعورية التي تمثلها 
الموسيقى لهم؛ ويصبحون قادرين على نقد العازف الذي تنقصه إمكانيات 
الأداء العاطفي من «دفء» إلى «شاعرية» أو «إحساس» و«عاطفة» و«خيال» 
أو «روح». وفي الواقع لا يخرج الأداء الموسيقي عن كونه ترجمة لفكر المؤلف 
الموضوع في عمله الموسيقي. وهذا الفكر يرتد إلى الخبرات التي حصل 
عليها هذا المؤلف وانعكست على ما أبدعه من أعمالء؛ وأيضاء إلى ما تخيله 
من أفكار ومشاعرء وما ورثه من حضارة ترتبط بنشأته وبيئته وتكوينه. 

وفي هذا المجال يكتب «جون ديوي» عن-الفن من حيث هو تجربة: 

«يتحول العقل البشري ويتشكل ببطء مع المكتسبات التي يستخلصها 
من الظروف المؤثرة فيه ومن الأشياء التي تمده بالمعرفة والسعادة. والشعور 
والوعيء و يتغير دائما وبسرعة لأنه يتكيف في حركة مستمرة مع الخبرة 
المستمدة من الحياة..». 

وتستمد الخبرة والتعليم من التقاء الجديد بالقديم خلال الأجيال 
المتعاقبة.. ومن هذا الاحتكاك يتم تعديل مسار الوعي البشري بحيث يعاد 
تشكيله وتكييفه؛ حتى يترابط الإنسان بالحياة في ترافق يتحقق في صحوات 
متتالية تنير الطريق أمام وعيه. وفي الواقع يكون ذلك مسبوقا بتمهيد 
فكري حضاري.. فعندما تصبح الأشياء القديمة المألوفة جديدة على خبراتنا 


دعوة إلى الموسيقى 


فلا بد للخيال من الانطلاق ليساعد على تسكين هذه الخبرة في عقولناء 
وبعد أن نبدع شيئًا جديدا فإن ما هو بعيد وغريب يصبح مألوفا وطبيعيا. 
فهناك قدر من المغامرة يقدم الإنسان عليها بانتظام وهي التقاء العقل 
بالكون وهذه المغامرة وهذا الالتقاء هو الخيال.. الذي هو محصلة احتياجاته- 
معتقداته-رغباته-طموحه-وتأثيرات تتكامل في كل فرد وتتمثل فضي عصره. 
ولا تخرج هذه المكونات عن خبرات موروثة وأخرى يتذكرها من مترسبات 
عقله الباطن: وكل ذلك يمثل المستودع الذي يستمد منه المؤلف الموسيقي 
مادته التي يبدع بها إنتاجه الفني. أما النسب التي تمتزج بها هذه الخبرات 
فترتبط بشخصيته والرغبات الكامنة فيها. 

ويتشرب الفناح السغيو الذي يششعل ,نوتراك السصتر والبيكة الك 
يتخي إلبها: ويتكون له أسلويه اننيب وكاضن يمد ذللف خردية الفتان لشي 
تيز عن غيره من أبثاء تفن الفصر والبيكة: وده الغردية الغنية هي 
عنصر الشخصية للفنان المبدع المتفوق.. 

عندما يلقي المرء نظرة على الشخصيات الموسيقية المؤثرة في مسار 
الفاريي ويدكق فى قش الآساليب الوسيقية الني ترقيط بمحكلت العصوو 
فإنه يتحقق من أن أساليب الكتابة بل والأداء الموسيقي أيضاء قد مرت 
بتغير أو تطوير يلتصق بظروف كل شخصية موسيقية وكل عصر من هذه 
العصور وما يرتبط بها من مؤثرات اجتماعية وسياسية وبيئية وفكرية. 
وكام عن ذلك كان الآعواف الجمالية 1ك عمل فت عير هذه الشرون 
وخلال مك الاتحسعيةه صبرت والركه من قسلينا بسعيخة الجمال 
كقيمة مجردة يعكسها موضوع العمل الفني بدرجات تتفاوت في القوة 
والوضوح ويتم التعرف عليها من خلال الذات أي أن القيم الجمالية ذات 
طبيقة شخصية بالرقه من انها شيع من اعيال موضوهية: وفي سجال 
تقييم عمل فني موسيقي يقوم أوركسترا بتقديمه لمستمع واحد أو لجمهور 
من المستمعين فإن السؤّال الذي يطرح نفسه هو: 

هل يكمن الجمال في العمل الموسيقي.. أي في الموضوع الفني 5.. أم انه 
ينتج عن عملية الاستماع: أي عن الأذن التي تستقبل5.. 

لقن اهثمت ساكر المدارس القفلسفية يتفسيز اللوضنوعية والزانية هذه 
إلا أن مناهج الفكر الحديثة تفسر الجمال على أنه لا يوجد لا في موضوع 


الأداء والجماليات 


الموسيقى ولا في ذات المستمع, ولكنه قيمة مجردة. أي أن الجمال الذي 
العمل الموسيقي, ويتم التعرف عليه من خلال الاستماع والاستقبال. وعلى 
ذلك فالجمال الموسيقي يشع من الموضوعية والذاتية معا ولا يرتبط بواحدة 

لا بد أن تكون هناك مشاعر روحية وخبرات مشتركة تربط بين المؤلف 
الموسيقي صاحب اللحن:؛ وبين المستمع الذي يتعرف على الجمال الكامن 
قيفووالا فإن فظملة الجال العابكة فى العمل اللرستقى لا مقن حذرقها أن 


تمبمكره] : 

ويقودنا ذلك إلن كين الساخضاس القن تطاتساءفن تضارب ارام التشاد 
الرشيضيرة ام عمل والح فاق التقاع الخبراة العاطقينة والروطية اذ 
الفكرية بين المؤلف والناقد تجعله يتعرف على الجمال الكامن في العمل 
الموسيقي موضوع التقييم» بينما يرفض ناقد آخر نفس العمل و يتهمه 
بالبرود والقبح لسبب واحد هو في الحقيقة عدم الالتقاء بين فكر وحس 
وخبرات المؤلف والناقد (أي المستمع).. فينتج عن ذلك اختفاء للجمال أو 
ضياع له ولذلك يحكم الناقد على العمل بالفشل. أي أن الجمال الفني وفقا 
لهذه النظرية هو نوع من الشرارة المشتركة بين المؤلف والمستمع؛ وهذا هو 
النقد الذاتي أو الشخصي أو الفردي الذي يقبل العمل أو يرفضه بناء على 
الانطباع الشخصي.. 

يقول-فيرنون بليك-فى كتابه «العلاقة فى الفن: « ععلة81 دمسصمع"؟» ممتاماع] 
تنك 0 : 

«الحركة أو التغير تظهر في الفن كملامح رئيسية حتمية الوجود . وهي 
تكون داخلة في تكوينه؛ ولكننا نقف حيالها عاجزين عن إدراك تفاصيلها 
إلا عندما نقارنها بشيء آخر أو ننسبها لشيء آخرء ونجد أن الحركة أو 
التقير الكامن فى العمل القتى هى غنصير العايق والتعادل بين التسب 
والعلاقات الداخلة في التكوين الموسيقي. وعنصر الزمن يرتبط بالحركة 
لآن الحركة في الموسيقى هي حركة في الزمن؛ وفي الفنون الأخرى تكون 
الحركة في المكان كتدئيل على حركة الزمن أيضا.. وتذلك فإن الحركة 
والتتسر كمي فالظا واد لون مقا بلج الطيمة الثكية عبتن 


دعوة إلى الموسيقى 


الذي يكون الزمن فيه هو العنصر الأعمق..». 

يصعب على القلاسفة وعلماء النفسن تحديد الأهداف الحالية لعلم 
الجمال في الموسيقىء إلا أن الأسئلة المطروحة تمثل الأهداف النسبية التي 
يبحث هذا العلم في كيفية الوصول إليها.. ومن هذه الأسئلة.. 

- ما الذي يعبر عنه هذا الزمان؟.. 

- ما أوجه الجمال التي تمليها هذه الحقبة من الزمن؟ 

ستاك هاه الذم] لعاصرها تاقث القرمية والحواهر الشيافية 
والظروف الاجتماعية والاقتصادية: والفكرية.. ؟5 

- ما التغيرات التي يهدف الموسيقيون في هذا العصر إلى أحداثهاة.. 
وكيف يتناولون مشاكلهم5.. وما هي مشاكلهم المؤثرة؟. 

إن المجتمع المعاصر يمر بمرحلة العقلانية في الفنء؛ وتتصارع الروح 
الكلاسيكية التجريدية مع الأساليب الرومنتيكية الذاتية الواهية؛ و يتجه 
الجميع إلى البحث عن مميزات جديدة للفن المعاصر تتحدد بها ممالامحه 
وشخصية: ويشفلهم ذلك عن البحث فى جمال التعبين الغنيء لذنك كان 
الجمال أصبح قيمة تشتمل أيضا على القبح كعنصر مقابل تماما كما 
يتقابل الأسود مع الآبيض والليل مع النهار. ويتناول المؤلف الموسيقي مادته 
الموسيقية في تجارب وبحوث دائمة مع التعبير الجديد المتحيز ضد العاطفة 
والرومنتيكية..ولذلك هن التضسية بالعاظفة والمشاعر ككون هني التشافع 
المحققة, كما أن تفضيل كلاسيكية القرن الثامن عشر حيث الاتزان والاهتمام 
باتمشعة والتفكل االوسيضي سمل تره هؤلاءالوسيقيية كزدر امسر 
والانطلاق غير الملتزم الذي تمثل في روعنتيكية القرن التاسع عشرء وتجعلهم 
يتنكرون لجماليات القرن الماضي التي ربطت بين سائر الفنون وهم الآن 
يحاولون فصل كل فن عن الآخر بعد أن عانت الفنون من الترابط فيما 
بينهاء حيث رسمت الموسيقى اللوحات:؛ وقدم الرسامون الأنغام في لوحاتهم, 
وحاكى المسرح الأصوات الموسيقية وأصبح كل فن يعبر عن عناصر خارجية 
عن مميزاته الرئيسية. ولعل المؤلف الموسيقي الأعظم في هذا العصر«ايجور 
سترافنسكي» قد حدد هذا المفهوم الجديد الذي يتجه إلى استقلال كل فن 
ستاميره ووسائل قبيرم يفين قال ديجب أن تيدف الرسيقى إلى البيين 
عن الموسيقى ذاتهاء فالصمت من أجل الصوت». واتجه إلى كتابة الموسيقى 


234 


الأداء والجماليات 


المجردة الحرة من الارتباطات الخارجية عن ما هو موسيقي في أسلوب من 
الكلاسيكية الجديدة. 

تغيرت وجهات نظر الفنان دائما وأصبح هذا التغيير حركة دائمة سببت 
اختلاف الأساليب الموسيقية وتنوعهاء وأدت إلى تنويع الأهداف الجمالية 
فالإنسان البداكي لم يكن يبحث عن الجمال: لآن هذا لم يكن يشغل باله 
بقدر تحقيق أهدافه واحتياجاته الاجتماعية التي كان عنصر الجمال فيها 
عارضا ومصادفاء ولكن الوعي الجمالي نما عند الإنسان من خلال حبه 
الغريزي للزخرفة والتنسيق واللعب والتقليد ومحاكاة الطبيعة والنقل عن 
الغير. ومن ذلك يتضح لنا أن الإنسان البدائي قد تمكن من المحافظة على 
نوعه وعلى وجوده على المستوى الطبيعيء أما على المستوى النفسي فإن 
حياته الفطرية أدت إلى التعبير التلقائي عن أفكاره ومشاعره وقواه الروحية, 
وأيضا إلى التحكم في خيالاته وأهدافه. والى شعوره إلى حاجة ملحة 
للتعبير عن نفسه من خلال الفن.. 

ازدهر الوعي الجمالي في اليونان القديمة ثم في روماء واضمحل هذا 
الوعي في العصور التي عرفت بالعصور المظلمة 4805 /:22.. أما العصور 
الوسطى فقد اتسمت بالجماعية والعملية: وخلت تماما ما يعرف بالإدراك 
الشخصي للجمالء؛ فقد كان الإتقان والإجادة في الإبداع الفني هو الغاية, 
أما التعبير عن المشاعر والانفعالات الشخصية فلم يكن يراود فكر الفنان. 
ولم تكن الطبيعة كأم للفنون مدرجة في حسابات قنان العصور الوسطى 
عندما يققاول الفن بإحساس جمالي» فقد كان الإعجاب بالفتون وحب 
الناس لها بالغا درجة التقديس والتبجيل لدرجة أن الفنون ارتقت بشكل 
خدم المجتمع ولبى احتياجات الفرد للجمال.. 

كانت فلسفة عصر النهضة في أوروبا هي توظيف الفنء أي جعله شيئا 
جميلا يخدم الإنسان والمجتمع ويتكامل مع مظاهر الحياة. فكانت فكرة 
الفن التشكيلي هي تكوين وظيفة جمالية في المعارض للوحات. فالملعرض 
هو المكان الذي توظف فيه اللوحات وتتكامل مع بعضها ممثلة لفن المجتمع 
والعصر. وكانت وظيفة الفن المعماري هي إبداع واجهات جميلة للمباني في 
طرقات المدينة. كما لم تكن الدراما أدبا مكتوبا أو مقروءا بقدر ما كانت 
وظيفة للأداء الممسرحي الجماهيري الحي.. أما الموسيقىء فكانت وظيفتها 


دعوة إلى الموسيقى 


أيضا هي الأداء الجماهيري الحي في حفلات الصالونات.. 

كما أن عصر النهضة كان له الفضل في حمل مسئولية الفن للزخرفة 
والتجميل في الداخل والخارج بعيدا عن كونه فنا رمزياء وهذا أدى إلى 
خلق أسلوب فني متميز لعصر النهضة نجد فيه الشكل مفروضا على 
المضمون: ونجد أن هذا الشكل أو القالب متشكلا وفقا لشخصية الفنان 
ولفلسفة العصر. وفي عصر النهضة:؛ نجد أن أسلوب الفن أوجد دورا هاما 
للمتفرج والمستمع؛ ومحبي الفنون والنقاد وهذا أدى إلى وجود الفنانين 
الذين وهبوا حياتهم للإبداع الفني مما جعل لهم شخصيات مستقلة لها 
بصماتها على الفن وعلى التاريخ كشخصيات متميزة فردية. وكل ذلك خلق 
ما سمي بالإلهام والموهبة التي تولد مع الفنان.. 

كانت الموسيقى التي أبدعت قبل عام 1600 تنتمي إلى الفن الديني الذي 
أنتجته الكنيسة والذي كان في خدمة طقوس العبادة تماما كفنون التصوير 
والنحت والعمارة التي كانت ضي خدمة «المجد الإلهي». هذا باستثناء الأغاني 
التى كانت شائعة بين أفراد الشعب والتى كانت تعبيرا تلقاتيا عن الناس فى 
حب ليق الدنيوية.. ا ا 

أدى عصر النهضة إلى تطوير الموسيقى الدنيوية وبلورة أهميتها وإخراجها 
من الكنيسة كوسيلة لأداء الطقوس الدينية فحسب, وانتقلت منها إلى المجتمع 
حيث حفلات الصالونات التي كانت فيها الموسيقى تقوم بتعميق الإحساس 
بالشعر في محاولة لإحياء التراث الموسيقي والغنائي اليوناني القديم الذي 
كانت ترتبط فيه فنون الشعر والموسيقى. وهذا ما أدى إلى تطوير وازدهار 
الفن اليوناني القديم بطريقة جمالية ترتبط بظروف العصر. وكان ذلك هو 
نوع الكلاسيكية الجديدة أو عودة إلى الكلاسيكية الأولى التي كانت قد 
بلغت أوج مجدها على يد الإغريق القدماء.. و بعد ذلك تطورت الآلات 
الموسيقية كنتيجة لهذا الاتجاه الجديد الذي اهتم بالصنعة الفنية والإجادة 
في تعميق جذور الفن وتطورت تبعا لذلك قوالب الموسيقى الآلية بعد أن 
كانت موسيقي الكنيسة للصوت البشري بالدرجة الأولى: وكل ذلك أدى 
فيما بعد إلى جماليات العصر الكلاسيكي الذي تبلور بشكل تاريخي هائل 
بعد ذلك في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.. أي ابتداء من عام 
0 وهو العصر الذي شهد أبا السيمفونية العظيم هايدن.. والطفل 


230 


الأداء والجماليات 


المعجزة الخالد موتسارت.. والثوري التاريخي الهائل بتهوفن (في المرحلة 
الكلاسيكية الأولى من حياته) فقد ولد بتهوفن عام 1770 في أوج مجد 
العلاسيكية وفاش حدى علد 1837 عايرا بكاؤسيكية القرق القامن عضن إلى 
الرومتتعية القى امنيا سورض الرسيقى متة فجر القرخ الناسسم عقر 
جاء التحول الجمالي في الموسيقى مع بداية القرن التاسع عشر واعتبر 
هذا التغيير رد فعل للفترة التى جاءت مباشرة يعد هايدن وموتسارت والمرحلة 
الفنية الأولى لبتهوفن. وكان بتهوفن نفسه قد أغلق باب الكلاسيكية وفتح 
أبواب الرومنتيكية.. إذن فقد تحققت بذلك للفنان ذاتيته لأول مرة؛ بعد أن 
أصبح واعيا بشخصيته الفردية المستقلة» وبعد أن نمت فيه الرغبة للتعبير 
عن عواطفه ومشاعره الخاصة: بالإضافة إلى مشاعره تجاه الأفراد الآخرين. 
كذلك كان حنين الفنان إلى الطبيعة قد تفجر بعد حياة الكنيسة بطقوسهاء 
ثم القصور بتقاليدها. فاندفع بحبه للطبيعة يندمج فيها ويعبر عنها ويرسم 
توحاتها باللون والصوت. وبالإضافة إلى ذلك: كان الفن قد ضجر من 
القيود الاجتماعية بتقاليدها الزائفة» فبدأاً يعبر عن التغيير الاجتماعى 
الثوري وعن آرائه في كل ما يرضيه. وفي طريق هذه الثورة الفنية الشاملة: 
تفككت وسائل الربط الدقيق بين الفنون وأصبح كل منها يعبر وفقا لأهواء 
الفنان ذاته كرد فعل للكبت والانغلاق: وكتعبير عن نضج الوعي بالذات 
وبحرية التعبير وحتميته. واتجهت الموسيقى تلقائيا إلى كل ما هو غنائي 
وشاعري وتصويريء وزحف تيار المبالغة والتهويل والاندفاع من الآأدب 
الوؤمتيكى إلى الوسيقي واذى كل الك إلى إبواع ما سني والوسيق ات 
البرنامج أي التي لها موضصوع وصفي أو تصويري أو تعبيري أو روائي. 
وكذلك انبثق نتيجة لذلك التيار القومى فى الموسيقى منذ منتصف القرن 
التاشع عشت سعيرا عن رقباك الجماهير في التعبير عن اتفسهع من خلال 
فنونهم الشعبية التي تمثل ملامح روحهم وترتبط بجذورهم وتنمو من خلالها 
تغمرها الملامح الكلاسيكية.. فقد ركز موسيقاه على البرنامج المرتبط بها 
بطريقة موضوعية ومجردة. أما «ليست» الرومنتيكي القومي المجري,» فقد 
كان ذاتيا ومعبرا عن حالته النفسية أو الحالة النفسية للبرنامج الذي 


227 


دعوة إلى الموسيقى 


يربطه بأعماله.. وقد أدى اتجاه «ليست» إلى التأثيرية الموسيقية التي 
أسسها «ديبوسي» في أواخر القرن.. أما «برليوز» فقد كان واقعيا وأدت 
أفكاره الموسيقية إلى بلورة هذا الفن الواقعي الذي ساد في أواخر القرن 
وغرف أيضا «بالرومنتيكية المتأئخرة». وجاء «فاجئر» يما سمي «بالرومنتيكية 
المثالية المتفوقة» صدداءاصدصدهخ] رءم51 فقد حاول الالتجاء إن الحرية الكاملة 
في التعبير عن أفكاره وفلسفته من خلال مزج الفنون المختلفة, وكتب نظريات 
في جماليات التعبير الموسيقي المثالي جعل فيها الدراما الموسيقية تزواجا 
بين غنون الشعر والموسيقى والدراما والصوت البشري والآلات الموسيقية 
والديكور والإضاءة والحركة المسرحية.. 

شهد القرن التاسع عشر الاعتراف الكامل بالموسيقى والرقص والغناء 
الشعبي المتوارث لشتى الشعوب الأوروبية لأنها الفنون التي تعكس تاريخهم 
وطابع أجناسهم ومشاعرهم الدفينة.. وأصبح ذلك هو الأساس الجمالي 
للفن القومي الأوروبي. 

وفي القرن العشرين: اندمج قطاعا القومية: لم يمثل القطاع الأول كل 
الملامح الشعبية المتوارثة المبنية على الموسيقى الشعبية والشائعة: والمتأثرة 
بعناصر الأدب واللغة بإيقاعاتها وصوتياتها وهي الملامح التي انتقلت إلى 
حياة الشعوب بشكل تلقائي غير مقصود نتيجة للوعي الحضاري والجمالي 
بجذور الشعب وتاريخه ولغته. والقطاع الثاني يمثل العناصر المكونة لروح 
الشعب والتي مرت بالتحليل والمراجعة الواعية.. 

وعندما ننظر إلى الظروف الاجتماعية والسياسية التي تمر بها القارة 
الأوروبية في هذا القرنء فان الاستنتاج الحتمي هو أنها ستترك بصماتها 
على الفن المعاصر وجمالياته في شتى البلاد الأوروبية بل وبلاد العالم التي 
ارتبطت حضاريا بأوروبا. ولقد أصبح شعار «الفن من أجل الفن» متحورا 
وفقا للظروف الاجتماعية والسياسية لبعض البلدان ليصبح الفن من أجل 
الدولة.. وأصبحت الموسيقى وطرق معالجتها والموضوعات المرتبطة بها من 
أغنيات ورقصات وأوبرات و باليهات.. كلها واقعة تحت دكتاتورية الدولة.. 

وجاء «شونبرج» مؤسس اللامقامية؛ وبعد سنوات من إنتاجه المتطرف 
الذي حطم فيه قوانين التعبير الجمالي كتب الاعتراف التاريخي التالي: 

«إني أكافح الآن من أجل تحقيق هدف أسمى أعتقد إني متأكد من 


الأداء والجماليات 


تحقيقه وهو أني أقوم باتباع ما تمليه على نوازعي ومشاعري الدفينة» وهي 
مشاعر ملحة تفوق كل علم وثقافة: وأصبحت أمثل للقوانين التي أراها 
طبيعية بالنسبة لي. فهي لذلك أقوى من خبرتي وعلمي وتدريبي». 

نحن فيش تغصير الاللتعى هام النكيةبق الؤنين واحيانا مسموتة: 
عمسن الجاو ةن الإضبان اعد نس اكدظة والشرة كي الاقة يعجاليات 
إنتاجهاء بل وإيقاع حركتهاء وأصبح يجاريها في حركتها ونبضها في أسلوب 
حياته ومبادئه. وأصبح الإنسان يمجد الآلة في اللوحات والأدب والدراما 
والترقدن واللرببيقي علي السو ابو اماس هيا الأآلة إلى بجا رلة من الفقاق 
المعاصر للاتقان في الشكل وفي صنعة الكتابة الموسيقية؛ فأصبحت موسيقانا 
الآن تتمتع بالذكاء أكثر مما تتضمنه من الهام. و يتضح ذلك في المؤثرات 
الأوركبيترالية الذكية والهارمونياك الكربيةوالآلوان الرسيقية الميزة: 
رشعو الصدين ليقي إلى لكماركطة تناب" مددبنية مصمية باق 
وبراعة, ولم تعد المقامية هي الضرورة الأولى في التعبير العميق عن العواطف 
النبيلة. وتحول التأليف الموسيقي إلى علم التأليف.. بدلا من فن التأليف. 
وهذا ما يلقي الضوع على ماساة الجمائيات الموسيفية المعاصرة. 


23# 


مراجع مضضارة 


.(2,)1954متاتلع لاد يسماظ عترظ نز لعألل8 زمصقا أكن8 01 تتتهدمتاء01[ ؤ'ع01017 - 

610517 ,قمعطمع :5 .1.137.8 :زه لعالل8 :تزع ه[مصطعع1' ع ععمعك5 012 وعتتقصمناء01آ [ممملأمممعامآ-لسناهد5 - 
.(1972) صملدم.آ ذعامة)5 000تكاءم.آ 

.(070)1966)اع لحو طتزه]ظ! دهلدم.آ بأمطاطخ مماتوع] دع تقطن ع 02010[ زعلننا0 عتدد8ة د “تعلط لتتقطء81] - 
.(80015()1971 صوط) ,وعطعن1] عند تكتع0 زوتء05م002) كتامصطة1 ولط - 

.(1.10,)1969 .00 ع تاعنطاع]8 ,دمأعسندهحآ تتعطه0] زعندد/8 01 كا لاع سبنامم][ عط[ - 

.(1974) مآ ,نآ ع8 أوعصيط بممعاع]8 .11 واأعطد ١/1015:‏ ع سنامل/ا عط]' - 

.(2()1972ةالتحصع]/8) بسممصطنآ سمنتلانآ بكتدعلا أقهآ 5“ توأقص كهتاك :ع0105) عط غه عزون]8 - 

.(1963)رووع:2 'جأزواع 'كنصلآ عع710طصسهن) مصاع[ أمعصعظ بتتعمعه11 لمتقطاء 11 01 ع11! عم[ - 

.(1976 لتتةتتتقآط غة ككللها عجزة) بستعامضع8 لتتمصمع.آ دعا تقطن زقطم ناأوعنا0) لمعو سمصت] ع1 

91971 ,امأتلع بلتتقصمع.آ دعاتقطان ع صمكدم.آ ستحل8 بوستطعدع]' عزدن8 2ه رع مامطءئزوط ع1" - 

.(1975) ,20012م.آ ,آنآ ستحتمتنا ع معللخ عع1معء0 ,وعنهلا زعاء2 زعلودا8 اتتتضمعن) لأعتامع 9[ - 
.(1968),دعصتو8 تإممطتصكة :زط .لعنتالع زوععوى عط اعمط تامع تستحاكم] لوعزون8 - 

.51615 له موكاترع 180 :8 .الل8 عأودط/8! 4ه جرماكنط] مدعناءط عط]' - 

(011)1974لا ماع ال-وتع طاو 1[طباط لع للخ بنتدعءك5 ١17211‏ زعذاكن/ط عتممناععا8 01 110111 بعلل عط]” - 
(1213:)1966ط1آ .تمنآ اممستطع نآ ,تعسلوط تعلامم)م قطن زعتك تا مز ممكتمماووع] مم1 - 

.(1971),دمأى سصتلدع]] تعلاممأمقطن) زعنك 8 مترعاوء 11 1ه توره)1115 ىم - 

.7 020023آ :10آ .00 له معتتطاعل8 ,عدهه81 0لمع0 بأمتصهم سمععة امه "تععسصاة - 

.(1962) باع معطاء 111 نزع11/الا بلعأنل8 تمعد تتعطلخ :171701101 21/اع1للع11 عطا صا عزونت8 - 

.(1973),لثتةاطنآ .لالصلآ تامقستطع بالط ,5ع0231آ غ800 صسطول زعزدن8 2ه رع مامطءئزوط عط]' - 

.(80013,)1974 عساط بستعأقصصع8 لتتمدمع.آ زعتمس/8 4ه اعاعه/؟ عأانصقكم][ عط" - 

-.(55,)1952 لاع 11 تاطالخ :متتععم0ن) عناومتد8 ع1 

بعأقتاطط 01 15[م0مطء5 1031 عط 01 80220 لعنداعموقخ عط ,ع001) حصةخ!1/111آ بعادسكا8 1ه سمط عط"]" - 
.(102002,)1961 

ررتعطة" بمعوه8] دع تقطن بعانجاك لوعزوكة01) عط" - 

.(1964),عتتء طتمطاء5 ,ل 1131010 ,لآ مكدع تاطتاط هتنكنا1 ,معطتنا[0 17 2 روطع05م د00 خدع01 عطأ 1ه وع رآ ع0[ - 
تع مناول .1/1 لإعتعم زعتكداط 01 كتعاقة]8 - 

.(1966),عانط 17لا صمعظ ,كامص اكه 5- [2٠70121‏ تع طاتااء كمع امطاعع 8 .1/102 -صل نجه]1- واومء معلتقطء 1" 
.(1963)تعصمع؟]ا مممطط :هئ ب 11كة احص معأدعطء م0 تعنتط رارع مم1 :5تسداعع 18 - 

.(1961 سصناعظ عماتع '؟اعطءممع11) .كارع سسطعطول .213 دعل عنماء تطعوع0 عللدنا)8 جتعماعص] عتمع0 - 

.(1955 1010ع:ه)-صمتاتلع طتسمذلظ-ىاماء5 زعنده8 0غ منصدمحطه0) 01010 عط]' - 


ب2-12000هغتلعء 1015 .2هدمتطمط]” مدء5و0 بمصداع 1كن]/8ة مضه عأكن8 02 متلعمم1ءزن) لقصم له متعام] عط" - 


24 


دعوة إلى الموسيقى 


.(20)1975ع116 

(11010502.)1974 له دعتصفط] -ممغصلما صطام1 .نز لمعتل زعتكب/8 وتتفمعن) لطأعنامع 11" 01 اتكتقصم عاد[ - 
.(1955)ووعاعء2 دمناتل8 ,عقتطع [قط210 ع7 نماقم] :5دتتهضاك- ماع88 - 

.(1710110)1963 لصة ععد8 تتنامعمة11-ائزط لصة لاعهعات] زعانؤاد لمعتدد8 سه عتكسا8 2ه نوره)815 خم - 
.(101602()1941]) تسمحصاء8 010 مه عصمآ 'ختصعآط] ابتدط زعتكد]8 1ه تكتماولط امترماأعتط لم - 
.(1970).ع10 ممأكصة/الا لصه ختمطعصن8] ,1101 دو8 صملا .11 210دهئآ زعانواد عنددطا8 1ه ععماتع] ع1" - 
.(1978) تمخستطءغنآ] -لاءل0210 صطامل زعزدن]8 لهتعتلء81 - 

.(1974) عاوهظ8 عاعع ناو 11 زعزد دادع اسن 01 111ه7ما - 

.(1945) 105منتنةآ .لتتدضمع.آ 'تدامطاصكخ لتقطاء1ن] زعتدنت81 01 تسدعهاك عط" - 

.110نآ قده5 لصة تنهذاع]8 مقصمط]' (1948)دع تنآ 11721010 بعتاكد8 1ه أتساوروعط عط" - 
.(1972)ووع:]2 عع] ,تععامن) ده1115آ بعصتصدعء81 سه عزدن8 - 

.(179)1975ة1طآ ,نملا مممسصتطعغن1] دنآ ممأكتساطا!' زعتكم/8 01 ممتماع معام[ عط]' - 
.(502.)1962تعبامعة1/! ختةنتاعا5 زعنقن1! صا ممع - 

.(1.)1973عطة1 .عع طصعمطاد 101مث ندمتغزوهمحطهن) لدعنكنه]8 01 كلمأامعتسملصيظ - 
.(1973)تعطنه-عسصبمره] اعد 1ل لصه ل1امصعخ كتدعم :زط لعتتلءع بامتصةمحدمن) مع امطاعع8 ع1" - 
.(105.)1971 لإمتتدطا وعصول زععلع201:1ك]1 لدع ذزون]8 05 عآمهطالصةآ]] لخ - 

.(2)1976ةالتسعد]ة دهدنا' سملخ :ترط غتلءع ,مدع لسك تزلنسط نمع تمطاعء8 06 وتعلاع.] لعاععاء5 - 
.(1948)ء:5وعصمط طعاع 1 1111لا زط لعاتلء بأعترظ و نتته1102 - 

.(1969)عنط'1ا ممع ظدع سناملا زعنعط يوامس ا حكومه - 

.(1964)عناعة:ظ-15ط01 زعنقنط/8 علة51017 مه طاععء02) 01 عصنا أن 0 سخ - 

.(ممتاتلءع طتكجاوعتاععخ1 . /1آ زع سناع 0م00 م0 جتعمعة1آ - 


242 


المؤلف في سطور: 

يوسف السيسي 
* ولد بالمنوفية عام 1935. 

* تخرج عام 1956 في كل من: المعهد العالي للموسيقى المسرحية.. 
وقسم الأدب الإنجليزي بكلية الآداب-جامعة القاهرة. 

* أتم دراساته بأكاديمية الموسيقى والفنون المسرحية بفيينا عام ١965‏ 
في كل من: التأليف الموسيقي؛ وقيادة الأوركسترا وحصل بأعلى التقديرات 
على شهادتين في «النضوج الفني» كما درس بالأكاديمية الصيفية العالمية 
بئنيس عامى 1963 و 1964 وحصل على شهادة إنهاء الدراسة فى قيادة 
الأوركسكرا أيضاء 1 

* عين قائدا لأوركسترا القاهرة السيمفونيء وقدم منّات الحفلات 
الموسيقية وعروض الأوبرا والباليه بالقاهرة ومن مدن مصر منذ عام ١965‏ 
وحتى الآن. 

* قاد الأوركسترات 
الأوروبية الأولى في: النمسا 
وفرنسا وإيطاليا وألمانيا 
(بشطريها) وبولندا و بلغاريا. 

* عمل أستاذا زاكرا 
بمعاهد مصر الموسيقية في 
علوم التأليف الموسيقي. 
وه يكلية التربية الموسيقية- 
معهد الكنسرقتوار-المعهد 
العالي للموسيقى العربية. 

هك محاضرا فى 








الثقافة الوسيقية باتجامعة فكرة القانون 
الأمريكية بالقاهرة وقدم ددا دينيس لويد 
مثات البرامع الموسيقية ترجمة: سليم الصوي 


بالإذاعة والتلفزيون بمصر 


مراجعة: سليم بسيسو 


215 


* كتب مئات الأغاني العلمية للأطفالء والموسيقى التصويرية للإذاعة 
المصرية؛ والتلفزيون المصري والأمريكي. كما نشر مقالات عديدة بالصحف 
والمجلات بمصر والكويت. 

* عمل رتيسا لقطاع الموسيقى والأوبرا بوزارة الثقافة بالقاهرة. 

* عمل أستاذا ورئيسا لقسم التأليف بالمعهد العالي للفنون الموسيقية 
بالكويت. 


211